السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخواني في الله احبكم في الله
اخواني في الله احبكم في الله
اخواني الكرام احبكم جميعا في الله جعلنا الله من المتحابين فيه والذين يظلهم بظله يوم القيامة
اخواني الكرام كتاب قرأته واردت ان اشاركمم فيه محبه لله تعالى لعل وعسى ان ينتفع به مسلم فيكون في اجر حسناتنا جميعا يوم القيامة إن شاء الله وهي مجموعة كتب مجموع فتاوى شيخ الاسلام بن تيمية فقد بدأته ووجدت فيه نفع كثيرا ان شاء الله للمسلمين اجمعين لعل وعسى ان ينفع به احد المسلمين او يهدي بهذا الموضوع احد شباب المسلمين فيتوب إلى الله تعالى ويكون عالما في الدين بعد ذلك فيشفع لنا ذلك عند ربنا سبحانه وتعالى يوم القيامة اليس هذا كله جميل اخواني الكرام محبة الخير للغير
مجموع فتاوى ابن تيمية – 01 – الجزء الأول
(العقيدة)
- مقدمةالكتاب
- توحيد الألوهية
- قالشيخ الإسلام: قاعدة فى الجماعة والفرقة
- فَصْـل: في حديث ثلاث لا يُغَلُّ عليهن قلبُ مسلم
- قاعدة جليلة في توحيد الله
- فَصْــــل في افتقار الإنسان إلى اختيار الله وتقديره
- فَصْــل:فَصْــل: يتضمن مقدمة لتفسير إياك نعبد وإياك نستعين
- فصل: فى وجوب اختصاص الخالق بالعبادة
- فصــل: السعادة فى معاملة الخلق أن تعاملهم لله
- فصل:في قوله اهدنا الصراط المستقيم
- فصل: فى ألا يسأل العبد إلا الله
- فصل: في العبادات مبناها على الشرع والاتباع
- فصل: جماع الحسنات وجماع السيئات
- الشرك بالله أعظم الذنوب
- فصـل: قاعدة تحرك القلوب إلى الله عز وجل
- فصل: ذكر مناظرة إبراهيم عليه السلام للمشركين
- سئلالشيخ عمن قال: يجوز الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم
- وسئلعمن يقول: لا يستغاث برسول اللّه، هل يحرم عليه هذا القول؟
- فصل:سَمَّى اللّه آلهة المشركين شفعاء وشركاء
- فصل: فى الشفاعة المنفية في القرآن
- سئلعن رجل قال: لابد لنا من واسطة بيننا وبين اللّه
- وسئل عمن يقول: إن الله يسمع الدعاء بواسطة محمد صلى الله عليه وسلم
- وسئل:هل يجوز التوسل بالنبى صلى الله عليه وسلم أم لا ؟
- رسالة في التوسل والوسيلة
- فصــل: لفظ التوسل قد يراد به ثلاثة أمور
- الزيارة الشرعية والبدعية للقبور
- تبيين للأوهام التي تحصل للعامة عند القبور
- وأهل الجاهلية في هذه الأوهام نوعان
- منأعظم أسباب ضلال المشركين ما يرونه أو يسمعونه عند الأوثان
- وصية النبي لابن عباس إذا سألت فاسأل الله
- ومنالسؤال ما لا يكون مأمورا به والمسؤول مأمور بإجابة السائل
- أصلين عظيمين بني عليهما الإسلام
- فصـــل: لفظ الوسيلة والتوسلفيه إجمال واشتباه يجب أن تعرف معانيه
- الحلف بالمخلوقات حرام عند الجمهور لأنه تعظيم للمحلوف به
- جواز التوسل بالأعمال الصالحة
- قولالقائل: [أسألك بكذا ] نوعان
- السؤال بحق فلان فهو مبنى على أصلين
- سؤال الله بأسمائه وصفاته أعظم ما يسأل الله تعالى به
- حكايات غريبة في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
- قصدالسفر لقبر النبي صلى الله عليه وسلم
- الكلام على حديث أول ما خلق اللّه العقل
- ولفظ التوسل و الاستشفاع ونحوهما دخل فيها من تغيير لغة الرسول وأصحابه
- آحاديث موضوعة في التوسل
- تابع القصص والآحاديث الموضوعة في التوسل
- آثار عن السلف في باب التوسل أكثرها ضعيفة
- سؤال الأمة للنبي الوسيلة والفضيلة
- قولبعض العلماء إن قول الصحابي حجة
- كماأنه لا يسوغ لأحد أن يحلف بمخلوق فلا يحلف على الله بمخلوق
- قدثبت بالنصوص الصحيحة أنه لا يجوز الحلف بشيء من المخلوقات
- نهيالنبى صلى الله عليه وسلم أن يتخذ قبره مسجدًا
- التوسل بدعاء النبى صلى الله عليه وسلم وشفاعته على وجهين
- سؤال عما يجوز وما لا يجوز من الاستشفاع والتوسل بالأنبياء والصالحين
- الرد على من قال أن النبي لا يشفع لأهل الكبائر من أمته
- النهى عن اتخاذ القبور مساجد
- الكلام على حديث اللهم إنى أسألك وأتوسل إليك بنبيك محمد
- كلام السلف على قوله تعالى قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ
- الشفاعة نوعان
- اتفق العلماءعلى أنه لا تنعقد اليمين بغير الله تعالى
- فصــل: لا يجوز لأحد أن يستغيث بأحد من المشايخ الغائبين ولا الميتين
- قالشيخ الإسلام:فى قول القائل أسألك بحق السائلين عليك وما فى معناه
- سئلرحمه الله عمن يبوس الأرض دائمًا هل يأثم؟
- وسئل عن النهوض والقيام عند قدوم شخص معين معتبر أحرام هو؟
- فصل: الانحناء عند التحية
- فصل: كان المشركون يُِعَبِدون أنفسهم وأولادهم لغير الله
مقدمة الكتاب
قال شيخ الإسلام أحْمَدُ بن تَيْمية ـ قَدسَ اللَّه روحه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذينكفروا بربهم يعدلون. العالم بما كان وما هو كائن وما سيكون ،الذي إنما أمره إذاأراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون، الذى يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة،سبحانه وتعالى عما يشركون، وهو الله لا إله إلا هو، له الحمد فى الأولى والآخرة ولهالحكم وإليه ترجعون، الذي دل على وحدانيته في إلهيته أجناس الآيات، وأبان علمهلخليقته ما فيها من إحكام المخلوقات، وأظهر قدرته على بريته ما أبدعه من أصنافالمحدثات، وأرشد إلى فعله بسنته تنوّع الأحوال المختلفات، وأهدى برحمته لعباده نعمهالتي لا يحصيها إلا رب السموات، وأعلم بحكمته البالغة دلائل حمده وثنائه الذييستحقه من جميع الحالات، لا يحصي العباد ثناء عليه،بل هو كما أثنى على نفسه لما لهمن الأسماء والصفات، وهو المنعوت بنعوت الكمال وصفات الجلال التي لا يمثاله فيهاشىء من الموجودات، وهو القدوس السلام المتنزه أن يماثله شىء في نعوت الكمال، أويلحقه شىء من الآفات، فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، الذي خلقالسموات والأرض ولم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شىء فقدرهتقديرا.
أرسل الرسل مُبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسلوكان الله عزيزًا حكيمًا، مبشرين لمن أطاعهم بغاية المراد من كل ما تحبه النفوسوتراه نعيما، ومنذرين لمن عصاهم باللعن والإبعاد وأن يعذبوا عذابًا أليما، وأمرهمبدعاء الخلق إلى عبادته وحده لا شريك له، مخلصين له الدين ولو كره المشركون. كماقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَاتَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَارَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 51-52]. وجعل لكل منهمشرعةً ومنهاجًا، ليستقيموا إليه ولا يبغوا عنه اعوجاجًا.
وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأولين والآخرين، وصفوة ربالعالمين، الشاهد البشير النذير الهادي السراج المنير، الذي أخرج به الناس منالظلمات إلى النور، وهداهم إلى صراط العزيز الحميد، الله الذي له ما في السموات ومافي الأرض وويل للكافرين من عذابٍ شديد. بعثه بأفضل المناهج والشِّرع، وأحبط بهأصناف الكفر والبدع، وأنزل عليه أفضل الكتب والأنباء، وجعله مهيمنًا على ما بينيديه من كتب السماء.
وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرويؤمنون بالله، يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله. هو شهيد عليهم وهمشهداء على الناس في الدنيا والآخرة، بما أسبغه عليهم من النعم الباطنة والظاهرة،وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة، إذ لم يبق بعده نبي يبين ما بدل من الرسالة، وأكمللهم دينهم، وأتم عليهم نعمه، ورضى لهم الإسلام دينا، وأظهره علىالدين كله إظهارابالنصرة والتمكين، وإظهارًا بالحجة والتبيين، وجعل فيهم علماءهم ورثة الأنبياء،يقومون مقامهم في تبليغ ما أنزل من الكتاب، وطائفة منصورة لا يزالون ظاهرين علىالحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى حين الحساب.
وحفظ لهم الذّكر الذي أنزله من الكتاب المكنون كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُنَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].فلا يقع في كتابهم من التحريف والتبديل كما وقع من أصحاب التوراة والإنجيل.
