إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين الأسباب المعينة على طلب العلم // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين الأسباب المعينة على طلب العلم // مفهرس



    بسم الله الرحمن الرحيم

    الأسباب المعينة على طلب العلم
    الأسباب المعينة على طلب العلم كثيرة، نذكر منها:

    أولاً: التقوى:
    وهي وصية الله للأولين والآخرين من عباده، قال الله تعالى:
    (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا) (1) .
    وهي أيضًا وصية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأمته، فعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب في حجة الوداع فقال: "اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، وأطيعوا لأمرائكم تدخلوا جنة ربكم " (2) .
    وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أميرًا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله، وبمن معه من المسلمين خيرًا. ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها في خطبهم ومكاتباتهم ووصاياهم عند الوفاة، كتب عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- إلى ابنه عبد الله: أما بعد: "
    فإني أوصيك بتقوى الله- عز وجل- فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده"، وأوصى عليٌّ رضي الله عنه رجلاً فقال:



    (1) سورة النساء، الآية: 131.
    (2) رواه أحمد 36/487 (22161) ، والترمذي/كتاب السفر/باب (316) برقم (616)
    .




    (أوصيك بتقوى الله عز وجل الذي لابد لك من لقائه، ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة) ، وكتب أحد الصالحين إلى أخ له في الله تعالى:
    (أما بعد... أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك. وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه
    لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر وجلك، والسلام)
    .

    ومعنى التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه.
    وتقوى العبد ربه: أن يجعل بينه وبين من يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك، بفعل طاعته، واجتناب معاصيه.
    واعلم أن التقوى أحيانًا تقترن بالبر، فيقال: بر وتقوى كما في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (1) وتارة تذكر وحدها، فإذا قرنت بالبر صار البر: فعل الأوامر، والتقوى: ترك النواهي.

    وإذا أفردت صارت شاملة تعم فعل الأوامر، واجتناب النواهي، وقد ذكر الله في كتابه أن الجنة أعدت للمتقين، فأهل التقوى هم أهل الجنة- جعلنا الله وإياكم منهم- ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي



    (1) سورة المائدة، الآية: 2.

    (26/116)
    الله- عز وجل- امتثالاً لأمره، وطلبًا لثوابه، والنجاة من عقابه.
    قال الله- عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (1).
    وهذه الآيات فيها ثلاث فوائد مهمة:
    الفائدة الأولى: (يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) (2) أي يجعل لكم ما تفرقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، وهذا يدخل فيه العلم بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتح لغيره، فإن
    التقوى يحصل بها زيادة الهدى، وزيادة العلم، وزيادة الحفظ، ولهذا يذكر عن الشافعي- رحمه الله- أنه قال:
    شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
    وقال: اعلم بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
    ولا شك أن الإنسان كلما ازداد علمًا ازداد معرفة وفرقانًا بين الحق والباطل، والضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم؛ لأن التقوى سبب لقوة الفهم، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم، فنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام، ويستطيع الآخر أن يستخرج



    (1) سورة الأنفال، الآية: 29.
    (2) سورة الأنفال، الآية: 29.


    (26/117)


    أكثر من هذا بحسب ما أتاه الله من الفهم، فالتقوى سبب لزيادة الفهم.
    ويدخل في ذلك أيضًا الفراسة أن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس، فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو بر أو فاجر حتى أنه ربما يحكم على الشخص وهو لم
    يعاشره، ولم يعرف عنه شيئًا بسبب ما أعطاه الله من الفراسة.

    الفائدة الثانية:(وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (1) وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة، فإن الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" (2) .
    وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : " العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما " (3) .
    فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة، وهذا يعني أن الإنسان إذا اتقى الله سهل له الأعمال الصالحة التي يكفر الله بها عنه.
    الفائدة الثالثة: (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (1) بأن ييسركم للاستغفار والتوبة،
    __________


    (1) سورة الأنفال، الآية: 29.
    (2) رواه مسلم/كتاب الطهارة/باب الصلوات الخمس والجمعة للجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر، برقم (233) (16) .
    (3) رواه البخاري/كتاب العمرة/باب العمرة، برقم (1773) . ومسلم/كتاب الحج/ باب في فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، برقم (1349) .

    (26/118)



    فإن هذا من نعمة الله على العبد أن ييسر للاستغفار والتوبة.

