عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((غطُّوا الإناء، وأَوْكُوا السِّقاء؛ فإن في السَّنة ليلةً ينزل فيها وباء لا يمرُّ بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وِكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء))؛ [مسلم].
وعن جابر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((غطُّوا الإناء، وأوكوا السِّقاء، وأغلِقوا الباب، وأطْفِئوا السراج؛ فإن الشيطان لا يحُلُّ سِقاءً، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناءً، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يَعرِض على إنائه عودًا، ويذكر اسم الله، فليفعل، فإن الفُوَيْسِقَةَ تُضرِم على أهل البيت بيتَهم))؛ [مسلم].
وعن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كان جُنحُ الليل - أو أمسيتُم - فكفُّوا صِبيانكم؛ فإن الشيطان ينتشر حينئذٍ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلُّوهم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا، وأَوْكُوا قِرَبَكم، واذكروا اسم الله، وخمِّروا آنيتكم واذكروا اسم الله، ولو أن تَعرُضوا عليها شيئًا، وأطفِئوا مصابيحكم)).
وعند البخاري من حديث جابر رضي الله عنه أيضًا: ((وأوكوا قِرَبَكم، واذكروا اسم الله، وخِّمروا آنيتكم، واذكروا اسم الله، ولو أن تَعْرُضوا عليها شيئًا)).
كان النبي صلى الله عليه وسلم يُنبِّه على أمور السلامة العامة التي تمنع ضررًا، أو تجلب نفعًا؛ فلم تكن وصايا النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الآخرة فقط، بل كان صلى الله عليه وسلم يجمع لأُمَّتِهِ خيري الدنيا والآخرة.
(غطوا الإناء) بوضع غطاء على كل إناء فيه طعام أو شراب، وفي رواية (غطوا)، ورواية (أكْفِئوا الإناء)؛ أي: اقلِبُوه، ولا تتركوه لِلَعْقِ الشيطان، ولَحْسِ الهَوَامِّ وذوات الأقذار، والمراد: أكفئوه إن كان فارغًا، أو خمِّروه إن كان فيه شيء، والأمر للندب لا سيما في الليل.
فالأمر النبوي: (غطوا الإناء)، الإناء هنا قد جاء مُفسَّرًا في روايات أخرى بأن المقصود منه ما فيه من الطعام والشراب؛ فعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أطفئوا المصابيح إذا رقدتم، وغلِّقوا الأبواب، وأوكوا الأسقِيَة، وخمِّروا الطعام والشراب - وأحسبه قال - ولو بعودٍ تَعرِضه عليه))؛ [البخاري].
لكن ورد في لفظ لمسلم: ((لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وِكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء))، وهذا قد يشمل – بظاهره - الإناء الفارغ، أيضًا.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: "يظهر أن المراد من تخمير الإناء أن فيه شيئًا، ويشهد له رواية همام وعطاء، عن جابر في حديث ذكره: ((خمِّروا الطعام والشراب))، قال همام: وأحسبه: ((ولو بعود))؛ [أخرجه البخاري]، فإنه سيأتي التعليل بنزول وباء في ليلة في السنة، وأنه لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وِكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء، فإذا كان هذا هو العلة فلا يختص ذلك بإناء فيه شيء، فقد يكون نزول الوباء في الإناء الفارغ مُضرًّا عند استعمال شيء يكون بعد ذلك فيه..."؛ [انتهى].
وقد ورد حديث جابر عند مسلم أيضًا بلفظ: عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث غير أنه قال: ((وأكفئوا الإناء، أو خمِّروا الإناء)).
قال الباجي رحمه الله: "وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأكفئوا الإناء)) معناه اقلِبوه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أو خمروا الإناء)) يحتمل أن يكون شكًّا من الراوي، والأظهر: أنه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وأن معناه: أكفئوه إن كان فارغًا، أو خمروه إن كان فيه شيء؛ فإن ذلك يمنع الشيطان أن يتناول شيئًا مما في المملوء، أو يتبع شيئًا مما في الفارغ من بقية، أو رائحة"؛ [انتهى].
وعلى كل حال: فالأحوط في الإناء الفارغ أن يُغطَّى، ولا مشقة في ذلك.
ولو تُرِكَ مكشوفًا من غير غطاء، فغسلُه أحسن، إن أمكن.
وإذا لم يفعل شيئًا من ذلك، فقد سبق أنه لا يحرُم الانتفاع بما يُوضَع فيه بعد ذلك من طعام أو شراب، بل ولا يُكرَه أيضًا.