وخصهم بالرواية والإسناد الذي يميز به بين الصدق والكذب الجهابذةالنقاد، وجعل هذا الميراث يحمله من كل خلف عدوله أهل العلم والدين؛ ينفون عنه تحريفالغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، لتدوم بهم النعمة على الأمة، ويظهربهم النور من الظلمة، ويحيي بهم دين اللّه الذي بعث به رسوله، وبين اللّه بهم للناسسبيله، فأفضل الخلق أتبعهم لهذا النبي الكريم المنعوت في قوله تعالى:{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌمِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمبِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: 128].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب العالمين، وإلهالمرسلين، وملك يوم الدين.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس أجمعين، أرسله والناسمن الكفر والجهل والضلال في أقبح خيبة وأسوأ حال. فلم يزل صلى الله عليه وسلميجتهد في تبليغ الدين وهدى العالمين وجهاد الكفار والمنافقين، حتى طلعت شمسالإيمان، وأدبر ليل البهتان، وعز جند الرحمن، وذل حزب الشيطان، وظهر نور الفرقان،واشتهرت تلاوة القرآن، وأعلن بدعوة الأذان،واستنار بنور اللّه أهل البواديوالبلدان، وقامت حجة اللّه على الإنس والجان، لما قام المستجيب من معد بن عدنان صلىالله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، صلاة يرضى بها الملك الديان،وسلم تسليمًا مقرونًا بالرضوان.
أما بعد:
فإنه لا سعادة للعباد، ولا نجاة فى المعاد إلا باتباع رسوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِوَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَاالأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَوَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُعَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 13، 14] فطاعة الله ورسوله قطبالسعادة التى عليه تدور، ومستقر النجاة الذى عنه لا تحور.
فإن الله خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّوَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات 56]. وإنما تعبَّدهمبطاعته وطاعة رسوله، فلا عبادة إلا ما هو واجب أو مستحب فى دين الله، وما سوى ذلكفضلال عن سبيله. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنافهو رد) أخرجاه فى الصحيحين ، وقال صلى الله عليه وسلم فى حديث العرباض ابن ساريةالذى رواه أهل السنن وصححه الترمذى: (إنه من يَعِشْ منكم بعدى فسيرى اختلافًاكثيرًا، فعليكم بسنتى وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، تمسكوا بهاوعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإياكم ومُحْدثَاتِ الأمور، فإن كل بدْعَةٍ ضَلالة).وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم وغيره أنه كان يقول فى خطبته: (خير الكلامكلام الله، وخير الهدى هدىُ محمد، وشَرُّ الأمور محدثاتُها، وكل بدعة ضلالة).
وقد ذكر الله طاعة الرسول واتباعه فى نحو من أربعين موضعا منالقرآن، كقوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّىفَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:80]، وقولهتعالى:{وَمَاأَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُالرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا فَلاَ وَرَبِّكَ لاَيُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْفِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء: 64، 65]، وقوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَوَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّالْكَافِرِينَ} [آل عمران:32] ،وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَاللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]، فجعل محبة العبد لربه موجبةلاتباع الرسول، وجعل متابعة الرسول سببًا لمحبة الله عبده، وقد قال تعالى: {وَكَذَلِكَأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُوَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْعِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الشورى: 52]، فما أوحاه الله إليه يهدى الله به من يشاء من عباده، كما أنهصلى الله عليه وسلم بذلك هداه الله تعالى كما قال تعالى: {قُلْ إِن ضَلَلْتُفَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّرَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: 50]، وقال تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَاللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُسُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِوَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة :15، 16].
فبمحمد صلى الله عليه وسلم تبين الكفر من الإيمان، والربح منالخسران، والهدى من الضلال، والنجاة من الوبال، والغى من الرشاد، والزيغ من السداد،وأهل الجنة من أهل النار، والمتقون من الفجار، وإيثار سبيل من أنعم الله عليهم منالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، من سبيل المغضوب عليهم والضالين.
فالنفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به واتباعه منها إلى الطعام والشراب،فإن هذا إذا فات حصل الموت فى الدنيا، وذاك إذا فات حصل العذاب.
فحق على كل أحد بذل جهده واستطاعته فى معرفة ما جاء به وطاعته؛ إذهذا طريق النجاة من العذاب الأليم والسعادة فى دار النعيم. والطريق إلى ذلكالرواية والنقل، إذ لا يكفى من ذلك مجرد العقل، بل كما أن نور العين لا يرى إلا معظهور نور قدَّامه، فكذلك نور العقل لا يهتدى إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة، فلهذاكان تبليغ الدين من أعظم فرائض الإسلام، وكان معرفة ما أمر الله به رسوله واجبًاعلى جميع الأنام.
والله ـ سبحانه ـ بعث محمدًا بالكتاب والسنة، وبهما أتم على أمتهالمنة، قال تعالى: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَكَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَاوَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْتَكُونُواْ تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَتَكْفُرُونِ} [البقرة: 150، 152]، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُعَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164]، وقال تعالى:{وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَاللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِيَعِظُكُم بِهِ}[البقرة: 231]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِيالْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْوَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:2].
وقال تعالى عن الخليل :{رَبَّنَا وَابْعَثْفِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُالْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129]، وقالتعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِوَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]، وقد قال غير واحد من العلماء،منهم يحيى ابن أبى كثير وقتادة والشافعى وغيرهم: {الًحٌكًمّة}: هى السنة،لأن الله أمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يتلى فى بيوتهن من الكتاب والحكمة، والكتاب:القرآن، وما سوى ذلك مما كان الرسول يتلوه هو السنة.
وقد جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه من حديث أبيرافع وأبي ثعلبة وغيرهما أنه قال: (لا أُلْفِيَنَّ أحدكم متكئًا على أريكتهيأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيتُ عنه فيقول: بيننا وبينكم القرآن، فماوجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإني أوتيت الكتابومثله معه).وفي رواية: (ألا وإنه مثل الكتاب).
ولما كان القرآن متميزًا بنفسه ـ لما خصه الله به من الإعجاز الذيباين به كلام الناس كما قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِالإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَبِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: 88] وكان منقولا بالتواتر ـ لم يطمع أحد في تغيير شىء من ألفاظهوحروفه، ولكن طمع الشيطان أن يدخل التحريف والتبديل في معانيه بالتغيير والتأويل،وطمع أن يدخل في الأحاديث من النقص والازدياد ما يضل به بعض العباد.
فأقام الله ـ تعالى ـ الجهابذة النقاد، أهل الهدى والسداد، فدحرواحزب الشيطان، وفرقوا بَيِّن الحق من البهتان، وانتدبوا لحفظ السنة ومعاني القرآن منالزيادة في ذلك والنقصان.
وقام كل من علماء الدين بما أنعم به عليه وعلى المسلمين ـ مقام أهلالفقه الذين فقهوا معاني القرآن والحديث ـ بدفع ما وقع في ذلك من الخطأ في القديموالحديث، وكان من ذلك الظاهر الجلي، الذي لا يسوغ عنه العدول، ومنه الخفي، الذييسوغ فيهالاجتهاد للعلماء العدول.
وقام علماء النقل والنقاد بعلم الرواية والإسناد، فسافروا في ذلكإلى البلاد، وهجروا فيه لذيذ الرقاد، وفارقوا الأموال والأولاد، وأنفقوا فيه الطارفوالتِّلاد، وصبروا فيه على النوائب، وقنعوا من الدنيا بزاد الراكب، ولهم في ذلكمن الحكايات المشهورة، والقصص المأثورة، ما هو عند أهله معلوم، ولمن طلب معرفتهمعروف مرسوم، بتوسد أحدهم التراب وتركهم لذيذ الطعام والشراب، وترك معاشرة الأهلوالأصحاب، والتصبر على مرارة الاغتراب، ومقاساة الأهوال الصعاب، أمر حببه اللهإليهم وحلاه ليحفظ بذلك دين الله. كما جعل البيت مثابة للناس وأمنًا، يقصدونه منكل فج عميق، ويتحملون فيه أمورًا مؤلمة تحصل في الطريق، وكما حبب إلى أهل القتالالجهاد بالنفس والمال حكمة من الله يحفظ بها الدين ليهدى المهتدين، ويظهر به الهدىودين الحق، الذي بعث به رسوله ولو كره المشركون.
فمن كان مخلصًا في أعمال الدين يعملها لله، كان من أولياء اللهالمتقين، أهل النعيم المقيم، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءاللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْوَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِلاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[يونس: 62: 64].
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى في الدنيا بنوعين:
· أحدهما: ثناء المثنين عليه.
· الثاني: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح، أو ترى له.
فقيل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل لنفسه فيحمده الناس عليه؟قال: (تلك عاجل بشرى المؤمن). وقال البراء بن عازب: سئل النبى صلى اللهعليه وسلم عن قوله [تعالى]:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }فقال: (هى الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له)
والقائمون بحفظ العلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلمالربان، الحافظون له من الزيادة والنقصان، هم من أعظم أولياء اللّه المتقين وحزبهالمفلحين، بل لهم مزية على غيرهم من أهل الإيمان والأعمال الصالحات، كما قالتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11] قال ابن عباس: يرفعالله [الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات].
وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم،وجعله سُلَّمًا إلى الدراية. فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات،وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليهالمنة، أهل الإسلام والسنة، يفرقون به بين الصحيح والسقيم، والمعوج والقويم.
وغيرهم من أهل البدع والكفار، إنما عندهم منقولات يأثرونها بغيرإسناد، وعليها من دينهم الاعتماد، وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل، ولا الحاليمن العاطل.
وأما هذه الأمة المرحومة، وأصحاب هذه الأمة المعصومة، فإن أهل العلممنهم والدين هم من أمرهم على يقين، فظهر لهم الصدق من المين، كما يظهر الصبح لذيعينين. عصمهم الله أن يجمعوا على خطأ في دين الله معقول أو منقول، وأمرهم إذاتنازعوا في شىء أن يردوه إلى الله والرسول، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْفَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59].
فإذا اجتمع أهل الفقه على القول بحكم لم يكن إلا حقا، وإذا اجتمعأهلالحديث على تصحيح حديث لم يكن إلا صدقًا، ولكل من الطائفتين من الاستدلال، علىمطلوبهم بالجلي والخفي ما يعرف به من هو بهذا الأمر حَفىّ، واللّه تعالى يلهمهمالصواب في هذه القضية، كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية، وكما عرف ذلك بالتجربةالوجودية، فإن الله كتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، لما صدقوا في موالاةالله ورسوله، ومعاداة من عدل عنه، قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًايُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَوَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْعَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍمِّنْهُ} [المجادلة: 22].
