إنعام الربِّ المعين في اختصار شرح الأربعين
الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الأمِّيِّ الأَمين, وبعد يا معشر الموحدِّين, فهذا شرح مختصر لمتن الأربعين, فيها شرف المؤمن وجِماع الدّين:
الحديث الأول
" إنما الأعمال بالنيات "
عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلّى الله عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ يَقُولُ: " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلَى مَا هَاجَرَ إلَيْهِ" .
رَوَاهُ إِمَامَا الْمُحَدِّثِينَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم بن الْمُغِيرَة بن بَرْدِزبَه الْبُخَارِيُّ الْجُعْفِيُّ - رقم:1-، وَأَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمٌ بنُ الْحَجَّاج بن مُسْلِم الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ - رقم:1907- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي "صَحِيحَيْهِمَا" اللذِينِ هُمَا أَصَحُّ الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ.
يُعرف هذا الحديث بحديث النِّيَّة.
اتَّفق العلماء على صحته وتلقِّيه بالقبول, وبه صدَّر البخاريُّ كتابه ( الصحيح).إشارةً منه إلى أنَّ كلَّ عمل لا يُرادُ به وجه الله فهو باطل, لا ثمرة له في الدُّنيا ولا في الآخرة.
النِّيَّة هي القصدُ والإرادةُ والابتغاء. قال الله تعالى: ( مِنكم مَن يريدُ الدّنيا ومنكم مَن يريدُ الآخرة). الأنفال 67. وقال الله تعالى: ( لا خيرَ في كثير من نجواهُم إلاَّ مَنْ أَمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين النّاس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما ). النساء 114.
الراجح والله أعلمُ أنَّ الأعمال هنا على عمومها لا يُخَصُّ منها شيءٌ عباداتٍ كانت أم عادات.
الأعمال لا تقع إلا عن قصد من العامل وهو سبب عملها ووجودها, فحظُّ العامل من عمله نيّتُه فإن كانت صالحةً فعمَلُه صالح فله أجره وإن كانت فاسدة فعمَلُه فاسد فعليه وِزرُه.
في صحيح مسلم عن أمّ سلمة رضي الله تعالى عنها عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : يعوذ عائذ بالبيت, فيُبعَثُ إليه بَعْثٌ, فإذا كانوا ببيداءَ من الأرض خُسِفَ بهم. فقلتُ: يا رسول الله فكيف بمن كان كارها؟ قال : يُخسَفُ به معهم , ولكنّه يُبعَث يوم القيامة على نيّتِهِ.
وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقّاص رضي الله تعالى عنها عن النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : إنّك لن تُنفِقَ نفَقة تبتغي بها وجهَ الله إلا أُثِبْتَ عليها, حتّى اللقمةُ تجعلُها في فِيّْ امرأتِك.
وعن يحيى بن أبي كثير قال : تعلَّموا النّيّةَ فإنّها أبلغُ من العلم.
وعن زُبيد اليامي : انوِ في كلِّ شيءٍ تُريدُه الخيرَ, حتّى خروجُك الكناسةَ.
وعن سفيان الثَّوريّ قال : ما عالجتُ شيئا أشدَّ علَيَّ من نيّتي, لأنّها تتقلَّب علَيَّ.
اعلم أنَّ الهجرة تختلف باختلاف النّيات والمقاصد بها, فمَن هاجر إلى دار الإسلام, حُبًّا لله ورسوله , ورغبة في تعلّم دين الإسلام, وإظهار دينه حيثُ كان يعجز عنه في دار الشرك, فهذا هو المهاجر إلى الله ورسوله حقًّا, وكفاه شرفا وفخرا أنّه حصل له ما نواه من هجرته إلى الله ورسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ومن كانت هجرته من دار الشرك إلى دار الإسلام لِطلب دنيا يُصيبها, أو امرأة ينكحها في دار الإسلام, فهجرته إلى ما هاجر إليه من ذلك.
فالأول تاجر, والثاني خاطب, وليس واحد منهما بمُهاجر.
ففي الصحيحين عن أبي موسى الأشعريّ رضي الله تعالى عنه أنّ أعرابيا أتى النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : يا رسول الله : الرّجلُ يقاتِلُ للمَغنَم, والرّجل يقاتِلُ للذِّكْرِ, والرّجل يقاتِلُ ليُرى مكانُه. فمن في سبيل الله؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : مَن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا, فهو في سبيل الله.
منقول
الجامعة الدولية الالكترونية
تعليق