إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

سلسلة أسرار العبادات // مفهرس

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • سلسلة أسرار العبادات // مفهرس

    أسرارُ العباداتِ
    الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى،
    وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى،
    ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء،
    {لَهُ مَا فِي السَّمَـوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى } [طه: 6 8]،
    خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى،
    وبَعَثَ نُوحاً فصنَع الفُلْكَ بأمر الله وجَرَى،
    ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْداً وسلاماً عليه فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى، وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى،
    وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تَبْهَرُ الوَرى،
    وأنْزلَ الكتابَ على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى،
    وأصلِّي وأسَلِّم على نبيِّه محمدٍ المبْعُوثِ في أُمِ القُرَى، صلَّى الله عليه
    وعلى صاحِبِهِ في الْغارِ أبي بكرٍ بلا مِرَا،
    وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى،
    وعلى عثمانَ زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثاً يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ وأسَدِ الشَّرى، وعلى بَقيَةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ، وسَلَّمَ تسليماً.


    1- فصل في أسرار طلب العلم الشرعي(وهو بمثابة المقدمة لما يليه بإذن الله)
    قال ابن الوردي في "لاميته" المشهورة :
    اطلب العلم وحصله فما أبعد الخير على أهل الكسل
    واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال وخول
    واهجر النوم وحصله فمن يعرف المقصود يحقر ما بذل
    لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل
    فالعلم لا بد منه، ولهذا من آنس من نفسه رشدا لا بد أن يتعلم ...

    ولي في هذا المقام وقفات كثيرة وهامة فاستعن بالله ثم بها على فهم ما سيأتي والصبر على تعلمه

    الوقفة الأولى: قال الله تعالى:
    {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }
    [الزمر:9]

    قال شيخنا المبارك ": أبو عبد الله مصطفى بن العدوى "- حفظه الله –
    قال تعالى: { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [الحشر:20] هذه الآية قد تكرر معناها في جملة آيات، من ذلك:-
    قوله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ } [السجدة:18]، وقوله تعالى: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [الرعد:19]،
    وقوله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } [محمد:14]،
    وقوله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9]،
    وقوله تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ص:28]، إلى غير ذلك من الآيات.

    قلت (حاد الطريق):
    تأمل معي بقلبك وعقلك لتعرف الإجابة
    وهكذا نفهم كتاب الله بأعين بصيرة وقلوب مستنيرة ...

    قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ >>> وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
    أَصْحَابُ الْجَنَّةِ >>>>>>>>>>>>>>>> أَصْحَابُ النَّارِ
    مُؤْمِنًا >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> فَاسِقًا
    أَفَمَنْ يَعْلَمُ >>>>>>>>>>>>>>>>> كَمَنْ هُوَ أَعْمَى
    أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ >>>>>>>> كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
    الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ >>>>>> كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ
    الْمُتَّقِينَ >>>>>>>>>>>>>>>>>>>> كَالْفُجَّارِ

    " فانظر رحمني الله وإياك إلى هذه الآيات وتأمل هذا الارتباط العجيب بين المعاني والمتقابلات اللغوية، حتى أنها تتكامل في سلسلة منتظمة تتدلى منها واسطة عقد ثمين نرصع به صدور العلماء و طلاب العلم ، جعلنا الله وإياكم منهم... آمين،

    وكيف لا! وقد قال سبحانه مستنكرا:
    ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ ))
    أحبتي في الله: نستطيع الآن أن نقول بملئ أفواهنا
    (( لا يَسْتَوونَ ))

    • إنه نفى دائم ومستمر لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية
    بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم،

    وتأمل معي – هداك الله إلى ما يحبه ويرضاه –
    ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ ))
    الاستفهام هنا مستعمل في الإنكار ...والمراد : تفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون ...
    وعدل عن أن يقول : هل يستوي هذا وذاك إلى التعبير بالموصول إدماجا للثناء على فريق ولذم فريق بأن أهل الإيمان أهل علم وأهل الشرك أهل جهالة فأغنت الجملة بما فيها من إدماج عن ذكر جملتين فالذين يعلمون هم أهل الإيمان،

    قال تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) والذين لا يعلمون هم أهل الشرك الجاهلون قال تعالى: ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون )

    وفي ذلك إشارة إلى:
    أن الإيمان أخو العلم لأن كليهما نور ومعرفة حق وأن الكفر أخو الضلال لأنه والضلال ظلمة وأوهام باطلة ...