((وأوكوا السِّقاء)) من الإيكاء؛ وهو: الشد والربط، والوِكاء: هو ما يُشَدُّ به فم القِربة، والمراد بالسقاء: ما يُوضَع فيه الماء أو اللبن ونحو ذلك؛ وذلك من أجل أن في السنة ليلةً - أو يومًا - ينزل فيها وباء، وهو المرض، وهذا المرض لا يمر بإناء مكشوف ليس عليه غطاء، أو سقاء مفتوح ليس عليه رباط يربطه، إلا نزل فيهما وأصابهما هذا المرض بقليل أو بكثير.
مع ذكر اسم الله في هذه الخصلة وما قبلها وما بعدها من الخِصال، فاسم الله هو السور الطويل العريض، والحِجاب الغليظ المنيع من كل سوء؛ ففيه جملة من أنواع الآداب الجامعة، وجماعها تسمية الله في كل فِعْلٍ وحركة وسكون؛ لتحصل السلامة من الآفات الدنيوية والأُخْرَوِيَّة.
روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها تقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشربوا إلا فيما أُوكِئ عليه))؛ [حسن لغيره].
((وأغلِقوا الباب))، وفي حديث عطاء عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما رفعه قال: ((خمِّروا الآنية، وأوْكُوا الأسقية، وأجِيفُوا الأبواب، واكْفِتُوا صِبيانكم عند العشاء؛ فإن للجن انتشارًا وخطفةً)).
((وأطفئوا السراج))، وفي الصحيح عن عطاء عن جابر: ((أطفئوا المصابيح إذا رقدتم، وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله)).
وقد روى مسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: احترق بيتٌ على أهله بالمدينة من الليل، فلما حُدِّث رسول الله صلى الله عليه وسلم بشأنهم قال: ((إن هذه النار إنما هي عدوٌّ لكم، فإذا نِمْتُم، فأطفئوها عنكم)).
((فإن الشيطان)) هو هنا للجنس أي الشياطين، ((لا يحُلُّ سقاءً، ولا يفتح بابًا، ولا يكشف إناءً)) ذُكِرَ اسم الله عليه.
وفي هذا دلالة أخرى على أن هناك علة أخرى من تغطية الأواني؛ وهي أن الشـيطان حريص على إفساد طعام الإنسان، واستحلاله.
يريد أن للشيطان مضرة ومشاركة فيما يُختزَن ويكون في الوعاء، وأن الاحتراز منه يكون بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
((واذكروا اسم الله))؛ فإن الشيطان لا يفتح بابًا مغلقًا؛ أي: لا يقدر على ذلك؛ لأن اسم الله تعالى هو الغلق الحقيقي.
ولأحمدَ من حديث أبي أمامة: (فإنهم) أي: الشياطين، (لم يُؤذَن لهم في التسوُّرِ)؛ [صحيح]؛ أي: لم يجعل الله لهم قدرة ذلك التسلق، إذا ذُكِرَ اسم الله عند كل ما ذُكِرَ؛ فإنه السر الدافع، والأمر إرشادي، وقيل: ندبي، ومقتضاه أنه يتمكَّن من كل ذلك إذا لم يذكر اسم الله.
وقد تردد ابن دقيق العيد في ذلك فقال: "يحتمل أن يوجَّه قوله: ((فإن الشيطان لا يفتح)) على عمومه، ويحتمل أن يخص بما ذكر اسم الله عليه، ويحتمل أن المنع لأمرٍ مُتعلِّق بجسمه، ويحتمل أنه لمانع من الله بأمر خارج عن جسمه.
قال: والحديث يدل على منع دخول الشيطان الخارج، فأما الشيطان الذي كان داخلًا، فلا يدل الخبر على خروجه، فيكون ذلك لتخفيف المفسدة لا دفعها، ويحتمل أن التسمية عند الإغلاق تقتضي طرد من في البيت من الشياطين، وعلى هذا فينبغي أن تكون التسمية من ابتداء الإغلاق إلى تمامه، واستنبط منه بعضهم مشروعية غلق الفم عند التثاؤب؛ لدخوله في عموم الأبواب مجازًا"؛ [انتهى].
وقال ابن العربي: "هذا من القدرة التي لا يؤمن بها إلا الموحِّدة؛ وهو أن يكون الشيطان يتصرف في الأمور الغريبة العجيبة، ويتولج في المسام الضيقة، فتُعجزه الذكرى عن حلِّ الغلق والوِكاء، وعن التولُّج من سائر الأبواب والمنافذ".
((فإن لم يجد أحدكم إلا أن يَعْرُض على إنائه عودًا))؛ أي: ينصبه عليه بالعرض، إن كان الإناء مربعًا، فإن كان مدورًا، فكله عرض.