وأهل العلم المأثور عن الرسول أعظم الناس قيامًا بهذه الأصول، لاتأخذ أحدهم في الله لومة لائم، ولا يصدهم عن سبيل الله العظائم، بل يتكلم أحدهمبالحق الذي عليه، ويتكلم في أحب الناس إليه، عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَىأَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْفَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْوَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَخَبِيرًا} [النساء: 135]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْشَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىوَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة:8]. ولهم من التعديل والتجريح، والتضعيف والتصحيح، من السعيالمشكور، والعمل المبرور،ما كان من أسباب حفظ الدين، وصيانته عن إحداث المفترين،وهم في ذلك على درجات: منهم المقتصر على مجرد النقل والرواية، ومنهم أهل المعرفةبالحديث والدراية، ومنهم أهل الفقه فيه، والمعرفة بمعانيه.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة أن يبلِّغ عنه من شهد لمنغاب، ودعا للمبلغين بالدعاء المستجاب، فقال في الحديث الصحيح: (بلغوا عني ولوآية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده منالنار). وقال أيضًا في خطبته في حجة الوداع: (ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فربمبلغ أوعى من سامع)
وقال أيضًا: (نَضَّر اللّه امرأ سمع منا حديثًا فبلغه إلى من لميسمعه، فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يُغَلّعليهن قلب مسلم: إخلاص العمل للّه، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين،فإن دعوتهم تحيط من ورائهم).
وفى هذا دعاء منه لمن بلغ حديثه وإن لم يكن فقيها، ودعاء لمن بلغهوإن كان المستمع أفقه من المبلغ، لما أعطى المبلغون من النضرة، ولهذا قال سفيان بنعيينة: لا تجد أحدًا من أهل الحديث إلا وفي وجهه نضرة، لدعوة النبي صلى الله عليهوسلم، يقال: نضُرَ، ونَضَرَ، والفتح أفصح.
ولم يزل أهل العلم في القديم والحديث يعظمون نقلة الحديث، حتى قالالشافعى ـ رضى الله عنه: إذا رأيتُ رجلا من أهل الحديث فكأني رأيت رجلاً من أصحابالنبي صلى الله عليه وسلم. وإنما قال الشافعي هذا، لأنه في مقام الصحابة من تبليغحديث النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعى أيضًا: أهل الحديث حفظوا، فلهمعلينا الفضل لأنهم حفظوا لنا. اهـ.
توحيد الألوهية
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذينكفروا بربهم يعدلون. العالم بما كان وما هو كائن وما سيكون ،الذي إنما أمره إذاأراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون، الذى يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة،سبحانه وتعالى عما يشركون، وهو الله لا إله إلا هو، له الحمد فى الأولى والآخرة ولهالحكم وإليه ترجعون، الذي دل على وحدانيته في إلهيته أجناس الآيات، وأبان علمهلخليقته ما فيها من إحكام المخلوقات، وأظهر قدرته على بريته ما أبدعه من أصنافالمحدثات، وأرشد إلى فعله بسنته تنوّع الأحوال المختلفات، وأهدى برحمته لعباده نعمهالتي لا يحصيها إلا رب السموات، وأعلم بحكمته البالغة دلائل حمده وثنائه الذييستحقه من جميع الحالات، لا يحصي العباد ثناء عليه،بل هو كما أثنى على نفسه لما لهمن الأسماء والصفات، وهو المنعوت بنعوت الكمال وصفات الجلال التي لا يمثاله فيهاشىء من الموجودات، وهو القدوس السلام المتنزه أن يماثله شىء في نعوت الكمال، أويلحقه شىء من الآفات، فسبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، الذي خلقالسموات والأرض ولم يتخذ ولدًا ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شىء فقدرهتقديرا.
أرسل الرسل مُبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسلوكان الله عزيزًا حكيمًا، مبشرين لمن أطاعهم بغاية المراد من كل ما تحبه النفوسوتراه نعيما، ومنذرين لمن عصاهم باللعن والإبعاد وأن يعذبوا عذابًا أليما، وأمرهمبدعاء الخلق إلى عبادته وحده لا شريك له، مخلصين له الدين ولو كره المشركون. كماقال تعالى:{يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَاتَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَارَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 51-52]. وجعل لكل منهمشرعةً ومنهاجًا، ليستقيموا إليه ولا يبغوا عنه اعوجاجًا.
وختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأولين والآخرين، وصفوة ربالعالمين، الشاهد البشير النذير الهادي السراج المنير، الذي أخرج به الناس منالظلمات إلى النور، وهداهم إلى صراط العزيز الحميد، الله الذي له ما في السموات ومافي الأرض وويل للكافرين من عذابٍ شديد. بعثه بأفضل المناهج والشِّرع، وأحبط بهأصناف الكفر والبدع، وأنزل عليه أفضل الكتب والأنباء، وجعله مهيمنًا على ما بينيديه من كتب السماء.
وجعل أمته خير أمة أخرجت للناس، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرويؤمنون بالله، يوفون سبعين أمة هم خيرها وأكرمها على الله. هو شهيد عليهم وهمشهداء على الناس في الدنيا والآخرة، بما أسبغه عليهم من النعم الباطنة والظاهرة،وعصمهم أن يجتمعوا على ضلالة، إذ لم يبق بعده نبي يبين ما بدل من الرسالة، وأكمللهم دينهم، وأتم عليهم نعمه، ورضى لهم الإسلام دينا، وأظهره علىالدين كله إظهارابالنصرة والتمكين، وإظهارًا بالحجة والتبيين، وجعل فيهم علماءهم ورثة الأنبياء،يقومون مقامهم في تبليغ ما أنزل من الكتاب، وطائفة منصورة لا يزالون ظاهرين علىالحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم إلى حين الحساب.
وحفظ لهم الذّكر الذي أنزله من الكتاب المكنون كما قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُنَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9].فلا يقع في كتابهم من التحريف والتبديل كما وقع من أصحاب التوراة والإنجيل.
وخصهم بالرواية والإسناد الذي يميز به بين الصدق والكذب الجهابذةالنقاد، وجعل هذا الميراث يحمله من كل خلف عدوله أهل العلم والدين؛ ينفون عنه تحريفالغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، لتدوم بهم النعمة على الأمة، ويظهربهم النور من الظلمة، ويحيي بهم دين اللّه الذي بعث به رسوله، وبين اللّه بهم للناسسبيله، فأفضل الخلق أتبعهم لهذا النبي الكريم المنعوت في قوله تعالى:{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌمِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمبِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ}[التوبة: 128].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب العالمين، وإلهالمرسلين، وملك يوم الدين.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله إلى الناس أجمعين، أرسله والناسمن الكفر والجهل والضلال في أقبح خيبة وأسوأ حال. فلم يزل صلى الله عليه وسلميجتهد في تبليغ الدين وهدى العالمين وجهاد الكفار والمنافقين، حتى طلعت شمسالإيمان، وأدبر ليل البهتان، وعز جند الرحمن، وذل حزب الشيطان، وظهر نور الفرقان،واشتهرت تلاوة القرآن، وأعلن بدعوة الأذان،واستنار بنور اللّه أهل البواديوالبلدان، وقامت حجة اللّه على الإنس والجان، لما قام المستجيب من معد بن عدنان صلىالله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، صلاة يرضى بها الملك الديان،وسلم تسليمًا مقرونًا بالرضوان.
أما بعد:
فإنه لا سعادة للعباد، ولا نجاة فى المعاد إلا باتباع رسوله: {تِلْكَ حُدُودُ اللّهِوَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَاالأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَوَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُعَذَابٌ مُّهِينٌ} [النساء: 13، 14] فطاعة الله ورسوله قطبالسعادة التى عليه تدور، ومستقر النجاة الذى عنه لا تحور.
فإن الله خلق الخلق لعبادته كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّوَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات 56]. وإنما تعبَّدهمبطاعته وطاعة رسوله، فلا عبادة إلا ما هو واجب أو مستحب فى دين الله، وما سوى ذلكفضلال عن سبيله. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنافهو رد) أخرجاه فى الصحيحين ، وقال صلى الله عليه وسلم فى حديث العرباض ابن ساريةالذى رواه أهل السنن وصححه الترمذى: (إنه من يَعِشْ منكم بعدى فسيرى اختلافًاكثيرًا، فعليكم بسنتى وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدى، تمسكوا بهاوعضُّوا عليها بالنَّواجذ، وإياكم ومُحْدثَاتِ الأمور، فإن كل بدْعَةٍ ضَلالة).وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم وغيره أنه كان يقول فى خطبته: (خير الكلامكلام الله، وخير الهدى هدىُ محمد، وشَرُّ الأمور محدثاتُها، وكل بدعة ضلالة).
وقد ذكر الله طاعة الرسول واتباعه فى نحو من أربعين موضعا منالقرآن، كقوله تعالى: {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّىفَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء:80]، وقولهتعالى:{وَمَاأَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُالرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا فَلاَ وَرَبِّكَ لاَيُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْفِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}[النساء: 64، 65]، وقوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَوَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّالْكَافِرِينَ} [آل عمران:32] ،وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَاللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31]، فجعل محبة العبد لربه موجبةلاتباع الرسول، وجعل متابعة الرسول سببًا لمحبة الله عبده، وقد قال تعالى: {وَكَذَلِكَأَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُوَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْعِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[الشورى: 52]، فما أوحاه الله إليه يهدى الله به من يشاء من عباده، كما أنهصلى الله عليه وسلم بذلك هداه الله تعالى كما قال تعالى: {قُلْ إِن ضَلَلْتُفَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّرَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} [سبأ: 50]، وقال تعالى: {قَدْ جَاءكُم مِّنَاللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُسُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِوَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة :15، 16].
