إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

كيف يقبض العلم؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • كيف يقبض العلم؟


    الحمد لله ربنا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما بعد؛
    فهذا موضوع بعنوان
    (كيف يقبض العلم؟)

    عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ الله لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينْتَزعه مِن العباد، ولكن يقبض العلم بقبْض العلماء، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا اتخذ الناس رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا))؛ رواهُ الشيخان واللفظ للبخاري[2].


    ميراث الأنبياء:

    العلماء وَرَثة الأنبياء، ما في ذلك رَيْبٌ.
    والأنبياء لم يُورِّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما وَرَّثوا العلم:
    ورَّثوا العلم بأسماء اللهِ وصفاته، وسُننه في خلقه وآياته.
    وورَّثوا العلم بكتاب الله وحدُودِه، والحُكم بما أنزل الله فيه.

    وورَّثوا العلم بشريعة الله ودينه الذي رضيَهُ لعباده، وتعبَّدهم به، ووصَّاهم أن يقيموه ويهتدوا بهديه؛ لأنه النور المبين، والصِّراطُ المستقيم إلى الحياة الطَّيبة، والعيشة الراضية، والجزاء الأوفى، في الآخرة والأولى.

    ومصْداق ذلك كله قول الله جَلَّت آلاؤه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ [المجادلة: 11].


    للوسائل حكم المقاصد وللمقدِّمات حكم النتائج:

    ويتَّصل بهذا الميراث النبويِّ كلُّ علم يهدي إليه، وكلُّ وسيلة توصل له، متى خَلُصَت النيَّة، وسَلم القلب من الأمراض والعلل، وطهُر من الآفات والدسائس.

    لا جَرَم أنَّ للوسائل حكمَ المقاصد، وأنَّ للمقدِّمات حكمَ النتائج، في الخير والشرِّ والنفع والضُّر، فإنَّما الأعمال بالنيَّات، وإنَّما لكلِّ امرئٍ ما نوى.

    وغنيٌّ عن البيان أنَّ هذا العلم النبويَّ، لن يتجرَّد - ولا ينبغي له أن يتجرَّد - عن لُبِّه وجَوْهره، وحياته ونوره، وهو العمل به والاهتداء بهديه؛ فمن أبعد المُحال أن يرفع الله الذين أُوتوا العلم درجات، وهم في وادٍ وما أوتوه في وادٍ، بل يهبط بهؤلاء علمهم دَرَكات؛ لأنه حُجَّةٌ عليهم وفتنةٌ لهم، والجهل خيرٌ من العلم إذا كان فتنةً، والعياذ بالله!

    على أنَّ العلم لو تجرَّد عن العمل به لن يكون ميراثًا نبويًّا بحال، فإنَّ الأنبياء لم يُورِّثوا - مَنَ شاء الله أن يورثوه - كلامًا وجدلًا، وإنما ورَّثوا حجَّةً وبيانًا، وهدايةً ونورًا، وفقهًا في دين الله عَزَّ وجل.


    ليس العلم بكثرة الرواية وقوة الجدل:

    وغنيٌّ عن البيان كذلك أنَّ هذا العلم ليس بكثرة الرواية، ولا بقوَّة الجدَل في المناظرة، وإنما هو - بالتلقِّي والتعلُّم - نورٌ يهدي الله به، ويهدي الله له مَن اصْطَفَاه مِن عباده.

    وعلامة هذا الاصْطفاء أن يُفقِّهه في دينه، ويُلهمَه الرَّشَاد والسَّداد، فإنْ منَّ عليه فَجَعله قدوةً للعباد، فذلك الذي يُدْعَى في ملكوت السماء عظيمًا، وذلك فَضْل الله يُؤتيه مَن يشاء.


    ورثة الأنبياء حقًّا:

    إنَّ العلماء العاملين، النَّاصحين المُخلصين، مصابيحُ الظلام، وهُداة الأنام، يبنون الأمم، ويُحيون الهِمَم، ﴿ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ﴾ [المائدة: 54]، هؤلاء هم وَرَثَةُ الأنبياء حقًّا، يهتدون بهديهم، ويُجدِّدون للناس أمرَ دينهم، ويستغْنون بالغنيِّ الحميدِ عمَّا في أيديهم، ولولا بقيةٌ منهم لَهَلَك العالم أجمع.