    ثانيًا: المثابرة والاستمرار على طلب العلم:
    يتعين على طالب العلم أن يبذل الجهد في إدراك العلم والصبر عليه، وأن يحفظ به بعد تحصيله، فإن العلم لا ينال براحة الجسم، فيسلك المتعلم جميع الطرق الموصلة إلى العلم وهو مثاب على ذلك،
    لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة" (2) فليثابر طالب العلم، ويجتهد، ويسهر الليالي، ويدع عنه كل ما يصرفه أو يشغله عن طلب العلم.
    وللسلف الصالح قضايا مشهورة في المثابرة على طلب العلم حتى أنه يروى عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنه سئل بما أدركت العلم؟ قال: بلسان سؤول، وقلب عقول، وبدن غير كسول، وعنه
    أيضًا- رضي الله عنه- قال: ".... إن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه- وهو قائل- فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح عليَّ من التراب، فيخرج فيقول: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إليَّ فآتيك؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأساله عن الحديث... "
    __________
    (1) سورة الأنفال، الآية: 29.
    (2) رواه مسلم/كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار/باب فضل الاجتماع على تلاوة القرآن، وعلى الذكر، بر قم (2699) .

    (26/119)


    فابن عباس- رضي الله عنه- تواضع للعلم فرفعه الله به.
    وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يثابر المثابرة الكبيرة، ويروى أيضًا عن الشافعي- رحمه الله- أنه استضافه الإمام أحمد رحمه الله ذات ليلة فقدم له العشاء، فأكل الشافعي ثم تفرق الرجلان إلى منامهما، فبقي الشافعي- رحمه الله- يفكر في استنباط أحكام من حديث، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "يا أبا عمير ما فعل النغير" (1) .

    وأبو عمير كان معه طائر صغير يسمى النغير، فمات هذا الطائر فحزن عليه الصبي، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يداعب الصبيان ويكلم كل إنسان بما يليق به، فظل طول الليل يستنبط من هذا الحديث.
    ويقال: إنه استنبط منه أكثر من ألف فائدة، ولعله إذا استنبط فائدة جر إليها حديث آخر، وهكذا حتى تتم؛ فلما أذن الفجر قام الشافعي- رحمه الله- ولم يتوضأ ثم انصرف إلى بيته،

    وكان الإمام
    أحمد رحمه الله يثني عليه عند أهله.
    فقالوا له: يا أبا عبد الله كيف تثني على هذا الرجل الذي أكل فشرب ونام ولم يقم، وصلى الفجر بدون وضوء؟
    فسأل الإمام الشافعي فقال: (أما كوني أكلت حتى أفرغت الإناء
    __________
    (1) رواه البخاري/كتاب الأدب/باب الانبساط إلى الناس/برقم (6129) . ومسلم/ كتاب الآداب/باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، برقم (2150) .

    (26/120)


    فذلك لأني ما وجدت طعامًا أطيب من طعام الإمام أحمد فأردت أن أملأ بطني منه، وأما كوني لم أقم لصلاة الليل فإن العلم أفضل من قيام الليل، وقد كنت أفكر في هذا الحديث، وأما كوني لم أتوضأ
    لصلاة الفجر فكنت على وضوء من صلاة العشاء) ولا يحب أن يكلفهم بماء الوضوء.

    أقول على كل حال: إن المثابرة في طلب العلم أمر مهم، فلننظر في حاضرنا الآن، هل نحن على هذه المثابرة أم لا؟
    أما الذين يدرسون دراسة نظامية فإنهم إذا انصرفوا من الدراسة ربما يتلهون بأشياء لا تعين على الدرس، وإني أضرب مثلاً وأحب ألا يكون وألا يوجد له نظير، أحد الطلبة في بعض المواد أجاب إجابة سيئة.

