لله درك يا سيد ... أوجعتهم حيا و ميتا !!
في زمن تخاذل فيه الرجال و تهاوت فيه القيم و غُيبت فيه الحقيقة و ترجل فيه الفرسان و خلت ساحة القتال و نكست رايات الإيمان و علت راية الشيطان و صار الحليم حيران و ظن الجميع ان ظلام الليل لن ينقضي و أن شعاع الفجر قد صار حلما بعيد المنال ،في وسط هذه الأمواج المتلاطمة و الفتن المتلاحقة نبت الأمل من قلب اليأس و خرج النور من قلب الظلام و صرخ منادي الحق داخل جدران الطغيان ، جاء رجل فذ عبقري الفكر قوي الحجة حاد البصيرة تسامت روحه و تعالت نفسه عن شهوات الدنيا و عاش في رحاب القرآن ينهل منه و يستقي الحكمة من كلمات رب البشر فانطلقت يداه تخط كلمات نورانية بحروف ذهبية أضاءت ظلمات الجهل و بددت أوهام الخوف و اخترقت حاجز الصمت فكان الظلال أشد على الجاهلية من دوي المدافع .
صرخ الجاهليون في كل مكان أوقفوا الرجل اقتلوه اعدموه لا تتركوه فإنكم إن تتركوه يكشف سؤتنا و يظهر عورتنا و يهدم هيبتنا ، سبحان الله ... رغم أنه بين أيديهم يعيش في سجونهم يصبون عليه العذاب صبا و يكيدون له كيدا رغم هذا كله أرعبهم و أقلق مضجعهم و سفه أحلامهم و هتك سترهم فما طاب لهم العيش و أنفاس الرجل تتردد في صدره ، فأصاب الرعب و القلق زعيمهم الملهم - كما كانوا يزعمون - « وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ » ، فقرر هذا القزم الجبان أن يتخلص من سيد قطب فدبر له مؤامرة هزلية و محكمة صورية أحكامها مسبقة و عدالتها ساقطة و العجب كل العجب أن يكون القاضي خائن جبان و المتهم أشجع الفرسان !!
ارتفعت روح سيد قطب إلى السماء مع النبيين و الصديقين و الشهداء بإذن الله - نحسبه كذلك و لا نزكيه على الله - و ظن الجاهليون أن الأمر قد استتب و أن الموت قد غيب الرجل ، فإذا به يطاردهم حيا و ميتا و إذا كتبه قد صارت فكرا و حركة و نورا و بصيرة و علما و فهما اعتنقها العشرات و صار على دربها المئات و أتباعه يقارعون الجاهلية في كل مكان يسددون لها الضربات الموجعة و يسقطونها في ميادين الفكر و الحركة .
لم يكن سيد ملهما و لا معصوما كان بشرا أخطا و أصاب و اقترب و ابتعد لكنه في المحصلة تميز و ارتقى ، لم ينظر لمعركة الإسلام من أبراج عاجية و لم يكتب كلماته على فرش وثيرة مخملية و لم يجلس في بيته يرتشف الشاي و القهوة ليكتب و ينظر من خلف مكتبه ، بل ذاق طعم الظلم و عاش بالقرآن يواجه ظلام الجاهلية فقرأ القرآن قرآة المعايش الواعي للكلمات الربانية المستشعر للغة الخطاب الإلهاية فتشربتها روحها و امتزجت بها نفسه و جرى بها قلمه فكان فارسا مغوارا لا مثيل له في ميدان الفكر و الحركة و صارت كلماته طلقات مباركة أسقطت الطغاة و جندلت العملاء ، فكان الظلال كتابا ينبض بالحياة و يشع نورا لكل من أرد أن يسلك الطريق .
وو اليوم لا زال سيد يوجعهم يقلق مضاجعهم مما دفعهم لتسليط حثالة البشر أدعياء العلم و الفهم يتقعرون و يتعنتون في تفسير كلمات الرجل ويبذلون قصارى جهدهم لتحريفها عن مواضعها بغية إسقاطه و تشويه منهجه ظلما و عدوانا، لكن كما قال الأولون ( انقلب السحر على الساحر ) فكلما طعنوا في الرجل زاد قدره و علا نجمه.
فلله درك يا سيد ...... فلقد أوجعتهم حيا و ميتا !! .
تعليق