فبمحمد صلى الله عليه وسلم تبين الكفر من الإيمان، والربح منالخسران، والهدى من الضلال، والنجاة من الوبال، والغى من الرشاد، والزيغ من السداد،وأهل الجنة من أهل النار، والمتقون من الفجار، وإيثار سبيل من أنعم الله عليهم منالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، من سبيل المغضوب عليهم والضالين.
فالنفوس أحوج إلى معرفة ما جاء به واتباعه منها إلى الطعام والشراب،فإن هذا إذا فات حصل الموت فى الدنيا، وذاك إذا فات حصل العذاب.
فحق على كل أحد بذل جهده واستطاعته فى معرفة ما جاء به وطاعته؛ إذهذا طريق النجاة من العذاب الأليم والسعادة فى دار النعيم. والطريق إلى ذلكالرواية والنقل، إذ لا يكفى من ذلك مجرد العقل، بل كما أن نور العين لا يرى إلا معظهور نور قدَّامه، فكذلك نور العقل لا يهتدى إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة، فلهذاكان تبليغ الدين من أعظم فرائض الإسلام، وكان معرفة ما أمر الله به رسوله واجبًاعلى جميع الأنام.
والله ـ سبحانه ـ بعث محمدًا بالكتاب والسنة، وبهما أتم على أمتهالمنة، قال تعالى: {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَكَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَاوَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْتَكُونُواْ تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَتَكْفُرُونِ} [البقرة: 150، 152]، وقال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللّهُعَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوعَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَوَالْحِكْمَةَ} [آل عمران: 164]، وقال تعالى:{وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَاللّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِيَعِظُكُم بِهِ}[البقرة: 231]، وقال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِيالْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْوَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:2].
وقال تعالى عن الخليل :{رَبَّنَا وَابْعَثْفِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُالْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ} [البقرة: 129]، وقالتعالى: {وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِوَالْحِكْمَةِ} [الأحزاب: 34]، وقد قال غير واحد من العلماء،منهم يحيى ابن أبى كثير وقتادة والشافعى وغيرهم: {الًحٌكًمّة}: هى السنة،لأن الله أمر أزواج نبيه أن يذكرن ما يتلى فى بيوتهن من الكتاب والحكمة، والكتاب:القرآن، وما سوى ذلك مما كان الرسول يتلوه هو السنة.
وقد جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم من عدة أوجه من حديث أبيرافع وأبي ثعلبة وغيرهما أنه قال: (لا أُلْفِيَنَّ أحدكم متكئًا على أريكتهيأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيتُ عنه فيقول: بيننا وبينكم القرآن، فماوجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإني أوتيت الكتابومثله معه).وفي رواية: (ألا وإنه مثل الكتاب).
ولما كان القرآن متميزًا بنفسه ـ لما خصه الله به من الإعجاز الذيباين به كلام الناس كما قال تعالى: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِالإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَبِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}[الإسراء: 88] وكان منقولا بالتواتر ـ لم يطمع أحد في تغيير شىء من ألفاظهوحروفه، ولكن طمع الشيطان أن يدخل التحريف والتبديل في معانيه بالتغيير والتأويل،وطمع أن يدخل في الأحاديث من النقص والازدياد ما يضل به بعض العباد.
فأقام الله ـ تعالى ـ الجهابذة النقاد، أهل الهدى والسداد، فدحرواحزب الشيطان، وفرقوا بَيِّن الحق من البهتان، وانتدبوا لحفظ السنة ومعاني القرآن منالزيادة في ذلك والنقصان.
وقام كل من علماء الدين بما أنعم به عليه وعلى المسلمين ـ مقام أهلالفقه الذين فقهوا معاني القرآن والحديث ـ بدفع ما وقع في ذلك من الخطأ في القديموالحديث، وكان من ذلك الظاهر الجلي، الذي لا يسوغ عنه العدول، ومنه الخفي، الذييسوغ فيهالاجتهاد للعلماء العدول.
وقام علماء النقل والنقاد بعلم الرواية والإسناد، فسافروا في ذلكإلى البلاد، وهجروا فيه لذيذ الرقاد، وفارقوا الأموال والأولاد، وأنفقوا فيه الطارفوالتِّلاد، وصبروا فيه على النوائب، وقنعوا من الدنيا بزاد الراكب، ولهم في ذلكمن الحكايات المشهورة، والقصص المأثورة، ما هو عند أهله معلوم، ولمن طلب معرفتهمعروف مرسوم، بتوسد أحدهم التراب وتركهم لذيذ الطعام والشراب، وترك معاشرة الأهلوالأصحاب، والتصبر على مرارة الاغتراب، ومقاساة الأهوال الصعاب، أمر حببه اللهإليهم وحلاه ليحفظ بذلك دين الله. كما جعل البيت مثابة للناس وأمنًا، يقصدونه منكل فج عميق، ويتحملون فيه أمورًا مؤلمة تحصل في الطريق، وكما حبب إلى أهل القتالالجهاد بالنفس والمال حكمة من الله يحفظ بها الدين ليهدى المهتدين، ويظهر به الهدىودين الحق، الذي بعث به رسوله ولو كره المشركون.
فمن كان مخلصًا في أعمال الدين يعملها لله، كان من أولياء اللهالمتقين، أهل النعيم المقيم، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءاللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُواْوَكَانُواْ يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِلاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}[يونس: 62: 64].
وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم البشرى في الدنيا بنوعين:
· أحدهما: ثناء المثنين عليه.
· الثاني: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح، أو ترى له.
فقيل: يا رسول الله، الرجل يعمل العمل لنفسه فيحمده الناس عليه؟قال: (تلك عاجل بشرى المؤمن). وقال البراء بن عازب: سئل النبى صلى اللهعليه وسلم عن قوله [تعالى]:{لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }فقال: (هى الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له)
والقائمون بحفظ العلم الموروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلمالربان، الحافظون له من الزيادة والنقصان، هم من أعظم أولياء اللّه المتقين وحزبهالمفلحين، بل لهم مزية على غيرهم من أهل الإيمان والأعمال الصالحات، كما قالتعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُواالْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } [المجادلة:11] قال ابن عباس: يرفعالله [الذين أوتوا العلم من المؤمنين على الذين لم يؤتوا العلم درجات].
وعلم الإسناد والرواية مما خص الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم،وجعله سُلَّمًا إلى الدراية. فأهل الكتاب لا إسناد لهم يأثرون به المنقولات،وهكذا المبتدعون من هذه الأمة أهل الضلالات، وإنما الإسناد لمن أعظم الله عليهالمنة، أهل الإسلام والسنة، يفرقون به بين الصحيح والسقيم، والمعوج والقويم.
وغيرهم من أهل البدع والكفار، إنما عندهم منقولات يأثرونها بغيرإسناد، وعليها من دينهم الاعتماد، وهم لا يعرفون فيها الحق من الباطل، ولا الحاليمن العاطل.
وأما هذه الأمة المرحومة، وأصحاب هذه الأمة المعصومة، فإن أهل العلممنهم والدين هم من أمرهم على يقين، فظهر لهم الصدق من المين، كما يظهر الصبح لذيعينين. عصمهم الله أن يجمعوا على خطأ في دين الله معقول أو منقول، وأمرهم إذاتنازعوا في شىء أن يردوه إلى الله والرسول، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْفَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[النساء:59].
فإذا اجتمع أهل الفقه على القول بحكم لم يكن إلا حقا، وإذا اجتمعأهلالحديث على تصحيح حديث لم يكن إلا صدقًا، ولكل من الطائفتين من الاستدلال، علىمطلوبهم بالجلي والخفي ما يعرف به من هو بهذا الأمر حَفىّ، واللّه تعالى يلهمهمالصواب في هذه القضية، كما دلت على ذلك الدلائل الشرعية، وكما عرف ذلك بالتجربةالوجودية، فإن الله كتب في قلوبهم الإيمان، وأيدهم بروح منه، لما صدقوا في موالاةالله ورسوله، ومعاداة من عدل عنه، قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًايُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَوَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْعَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍمِّنْهُ} [المجادلة: 22].
وأهل العلم المأثور عن الرسول أعظم الناس قيامًا بهذه الأصول، لاتأخذ أحدهم في الله لومة لائم، ولا يصدهم عن سبيل الله العظائم، بل يتكلم أحدهمبالحق الذي عليه، ويتكلم في أحب الناس إليه، عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَىأَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْفَقَيرًا فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْوَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَخَبِيرًا} [النساء: 135]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَآمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْشَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىوَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}[المائدة:8]. ولهم من التعديل والتجريح، والتضعيف والتصحيح، من السعيالمشكور، والعمل المبرور،ما كان من أسباب حفظ الدين، وصيانته عن إحداث المفترين،وهم في ذلك على درجات: منهم المقتصر على مجرد النقل والرواية، ومنهم أهل المعرفةبالحديث والدراية، ومنهم أهل الفقه فيه، والمعرفة بمعانيه.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة أن يبلِّغ عنه من شهد لمنغاب، ودعا للمبلغين بالدعاء المستجاب، فقال في الحديث الصحيح: (بلغوا عني ولوآية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمدًا فليتبوأ مقعده منالنار). وقال أيضًا في خطبته في حجة الوداع: (ألا ليبلغ الشاهد الغائب، فربمبلغ أوعى من سامع)
وقال أيضًا: (نَضَّر اللّه امرأ سمع منا حديثًا فبلغه إلى من لميسمعه، فرُبَّ حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يُغَلّعليهن قلب مسلم: إخلاص العمل للّه، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين،فإن دعوتهم تحيط من ورائهم).
