حرب النقاب و ... النكوص على الأعقاب !!
يظن البعض أن قضية النقاب هي قضية الأمة الكبرى الوحيدة أو أن التيار الإسلامي لا يعرف من أصول الإسلام إلا مظاهره الشكلية كالنقاب و اللحية و تقصير الثياب فهذا خطأ فادح و فهم منكوس لقضية الرمز و التمايز التي يُأصل لها الإسلام ...
إن الإسلام يزرع في المسلم مبدأ مفاصلة الواقع الجاهلي كليا بما فيها التمايز في مظاهر الحياة العامة كالملبس و المشرب و حتى طريقة النوم و القصد من هذا أن يتمايز المسلم تماما في المجتمعات الغير إسلامية فيشعر بعزته و تفرده فلا بوجد أدنى تشابه بين حياة المسلم و حياة غيره إنما هي المفاصلة التامة ، لذا اختار الله سبحانه و تعالى خير الصفات و أكرمها لرفعة المسلم بين البشرية فكانت سنن الفطرة التي ينتقص البعض من قدرها جهلا بمكانتها و مدى أهميتها .....
إن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان حريصا على تأكيد مبدأ التمايز لذا وُجد هذا الحرص في تاريخ الأمة الإسلامية و أدبيات و علوم كبار الأئمة من تعظيم الهدي الظاهر و المبالغة في التمسك بها مقتفين بذلك صراط أهل الحق المستبصرين مخالفين في هذا مسلك أهل الجحيم ...
إن النقاب ليس مجرد عادة فنصوص الشرع قد أثبتت بما لا يدع مجال للشك شرعيته و إن اختلفت الأمة في فرضيته لذا فإن محاولة البعض التشكيك في مشروعية النقاب أشبه بلهو الأطفال حين يظنون بأنفسهم الضعيفة القدرة على حجب ضوء الشمس فلا يُعرف إمام معتبر قد خالف في مشروعيته إنما الخلاف في فرضيته و هذه مسألة كبرى ليس مجالها هنا ..
و حرب النقاب قد فضحت العديد من الوجوه التي طالما تسربلت كذبا و زورا خلف غطاء شفاف غير ساتر يفضح العورة و يكشف المستور ، فلقد كشفت الأزمة أدعياء حقوق الإنسان و المرأة طابور العمالة الخامس الذي ما فتىء طعنا في الإسلام و أهله و الذي ملأ الدنيا ضجيجا في حملته المسعورة للدفاع عن حرية الإباحية و العري و الإختلاط بينما خنس في موقف أقل ما يوصف به في أعرافهم البالية ( حرية شخصية ) ثم إن هؤلاء السفلة لم يكتفوا بهذا بل فتحوا جرائدهم الصفراء و مجالاتهم العاهرة للطعن في لباس الحياء واصفين إياه بالزي ( الخبيث ) و الله المستعان على ما يصفون ، و ما كان لهؤلاء أن يعلوا و يرتفعوا لو تقاعس المخلصين و نكوص أهل الحق إلا ما رحم الله ..
كما أن الأزمة قد كشفت خبث ما يسمى بالإسلام ( الليبرالي ) الذي يتولى كبره الأدعياء ( الدعاة ) الجدد و قد بدأ يتكشف للعيان أن هذه الدعوة إنما هي إسلام بديل لا يحوي في طياته إلا العبادات الظاهرة و باقي الإسلام قشور من الممكن أن نهملها بدعوى التعايش مع الأخر و ما يسمى بالمذهب الإنساني الجديد و للآسف فإن هذا التيار العلماني المتسربل زورا بالإسلام قد وجد من يسانده من أبناء المدرسة العقلية التي أسسها محمد عبده في واقعنا المعاصر و تسلق أكتافها الماكر قاسم أمين ثم ها هي التجربة مرة اخرى في صورة عصرية اختلفت الوجوه و تشابهت القلوب و لقد أعلنها ( معز مسعود ) صراحة حين قال : إن الفتاة الملتزمة أخلاقيا و دينيا و إن كانت غير محجبة فإنه يعُدها محجبة بنسبة 90 % !! ..
ثم إن أزمة النقاب قد أظهرت ضعفا و خللا في صفوف التيار السلفي و هو المقصود بهذه المعركة فمعلوم أن التيار السلفي هو حامل راية الاعتصام بالكتاب و السنة و الأشد حرصا بين التيارات الإسلامية على التزام الهدي الظاهر و التزام مبدأ التمايز و المفاصلة و قد كرس لهذا الثبات رموز الدعوة السلفية التاريخية و أئمتها كالإمام أحمد و ابن تيمية و محمد بن عبد الوهاب و غيرهم من رموز الأمة عموما فتيار الدعوة السلفية على وجه الخصوص كان و مازال المنافح عن السنة النبوية الحافظ لمعين التراث الإسلامي الأصيل.