    هذا ووقوع فعل ( يستوي ) في حيز النفي يكسبه عموم النفي لجميع جهات الاستواء .
    فإنك ما تأملت مقاما اقتحم فيه عالم وجاهل إلا وجدت للعالم فيه من السعادة ما لا تجده،

    ولنضرب لذلك مثلا بمقامات ستة هي جل وظائف الحياة الاجتماعية :ـ

    ـ المقام الأول : الاهتداء إلى الشيء المقصود نواله بالعمل به وهو مقام العمل فالعالم بالشيء يهتدي إلى طرقه فيبلغ المقصود بيسر وفي قرب،
    ويعلم ما هو من العمل أولى بالإقبال عنه،
    وغير العالم به يضل مسالكه ويضيع زمانه في طلبه فإما أن يخيب في سعيه وإما أن يناله بعد أن تتقاذفه الأرزاء وتنتابه النوائب وتختلط عليه الحقائق فربما يتوهم أنه بلغ المقصود حتى إذا انتبه وجد نفسه في غير مراده ومثله
    قوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) }.
    ومن أجل هذا شاع تشبيه العلم بالنور والجهل بالظلمة

    ـ والمقام الثاني : ناشئ عن الأول وهو مقام السلامة من نوائب الخطأ ومزلات المذلات
    فالعالم يعصمه علمه من ذلك والجاهل يريد السلامة فيقع في الهلكة فإن الخطأ قد يوقع في الهلاك من حيث طلب الفوز ومثله قوله تعالى ( فما ربحت تجارتهم ) إذ مثلهم بالتاجر خرج يطلب فوائد الربح من تجارته فآب بالخسران،
    ولذلك يشبه سعي الجاهل بخبط العشواء
    ولذلك لم يزل أهل النصح يسهلون لطلبة العلم الوسائل التي تقيهم الوقوع فيما لا طائل تحته من أعمالهم،

    ـ المقام الثالث : مقام أنس الانكشاف
    فالعالم :
    *تتميز عنده المنافع والمضار،
    *وتنكشف له الحقائق فيكون مأنوسا بها واثقا بصحة إدراكه، وكلما انكشفت له حقيقة كان كمن لقي أنيسا،
    بخلاف غير العالم بالأشياء:
    *فإنه في حيرة من أمره حين تختلط عليه المتشابهات فلا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع فإن اجتهد لنفسه خشي الزلل
    *وإن قلد خشي زلل مقلده وهذا المعنى يدخل تحت قوله تعالى (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا)

    ـ المقام الرابع : مقام الغنى عن الناس بمقدار العلم والمعلومات فكلما ازداد علم العالم قوي غناه عن الناس في دينه ودنياه .

    ـ المقام الخامس : الالتذاذ بالمعرفة،
    وقد حصر فخر الدين الرازي اللذة في المعارف وهي لذة لا تقطعها الكثرة .
    وقد ضرب الله مثلا بالظل إذ قال (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) فإن الجلوس في الظل يلتذ به أهل البلاد الحارة.

    ـ المقام السادس : صدور الآثار النافعة في مدى العمر مما يكسب ثناء الناس في العاجل وثواب الله في الآجل . فإن العالم مصدر الإرشاد والعلم دليل على الخير وقائد إليه،

    قال الله تعالى:
    (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
    وهذه وقفتنا الثانية إن شاء الله
    وانظر التحرير والتنوير و تفسير البيضاوي والقرطبي والطبري وابن كثير – رحمهم الله جميعا - تفسير سورة الزمر

    وللحديث بقية
    ( ابن عباس )
    حادي الطريق - هداه الله -

    >>> يتبع >>>
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس حادي الطريق; الساعة 03-06-2010, 02:12 PM.

