بسم الله الرحمن الرحيم
العازفون عن العلم
سعيد محمد الرميح
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
كم وكم رأيت ورأى غيري ، من الذين عزفوا عن هذا الميراث العظيم ، وزهدوا في فضله العميم ، وتكالبوا على الدنيا تزايدا ً وترزقا ً وتلهفاً.
ولما كان الأمر كذلك جمعت كلمات متفرقة أوقظ همتي وهمة غيري إلى العودة لهذا المضمار ، والاحتساء من هذا الإناء ، ليكون مدعاة لتحريك الهمة للجد والعمل.
تعلم يا فتى والعود رطب *** وغصنك لين والعمر قابل
فها هو الله عز وجل يقول : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) المجادلة:11، قال ابن عباس – رضي الله عنه _ " للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام " .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) ثم قال عليه الصلاة والسلام ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير ) رواه الترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ً سهل الله له طريقا ً إلى الجنة ) .
وبينما ترى كل عشيقٍ عاشقاً لمعشوقه ، وكل قلب مأسوراً بيد حبيبه ، تراهم يظنون كل الظن أنهم في حياتهم هذه ، حياة العبث والمجون ، والبعد عن الذي لا تراه العيون ، أنهم قد حازوا الدنيا بحذافيرها ، سعادةً ولوعةً وفرحاً ، قال سبحانه ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) الأنبياء 1: 3
ولعمر إلهي أن قلوبهم قد صدأت ، وأعينهم قد عميت عن قول من يعلم ما تكن صدورهم ، إذ يقول (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) الكهف 103: 104، من ذلك يطل علينا كعادته دائماً ، علم من أعلام السلف الصالح وإمام من أئمة الهدى والدين ، وطبيب من أطباء القلوب والأبدان ، الحافظ ابن قيم الجوزية – عليه رحمة رب البرية – إذ يقول ( وأما عشاق العلم فأعظم شغفا ً به وعشقا ً له من كل عاشق بمعشوقه وكثير منهم لا يشغله عنه أجمل صورة من البشر ) .
وأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن تعلم يا موسى الخير وعلمه للناس ، فإني منور لمعلم الخير ومتعلمه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم . قاله كعب رضي الله عنه .
ولله در الشافعي وشغفه وتولع قلبه وروحه بهذا الميراث العظيم حينما قيل له رحمه الله ، كيف شهوتك للعلم ؟ قال : أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه ، فتود أعضائي أن لها أسماعا ً فتنعم به ، قيل وكيف طلبك له ، قال : طلب المرأة المضلة ولدها وليس لها غيره .
سأضرب في طول البلاد وعرضها *** لأطلب علما ً أو أموت غريبا ً
فإن تلفت نفسـي فللـه درها *** وإن سلمت كان الرجوع قريبا ً
واسمع إلى وصية ابن الجوزي رحمه الله يذكر فيها بعصر الشباب ، فيقول : من أنفق عصر الشباب في العلم فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس ) .
فهل يعقل شبابنا اليوم ويعلموا أن العبء والحمل ثقيل !!
وسبحان من وزع وأعطى الناس هذه الهمم والعقول ، لينظر أحدنا إلى غايته في هذه الحياة ، وإلى غاية ابن حزم رحمه الله الذي كان من أغنى الناس في حياته وعصره ، لكنه علم أن العلم أغنى وأغلى من كل شيء ، وأنه لا يساويه شيء من كنوز الدنيا ، فترك الدنيا لأهلها وبدأ في طلب العلم حتى قيل أنه لم يستغرق في بداية الطلب سوى أربع سنوات ، ومن ثم تمكن من مناظرة العلماء ( همة تزعزع الجبال )
فليجعل القارئ نفسه حكماً بينه وبين ابن حزم !! ، يقول رحمه الله :
لكـل بني الدنيـا مراد ومقصد *** إن مـرادي صحـة وفـراغ
لأبلـغ في علـم الشريعة مبلغـا ً *** يكون به لي في الحيـاة بـلاغ
ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى *** وحسبي من الدنيا الغـرور بلاغ
فما العيش إلا في نعـيم مؤبـد به *** العيش رغد والشـراب يساغ
ولعلي قبل أن أختم هذه الكلمات أسافر أنا وإياك إلى بلاد المغرب في ضيافة الشيخ الكفيف العلامة الفقيه القاضي أحمد بن محمد بنّاني لنقطف من وصاياه إذ يقول :
إذا رمت الجنـان وساكنيها وإمتاع العيـون بما يفـيد
فكتبك جنة الفـردوس فيه ثمار الخلد تجـني ما تريـد
وغذ الروح منها كل وقت ولا تشبع فروحك لا تحـيد
وإن فات الزمان عليك جنيا ً فعد واقطف ثمارا ً لا تـبيد
وإياك التخلي عن جنـاها فعقلك من غذاها يستفيـد
فهذا الطريق فأين الرجال .. ؟!
العازفون عن العلم
سعيد محمد الرميح
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ..
كم وكم رأيت ورأى غيري ، من الذين عزفوا عن هذا الميراث العظيم ، وزهدوا في فضله العميم ، وتكالبوا على الدنيا تزايدا ً وترزقا ً وتلهفاً.