    فقال المدرس: لماذا؟
    فقال: لأني قد أيست من فهم هذه المادة، فأنا لا أدرسها ولكن أريد أن أكون حاملاً لها، كيف اليأس؟ هذا خطأ عظيم، فيجب أن نثابر حتى نصل إلى الغاية.
    وقد حدثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي- رحمه الله- أنه ذكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو أنه طلب علم النحو فلم يتمكن، وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعامًا لها وتصعد به

    (26/121)

    إلى الجدار وكلما صعدت سقطت، ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إمامًا في النحو.
    ولهذا ينبغي لنا أيها الطلبة أن نثابر ولا نيأس؛ فإن اليأس معناه سد باب الخير، وينبغي لنا ألا نتشاءم بل نتفاءل وأن نعد أنفسنا خيرًا.
    ثالثًا: الحفظ:
    فيجب على طالب العلم الحرص على المذاكرة وضبط ما تعلمه إما بحفظه في صدره، أو كتابته، فإن الإنسان عرضة للنسيان، فإذا لم يحرص على المراجعة وتكرير ما تعلمه فإن ذلك يضيع منه وينساه
    وقد قيل:
    العلم صيد والكتابة قيده فقيد صيودك بالحبال الواثقة فمن الحماقة أن تصيد غزالة وتتركها بين الخلائق طالقة ومن الطرق التي تعين على حفظ العلم وضبطه: أن يهتدي الإنسان بعلمه، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (1) .
    __________
    (1) سورة محمد، الآية: 17.

    (26/122)


    وقال: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) (1) ، فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظًا وفهمًا، لعموم قوله: (زَادَهُمْ هُدًى) (2) .
    رابعًا: ملازمة العلماء:
    يجب على طالب العلم أن يستعين بالله- عز وجل- ثم بأهل العلم، ويستعين بما كتبوا في كتبهم؛ لأن الاقتصار على مجرد القراءة والمطالعة يحتاج إلى وقت طويل بخلاف من جلس إلى عالم يبين له،
    ويشرح له، وينير له الطريق، وأنا لا أقول: إنه لا يدرك العلم إلا بالتلقي من المشايخ، فقد يدرك الإنسان بالقراءة والمطالعة لكن الغالب أنه إذا ما أكب أكبابًا تامًا ليلاً ونهارًا ورزق الفهم فإنه قد
    يخطئ كثيرًا؛ ولهذا يقال: (من كان دليله كتابه فخطؤه أكثر من صوابه) ، ولكن هذا ليس على الإطلاق في الحقيقة.

    ولكن الطريقة المثلى أن يتلقى العلم على المشايخ، وأنا أنصح طالب العلم أيضًا ألا يتلقف من كل شيخ في فن واحد، مثل أن يتعلم الفقه من أكثر من شيخ؛ لأن العلماء يختلفون في طريقة
    استدلالهم من الكتاب والسنة، ويختلفون في آرائهم، أيضا فأنت تجعل لك عالماً تتلقى علمه في الفقه أو البلاغة وهكذا، أي تتلقى
    __________
    (1) سورة مريم، الآية: 76.
    (2) سورة محمد، الآية: 17.

    (26/123)


    العلم في فن واحد من شيخ واحد، وإذا كان الشيخ عنده أكثر من فن فتلتزم معه؛ لأنك إذا تلقيت علم الفقه مثلاً من هذا وهذا واختلفوا في رأيهم فماذا يكون موقفك وأنت طالب؟ يكون موقفك الحيرة والشك، لكن التزامك بعالم في فن معين فهذا يؤدي إلى راحتك.

    (26/124)

    س 35: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما هي الأمور المعينة على طلب العلم؟
    فأجاب بقوله: أهم شيء يعين على طلب العلم النية الخالصة أن ينوي الإنسان بطلب العلم حفظ شريعة الله- عز وجل- والانتفاع بها بالعمل ونشرها بين الناس ودعوة الناس إليها؛ فإذا تصور
    الإنسان هذه العبادات العظيمة وما يترتب عليها من الثواب فهذا مما يعين على طلب العلم، كذلك مما يعين على طلب العلم أن ييسر الله للطالب زملاء يساعدونه ويعينونه، وييسر الله للجميع معلمًا
    يوضح ويبين، فإن التبيين والتوضيح مما ينشط طالب العلم، ومما يعين على طلب العلم الفراغ ألا يكون الإنسان عنده مشاكل اجتماعية، أو مشاكل في أهله، وأن يكون عنده ما يقوته هذا من
    الأسباب وربما يكون أيضًا هناك أسباب أخرى لكن هذه من الأسباب.

    س 36: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: يلاحظ ضعف الهمة والفتور في طلب العلم، فما الوسائل والطرق التي تدفع إلى علو الهمة والحرص على العلم؟
    فأجاب بقوله: ضعف الهمة في طلب العلم الشرعي من المصائب

    (26/125)

    الكبيرة وهناك أمور لابد منها:
    الأمر الأول: الإخلاص لله عز وجل في الطلب، والإنسان إذا أخلص لله في الطلب، وعَرفَ أنه يُثاب على طلبه، وسيكون في الدرجة الثالثة من درجات الأمة، فإن همته تنشط (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ) (1) .