وفى هذا دعاء منه لمن بلغ حديثه وإن لم يكن فقيها، ودعاء لمن بلغهوإن كان المستمع أفقه من المبلغ، لما أعطى المبلغون من النضرة، ولهذا قال سفيان بنعيينة: لا تجد أحدًا من أهل الحديث إلا وفي وجهه نضرة، لدعوة النبي صلى الله عليهوسلم، يقال: نضُرَ، ونَضَرَ، والفتح أفصح.
ولم يزل أهل العلم في القديم والحديث يعظمون نقلة الحديث، حتى قالالشافعى ـ رضى الله عنه: إذا رأيتُ رجلا من أهل الحديث فكأني رأيت رجلاً من أصحابالنبي صلى الله عليه وسلم. وإنما قال الشافعي هذا، لأنه في مقام الصحابة من تبليغحديث النبي صلى الله عليه وسلم. وقال الشافعى أيضًا: أهل الحديث حفظوا، فلهمعلينا الفضل لأنهم حفظوا لنا. اهـ.
توحيد الألوهية
قاعدة فى الجماعة والفرقة، وسبب ذلك ونتيجته
قال الله تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَالدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَابِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوافِيهِ} [الشورى: 13]
أخبر ـ سبحانه ـ أنه شرع لنا ما وصى به نوحا، والذى أوحاه إلى محمد،وما وصى به الثلاثة المذكورين، وهؤلاء هم أولو العزم المأخوذ عليهم الميثاق فىقوله: {وَإِذْأَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَوَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًاغَلِيظًا} [الأحزاب: 7]، وقوله: {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًاوَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ}، فجاء فى حقمحمد باسم {الَّذٌي} وبلفظ الإيحاء، وفى سائر الرسل بلفظ (الوصية).
ثم قال: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ}. وهذا تفسيرالوصية،و{أّنً}: المفسرة التى تأتى بعد فعل من معنى القول لا من لفظه،كما فىقوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ}[النحل: 123]، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِنقَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} [النساء: 131]. والمعنى: قلنا لهم: اتقوا الله. فكذلك قوله: {أَنْ أَقِيمُواالدِّينَ} فى معنى: قال لكم من الدين ما وصى به رسلاً، قلنا:أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، فالمشروع لنا هو الموصى به، والموحى، وهو:{أَقِيمُوا الدِّينَ} فأقيموا الدين مفسر للمشروع لنا، الموصى به الرسل،والموحى إلى محمد، فقد يقال: الضمير فى {أّقٌيمٍوا} عائد إلينا. ويقال:هو عائد إلى المرسل. ويقال: هو عائد إلى الجميع. وهذا أحسن. ونظيره:أمرتك بما أمرت به زيدًا، أن أطع الله، ووصيتكم بما وصيت بنى فلان، أن افعلوا.فعلى الأول: يكون بدلا من {مّا} أى شرع لكم {أّنً أّقٌيمٍوا} وعلىالثانى: شرع {مّا} خاطبهم. {أّقٌيمٍوا}، فهو بدل أيضًا، وذكر ما قيلللأولين. وعلى الثالث: شرع الموصى به {أّقٌيمٍوا}.
فلما خاطب بهذه الجماعة بعد الإخبار بأنها مقولة لنا، ومقولة لهم،عُلم أن الضمير عائد إلى الطائفتين جميعًا. وهذا أصح إن شاء الله. والمعنى علىالتقديرين الأولين يرجع إلى هذا، فإن الذى شرع لنا، هو الذى وصى به الرسل. وهوالأمر بإقامة الدين، والنهى عن التفرق فيه، ولكن التردد فى أن الضمير تناولهم لفظه،وقد عُلم أنه قيل لنا مثله، أو بالعكس، أو تناولنا جميعا.
وإذا كان الله قد أمر الأولين والآخرين، بأن يقيموا الدين، ولايتفرقوا فيه، وقد أخبر أنه شرع لنا ما وصى به نوحًا، والذى أوحاه إلى محمد، فيحتملشيئين:
أحدهما: أن يكون ما أوحاه إلى محمد يدخل فيه شريعته التى تختصبنا؛ فإن جميع ما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم قد أوحاه إليه، من الأصولوالفروع، بخلاف نوح وغيره من الرسل، فإنما شرع لنا من الدين ما وصوا به، من إقامةالدين، وترك التفرق فيه. والدين الذى اتفقوا عليه: هو الأصول. فتضمن الكلامأشياء :
أحدها: أنه شرع لنا الدين المشترك، وهو الإسلام والإيمان العام،والدين المختص بنا، وهو الإسلام، والإيمان الخاص.
الثانى: أنه أمرنا بإقامة هذا الدين كله المشترك، والمختص، ونهاناعن التفرق فيه.
الثالث: أنه أمر المرسلين بإقامة الدين المشترك، ونهاهم عن التفرقفيه.
الرابع: أنه لما فصل بقوله: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَاإِلَيْكَ} بين قوله: {مَا وَصَّى بِهِنُوحًا} وقوله: {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىوَعِيسَى} أفاد ذلك.
ثم قال بعد ذلك:{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُبَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى:14] فأخبر أن تفرقهم إنما كان بعدمجىء العلم، الذى بين لهم ما يتقون، فإن الله ما كان ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتىيبين لهم ما يتقون. وأخبر أنهم ما تفرقوا إلا بغيا، والبغى مجاوزة الحد، كما قالابن عمر... الكبر والحسد، وهذا بخلاف التفرق عن اجتهاد ليس فيه علم، ولا قصدبه البغى، كتنازع العلماء السائغ، والبغى إما تضييع للحق، وإما تَعَدّ للحد، فهوإما ترك واجب، وإما فعل محرم؛ فعلم أن موجب التفرق هو ذلك.
وهذا كما قال عن أهل الكتاب: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْإِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِفَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِالْقِيَامَةِ} [المائدة:14]، فأخبر أن نسيانهم حظا مما ذُكروابه ـ وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به ـ كان سببًا لإغراء العداوة والبغضاء بينهم،وهكذا هو الواقع فى أهل ملتنا، مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة فى أصول دينها،وكثير من فروعه، من أهل الأصول والفروع، ومثلما نجده بين العلماء وبين العبَّاد؛ممن يغلب عليه الموسوية، أو العيسوية، حتى يبقى فيهم شبه من الأمتين اللتين قالت كلواحدة: ليست الأخرى على شىء، كما نجد المتفقه المتمسك من الدين بالأعمال الظاهرة،والمتصوف المتمسك منه بأعمال باطنة، كل منهما ينفى طريقة الآخر، ويدعى أنه ليس منأهل الدين، أو يعرض عنه إعراض من لا يعده من الدين، فتقع بينهما العداوةوالبغضاء.
وذلك: أن الله أمر بطهارة القلب، وأمر بطهارة البدن، وكلاالطهارتين من الدين الذى أمر الله به وأوجبه، قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللّهُلِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّنِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة:6]، وقال:{فِيهِ رِجَالٌيُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة:108]، وقال: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّالْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْصَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة:103]،وقال: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَقُلُوبَهُمْ} [المائدة:41]، وقال: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَنَجَسٌ} [التوبة: 28]، وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُلِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْتَطْهِيرًا} [الأحزاب:33].
فنجد كثيرًا من المتفقهة، والمتعبدة، إنما همته طهارة البدن فقط،ويزيد فيها على المشروع؛ اهتماما، وعملا. ويترك من طهارة القلب ما أمر به،إيجابًا، أو استحبابًا، ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك. ونجد كثيرًا من المتصوفة،والمتفقرة، إنما همته طهارة القلب فقط، حتى يزيد فيها على المشروع، اهتماماوعملا. ويترك من طهارة البدن ما أمر به، إيجابا، أو استحبابًا.
فالأولون يخرجون إلى الوسوسة المذمومة فى كثرة صب الماء، وتنجيس ماليس بنجس، واجتناب ما لا يشرع اجتنابه، مع اشتمال قلوبهم على أنواع من الحسدوالكِبْر، والغِلِّ لإخوانهم، وفى ذلك مشابهة بَيِّنةٌ لليهود.
والآخرون يخرجون إلى الغفلة المذمومة، فيبالغون فى سلامة الباطن حتىيجعلوا الجهل بما تجب معرفته، من الشر ـ الذى يجب اتقاؤه ـ من سلامة الباطن، ولايفرقون بين سلامة الباطن من إرادة الشر المنهى عنه، وبين سلامة القلب من معرفة الشرالمعرفة المأمور بها، ثم مع هذا الجهل والغفلة قد لا يجتنبون النجاسات، ويقيمونالطهارة الواجبة مضاهاة للنصارى.
وتقع العداوة بين الطائفتين بسبب ترك حظ مما ذكروا به، والبغى الذىهو مجاوزة الحد؛ إما تفريطًا وتضييعًا للحق، وإما عدوانًا وفعلا للظلم. والبغىتارة تكون من بعضهم على بعض، وتارة يكون فى حقوق الله، وهما متلازمان ولهذا قال:{بّغًيْا بّيًنّهٍمً} [البقرة: 213]، فإن كل طائفة بَغَتْ على الأخرى،فلم تعرف حقها الذى بأيديها، ولم تَكُفَّ عن العدوان عليها.
وقال: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِمَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:4]، وقال تعالى:{كَانَ النَّاسُأُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَوَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَااخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِمَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}[البقرة:213]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيإِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}[الجاثية:16]، وقال تعالى فى موسى بن عمران مثل ذلك، وقال: {وَلاَ تَكُونُواْكَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُوَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]،وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًالَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 951]، وقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَلِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَالنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَوَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُواشِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 30- 32]، لأن المشركين كل منهم يعبد إلها يَهْواه. كما قال فى الآية الأولى: {كَبُرَ عَلَىالْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ} [الشورى: 3 1]، وقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواصَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةًوَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْزُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: 51-53]
فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين، والعمل به كله، وهو عبادةالله وحده لا شريك له، كما أمر به باطنا، وظاهرا.
