Tweet
الصراع مع الشيطان
ا.د / صلاح سلطان
المستشار الشرعي للمجلس الاعلى للشئون الاسلامية
بمملكة البحرين
مقدمة
الحمد لله الرحمن الرحيم،
ابتلانا بالشيطان الرجيم؛ ليختبر
الناس أجمعين، و أعاننا عليه
بالرسل والقرآن الكريم، وفتح لنا
أبواب التوبة ليغفر زلّات العابدين
والفاسقين، نحمده سبحانه على
لطفه بنا أجمعين، ونصلي ونسلم
ونبارك على سيد الأولين والآخرين
سيدنا محمد النبي الأمين،
و أزواجه أمهات المؤمنين، و آل بيته
الأطهار المقربين ، و أصحابه الأبرار
المتقين، ومن تبعهم بإحسان من
عباده ال صالحين إلى يوم الدين،
وبعد...
فقد كنت أصلي التراويح في
ليالي رمضان 1426 ه في مسجد
إخواننا الصوماليين بمدينة
كولمبس – أوهايو الأمريكية
وذهني مشغول بالخاطرة بين
الترويحتين، لكن صدق القارئ -
رغ م قلة نداوة الصوت - شدني
إلى عالمٍ آخر تدبرا في الآيات التي
قرأهامن سورة الأعراف: {يَا
بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشيْطَانُ
كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ
يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاَسهُمَا لِيُرِيَهُمَا
سوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ
مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا
الشيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا
يُؤْمِنُونَ} )الأعراف: 27 (، فوجدت
في الآيات تحذيرا للإنسان من
خطر رهيب، وهو فتنة الشيطان
مع عناية ربانية قوية بوسائل عملية
لمن استعد وبدأ مشوار الصراع
معه، وغَّريَّتُ الخاطرة لتكون عن
الصراع مع الشيطان، وعدتُ لبيتي
لأبدأ مشوار البحث عن علاقة
الشيطان بالإنسان، ورسالته في جر
الإنسان إلى شقاء الدنيا وعذاب
الآخرة ، ومدى تفرغه لنا بالليل
والنهار، وطرق وخطوات الحرب
والصراع، وطبيعة المعركة وطرق
الاستعداد لها، ثم حوَّلت ما هداني
الله إليه ليكون موضوعا لدورة
إيمانية تربوية، وقدمتها في بلاد
عدة، وكنت أقلب النظر في السماء
ليجود عليَّ الرحمن بإمكانية كتابة
رسالة تربوية عن الصراع مع
الشيطان تكون في يد كل أحبابنا
ممن تحول بيننا وبينهم الفيافي
والقفار، والمحيطات والأنهار، رغم
فرط حبنا لهم دون رؤية وإبصار،
لكن الأرواح جنود مجندة تلتقي
على الحب في الله الودود الغفار،
وها هي الفرصة تأتي - من المدينة
المنورة أرض الأبرار- كي نكمل
المشوار، أملاً أن تصل كلماتي إلى
أعماق إخواني وأخواتي؛ حتى لا
يشتتنا الشيطان عن بلوغ أعلى
الجنان ورضا الرحمن، خاصة في
هذا الشهر الكريم الذي يكرمنا الله
تعالى بملائكته المقربين يطوفون
بيننا ، وتصفد وتسلسل مردة
الشياطين لما رواه البخاري بسنده
عن أبي هريرةَ رضي الله عنه عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « إذا دخَلَ
رمضانُ فتِّحَتْ أبوابُ الجنةِ وغُلِّقَتْ
أبوابُ جهنمَ وُسلِسلَتِ الشياطين »
) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة إبليس
وجنوده، 6: 488 ( ، فلنكن هؤلاء الأتقياء
الأذكياء الذين لا يضيعون الفرصة
لإلحاق الهزائم الكبرى بالشياطين
في هذا الشهر الكريم وما بعده؛
حتى نلقى الله صالحين مصلحين.