((ويذكر اسم الله، فليفعل))، ولا يتركه.
قال في «شرح كتاب غاية البيان شرح ابن رسلان»: وقد عمِل بعضهم بالسنة في التغطية بعودٍ، فأصبح وأفعى ملتفَّة على العود، ولم تنزل في الإناء، ولكن لا يعرض العود على الإناء إلا مع ذكر اسم الله؛ فإن السر الدافع هو اسم الله تعالى مع صدق النية.
وفي الحديث دلالة على أهمية الحفاظ على هذه السنة، حتى أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أدنى الأمور لحفظ الإناء، بأن: من لم يجد ما يغطي به إناءه أن يعرض على إنائه شيئًا ولو عودًا.
((فإن الفويسقة))؛ أي: الفأرة، سمَّاها فويسقة؛ لوجود معنى الفسق فيها؛ وهو الخروج عن الطاعة، والتصغير للتحقير، ((تُضرم)) تُوقِد ((على أهل البيت بيتهم))؛ أي: تُحرقه سريعًا، وأضرم النار: أوقدها.
قال المهلب: وأما إطفاء السراج فقد بيَّنه من أجل الفويسقة - وهي الفأرة - فإنها تُضرم على الناس بيوتهم.
وقال في حديث جابر: ((وإن الفويسقة ربما جرت الفتيلة، فأحرقت أهل البيت))، ورُوِيَ عن ابن عباس رضي الله عنهما: ((جاءت فأرةٌ، فجرَّتِ الفتيلة، فألقتها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم على الخمرة التي كان قاعدًا عليها، فأحرقت منها مثل موضع الدرهم، فقال صلى الله عليه وسلم: إذا نِمْتُم فأطفئوا سرجكم؛ فإن الشيطان يدل هذه ومثلها على هذا؛ فتُحرقكم)).
وروى الطحاوي عن يزيد بن أبي نعيم أنه سأل أبا سعيد الخدري: لِمَ سُمِّيت الفأرة الفويسقةَ؟ قال: ((استيقظ النبي ذات ليلة، وقد أخذت فأرة فتيلةً؛ لتُحرِقَ عليه البيت، فقام إليها وقتلها، وأحلَّ قتلها للحلال والمحرم)).
ففي هذا بيان سبب الأمر بالإطفاء، والسبب الحامل للفأرة على جر الفتيلة وهو الشيطان، فيستعين - وهو عدو الإنسان - بعدوٍّ آخر؛ وهي النار.
والأوامر المذكورة للإرشاد إلى المصلحة الدنيوية والاستحباب، خصوصًا من ينوي بفعلها الامتثال.
وفيه: الأخذ بالأسباب مع التوكل الكامل على الله تعالى.
وفيه: أن من امتثل لهذه النصيحة، سَلِمَ من الضرر بحول الله وقوته؛ وفائدة ذلك من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن في السنة ليلةً ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء أو سِقاءٌ، ليس عليه وِكاء، إلا نزل فيه من ذلك الوباء.
ثانيها: أن الشيطان لا يحُلُّ سقاء ولا يكشف إناء.
ثالثها: صيانتها من النجاسة والمقذرات ونحوها من الحشرات والهَوَامِّ (كل ما له سُمٌّ يقتُل).
قال النووي رحمه الله في «شرح صحيح مسلم»: "وذكر العلماء للأمر بالتغطية فوائدَ؛ منها الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث؛ وهما: صيانته من الشيطان؛ فإن الشيطان لا يكشف غطاءً، ولا يحل سقاء، وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة، والفائدة الثالثة: صيانته من النجاسة والمقذرات، والرابعة: صيانته من الحشرات والهوام، فربما وقع شيء منها فيه، فشربه وهو غافل، أو في الليل؛ فيتضرر به، والله أعلم"؛ [انتهى].
وهذا الحديث مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم، وقد عرَفه مَن عرَفه من عقلاء الناس بالتجرِبة.
قال الليث بن سعد أحد رواة الحديث: "الأعاجم عندنا يتَّقون تلك الليلة في السنة في كانون الأول منها".
وصحَّ عنه أنه أمَرَ بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عودًا، وفي عرض العود عليه من الحكمة أنه لا ينسى تخميره، بل يعتاده حتى بالعود.
وفيه أنه ربما أراد الدبيب أن يسقط فيه، فيمر على العود، فيكون العود جسرًا له يمنعه من السقوط فيه.