  • #2
    رد: أسرار العبادات

    [b]
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    عفوا ............. مجرد تنسيق

    أسرارُ العباداتِ
    الحمدُ للهِ الذي أنشأَ وبَرَا، وخلقَ الماءَ والثَّرى،
    وأبْدَعَ كلَّ شَيْء وذَرَا، لا يَغيب عن بصرِه صغيرُ النَّمْل في الليل إِذَا سَرى،
    ولا يَعْزُبُ عن علمه مثقالُ ذرةٍ في الأرض ولاَ في السَّماء،
    {لَهُ مَا فِي السَّمَـوَتِ وَمَا فِي الاَْرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الاَْسْمَآءُ الْحُسْنَى } [طه: 6 8]،

    خَلَقَ آدَمَ فابتلاه ثم اجْتَبَاهُ فتاب عليه وهَدَى،
    وبَعَثَ نُوحاً فصنَع الفُلْكَ بأمر الله وجَرَى،
    ونَجَّى الخَليلَ من النَّارِ فصار حَرُّها بَرْداً وسلاماً عليه فاعتَبِرُوا بِمَا جَرَى، وآتَى مُوسى تسعَ آياتٍ فَمَا ادَّكَرَ فِرْعَوْنُ وما ارْعَوَى،
    وأيَّدَ عيسى بآياتٍ تَبْهَرُ الوَرى،
    وأنْزلَ الكتابَ على محمد فيه البيَّناتُ والهُدَى، أحْمَدُه على نعمه التي لا تَزَالُ تَتْرَى،

    وأصلِّي وأسَلِّم على نبيِّه محمدٍ المبْعُوثِ في أُمِ القُرَى، صلَّى الله عليه
    وعلى صاحِبِهِ في الْغارِ أبي بكرٍ بلا مِرَا،
    وعلى عُمَرَ الْمُلْهَمِ في رأيه فهُو بِنُورِ الله يَرَى،
    وعلى عثمانَ زوجِ ابْنَتَيْهِ ما كان حديثاً يُفْتَرَى، وعلى ابن عمِّهِ عليٍّ بَحْرِ العلومِ وأسَدِ الشَّرى، وعلى بَقيَةِ آله وأصحابِه الذين انتَشَرَ فضلُهُمْ في الوَرَىَ، وسَلَّمَ تسليماً.


    1- فصل في أسرار طلب العلم الشرعي(وهو بمثابة المقدمة لما يليه بإذن الله)
    قال ابن الوردي في "لاميته" المشهورة :
    اطلب العلم وحصله فما أبعد الخير على أهل الكسل
    واحتفل للفقه في الدين ولا تشتغل عنه بمال وخول
    واهجر النوم وحصله فمن يعرف المقصود يحقر ما بذل
    لا تقل قد ذهبت أربابه كل من سار على الدرب وصل
    فالعلم لا بد منه، ولهذا من آنس من نفسه رشدا لا بد أن يتعلم ...

    ولي في هذا المقام وقفات كثيرة وهامة فاستعن بالله ثم بها على فهم ما سيأتي والصبر على تعلمه

    الوقفة الأولى: قال الله تعالى:
    {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }
    [الزمر:9]

    قال شيخنا المبارك ": أبو عبد الله مصطفى بن العدوى "- حفظه الله –

    قال تعالى: { لا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ } [الحشر:20]
    هذه الآية قد تكرر معناها في جملة آيات، من ذلك:-
    قوله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ } [السجدة:18]، وقوله تعالى: { أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } [الرعد:19]،
    وقوله تعالى: { أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } [محمد:14]،
    وقوله تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ } [الزمر:9]،
    وقوله تعالى: { أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ } [ص:28]، إلى غير ذلك من الآيات.

    قلت (حاد الطريق):
    تأمل معي بقلبك وعقلك لتعرف الإجابة
    وهكذا نفهم كتاب الله بأعين بصيرة وقلوب مستنيرة ...

    قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ >>> وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ
    أَصْحَابُ الْجَنَّةِ >>>>>>>>>>>>>>>> أَصْحَابُ النَّارِ
    مُؤْمِنًا >>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>>> فَاسِقًا
    أَفَمَنْ يَعْلَمُ >>>>>>>>>>>>>>>>> كَمَنْ هُوَ أَعْمَى
    أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ >>>>>>>> كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ
    الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ >>>>>> كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ
    الْمُتَّقِينَ >>>>>>>>>>>>>>>>>>>> كَالْفُجَّارِ

    " فانظر رحمني الله وإياك إلى هذه الآيات وتأمل هذا الارتباط العجيب بين المعاني والمتقابلات اللغوية، حتى أنها تتكامل في سلسلة منتظمة تتدلى منها واسطة عقد ثمين نرصع به صدور العلماء و طلاب العلم ، جعلنا الله وإياكم منهم... آمين،

    وكيف لا! وقد قال سبحانه مستنكرا:
    ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ ))
    أحبتي في الله: نستطيع الآن أن نقول بملئ أفواهنا
    (( لا يَسْتَوونَ ))


    • إنه نفى دائم ومستمر لاستواء الفريقين باعتبار القوة العلمية
    بعد نفيه باعتبار القوة العملية على وجه أبلغ لمزيد فضل العلم،

    وتأمل معي – هداك الله إلى ما يحبه ويرضاه –
    ((قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟ ))
    الاستفهام هنا مستعمل في الإنكار ...والمراد : تفضيل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون ...

    وعدل عن أن يقول : هل يستوي هذا وذاك إلى التعبير بالموصول إدماجا للثناء على فريق ولذم فريق بأن أهل الإيمان أهل علم وأهل الشرك أهل جهالة فأغنت الجملة بما فيها من إدماج عن ذكر جملتين فالذين يعلمون هم أهل الإيمان،

    قال تعالى: ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) والذين لا يعلمون هم أهل الشرك الجاهلون قال تعالى: ( قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون )

    وفي ذلك إشارة إلى:
    أن الإيمان أخو العلم لأن كليهما نور ومعرفة حق وأن الكفر أخو الضلال لأنه والضلال ظلمة وأوهام باطلة ...

    هذا ووقوع فعل ( يستوي ) في حيز النفي يكسبه عموم النفي لجميع جهات الاستواء .
    فإنك ما تأملت مقاما اقتحم فيه عالم وجاهل إلا وجدت للعالم فيه من السعادة ما لا تجده،

    ولنضرب لذلك مثلا بمقامات ستة هي جل وظائف الحياة الاجتماعية :ـ

    ـ المقام الأول : الاهتداء إلى الشيء المقصود نواله بالعمل به وهو مقام العمل فالعالم بالشيء يهتدي إلى طرقه فيبلغ المقصود بيسر وفي قرب،
    ويعلم ما هو من العمل أولى بالإقبال عنه،

    وغير العالم به يضل مسالكه ويضيع زمانه في طلبه فإما أن يخيب في سعيه وإما أن يناله بعد أن تتقاذفه الأرزاء وتنتابه النوائب وتختلط عليه الحقائق فربما يتوهم أنه بلغ المقصود حتى إذا انتبه وجد نفسه في غير مراده ومثله
    قوله تعالى { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) }.
    ومن أجل هذا شاع تشبيه العلم بالنور والجهل بالظلمة

    ـ والمقام الثاني : ناشئ عن الأول وهو مقام السلامة من نوائب الخطأ ومزلات المذلات
    فالعالم يعصمه علمه من ذلك والجاهل يريد السلامة فيقع في الهلكة فإن الخطأ قد يوقع في الهلاك من حيث طلب الفوز ومثله قوله تعالى ( فما ربحت تجارتهم ) إذ مثلهم بالتاجر خرج يطلب فوائد الربح من تجارته فآب بالخسران،
    ولذلك يشبه سعي الجاهل بخبط العشواء
    ولذلك لم يزل أهل النصح يسهلون لطلبة العلم الوسائل التي تقيهم الوقوع فيما لا طائل تحته من أعمالهم،

    ـ المقام الثالث : مقام أنس الانكشاف
    فالعالم :

    *تتميز عنده المنافع والمضار،
    *وتنكشف له الحقائق فيكون مأنوسا بها واثقا بصحة إدراكه، وكلما انكشفت له حقيقة كان كمن لقي أنيسا،
    بخلاف غير العالم بالأشياء:
    *فإنه في حيرة من أمره حين تختلط عليه المتشابهات فلا يدري ماذا يأخذ وماذا يدع فإن اجتهد لنفسه خشي الزلل
    *وإن قلد خشي زلل مقلده وهذا المعنى يدخل تحت قوله تعالى (كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا)

    ـ المقام الرابع : مقام الغنى عن الناس بمقدار العلم والمعلومات فكلما ازداد علم العالم قوي غناه عن الناس في دينه ودنياه .