وسبب الفرقة ترك حظ مما أمر العبد به، والبغي بينهم.
ونتيجة الجماعة رحمة اللّه، ورضوانه، وصلواته، وسعادة الدنياوالآخرة، وبياض الوجوه.
ونتيجة الفرقة عذاب اللّه، ولعنته، وسواد الوجوه، وبراءة الرسولمنهم.
وهذا أحد الأدلة على أن الإجماع حجة قاطعة، فإنهم إذا اجتمعوا كانوامطيعين لله بذلك مرحومين، فلا تكون طاعةٌ لله ورحمته بفعل لم يأمر الله به، مناعتقاد، أو قول، أو عمل. فلو كان القول، أو العمل، الذي اجتمعوا عليه لم يأمرالله به، لم يكن ذلك طاعة للّه، ولا سببا لرحمته، وقد احتج بذلك أبوبكر عبدالعزيزفي أول [التنبيه] نبه على هذه النكتة.
فَصل: في حديث ثلاث لا يُغَلُّ عليهن قلبُمسلم
أخبر ـ سبحانه ـ أنه شرع لنا ما وصى به نوحا، والذى أوحاه إلى محمد،وما وصى به الثلاثة المذكورين، وهؤلاء هم أولو العزم المأخوذ عليهم الميثاق فىقوله: {وَإِذْأَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَوَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًاغَلِيظًا} [الأحزاب: 7]، وقوله: {مَا وَصَّى بِهِ نُوحًاوَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ}، فجاء فى حقمحمد باسم {الَّذٌي} وبلفظ الإيحاء، وفى سائر الرسل بلفظ (الوصية).
ثم قال: {أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ}. وهذا تفسيرالوصية،و{أّنً}: المفسرة التى تأتى بعد فعل من معنى القول لا من لفظه،كما فىقوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ}[النحل: 123]، {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِنقَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ} [النساء: 131]. والمعنى: قلنا لهم: اتقوا الله. فكذلك قوله: {أَنْ أَقِيمُواالدِّينَ} فى معنى: قال لكم من الدين ما وصى به رسلاً، قلنا:أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، فالمشروع لنا هو الموصى به، والموحى، وهو:{أَقِيمُوا الدِّينَ} فأقيموا الدين مفسر للمشروع لنا، الموصى به الرسل،والموحى إلى محمد، فقد يقال: الضمير فى {أّقٌيمٍوا} عائد إلينا. ويقال:هو عائد إلى المرسل. ويقال: هو عائد إلى الجميع. وهذا أحسن. ونظيره:أمرتك بما أمرت به زيدًا، أن أطع الله، ووصيتكم بما وصيت بنى فلان، أن افعلوا.فعلى الأول: يكون بدلا من {مّا} أى شرع لكم {أّنً أّقٌيمٍوا} وعلىالثانى: شرع {مّا} خاطبهم. {أّقٌيمٍوا}، فهو بدل أيضًا، وذكر ما قيلللأولين. وعلى الثالث: شرع الموصى به {أّقٌيمٍوا}.
فلما خاطب بهذه الجماعة بعد الإخبار بأنها مقولة لنا، ومقولة لهم،عُلم أن الضمير عائد إلى الطائفتين جميعًا. وهذا أصح إن شاء الله. والمعنى علىالتقديرين الأولين يرجع إلى هذا، فإن الذى شرع لنا، هو الذى وصى به الرسل. وهوالأمر بإقامة الدين، والنهى عن التفرق فيه، ولكن التردد فى أن الضمير تناولهم لفظه،وقد عُلم أنه قيل لنا مثله، أو بالعكس، أو تناولنا جميعا.
وإذا كان الله قد أمر الأولين والآخرين، بأن يقيموا الدين، ولايتفرقوا فيه، وقد أخبر أنه شرع لنا ما وصى به نوحًا، والذى أوحاه إلى محمد، فيحتملشيئين:
أحدهما: أن يكون ما أوحاه إلى محمد يدخل فيه شريعته التى تختصبنا؛ فإن جميع ما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم قد أوحاه إليه، من الأصولوالفروع، بخلاف نوح وغيره من الرسل، فإنما شرع لنا من الدين ما وصوا به، من إقامةالدين، وترك التفرق فيه. والدين الذى اتفقوا عليه: هو الأصول. فتضمن الكلامأشياء :
أحدها: أنه شرع لنا الدين المشترك، وهو الإسلام والإيمان العام،والدين المختص بنا، وهو الإسلام، والإيمان الخاص.
الثانى: أنه أمرنا بإقامة هذا الدين كله المشترك، والمختص، ونهاناعن التفرق فيه.
الثالث: أنه أمر المرسلين بإقامة الدين المشترك، ونهاهم عن التفرقفيه.
الرابع: أنه لما فصل بقوله: {وَالَّذِي أَوْحَيْنَاإِلَيْكَ} بين قوله: {مَا وَصَّى بِهِنُوحًا} وقوله: {وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىوَعِيسَى} أفاد ذلك.
ثم قال بعد ذلك:{وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُبَغْيًا بَيْنَهُمْ} [الشورى:14] فأخبر أن تفرقهم إنما كان بعدمجىء العلم، الذى بين لهم ما يتقون، فإن الله ما كان ليضل قومًا بعد إذ هداهم حتىيبين لهم ما يتقون. وأخبر أنهم ما تفرقوا إلا بغيا، والبغى مجاوزة الحد، كما قالابن عمر... الكبر والحسد، وهذا بخلاف التفرق عن اجتهاد ليس فيه علم، ولا قصدبه البغى، كتنازع العلماء السائغ، والبغى إما تضييع للحق، وإما تَعَدّ للحد، فهوإما ترك واجب، وإما فعل محرم؛ فعلم أن موجب التفرق هو ذلك.
وهذا كما قال عن أهل الكتاب: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْإِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِفَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِالْقِيَامَةِ} [المائدة:14]، فأخبر أن نسيانهم حظا مما ذُكروابه ـ وهو ترك العمل ببعض ما أمروا به ـ كان سببًا لإغراء العداوة والبغضاء بينهم،وهكذا هو الواقع فى أهل ملتنا، مثلما نجده بين الطوائف المتنازعة فى أصول دينها،وكثير من فروعه، من أهل الأصول والفروع، ومثلما نجده بين العلماء وبين العبَّاد؛ممن يغلب عليه الموسوية، أو العيسوية، حتى يبقى فيهم شبه من الأمتين اللتين قالت كلواحدة: ليست الأخرى على شىء، كما نجد المتفقه المتمسك من الدين بالأعمال الظاهرة،والمتصوف المتمسك منه بأعمال باطنة، كل منهما ينفى طريقة الآخر، ويدعى أنه ليس منأهل الدين، أو يعرض عنه إعراض من لا يعده من الدين، فتقع بينهما العداوةوالبغضاء.
وذلك: أن الله أمر بطهارة القلب، وأمر بطهارة البدن، وكلاالطهارتين من الدين الذى أمر الله به وأوجبه، قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللّهُلِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّنِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة:6]، وقال:{فِيهِ رِجَالٌيُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة:108]، وقال: {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّالْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:222]، وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْصَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا} [التوبة:103]،وقال: {أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَقُلُوبَهُمْ} [المائدة:41]، وقال: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَنَجَسٌ} [التوبة: 28]، وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُلِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْتَطْهِيرًا} [الأحزاب:33].
فنجد كثيرًا من المتفقهة، والمتعبدة، إنما همته طهارة البدن فقط،ويزيد فيها على المشروع؛ اهتماما، وعملا. ويترك من طهارة القلب ما أمر به،إيجابًا، أو استحبابًا، ولا يفهم من الطهارة إلا ذلك. ونجد كثيرًا من المتصوفة،والمتفقرة، إنما همته طهارة القلب فقط، حتى يزيد فيها على المشروع، اهتماماوعملا. ويترك من طهارة البدن ما أمر به، إيجابا، أو استحبابًا.
فالأولون يخرجون إلى الوسوسة المذمومة فى كثرة صب الماء، وتنجيس ماليس بنجس، واجتناب ما لا يشرع اجتنابه، مع اشتمال قلوبهم على أنواع من الحسدوالكِبْر، والغِلِّ لإخوانهم، وفى ذلك مشابهة بَيِّنةٌ لليهود.
والآخرون يخرجون إلى الغفلة المذمومة، فيبالغون فى سلامة الباطن حتىيجعلوا الجهل بما تجب معرفته، من الشر ـ الذى يجب اتقاؤه ـ من سلامة الباطن، ولايفرقون بين سلامة الباطن من إرادة الشر المنهى عنه، وبين سلامة القلب من معرفة الشرالمعرفة المأمور بها، ثم مع هذا الجهل والغفلة قد لا يجتنبون النجاسات، ويقيمونالطهارة الواجبة مضاهاة للنصارى.
وتقع العداوة بين الطائفتين بسبب ترك حظ مما ذكروا به، والبغى الذىهو مجاوزة الحد؛ إما تفريطًا وتضييعًا للحق، وإما عدوانًا وفعلا للظلم. والبغىتارة تكون من بعضهم على بعض، وتارة يكون فى حقوق الله، وهما متلازمان ولهذا قال:{بّغًيْا بّيًنّهٍمً} [البقرة: 213]، فإن كل طائفة بَغَتْ على الأخرى،فلم تعرف حقها الذى بأيديها، ولم تَكُفَّ عن العدوان عليها.
وقال: {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِمَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ} [البينة:4]، وقال تعالى:{كَانَ النَّاسُأُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَوَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَااخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِمَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}[البقرة:213]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِيإِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}[الجاثية:16]، وقال تعالى فى موسى بن عمران مثل ذلك، وقال: {وَلاَ تَكُونُواْكَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُوَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105]،وقال: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًالَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 951]، وقال: {فَأَقِمْ وَجْهَكَلِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَاتَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَالنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَوَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُواشِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم: 30- 32]، لأن المشركين كل منهم يعبد إلها يَهْواه. كما قال فى الآية الأولى: {كَبُرَ عَلَىالْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ} [الشورى: 3 1]، وقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُواصَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةًوَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ فتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْزُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}[المؤمنون: 51-53]
فظهر أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين، والعمل به كله، وهو عبادةالله وحده لا شريك له، كما أمر به باطنا، وظاهرا.
