الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن تبعه، وبعد:
فإنّ قضية التفريق بين الوسائل والغايات من الأهمية بمكان؛ لأنها تثمر للعبد صحة السير وعدم التخبط، وتحقيق العبودية لله - عز وجل - في هذه الحياة هو الغاية التي ليس وراءها غاية، فهي سعادة الدنيا، وجنة الآخرة، كل وسيلة - مشروعة مستطاعة - توصلك إلى تحقيق هذه الغاية فهي وسيلة محمودة مطلوبة شرعًا...
ومن أعظم الوسائل لتحقيق العبودية: طلب العلـم، فقد رفع الإسلام من شأن العلم، فهو عبادة جليلة، وفوائده جليلة...
وبالرغم من فضائل العلـم الكثيرة، وفوائده الغزيرة، إلا أنه يظل وسيـلة وليس غـاية في حد ذاته، ومن ظن أن العلم مقصود لذاته فلن يغير العلم من حاله شيئًا، ولن يزيده إلا شرًا، وإنما يزداد من حجج الله عليه، وأوضح ما يدل على ذلك الآيات والأحاديث والآثار التي وردت في ذم من لا ينتفع بعلمه، فلو كان العلم غاية في حد ذاته لما ورد ذم من لا ينفعه علمه..
فلا بد من ترسيخ مفهوم أن العلـم وسيـلة لا غـاية.
وقد اختلط الأمر على بعض طلبة العلـم، وظنّ أنّ طلب العلـم غـاية في ذاته لا وسيـلة إلى غيره! ومن هنا نشأت آفات خطيرة في الساحة، منها:
♦ تعلم العلم الذي يوافق الهوى، وترك العلم الواجب، فترى من يتعلم المصطلح ولم يسمع عن التوحيد، وترى من يدرس الأصول والشيطان في قلبه يصول ويجول... وهكذا، وما ذلك إلا لأنه لم يتقيد في طلبه للعلم بشرع الله، بل ظن العلم غاية، وظن أن أي يعلم ينفعه ولو كان على هواه!
♦ عدم الانتفاع بالعلم في السلوك، والقلب، والعمل، فعلمه لم ينهه عن الغيبة، ودراسته لم تصلح قلبه؛ لأنه ظن أن العلم وحده كافٍ في نجاته، وقد كان السلف يحاسبون أنفسهم على كل ما يتعلمونه هل زادهم عملا أم لا؟
♦ انعزال طالب العلم عن نصرة الدين ودعوة المسلمين، وكلما كلمته عن النصرة قال: أريد إنهاء الكتاب الفلاني والشرح الفلاني، وهذه هي كل حياته؛ يتعلم ولا ينفع أمته بشيء حتى يموت!، فأين زكاة العلم، وأين العبودية التي يحبها الله في مثل هذه المواطن؟ ولكن لا تعجب؛ فإن بعض الطاعات يكون دافعها الهوى وشهوة النفس، فلو كان هذا يبحث عما يرضي ربه لفعله أينما كان...
وحتى نتجاوز هذه الظاهرة الخطيرة؛ لا بد من فهم المقصد من طلب العلـم ، فنقول:
طلب العلم له هدف جامع وغاية جامعة تحتوي في داخلها هدفين جزئيين، فأماالهدف الجامع فهو: ابتغاء مرضات الرب - سبحانه وتعالى - وجزيل مثوبته في الدنياوالآخرة.
وأما الهدفان الجزئيان:
فأولهما: تعبيد النفس لربها، فيتعلم العبد ما تستقيم به عبادته بمعناها الشامل، وهو فرض العين من العلوم، وهو ما لا تستقيم العقيدة إلا به، ولا تستقيم العبادة ولا تستقيم المعاملة إلا به، ولا تستقيمالأخلاق والآداب والسلوك إلا به.
والهدف الثاني: تعبيد الناس لربهم، فيتعلم العبد ما به يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وما به يقوم بالنصيحة الشرعية للناس من حوله.
من فهم هذه الغايات والأهداف من طلب العلـم دله العلـم على كل خير...
وعندما نتأمل تراجم علماء السلف - رحمهم الله -، سنجد في ترجمة كل عالم عبارات لا بد منها، مثل:
♦ سعة علمه وقوة حفظه..
♦ زهده وورعه..
♦ عبادته واجتهاده..
♦ أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.
فهذه العبارات تُظهر لك مدى فهمهم للغاية من طلب العلـم، ومدى انتفاعهم به، ونفعهم للأمة...
وفق الله الجميع لما فيه رضاه.
أحمد أبو رواش
منقول
تعليق