و معلوم أن حجاب المرأة المسلمة له مكانة في قلوب أبناء هذا التيار فالحرب على النقاب المقصود منه هز الصف و إظهار الخلل في منهج التربية الحالي و الذي ابتعد كثيرا عن الواقع و حلق في فلك المنابر و الفضائيات فأصبحت الشعارات الرنانة هي الغاية لا الوسيلة إلا ما رحم الله ..
إننا في حاجة ماسة لفهم قضية النقاب فهي ليست مجرد مسألة فقهية مختلف عليها بل هي رمزية يراد هدمها في سبيل هدم رمزيات أخرى كثيرة و استبدالها مع مرور الوقت بالإسلام الليبرالي و هذا ما يقوم به الأدعياء الجدد كمصطفى حسني في برنامجه المشبوه ( خدعوك فقالوا ) .
إنهم سيحصرون الإسلام في العبادات و الأخلقيات زاعمين أن هذا هو اللب و ما دونه قشور ، الكارثة أن ما دونه ليس النقاب و اللحية فقط كما يظن السذج إنما يشمل حكم الله و قضايا الولاء و أحكام اهل الذمة و هم يستبدلون كل هذا بمفردات جديدة كالمواطنة و التعايش ..
حرب النقاب بداية حقيقة لمعركة شرسة للإطاحة بكل رمزيات التيار السلفي و من ثمَّ الإجهاز على التيار السلفي و استبداله بتيار الليبرالية الإسلامية مدعماً بنمذاج مشوهة سلفية المظهر علمانية الباطن و الأمور تمضي على قدم و ساق للتخلص من التيار السلفي التقليدي المحافظ و إستبداله بالسلفية التنويرية و هي دعوة لا تحمل إلا المظهر الخارجي فقط لهذه الدعوة المباركة العملاقة .
يا دعاة التيار السلفي إنها معركتكم فاثبتوا ، فالأمة في حاجة ماسة لرموز عملاقة لا تخشى في الله لومة لائم و اذكروا عاقبة الثبات و ثواب التضحيات إنها الرفعة في الدنيا و الجنة في الأخرة فالحدث جلل و أعناق شباب و فتيات الأمة قد ارتفعت تطالع السماء بحثا عن رموز شامخة تناطح الجبال و تعانق الجوزاء إنكم أمل الأمة إنكم فرسان الميدان فلا تتراجعوا اصبروا و صابروا إن سنن الله في استبدال المخذلين و المتخذالين لن تحابي أحد و الصلاح ليس مفتاح النصر و الاستعمال إنما الإصلاح هو ضمان عدم الاستبدال ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)[هود:117] ، فلا قيمة لعبد صالح في نفسه غير مصلح لغيره و لا قيمة لدعوة خاوية من الفعل ، إنما تحيا الكلمات بالأفعال و ترتوي شجرة الثبات بدماء التضحية و البذل فتنتصر الأمة .
يا أخواتنا الكريمات إنه يوم الكرامة و العزة إنه اختبار ثبات و إباء لا تلتفن إلى تخاذل المتخاذلين و لا قلة مروءة أعدائكن إنهم يستشيطون غضبا و يتقلبون على فرش من الغل و الحسد لهذا المظهر النبيل و هذا الحجاب الجليل فاثبتن بارك الله فيكن و تذكرن أن العاقبة للمتقين و أن النصر مع الصبر و أن مفتاح الصبر معرفة قدر من تصبرن لأجله فالله غالب على أمره و أعداء الأمة الجلهة الخبثاء إنما يحاربون الله فما بالكن بلئيم خبيث خصمه هو فالق الحب و خالق السموات و الأرض (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)
[ المجادلة_ 21] .
[ المجادلة_ 21] .
يا شباب الأمة انتهوا و لا تنخدعوا فما أحداث الجزائر عنكم ببعيد ( حيث طالبت الحكومة الشباب بحلق اللحى و النساء بخلع الخمار من أجل التصوير للسفر ) و الحملة الشرسة التي يقودها التيار العلماني قد بدأت بالهدي الظاهر في طريقها للقضاء على كل مظاهر الدين إفهم يبغونها عوجا و غدا تطال المعركة كل الثوابت و سوف نجد أنفسنا نبكي بكاء حار و قد علا صارخنا ( أكلت يوم أكل نقاب العفة ) ...
تعليق