وسبب الفرقة ترك حظ مما أمر العبد به، والبغي بينهم.
ونتيجة الجماعة رحمة اللّه، ورضوانه، وصلواته، وسعادة الدنياوالآخرة، وبياض الوجوه.
ونتيجة الفرقة عذاب اللّه، ولعنته، وسواد الوجوه، وبراءة الرسولمنهم.
وهذا أحد الأدلة على أن الإجماع حجة قاطعة، فإنهم إذا اجتمعوا كانوامطيعين لله بذلك مرحومين، فلا تكون طاعةٌ لله ورحمته بفعل لم يأمر الله به، مناعتقاد، أو قول، أو عمل. فلو كان القول، أو العمل، الذي اجتمعوا عليه لم يأمرالله به، لم يكن ذلك طاعة للّه، ولا سببا لرحمته، وقد احتج بذلك أبوبكر عبدالعزيزفي أول [التنبيه] نبه على هذه النكتة.
فَصل: في حديث ثلاث لا يُغَلُّ عليهن قلبُمسلم
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور في السنن من رواية فقيهىالصحابة، عبداللّه بن مسعود، وزيد بن ثابت: (ثلاث لا يُغَلُّ عليهن قلبُمسلم: إخلاص العمل للّه، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين، فإن دعوتهمتحيط من ورائهم). وفي حديث أبي هريرة المحفوظ: (إنَّ اللَّهَ يَرْضَى لكمثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تَعْتَصموا بحبل الله جميعًا ولاتفرقوا، وأن تَنَاصَحوا من ولاَّه الله أمركم)
فقد جمع في هذه الأحاديث بين الخصال الثلاث، إخلاص العمل للّه،ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين. وهذه الثلاث تجمع أصول الدين وقواعده،وتجمع الحقوق التي للّه ولعباده، وتنتظم مصالح الدنيا والآخرة.
وبيان ذلك أن الحقوق قسمان: حق للّه، وحق لعباده. فحق الله أننعبده ولا نشرك به شيئًا، كما جاء لفظه في أحد الحديثين، وهذا معنى إخلاص العملللّه، كما جاء في الحديث الآخر. وحقوق العباد قسمان: خاص وعام؛ أما الخاصفمثل: برّ كل إنسان والديه، وحق زوجته، وجاره، فهذه من فروع الدين، لأن المكلف قديخلو عن وجوبها عليه؛ ولأن مصلحتها خاصة فردية.
وأما الحقوق العامة فالناس نوعان: رعاة ورعية؛ فحقوق الرعاةمناصحتهم، وحقوق الرعية لزوم جماعتهم، فإن مصلحتهم لا تتم إلا باجتماعهم، وهم لايجتمعون على ضلالة، بل مصلحة دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامهم بحبل اللّهجميعا، فهذه الخصال تجمع أصول الدين.
وقد جاءت مفسرة في الحديث الذي رواه مسلم عن تَمِيم الدَّارِىّقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة،الدين النصيحة). قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: (للّه، ولكتابه،ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم). فالنصيحة للّه ولكتابه ولرسوله تدخل في حقاللّه وعبادته وحده لا شريك له، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم هي مناصحة ولاةالأمر ولزوم جماعتهم، فإن لزوم جماعتهم هي نصيحتهم العامة، وأما النصيحة الخاصة لكلواحد منهم بعينه، فهذه يمكن بعضها ويتَعذَّر استيعابها على سبيل التعيين.
قاعدة جليلة في توحيد الله
فقد جمع في هذه الأحاديث بين الخصال الثلاث، إخلاص العمل للّه،ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين. وهذه الثلاث تجمع أصول الدين وقواعده،وتجمع الحقوق التي للّه ولعباده، وتنتظم مصالح الدنيا والآخرة.
وبيان ذلك أن الحقوق قسمان: حق للّه، وحق لعباده. فحق الله أننعبده ولا نشرك به شيئًا، كما جاء لفظه في أحد الحديثين، وهذا معنى إخلاص العملللّه، كما جاء في الحديث الآخر. وحقوق العباد قسمان: خاص وعام؛ أما الخاصفمثل: برّ كل إنسان والديه، وحق زوجته، وجاره، فهذه من فروع الدين، لأن المكلف قديخلو عن وجوبها عليه؛ ولأن مصلحتها خاصة فردية.
وأما الحقوق العامة فالناس نوعان: رعاة ورعية؛ فحقوق الرعاةمناصحتهم، وحقوق الرعية لزوم جماعتهم، فإن مصلحتهم لا تتم إلا باجتماعهم، وهم لايجتمعون على ضلالة، بل مصلحة دينهم ودنياهم في اجتماعهم واعتصامهم بحبل اللّهجميعا، فهذه الخصال تجمع أصول الدين.
وقد جاءت مفسرة في الحديث الذي رواه مسلم عن تَمِيم الدَّارِىّقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة،الدين النصيحة). قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: (للّه، ولكتابه،ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم). فالنصيحة للّه ولكتابه ولرسوله تدخل في حقاللّه وعبادته وحده لا شريك له، والنصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم هي مناصحة ولاةالأمر ولزوم جماعتهم، فإن لزوم جماعتهم هي نصيحتهم العامة، وأما النصيحة الخاصة لكلواحد منهم بعينه، فهذه يمكن بعضها ويتَعذَّر استيعابها على سبيل التعيين.
قاعدة جليلة في توحيد الله
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما.
وبعد: فهذه قاعدة جليلة في توحيد الله، وإخلاص الوجه والعمل له،عبادة واستعانة، قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءوَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَنتَشَاء} الآية [آل عمران:26]، وقال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، وقال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} [الأنعام:17]، وقال تعالى فى الآيةالأخرى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهٌِ} [يونس:107]، وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، وقال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123]، وقال تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88]، وقال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن :1]، وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، وقال تعالى: {ٍقُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} الآية[الزمر:38]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسـراء: 56، 57]،وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} الآية [الفرقان: 58: 59]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}الآية [البينة:5]. ونظائر هذا فى القرآن كثير، وكذلك فى الأحاديث، وكذلك فيإجماع الأمة، ولاسيما أهل العلم والإيمان منهم، فإن هذا عندهم قطب رحى الدين كما هوالواقع.
ونبين هذا بوجوه نقدم قبلها مقدمة:
وذلك أن العبد، بل كل حي، بل وكل مخلوق سوى الله، هو فقير محتاج إلىجَلْب ما ينفعه، ودفع ما يضره، والمنفعة للحي هي من جنس النعيم واللذة، والمضرَّةهي من جنس الألم والعذاب؛ فلابد له من أمرين:
· أحدهما: هو المطلوب المقصود المحبوب الذي ينتفع ويلتذ به.
· والثاني: هو المعين الموصل المحصل لذلك المقصود والمانع من دفعالمكروه. وهذان هما الشيئان المنفصلان الفاعل والغايةفهنا أربعة أشياء :
o أحدها: أمر محبوب مطلوب الوجود.
o الثاني: أمر مكروه مبغض مطلوب العدم.
o والثالث: الوسيلةإلى حصول المطلوب المحبوب.
o والرابع: الوسيلة إلى دفع المكروه.
فهذه الأربعة الأمور ضرورية للعبد، بل ولكل حي لا يقوم وجوده وصلاحهإلا بها، وأما ما ليس بحي فالكلام فيه على وجه آخر.
إذا تبين ذلك فبيان ما ذكرته من وجوه:
أحدها: أن الله تعالى هو الذي يحب أن يكون هو المقصود المدعوالمطلوب، وهو المعين على المطلوب وما سواه هو المكروه، وهو المعين على دفع المكروه؛فهو سبحانه الجامع للأمور الأربعة دون ما سواه، وهذا معنى قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَنَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فإن العبودية تتضمن المقصود المطلوب،لكن على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذي يستعان به على المطلوب؛ فالأول: من معنىالألوهية. والثاني: من معنى الربوبية؛ إذ الإله: هو الذي يؤله فيعبد محبةوإنابة وإجلالا وإكرامًا. والرب: هو الذى يربى عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلىجميع أحواله من العبادة وغيرها.
وكذلك قوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88]، وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِِ} [هود:123]، وقوله: {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4]،وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْبِحَمْدِهِ} [الفرقان:58]، وقوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد:30]، وقوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 8، 9].
فهذه سبعة مواضع تنتظم هذين الأصلين الجامعين.
الوجه الثإني: أن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفتهوالإنابة إليه، ومحبته والإخلاص له، فبذكره تطمئن قلوبهم، وبرؤيته فى الآخرةتَقَرُّ عُيونهم ولا شىء يعطيهم فى الآخرة أحب إليهم من النظر إليه؛ ولا شىء يعطيهمفى الدنيا أعظم من الإيمان به.
وحاجتهم إليه فى عبادتهم إياه وتألههم كحاجتهم وأعظم فى خلقه لهموربوبيته إياهم؛ فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم، وبذلك يصيرون عاملين متحركين، ولاصلاح لهم ولا فلاح، ولا نعيم ولا لذة، بدون ذلك بحال. بل من أعرض عن ذكر ربه فإنله معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.
ولهذا كان الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء،ولهذا كانت لا إله إلا الله أحسن الحسنات، وكان التوحيد بقول: لا إله إلا الله،رأس الأمر.
فأما توحيد الربوبية الذى أقر به الخلق، وقرره أهل الكلام؛ فلا يكفىوحده، بل هو من الحجة عليهم، وهذا معنى ما يروى: (يابن آدم، خلقت كل شىء لك،وخلقتك لى، فبحقي عليك ألا تشتغل بما خلقته لك، عما خلقتك له).
