حديث بدء الوحي - وقفات وتأملات
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله الذي منَّ على هذه الأمَّة بنعمة الإيمان، وأكمل لهم دين الإسلام، وبعث إليهم رسولاً منهم؛ يتْلو عليهم آياته، ويزكيهم، ويعلمهم الكتاب والحكمة، ورضي لهم الإسلام دينًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في كتابه العزيز: ﴿قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [يونس: 16]، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، القائل: ((مثلي كمثل رجلٍ، استوقد نارًا، فلمَّا أضاءت ما حولها، جعل الفراش وهذه الدواب التي في النار يقعْن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه، فيَتَقَحَّمْن فيها، قال: فذلكم مثلي ومثلكم؛ أنا آخذ بحجزكم عن النَّار، هلمَّ عن النَّار، هلمَّ عن النَّار، فتغلبوني تُقْحمون فيها))[1]، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أمَّا بعدُ:
فإنَّ أحلى ما يتمتع بقراءته القارئ من الكُتُب بعد كتاب الله - عز وجل - وحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم هو سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وكل ما يتعلَّق بحياته: من مولده، ونشأته، وأسفاره، وزواجه، وتشرفه بالنبوة، ودعوته الناس إلى كلمة التوحيد، وتحمُّل الأذى في ذلك، وهجرته، وغزواته، ووفاته، وما حدث بعد وفاته، بل دراسة تاريخ العالم قبيل بَعْثته صلى الله عليه وسلم لها منَ الأهمية بمكان؛ لذا قد اهتمَّ المؤرِّخون وكتَّاب السير بهذا الجانب، وردُّوا مزاعم المفترين على رسالته - صلى الله عليه وسلم.
وإن من الأهداف لدراسة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم التوجُّه للعمل التطبيقي لهذا الدين؛ فهو رسول الله - صلوات الله وسلامه عليه - وهو المثَلُ الأعلى في جميع شؤون الحياة، فهو الشاب المثالي المستقيم في حياته، وحتى قبل نبوته؛ ولذا قال: ﴿فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [يونس: 16]، وهو الداعية الحكيم في أُسْلوب دعْوته، وهو الزَّوْج الأمثل في أُسرته، وهو الرئيس العادل في دولته، وهو القائد الماهر في معاركه، وهو السياسي الصادق الذي يُدير شؤون دولته، وهو المسلم الجامع لهذه الأمور وغيرها؛ فهو الصورة العلميَّة المتكامِلة لهذا الدِّين.
ومما تفيدنا أيضًا دراسة السيرة النبوية: فَهم كتاب الله - عز وجل - لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي وضَّح الكتاب العظيم، وفسَّر مجمله، وبيَّن ما يحتاج إلى بيان؛ يقول - تعالى -: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 44].
وفي حديثنا هذا - حديث بدء الوحي - ندرس مرحلة من مراحل حياة المصطفى r ولنستنبط منها بعض الدروس والعِبَر، فنطبقها في حياتنا؛ لنسعدَ في الدنيا والآخرة.
أسأل الله - تعالى - أن ينفعَ بهذه الكلمات، وأن يجعلَها منَ المدخرات في الحياة وبعد الممات، حقَّق الله الآمال، وسدد الخُطى، وعلَّمنا ما ينفعنا، ونفعنا بما علَّمنا؛ إنَّه عليمٌ حكيم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصَحْبه أجمعين.
كتبه
فالح بن محمد بن فالح الصغيّر
ص.ب 41961 الرياض 11531
البريد الإلكتروني: falehmalsgair@yahoo.com
[1] رواه البخاري في الرقاق، باب الانتهاء عن المعاصي (6483)، ومسلم واللفظ له في الفضائل، باب شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته (2284).
تعليق