    ثانيًا: أن يلازم زملاء يحثونه على العلم ويساعدونه على المناقشة والبحث ولا يمل من صحبتهم ماداموا يعينونه على العلم.
    ثالثًا: أن يصبر نفسه بمعنى يحبسها لو أرادت أن تتفلت، قال الله تعالى للنبي - صلى الله عليه وسلم - : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) (2) فليصبر، وإذا صبر وتعود الطلب صار الطلب سجية له، وصار اليوم الذي يفقد فيه الطلب يومًا طويلاً عليه، أما إذا أعطى نفسه العنان فلا، فالنفس أمارة بالسوء والشيطان يحثه على الكسل وعدم التعلم.
    __________
    (1) سورة النساء، الآية: 69.
    (2) سورة الكهف، الآية: 28.

    (26/126)


    س 37: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما توجيهكم حول استغلال الوقت وحفظه من الضياع؟
    فأجاب بقوله: ينبغي لطالب العلم أن يحفظ وقته عن الضياع، وضياع الوقت يكون على وجوه:
    الوجه الأول: أن يدع المذاكرة ومراجعة ما قرأ.
    الوجه الثاني: أن يجلس إلى أصدقائه ويتحدث بحديث لغو ليس فيه فائدة.

    الوجه الثالث: وهو أضرها على طالب العلم ألا يكون له هم إلا تتبع أقوال الناس وما قيل وما قال، وما حصل وما يحصل في أمر ليس معنيًا به، وهذا لاشك أنه من ضعف الإسلام؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " (1) والاشتغال بالقيل والقال وكثرة السؤال مضيعة للوقت، وهو في الحقيقة مرض إذا دب في الإنسان- نسأل الله العافية- صار أكبر همه، وربما يعادي من لا يستحق العداء، أو يوالي من لا يستحق الولاء، من أجل اهتمامه بهذه
    الأمور التي تشغله عن طلب العلم بحجة أن هذا من باب الانتصار للحق، وليس كذلك، بل هذا من إشغال النفس بما لا يعني الإنسان،
    __________
    (1) رواه الترمذي/كتاب الزهد/باب (11) ، برقم (2317) ، وابن ماجه/كتاب الفتن/ باب كف اللسان في الفتنة/برقم (3976) .

    (26/127)


    أما إذا جاءك الخبر بدون أن تتلقفه وبدون أن تطلبه، فكل إنسان يتلقى الأخبار، لكن لا ينشغل بها، ولا تكون أكبر همه؛ لأن هذا يشغل طالب العلم، ويفسد عليه أمره ويفتح في الأمة باب الحزبية
    فتتفرق الأمة.


    س 38: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: كيف نرد على من قال: إن العلماء السابقين لم تكن لديهم المشاغل التي تؤثر على حفظهم كما هو حاصل لعلماء هذا الزمان، ومنهم من يكون ليس لديه إلا التفرغ لطلب العلم وحفظه والجلوس بلا مشاغل، أما الآن فكثرت المشاغل الدنيوية التي تأخذ كل الوقت، والإنسان قد لا يستطيع الاستغناء عن هذه المشاغل؟

    فأجاب بقوله: أقول لطالب العلم: ما دمت أنك قد فرغت نفسك للعلم فكن طالب علم حقًا، وأعتقد أن البناء الذي فرغ نفسه للبناء لا يلتفت إلى عمل آخر، بل يلتفت إلى مهمته التي كرس نفسه لها ورأى أنها هي الخير له، فما دمت تعلم أن طلب العلم هو الخير وتريد أن تتخذه طريقًا لك فلا تلتفت إلى غيره.
    وفي ظني أن الرجل إذا ثابر مع الإيمان والإخلاص وصدق النية فإن الله- سبحانه وتعالى- يعينه ولا يعبأ بهذه المشكلات، والله عز

    (26/128)

    وجل يقول: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (1) ،
    (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) (2) .
    فعليك بصدق النية في الطلب تجد أن الأمر سهل وميسر.