د. صلاح الدين سلطان
رجب 1429 ه ، يوليو 2008 م
المطلب الأول: من أنا؟
سؤال يتكون من كلمتين يتوقف
عليهما كل تصرفات الإنسان ليكون
سعيدا أو كئيبا، تقياً أوشقياً.
والذي لا مراء فيه أن الإنسان من
كل الأجناس خلق من طين، لقوله
تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنَْسانَ مِنْ
ُسلالَةٍ مِنْ طِينٍ} )المؤمنون: 12 (، ثم
صار كائنا حيا بالروح: {فَنَفَخْنَا
فِيهِ مِنْ رُوحِنَا} )التحريم: 12 (، وميَّزه
الله عن سائر الحيوان بالعقل:
طين روح عقل الإنسان
الشكل ) 1(
ولم ا دخل الطين في الروح صار
يمثله الهوى، والروح تمثلها
الفطرة، والعقل يتخذ قرارات
لإشباع حاجات الجسد الذي
خلق من طين بالمطاعم والمشارب
والملابس والمراكب والمساكن و...،
أو يشبع الروح بالصلوات والزكوات
وفعل الخيرات، ويبقى السؤال
رغم بساطة الإجابة عنه صعب
الا ستحضار عند العمل، والخطورة
الأكبر تكمن في حدود معرفة
الإجابة إلى الاحتفاظ بهذه المعرفة
اليقينية عند التخطيط للمستقبل،
والعمل اليومي المتغير كل لحظة.
وقد دخل الشيطان على التكوين
الإنساني، و صار يجري في ابن
آدم مجرى العروق، ويتفاعل مع
الهوى في مواجهة الفطرة والروح.
وكانت رحمة الله بالإنسان أن
أرسل الرسل وأنزل الفرقان ليلتقي
العقل مع النقل في إنقاذ الإنسان
من نزغات الشيطان واتباع
الهوى، وليبقى متوازنا بين إصلاح
نفسه و إشباع حاجاته الجسدية
بالماديات، والعقلية بالمعلومات،
والروحية بالعبادات، هذا هو قمة
التوازن في حياة الإنسان. ولعل في
الرسم التالي ما يو ضح احتياجات
كل جانب من الإنسان:
الروح
العبادات
العقل
المعلومات
لجاسد
الماديات
الشكل ) 2(
بغير هذا الإسناد الرباني للعقل
الإنساني بالقرآن الكريم والسنة
النبوية يستفحل الهوى، ويستحوذ
الشيطان على الإنسان؛ ليطمس
الفطرة ويختم على القلب بالرَّان:
{كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا
كَانُوا يَكْسبُونَ} )المطففين: 14 (، لابد
إذن أن يفهم كل إنسان نفسه أنه
روح تسمو إلى المكارم وتحن إليها،
وج سد يتثاقل إلى الأرض ويهبط
إليها، لقوله تعالى: { أَخْلَدَ إِلَى
الأَرِْض وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} )الأعراف:
176 (، وقوله تعالى: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى
الأَرْض} )التوبة: 38 (. والعقل حائر
بين ضغوط إشباع الهوى، أو تلبية
نداء الفطرة والروح، كما يبينه
الر سم التالي:
الفطرة والقر آن
العقل
الهوى والشيطان
الشكل ) 3(
والشيطان دائما يركب صهوة جواد
الهوى ليحوله إلى فرس جامح
ف إن فطن الإنسان إلى ذلك فلابد
أن يُلبس الهوى لجام التقوى و أن
يضعف الشيطان أو يطرده بالذكر
والعلم والصراع معه.
ولكي تتعمق عقيدة الصراع مع
الشيطان أحب أن أقدم إجابات
على أسئلة عديدة حول الشيطان
وعلاقته بالإنسان وكيفية الصراع
والتغلب عليه، أوردها فيما يلي:
تابعوناااااااااااااا
تعليق