    ـ المقام الخامس : الالتذاذ بالمعرفة،
    وقد حصر فخر الدين الرازي اللذة في المعارف وهي لذة لا تقطعها الكثرة .
    وقد ضرب الله مثلا بالظل إذ قال (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) فإن الجلوس في الظل يلتذ به أهل البلاد الحارة.

    ـ المقام السادس : صدور الآثار النافعة في مدى العمر مما يكسب ثناء الناس في العاجل وثواب الله في الآجل . فإن العالم مصدر الإرشاد والعلم دليل على الخير وقائد إليه،

    [
    color="red"]قال الله تعالى:

    (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)
    وهذه وقفتنا الثانية إن شاء الله
    وانظر التحرير والتنوير و تفسير البيضاوي والقرطبي والطبري وابن كثير – رحمهم الله جميعا - تفسير سورة الزمر

    وللحديث بقية
    ( ابن عباس )
    حادي الطريق - هداه الله -

    >>> يتبع >>>
    [/b[/color]
    ]

    تعليق


    • #3
      رد: أسرار العبادات

      أخى أبو أنس
      جزاكم الله كل خيرا
      التعديل الأخير تم بواسطة نبض داعية; الساعة 28-01-2013, 03:48 PM. سبب آخر: التحويل لصيغة الجمع لأن القسم مختلط

      تعليق


      • #4
        رد: أسرار العبادات

        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

        حياك الله أبا شدا وذكرك الله بكل خير .. فلقد نسيت هذا الموضوع
        أسأل الله أن يجعل هذا التذكير في ميزان حسناتك
        جاري إكمال السلسلة بإذن الله

        تعليق


        • #5
          رد: أسرار العبادات

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



          قلت في الحلقة السابقة أنه سيأتي الحديث على العلم والخشية... ولما كنت قد ذكرت ذلك تفصيلا في سلسلتنا المباركة إن شاء الله - (الإبريز في لطائف الكتاب العزيز) فمن أراد الاستزادة فليراجعها هنالك و هاك رابطها :


          ثم قبل وبعد ذلك استعين الله تعالى في استخلاص أهم ما وقفت عليه من فوائد في كتاب مختصر منهاج القاصدين ونسأل الله القبول بكرمه وفضله إنه أكرم مسئول :



          قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

          باب فى آداب المعلم والمتعلم...



          أما المتعلم فينبغي له تقديم طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ومذموم الصفات .

          إذ العلم عبادة القلب.

          وينبغى له قطع العلائق الشاغلة، فإن الفكرة متى توزعت قصرت عن إدراك الحقائق(1) .

          ثم ذكر – رحمه الله – أنه أهديت إلى أبى بكر الأنبارى جارية، فلما دخلت عليه تفكر فى استخراج مسألة فعزبت عنه، فقال : أخرجوها إلى النخاس، فقالت : هل من ذنب ؟ قال : لا، إلا أن قلبي اشتغل بك، وما قدر مثلك أن يمنعني علمي .


          وعلى المتعلم أن يلقى زمامه إلي المعلم إلقاء المريض زمامه إلي الطبيب(2)،

          ثم شرع – رحمه الله تعالى – في بيان كيف يلقي طالب العلم زمامه إلى معلمه :

          قال:

          فيتواضع له ، ويبالغ فى خدمته .
          وقد كان
          ابن عباس رضى الله عنه يأخذ بركاب زيد بن ثابت رضى الله عنه ويقول : هكذا أمرنا أن نفعل بالعلماء .



          ومتى تكبر المتعلم أن يستفيد من غير موصوف بالتقدم (3) فهو جاهل(4)،

          لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها أخذها، وليدع رأيه لرأى معلمه ،

          فإن خطأ المعلم أنفع للمتعلم من صواب نفسه(5).