ولما كان الأمر كذلك جمعت كلمات متفرقة أوقظ همتي وهمة غيري إلى العودة لهذا المضمار ، والاحتساء من هذا الإناء ، ليكون مدعاة لتحريك الهمة للجد والعمل.
تعلم يا فتى والعود رطب *** وغصنك لين والعمر قابل
فها هو الله عز وجل يقول : ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) المجادلة:11، قال ابن عباس – رضي الله عنه _ " للعلماء درجات فوق المؤمنين بسبعمائة درجة ، ما بين كل درجتين مسيرة خمسمائة عام " .
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم ) ثم قال عليه الصلاة والسلام ( إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلمي الناس الخير ) رواه الترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام ( من سلك طريقا يلتمس فيه علما ً سهل الله له طريقا ً إلى الجنة ) .
وبينما ترى كل عشيقٍ عاشقاً لمعشوقه ، وكل قلب مأسوراً بيد حبيبه ، تراهم يظنون كل الظن أنهم في حياتهم هذه ، حياة العبث والمجون ، والبعد عن الذي لا تراه العيون ، أنهم قد حازوا الدنيا بحذافيرها ، سعادةً ولوعةً وفرحاً ، قال سبحانه ( اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ) الأنبياء 1: 3
ولعمر إلهي أن قلوبهم قد صدأت ، وأعينهم قد عميت عن قول من يعلم ما تكن صدورهم ، إذ يقول (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) الكهف 103: 104، من ذلك يطل علينا كعادته دائماً ، علم من أعلام السلف الصالح وإمام من أئمة الهدى والدين ، وطبيب من أطباء القلوب والأبدان ، الحافظ ابن قيم الجوزية – عليه رحمة رب البرية – إذ يقول ( وأما عشاق العلم فأعظم شغفا ً به وعشقا ً له من كل عاشق بمعشوقه وكثير منهم لا يشغله عنه أجمل صورة من البشر ) .
وأوحى الله إلى موسى عليه السلام أن تعلم يا موسى الخير وعلمه للناس ، فإني منور لمعلم الخير ومتعلمه قبورهم حتى لا يستوحشوا بمكانهم . قاله كعب رضي الله عنه .
ولله در الشافعي وشغفه وتولع قلبه وروحه بهذا الميراث العظيم حينما قيل له رحمه الله ، كيف شهوتك للعلم ؟ قال : أسمع بالحرف منه مما لم أسمعه ، فتود أعضائي أن لها أسماعا ً فتنعم به ، قيل وكيف طلبك له ، قال : طلب المرأة المضلة ولدها وليس لها غيره .
سأضرب في طول البلاد وعرضها *** لأطلب علما ً أو أموت غريبا ً
فإن تلفت نفسـي فللـه درها *** وإن سلمت كان الرجوع قريبا ً
واسمع إلى وصية ابن الجوزي رحمه الله يذكر فيها بعصر الشباب ، فيقول : من أنفق عصر الشباب في العلم فإنه في زمن الشيخوخة يحمد جني ما غرس ) .
فهل يعقل شبابنا اليوم ويعلموا أن العبء والحمل ثقيل !!
وسبحان من وزع وأعطى الناس هذه الهمم والعقول ، لينظر أحدنا إلى غايته في هذه الحياة ، وإلى غاية ابن حزم رحمه الله الذي كان من أغنى الناس في حياته وعصره ، لكنه علم أن العلم أغنى وأغلى من كل شيء ، وأنه لا يساويه شيء من كنوز الدنيا ، فترك الدنيا لأهلها وبدأ في طلب العلم حتى قيل أنه لم يستغرق في بداية الطلب سوى أربع سنوات ، ومن ثم تمكن من مناظرة العلماء ( همة تزعزع الجبال )
فليجعل القارئ نفسه حكماً بينه وبين ابن حزم !! ، يقول رحمه الله :
لكـل بني الدنيـا مراد ومقصد *** إن مـرادي صحـة وفـراغ
لأبلـغ في علـم الشريعة مبلغـا ً *** يكون به لي في الحيـاة بـلاغ
ففي مثل هذا فلينافس أولو النهى *** وحسبي من الدنيا الغـرور بلاغ
فما العيش إلا في نعـيم مؤبـد به *** العيش رغد والشـراب يساغ
ولعلي قبل أن أختم هذه الكلمات أسافر أنا وإياك إلى بلاد المغرب في ضيافة الشيخ الكفيف العلامة الفقيه القاضي أحمد بن محمد بنّاني لنقطف من وصاياه إذ يقول :
إذا رمت الجنـان وساكنيها وإمتاع العيـون بما يفـيد
فكتبك جنة الفـردوس فيه ثمار الخلد تجـني ما تريـد
وغذ الروح منها كل وقت ولا تشبع فروحك لا تحـيد
وإن فات الزمان عليك جنيا ً فعد واقطف ثمارا ً لا تـبيد
وإياك التخلي عن جنـاها فعقلك من غذاها يستفيـد
فهذا الطريق فأين الرجال .. ؟!
تعليق