وصحَّ عنه أنه أمر عند إيكاء الإناء بذكر اسم الله؛ فإن ذكر اسم الله عند تخمير الإناء يطرد عنه الشيطان، وإيكاؤه يطرد عنه الهوامَّ؛ ولذلك أمر بذكر اسم الله في هذين الموضعين لهذين المعنيين.
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله في «المفهم شرح صحيح مسلم»: "قوله: ((غطوا الإناء، وأوكوا السقاء))؛ جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة الدنيوية؛ كقوله تعالى: ﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾ [البقرة: 282]، وليس الأمر الذي قُصِد به الإيجاب، وغايته أن يكون من باب الندب، بل قد جعله كثير من الأصوليين قسمًا منفردًا بنفسه عن الوجوب والندب"؛ [انتهى].
إذا نسِيَ المسلم الإناءَ بدون غطاء، فإنه يستعمل ما فيه من طعام أو شراب ولا يرميه، وهذا ما يشير إليه حديث جابر؛ قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستسقى، فقال رجل: يا رسول الله، ألا نسقيك نبيذًا؟ فقال: بلى، قال: فخرج الرجل يسعى، فجاء بقدح فيه نبيذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألَا خمَّرته، ولو تعرض عليه عودًا، قال: فشرِب))؛ [مسلم].
قال أبو العباس القرطبي رحمه الله تعالى: "وشُرْبُه صلى الله عليه وسلم من الإناء الذي لم يخمَّر دليلٌ على أن ما بات غير مخمر، ولا مُغطًّى، أنه لا يحرُم شربه، ولا يُكره".
ولأن السُّنَّة لم تأمر إلا بتغطية الأواني؛ قال أبو داود رحمه الله تعالى: "قلت لأحمد: الماء المكشوف يُتوضَّأ منه؟ قال: إنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يغطَّى - يعني: الإناء - لم يقل: لا يُتوضَّأ به"؛ [انتهى].
لكن روى أبو بكر الأثرم قال: سمعت أحمد بن حنبل، سُئِل عن الرجل يضع الوضوء بالليل غير مخمر، فقال: لا يعجبني إلا أن يُخمَّر؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((خمِّروا الآنية)).
فالذي ينبغي للمسلم أن يتوكل على الله تعالى، ويتناول ما في الإناء، ولا يرميه لأجل الشك.
وينبغي أيضًا أن يواظب على أدعية الصباح والمساء، فهي حصن له من كل ما يضر في الدين والدنيا؛ ومن ذلك عن أبان بن عثمان، قال: سمعت عثمان بن عفان يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم؛ ثلاث مرات، لم يضره شيء))؛ [الترمذي، وأبو داود].
كون إناء الطعام والشراب في بيت مغلق، فإن ذلك لا يكفي كما أشارت إلى ذلك السنة، فإن من شأن الآنية، وما فيها من الطعام والشراب: أن يكون في بيت له سقف وباب، ولا يكون في الشارع، أو المكان العَرَاء.
وقد جاء الأمر بتغطية الآنية مع غلق الباب في نص واحد، مما يدل على أن غلق الباب وحده لا يكفي: ((غطُّوا الإناء، وأوكوا السقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج...))؛ [مسلم].
وأما حفظ الطعام والشراب في الدواليب المخصصة لهما، أو في الثلاجات، فهذا في عُرف الناس يحفظ الطعام من أن يلحقه أذًى، ونرجو أن يكون ذلك كافيًا في إصابة الأدب النبوي في ذلك.
ولو احتاط المرء، فوضع على الإناء غطاءه الخاص، ولو كان في الثلاجة أو الدولاب، فهو أحسن وأسلم، على كل حال.
لا تخمَّر الآنية أثناء الأكل والشرب؛ لأن ذلك غير ممكن عادة، ولم تأتِ به السُّنَّة أصلًا، ولا يعمل الناس بمثل ذلك؛ فهو إلى التنطُّع والتكلُّف أقرب منه إلى إصابة السنة.
قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: "كل واحد من الاحترازين؛ أعني: الديني والدنيوي، المحمود منه مقدار معلوم، متى جاوزه الإنسان خرج في حيز الذم، فالاحتراز في الطهارات يُحمَد منه الورع، والإفراط في ذلك يخرج إلى حد الوسوسة والغلو في الدين، وكذلك الاحتراز عن المؤذيات الدنيوية يخرج إفراطه إلى ضعف التوكل، وشدة الإغراق في التعلق بالأسباب، وهو مذموم، و﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 3]، والفرق بين الموضعين دقيق عَسِرُ العلم، وله طريق ونظر طويل يتعلق بباب التوكل"؛ [انتهى].
د. خالد النجار