    بقيَّةٌ مِن أولي العلم والفضل:

    ولقد مَنَّ الله على المؤمنين بهذه البقيَّة، كما منَّ عليهم بالنبيين وخاتمهم وأصحابه من قبل، إلا أنها تقلُّ وتتضاءلُ - تدريجًا - بقبض أرواحها، لا برفع العلم ومَحْوه من صدورها، فإنَّ الكريم إذا وَهَب لا يَسْتردُّ، فما بالك بأكرم الأكرمين سبحانه؟! لا نُحصي ثناءً عليه.

    وقد بشَّرنا الصَّادق المَصْدوق صلواتُ الله وسلامه عليه، بهذه البقيَّة، وبيَّن لنا علامتها؛ إذ يقول: ((مَن يُرد الله فيه خيرًا يُفقهه في الدين، وإنما أنا قاسمٌ، والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمةً على أمر الله، لا يضرُّهم مَن خالفهم حتى يأتيَ أمر الله))؛ رواه الشيخان[3].


    التوفيق بين الحديثَيْن:

    وقد يَبْدو بين الحديثَيْن خلافٌ أوَّل النظر، ولكنه يذهب عند التأمُّل، فإنَّ الحديثَيْن لا يختلفان في ذهاب العلم بموت العلماء من حَمَلة الشريعة وفقهاء الأمة، حتى إذا لم يَبْقَ عالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رؤساء جُهَّالًا، يستفتونهم في أمر دينهم، فيستنكف أحدهم أن يقولَ: لا أدري، ويتعاظم أن يرجع إلى أحد من هذه البقيَّة التي بشَّر بها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، أو يشقُّ عليه الرجوع إليها، لقلَّتها وتفرُّقها حتى باتتْ في حكم العَدَم! وحين ذاك تَفْشو الجَهَالة، وتعمُّ الضَّلالة، ويُوَسَّد الأمر إلى غير أهله؛ تمهيدًا لقيام الساعة على كلِّ لُكع وابن لُكع من شِرار الخَلْق!


    جهَّال في ثياب العلماء:

    وها نحن أولاء نرى جُهَّالًا في ثياب العلماء، يَتصدَّرون للفتوى والقول على الله بغير علم، ولا يَعْدمون من أتباع كلِّ ناعق، مَن يُصَدِّقهم ويدافع عنهم، وهو يَجْهل الضروري ممَّا افترض الله عليه، وإذا كان هذا وفي الأمة الإسلامية بقيَّةٌ من أُولي العلم والفضْل، فما بالك إذا اضْمَحَلَّت هذه البقية إلى معشارها أو أقل؟!


    شرَف الفتوى:

    وإذا كان في الحديث تنويهٌ بشأن العلم والعلماء عامة، ففيه تنويهٌ أعظم وأجلُّ بشأن الفتوى والمفتين خاصَّةً، وحَسْبُ الفتوى شرفًا وفضلًا أنَّ الله - تعالى جَدُّه - تولَّاها بنفسه، ثمَّ ولَّاها خاتم أنبيائه ورسله، ثمَّ تولَّاها سادةُ الأمة وقادتها، أبرُّها قلوبًا، وأعمقها علمًا، وأقلُّها تكلُّفًا، أولئك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلْيُعِدَّ المفتون لهذا المَنْصب عُدَّته، وليعرفوا له خطرَهُ وجلالته[4].

    ورواية الإمام أحمد لهذا الحديث - بمعناه - عن أبي أُمامة رضي الله عنه، في حَجَّة الوداع[5]، تدلُّ على مكان التحديث به، كما تدلُّ على مبلغ اهتمام النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالعلم وأخذِه وروايتِهِ، وتوكيد وصاته به في آخر حياته، وتحذير أمته - ولا سيما الآخرين منهم - أن يتهاونوا في طلب العلم، والحرص عليه حتى يُقبض بقبض العلماء! فيفشو الجهلُ، ويستفحل الداء، وتكون الآزفة!


    وصاة خليفة راشد:

    وقد توجَّسَ خيفةً مِن هذا الخليفةُ الراشد عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، في رأس المائة الأولى؛ إذ كتب إلى أبي بكر بن حزم نائبه على المدينة: "انْظُر ما كان من حديثِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فاكْتُبْهُ، فإني خِفْتُ دُروسَ العلم، وذهابَ العلماء، ولا يُقْبل إلا حديث النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وليفشو العلم، وليجلسوا حتى يعلمَ مَنْ لا يعلم؛ فإنَّ العلم لا يهلك حتى يكون سرًّا"[6].