واعلم أن هذا حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، كمافى الحديث الصحيح، الذى رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتدرىما حق الله على عباده؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق اللهعلى عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. أتدرى ما حق العباد على الله إذا فعلواذلك ؟) قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حقهم ألا يعذبهم)
وهو يحب ذلك، ويرضي به، ويرضي عن أهله، ويفرح بتوبة من عاد إليه؛كما أن في ذلك لذة العبد وسعادته ونعيمه، وقد بينت بعض معنى محبة الله لذلك وفرحهبه في غير هذا الموضع.
فليس فى الكائنات ما يسكن العبد إليه ويطمئن به، ويتنعم بالتوجهإليه، إلا الله سبحانه، ومن عبد غير الله وإن أحبه وحصل له به مودة فى الحياةالدنيا ونوع من اللذة فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التلذاذ أكل الطعامالمسموم،{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَاللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الأنبياء:22]،
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم تسليما.
وبعد: فهذه قاعدة جليلة في توحيد الله، وإخلاص الوجه والعمل له،عبادة واستعانة، قال الله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءوَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَنتَشَاء} الآية [آل عمران:26]، وقال تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]، وقال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} [الأنعام:17]، وقال تعالى فى الآيةالأخرى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهٌِ} [يونس:107]، وقال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، وقال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: 123]، وقال تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88]، وقال تعالى: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التغابن :1]، وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [محمد:19]، وقال تعالى: {ٍقُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ} الآية[الزمر:38]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} [سبأ: 22، 23]، وقال تعالى: {قُلِ ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا} [الإسـراء: 56، 57]،وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص:88]، وقال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} الآية [الفرقان: 58: 59]، وقال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}الآية [البينة:5]. ونظائر هذا فى القرآن كثير، وكذلك فى الأحاديث، وكذلك فيإجماع الأمة، ولاسيما أهل العلم والإيمان منهم، فإن هذا عندهم قطب رحى الدين كما هوالواقع.
ونبين هذا بوجوه نقدم قبلها مقدمة:
وذلك أن العبد، بل كل حي، بل وكل مخلوق سوى الله، هو فقير محتاج إلىجَلْب ما ينفعه، ودفع ما يضره، والمنفعة للحي هي من جنس النعيم واللذة، والمضرَّةهي من جنس الألم والعذاب؛ فلابد له من أمرين:
· أحدهما: هو المطلوب المقصود المحبوب الذي ينتفع ويلتذ به.
· والثاني: هو المعين الموصل المحصل لذلك المقصود والمانع من دفعالمكروه. وهذان هما الشيئان المنفصلان الفاعل والغايةفهنا أربعة أشياء :
o أحدها: أمر محبوب مطلوب الوجود.
o الثاني: أمر مكروه مبغض مطلوب العدم.
o والثالث: الوسيلةإلى حصول المطلوب المحبوب.
o والرابع: الوسيلة إلى دفع المكروه.
فهذه الأربعة الأمور ضرورية للعبد، بل ولكل حي لا يقوم وجوده وصلاحهإلا بها، وأما ما ليس بحي فالكلام فيه على وجه آخر.
إذا تبين ذلك فبيان ما ذكرته من وجوه:
أحدها: أن الله تعالى هو الذي يحب أن يكون هو المقصود المدعوالمطلوب، وهو المعين على المطلوب وما سواه هو المكروه، وهو المعين على دفع المكروه؛فهو سبحانه الجامع للأمور الأربعة دون ما سواه، وهذا معنى قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَنَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] فإن العبودية تتضمن المقصود المطلوب،لكن على أكمل الوجوه، والمستعان هو الذي يستعان به على المطلوب؛ فالأول: من معنىالألوهية. والثاني: من معنى الربوبية؛ إذ الإله: هو الذي يؤله فيعبد محبةوإنابة وإجلالا وإكرامًا. والرب: هو الذى يربى عبده فيعطيه خلقه ثم يهديه إلىجميع أحواله من العبادة وغيرها.
وكذلك قوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88]، وقوله: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِِ} [هود:123]، وقوله: {عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [الممتحنة:4]،وقوله تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْبِحَمْدِهِ} [الفرقان:58]، وقوله تعالى: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد:30]، وقوله: {وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: 8، 9].
فهذه سبعة مواضع تنتظم هذين الأصلين الجامعين.
الوجه الثإني: أن الله خلق الخلق لعبادته الجامعة لمعرفتهوالإنابة إليه، ومحبته والإخلاص له، فبذكره تطمئن قلوبهم، وبرؤيته فى الآخرةتَقَرُّ عُيونهم ولا شىء يعطيهم فى الآخرة أحب إليهم من النظر إليه؛ ولا شىء يعطيهمفى الدنيا أعظم من الإيمان به.
وحاجتهم إليه فى عبادتهم إياه وتألههم كحاجتهم وأعظم فى خلقه لهموربوبيته إياهم؛ فإن ذلك هو الغاية المقصودة لهم، وبذلك يصيرون عاملين متحركين، ولاصلاح لهم ولا فلاح، ولا نعيم ولا لذة، بدون ذلك بحال. بل من أعرض عن ذكر ربه فإنله معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى.
ولهذا كان الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء،ولهذا كانت لا إله إلا الله أحسن الحسنات، وكان التوحيد بقول: لا إله إلا الله،رأس الأمر.
فأما توحيد الربوبية الذى أقر به الخلق، وقرره أهل الكلام؛ فلا يكفىوحده، بل هو من الحجة عليهم، وهذا معنى ما يروى: (يابن آدم، خلقت كل شىء لك،وخلقتك لى، فبحقي عليك ألا تشتغل بما خلقته لك، عما خلقتك له).
واعلم أن هذا حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، كمافى الحديث الصحيح، الذى رواه معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أتدرىما حق الله على عباده؟" قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حق اللهعلى عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا. أتدرى ما حق العباد على الله إذا فعلواذلك ؟) قال: قلت: الله ورسوله أعلم. قال: (حقهم ألا يعذبهم)
وهو يحب ذلك، ويرضي به، ويرضي عن أهله، ويفرح بتوبة من عاد إليه؛كما أن في ذلك لذة العبد وسعادته ونعيمه، وقد بينت بعض معنى محبة الله لذلك وفرحهبه في غير هذا الموضع.
فليس فى الكائنات ما يسكن العبد إليه ويطمئن به، ويتنعم بالتوجهإليه، إلا الله سبحانه، ومن عبد غير الله وإن أحبه وحصل له به مودة فى الحياةالدنيا ونوع من اللذة فهو مفسدة لصاحبه أعظم من مفسدة التلذاذ أكل الطعامالمسموم،{لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَاللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ}[الأنبياء:22]،
في انتظاركم اخواني ان شاء الله في المرة القادمة لنستكمل باذن الله هذا الموضوع
اللهم صلِّ على محمد في الاولين وفي الاخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين وفي كل وقت وحين، اللهم صلِّ على محمد عدد من صلى عليه وعدد من لم يصلِّ عليه،اللهم صلِّ على محمد عدد الجبال والدواب وذرات الرمال، واوراق الشجر والبحار، اللهم صلِّ على محمد كما تحب وترضى يا رب العالمين هكذا اخواني الكرام احد عوامل نصرة النبي ان نصلي عليه كثيرا فلا تنسى ان تصلي على النبي حتى تنالك شفاعته وحتى تكون لك نورا يوم القيامة.
سبحان الله وبحمده عدد خلقه وزنة عرشه ومداد كلماته سبحان الله العظيم، لا اله الا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحي ويميت وهو على كل شيء قدير،لا تنسى ذكر الله دائما وذكر غيرك بذكر الله.
لاتنسوا اخواني الكرام ان تنشروها بين اخوانكم واهليكم واصدقاءكم سواء عن طريق الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات او عن طريق الاتصال المباشر بين اقاربكم واصدقائكم. فالدال على خير كفاعله كما قلنا ولربما انتفع بها احد معارفك واصدقائك فتكتب في ميزان حسناتك يوم القيامة.
اللهم ان عصيتك جهرا فاغفر لي *وان عصيتك سرا فاسترني *ولاتجعل ابتلائي في ديني
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى
اللهم اجعل مصر رخاءا سخاءا وسائر بلاد المسلمين وولي من يصلح
اللهم انصر الاسلام واعز المسلمين وانصر اخواننا في سوريا وفلسطين
اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم احسن خاتمتنا وخاتمة المسلمين جميعا
اللهم زدنا علما وفقهنا في الدين
اللهم هب لنا من ازواجنا وذريتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما
اللهم اغفر لوالدي وارحمها واسكنهما فسيح جناتك وارحم موتانا وموتى المسلمين
لاتنسونا من صالح دعائكم
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى
اللهم اجعل مصر رخاءا سخاءا وسائر بلاد المسلمين وولي من يصلح
اللهم انصر الاسلام واعز المسلمين وانصر اخواننا في سوريا وفلسطين
اللهم اعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك
اللهم احسن خاتمتنا وخاتمة المسلمين جميعا
اللهم زدنا علما وفقهنا في الدين
اللهم هب لنا من ازواجنا وذريتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما
اللهم اغفر لوالدي وارحمها واسكنهما فسيح جناتك وارحم موتانا وموتى المسلمين
لاتنسونا من صالح دعائكم
اللهم انصر الاسلام واعز المسلمين واخواننا المجاهدين في كل مكان
اللهم اجعل مصر امنة مطمئنة سخاءا رخاءا وسائر بلاد المسلمين
اللهم احفظ مصر واهلها من كل سوء
ربنا هب لنا من ازواجنا وذريتنا قرة اعين واجعلنا للمتقين اماما
رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي اني تبت اليك واني من المسلمين
اللهم اهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى
اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتنا وموتى المسلمين واغفر للمسلمين الاحياء منهم والاموات.