          قال على رضى الله عنه :

          إن من حق العالم عليك أن تسلم على القوم عامة، وتخصه بالتحية،

          وأن تجلس أمامه،

          ولا تشير عنده بيدك،

          ولا تغمزن بعينك،

          ولا تكثر عليه السؤال،

          ولا تعينه فى الجواب،

          ولا تلح عليه إذا كسل،

          ولا تراجعه إذا امتنع،

          ولا تأخذ بثوبه إذا نهض،

          ولا تفشى له سراً،

          ولا تغتابن عنده أحداً،

          ولا تطلبن عثرته،

          وإن زل قبلت معذرته،

          ولا تقولن له : سمعت فلانا يقول كذا ،

          ولا أن فلاناً يقول خلافك .

          ولا تصفن عنده عالماً،

          ولا تعرض من طول صحبته،

          ولا ترفع نفسك عن خدمته،

          وإذا عرضت له حاجة سبقت القوم إليها،

          فإنما هو بمنزلة النخلة تنتظر متى يسقط عليك منها شئ .


          وينبغى أن يحترز الخائض فى العلم فى مبدأ الأمر من الإصغاء إلى اختلاف الناس، فإن ذلك يحير عقله ويفتر ذهنه .
          وينبغى له أن يأخذ من كل شئ أحسنه .

          لأن العمر لا يتسع لجميع العلوم، ثم يصرف جُمَام قوته إلى أشرف العلوم، وهو العلم المتعلق بالآخرة، الذى به يكتسب اليقين الذى حصلهأبو بكر الصديق رضى الله عنه، حتى شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : “ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر فى صدره” فهذه وظائف المتعلم .


          وأما المعلم فعليه وظائف أيضاً :
          من ذلك الشفقة على المتعلمين،

          وأن يجريهم مجرى بنيه،

          ولا يطلب على إفاضة العلم أجراً،

          ولا يقصد به جزاءاً ولا شكراً،

          بل يعلم لوجه الله تعالى،

          ولايرى لنفسه منة على المتعلمين،

          بل يرى الفضل لهم إذ هيؤوا قلوبهم للتقرب إلى الله تعالى بزارعة العلم فيها، فهم كالذي يعير الأرض لمن يزرع فيها .



          فلا ينبغي أن يطلب المعلم الأجر إلا من الله تعالى .



          وقد كان السلف يمتنعون من قبول هدية المتعلم .
          ومنها

          أن لا يدخر من نصح المتعلم شيئاً، وأن يزجره عن سوء الأخلاق بطريق التعريض مهما أمكن، لا على وجه التوبيخ، فإن التوبيخ يهتك حجاب الهيبة .
          ومنها :

          أن ينظر فى فهم المتعلم ومقدار عقله، فلا يلقي إليه مالا يدركه فهمه ولا يحيط به عقله .


          فقد روي عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

          “أمرت أن أخاطب الناس على قدر عقولهم”

          ( ( لم يثبت شئ من هذا عن النبى صلى الله عليه وسلم))،



          وقد روى البخاري في " صحيحه " 1/199 تعليقاً فى العلم :

          باب من خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية ألا يفهموا قول علي رضي الله عنه : حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يكذب الله ورسوله،

          قال الحافظ : وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة،



          ومثله قول : عبد الله بن مسعود فيما رواه الإمام مسلم فى " صحيحه " 1/76 بشرح النووي : ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة ) ) .


          وقال الشافعي رحمه الله :
          أأنثر دراً بين سارحة النعم أأنظم منثوراً لراعية الغنم



          ومن منح الجهال علماً أضاعه ومن منع المستوجبين فقد ظلم


          ومنها : أن يكون المعلم عاملاً بعلمه . ولا يكذب قوله فعله . قال الله تعالى :
          { أَتَأْمُرونَ النَّاسَ بِالبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُم وَأَنْتُم تَتْلُونَ الكَتابَ } [ البقرة : 44 ]


          وقال علي رضي الله عنه : قصم ظهري رجلان : عالم متهتك، وجاهل متنسك .