    والله المستعان على العلم والعمل به، والفقه في دينه، والنُّصح له




    الحاشية

    [1] مجلة الأزهر، العدد الثامن، المجلد التاسع والعشرون 1377 - 1958.
    [2]أخرجه البخاري (100)، باب كيف يقبض العلم، وهذه ترجمة الإمام أبي عبدالله البخاري في كتاب العلم، وهذا لفظه فيه، ورواه بلفظ آخر في كتاب الاعتصام (7307) وترجمته فيه: باب ما يذكر من ذمِّ الرأي وتكلُّف القياس، ورواه مسلم (2673) في كتاب العلم كذلك، وترجمته هناك: باب رفع العلم وقبضه، وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان، والحديث عَلَمٌ من أعلام نبوَّته كما ترى (طه).
    [3]أخرجه البخاري (71)، ومسلم (1037).
    [4]انظر تفصيل هذا الإجمال في "إعلام الموقِّعين عن ربِّ العالمين" (طه).
    [5]أخرجه أحمد 5: 266 (22290)، ولفظه من حديث أبي أُمامة رضي الله عنه قال: لمَّا كان في حَجَّة الوداع قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذٍ مُردفٌ الفَضْل بن عباس على جملٍ آدمَ، فقال: ((يا أيها الناس، خذوا من العلم قبل أن يُقبضَ العلمُ، وقبل أن يُرفعَ العلمُ))، وقد كان أنزل الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾ [المائدة: 101]، قال: فكنَّا قد كُرِّهنا كثيرًا من مسألته، واتَّقينا ذاك حتى أنزل على نبيِّه صلى الله عليه وسلم قال: فأتينا أعرابيًّا فرَشَوناه برداءٍ، قال: فاعتمَّ به - أي: جَعَله عِمَامة له - حتى رأيت حاشية البُرْد خارجةً على حاجبه الأيمن.
    قال: ثم قلنا له: سَلِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: فقال له: يا نبيَّ الله، كيف يُرفَعُ العلم منَّا، وبين أظهرنا المصاحفُ، وقد تعلَّمنا ما فيها، وعلَّمناها نساءَنا وذراريَّنا وخَدَمنا؟!
    قال: فرفع النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأسَهُ، وقد عَلَتْ وجْهَه حُمْرةٌ من الغضب، قال: فقال: ((أيْ ثَكِلَتْك أمُّك، وهذه اليهودُ والنَّصارى بين أظهُرهم المصاحفُ، لم يصبحوا يتعلَّقون بحرفٍ ـ أي: يعلمون ـ ممَّا جاءَتْهُم به أنبياؤهم، ألا وإنَّ من ذَهَاب العلم أن يذهبَ حَمَلَتُه)) ثلاث مرات، والحديث إسناده ضعيف بهذه السياقة، وانظر التعليق على المسند 36: 622.
    [6]رواه البخاري 1: 204 معلَّقًا في كتاب العلم، باب: "كيف يقبض العلم"، وانظر ما كتبه العلامة المحقِّق الشيخ محمد عوَّامة حول الجانب العلمي في حياة عمر بن عبدالعزيز، ونشره العلم في الأمصار والبوادي، وتدوينه العلم وتثبيته في الكتب؛ خشيةَ انْدراسه بموت حَمَلته في مقدِّمة تحقيقه لكتاب "مسند أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز" للحافظ الباغندي ص5 - 23.
    المصدر(موقع الألوكة)




  • #2
    جزاكم الله خيرًا ونفع بكم

    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

    تعليق


    • #3
      امين يارب واياكم وجزيتم خيرا على مروركم الطيب

      تعليق


      • #4
        ما شاء الله
        جزاكم الله كل خير
        بارك الله فيكم ونفع بكم

        قال الحسن البصري - رحمه الله :
        استكثروا في الأصدقاء المؤمنين فإن لهم شفاعةً يوم القيامة".
        [حصري] زاد المربين فى تربية البنات والبنين


        تعليق

        يعمل...
        X