    س 39: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: إذا كان آفة العلم النسيان فما الأمور أو الطرق التي تعين على ضبط وحفظ العلم؟
    فأجاب بقوله: من أعظم الطرق التي تعين على ضبط العلم: أن يهتدي الإنسان بعلمه قال تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (3) .
    فإذا عمل العالم بعلمه، ازداد علمًا وأوتي تقوى، أي عبادة وخشية.
    ومنها: أن يفرغ قلبه للعلم بحيث لا يتشاغل بغيره عنه، بل يكون هو همه وهاجسه.
    ومنها: أن يتعاهده بالحفظ والمذاكرة.
    ومنها: أن يستحضر الحكم ودليله عند كل عمل يقوم به.
    __________
    (1) سورة الطلاق، الآية: 4.
    (2) سورة الطلاق، الآيتان: 2، 3.
    (3) سورة محمد، الآية: 17.


    (26/129)ومنها: أن يكب على طلب العلم فلا يجعل طلب العلم عند التفرغ فقط، ولهذا يقولون: أعط العلم كلك يعطك بعضه، وأعطِ العلم بعضك لا يعطيك شيئًا، فلابد من الإكباب على طلب العلم
    ليلاً ونهارًا، والمناقشة وتطبيق ما علمت على ما عملت حتى يبقى العلم.

    س 40: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما توجيهكم- حفظكم الله- لطلاب العلم حيث يلاحظ الإهمال وعدم الجد مما له آثار سيئة في التحصيل العلمي؟
    فأجاب بقوله: يجب على طلاب العلم أن يبذلوا غاية الجهد في تحصيل العلم، حتى يدركوا المعلومات إدراكًا قويًا، راسخًا في نفوسهم؛ لأنهم إذا اجتهدوا وأخذوا العلوم شيئًا فشيئًا سهلت
    عليهم ورسخت في نفوسهم وسيطروا عليها سيطرة تامة، وإن أنتم يا طلاب العلم أهملتم وتهاونتم انطوى عنكم الزمن، وتراكمت عليكم الدروس، فأصبحتم عاجزين عن تصورها فضلاً عن تحقيقها
    فندمتم حين لا تنفع الندامة.

    (26/130)

    س 41: سئل فضيلة الشيخ- رحمه الله-: ما نصيحتكم لمن ينسى ما يقرأ ويتعلم؟
    فأجاب بقوله: أهم شيء في حفظ العلم أن يعمل الإنسان بما حفظه؛ لقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (1) وقال: (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى) (2) .
    فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظًا وفهمًا، لعموم قوله: (زَادَهُمْ هُدًى) (3) .

    وقد روي عن الشافعي- رحمه الله- قوله:
    شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
    وقال اعلم بان العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
    ومن أسباب ذلك الإعراض عن الشواغل التي تأخذ الفكر عن العلم ؛ لأن الإنسان بشر إذا تشتت همته ضعفت قدرته على تحصيل العلم.
    وكذلك كثرة البحث مع الزملاء بغرض الوصول للحق وليس للغلبة، ولاشك أن الإخلاص من جملة ما يحفظ به العلم.
    __________
    (1) سورة محمد، الآية: 17.ا
    (2) سورة مريم، الآية: 76.
    (3) سورة محمد، الآية: 17.
    التعديل الأخير تم بواسطة *أمة الرحيم*; الساعة 29-01-2018, 11:30 PM.


    قال الشيخ الألباني رحمه الله: إن هذا الطريق طويل ونحن نمشي فيه مشي السلحفاة لايهمنا أن نصل المهم أن نموت علي الطريق

  • #2
    رد: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين الأسباب المعينة على طلب العلم

    عليكم السلام ورحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خيرًا أختنا الفاضلة، موضوع قيم
    رحم الله شيخنا وأسكنه الفردوس الأعلى


    "اللهم إني أمتك بنت أمتك بنت عبدك فلا تنساني
    وتولني فيمن توليت"

    "وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"الشورى:36

    تعليق


    • #3
      رد: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ العثيمين الأسباب المعينة على طلب العلم

      جزاكِ الله خيرا ونفع بكِ
      ورحم الله شيخنا وجعل مثواه الجنه

      يا الله
      علّمني خبيئة الصَّدر حتّى أستقيم بِكَ لك، أستغفر الله مِن كُلِّ مَيلٍ لا يَليق، ومِن كُلّ مسارٍ لا يُوافق رضاك، يا رب ثبِّتني اليومَ وغدًا، إنَّ الخُطى دونَك مائلة

      تعليق

      يعمل...
      X