          ــــــــــــــــــــــــــــ

          (1)بالطبع ليس كما يروج عباد الأولياء بأن يكون المريد بين يدي شيخه كالميت بين يدي المغسل" وهذا حق أريد به باطل، وإنما يعرض طالب العلم كل ما يأخذ عن شيخه على الكتاب والسنة فإن وافق وإلا فلا.

          (2)فلا يأخذ إلا ممن شُهد له بالعلم والصلاح وإن كان أصغر منه سنا وفضلا.

          (3)وهكذا قال الأقدمون: " يضيع العلم بين الكبر والحياء من السؤال".

          (4)ذلك بأن العالم يجتهد بعلمه فيما يعرض عليه فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر.

          تعليق


          • #6
            رد: أسرار العبادات

            جزاكم الله خيرا اخي ابو انس
            بارك الله لنا فيكم اخى ونفعنا بكم وبعلمكم
            اللهم امين





            عدد النقاط في القرآن الكريم "1015030" نقطة -تقريباً- أما حروفه فيبلغ عددها "323670" وتكوّن بمجموعها "77934" كلمة قرآنية
            التعديل الأخير تم بواسطة نبض داعية; الساعة 28-01-2013, 05:17 PM. سبب آخر: التعديل لصيغة الجمع
            اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً

            تعليق


            • #7
              رد: أسرار العبادات

              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
              أخي (العابد لله)

              ما شاء الله أنا في منتهى الإعجاب بإسلوبك الجديد في المشاركات ، المعلومات التي في حواشي المشاركات طيبة ومفيدة ما شاء الله
              أسأل الله أن يتقبل منك
              التعديل الأخير تم بواسطة نبض داعية; الساعة 28-01-2013, 07:53 PM.

              تعليق


              • #8
                رد: أسرار العبادات

                اللهم امين

                جزاك الله خيرا اخى ابو انس

                واحمد الله تعالى ان وفقنى الى ذاك الشىء الجميل
                كما اساله تعالى ان يكون خالصا لوجهه وان يتقبله منى
                وان يتقبل منكم طيب اعمالكم التى افادتنا كثيرا اخى الغالى ابو انس

                اكرمك الله واعزك اخى


                اللهم امين






                ************

                وتذكر دوماً أمر ربك لك ببر الوالدين: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا)(الإسراء: 23)، وتذكر دوما أمر نبيك -صلى الله عليه وسلم-: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا)(رواه الترمذي وصححه الألباني).
                التعديل الأخير تم بواسطة نبض داعية; الساعة 28-01-2013, 07:56 PM.
                اللهم صلِّ على سيدنا محمد وآله وسلم تسليماً كثيراً

                تعليق


                • #9
                  رد: أسرار العبادات

                  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                  أحسنت وأجملت
                  أخي (العابد لله)
                  تقبل الله منا ومنكم
                  التعديل الأخير تم بواسطة نبض داعية; الساعة 28-01-2013, 07:57 PM.

                  تعليق


                  • #10
                    رد: أسرار العبادات

                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



                    ـ آفات العلم وبيان علماء السوء وعلماء الآخرة
                    علماء السوء
                    : هم الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا، والتوصل إلى المنزلة عند أهلها .


                    وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : “من تعلم علماً مما يبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة” يعنى ريحها .

                    رواه أحمد وأبو داود وإبن ماجه والحاكم وصححه الألبانى فى صحيح الجامع ( 6159 )


                    وفى حديث آخر أنه قال : “من تعلم العلم ليباهي به العلماء، أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فهو في النار”
                    رواه ا
                    بن ماجة وصححه الألبانى فى صحيح الجامع (6158 )

                    وفى ذلك أحاديث كثيرة .



                    وقال بعض السلف : أشد الناس ندامة عند الموت عالم مفرط .


                    واعلم : أن المأخوذ على العالم أن يقوم بالأوامر والنواهي، وليس عليه أن يكون زاهداً ولا معرضاً عن المباحات،

                    إلا أنه ينبغي له أن يتقلل من الدنيا مهما استطاع، لأنه ليس كل جسم يقبل التعلل، فإن الناس يتفاوتون .


                    وروى أن سفيان الثوري رحمه الله كان حسن المطعم . وكان يقول : إن الدابة إذا لم يحسن إليها في العلف لم تعمل .


                    وكان الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يصبر من خشونة العيش على أمر عظيم والطباع تتفاوت .



                    ومن صفات علماء الآخرة

                    أن يعلموا أن الدنيا حقيرة، وأن الآخرة شريفة . وأنهما كالضرتين،

                    فهم يؤثرون الآخرة،
                    ولا تخالف أفعالهم أقوالهم،
                    ويكون ميلهم إلى العلم النافع فى الآخرة،
                    ويجتنبون العلوم التي يقل نفعها إيثاراً لما يعظم نفعه،



                    كما روي عن شقيق البلخي رحمه الله أنه قال لحاتم : قد صحبتني مدة، فماذا تعلمت ؟
                    قال : ثمانية مسائل :


                    أما الأولى
                    :

                    فإني نظرت إلى الخلق، فإذا كل شخص له محبوب، فإذا وصل إلى القبر فارقه محبوبه،
                    فجعلت محبوبي حسناتي لتكون في القبر معي .


                    وأما الثانية :

                    فإني نظرت إلى قوله تعالى : { ونهى النفس عن الهوى } [ النازعات : 40 ]
                    فأجهدتها فى دفع الهوى حتى استقرت على طاعة الله تعالى .


                    وأما الثالثة :

                    فإني رأيت كل من معه شئ له قيمة عنده يحفظه، ثم نظرت فى قوله سبحانه وتعالى : { ما عندكم ينفد وما عند الله باق } [ النحل : 96 ]
                    فكلما وقع معي شئ له قيمة، وجهته إليه ليبقى لى عنده .


                    وأما الرابعة :

                    فإني رأيت الناس يرجعون إلى المال والحسب والشرف، وليست
                    بشئ، فنظرت فى قوله الله تعالى : { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } [ الحجرات : 13 ]
                    فعملت فى التقوى لأكون عنده كريماً .


                    أما الخامسة :

                    فأنى رأيت الناس يتحاسدون، فنظرت فى قوله تعالى : { نحن قسمنا بينهم معيشتهم } [ الزخرف : 32 ]
                    فتركت الحسد .


                    والسادسة :

                    رأيتهم يتعادون، فنظرت فى قول الله تعالى : { إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً } [ فاطر : 6 ]
                    فتركت عدواتهم واتخذت الشيطان وحده عدواً .


                    السابعة :

                    رأيتهم يذلون أنفسهم، فنظرت فى قول تعالى : { وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها } [ هود : 6 ]
                    فاشتغلت بما له علي وتركت ما لى عنده .



                    والثامنة :

                    رأيتهم متوكلين على تجارتهم وصنائعهم وصحة أبدانهم،
                    فتوكلت على الله تعالى .


                    ومن صفات علماء الآخرة :

                    أن يكونوا منقبضين عن السلاطين ، محترزين من مخالطتهم .


                    قال حذيفة رضى الله عنه : إياكم ومواقف الفتن . قيل : وما هي ؟ قال : أبواب الأمراء ، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب ، ويقول ما ليس فيه .

                    وقال سعيد بن المسيب رحمه الله : إذا رأيتم العالم يغشى الأمراء، فاحذروا منه فإنه لص .


                    وقال بعض السلف :

                    إنك لا تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك أفضل منه .


                    ومن صفات علماء الآخرة :

                    أن لا يسترعوا إلى الفتوى، وأن لا يفتوا إلا بما يتيقنون صحته .
                    وقد كان السلف يتدافعون الفتوى حتى ترجع إلى الأول .


                    وقال عبد الرحمن بن أبى ليلى رحمه الله :

                    أدركت فى هذا المسجد مائة وعشرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما أحد يسأل عن حديث أو فتوى إلا وَدَّ أن أخاه كفاه ذلك .

                    ثم قال آل الأمر إلى إقدام أقوام يدعون العلم اليوم ، يقدمون على الجواب في مسائل لو عرضت لعمر بن الخطاب رضى الله عنه لجمع أهل بدر واستشارهم .


                    ومن صفاتهم :



                    أن يكون أكثر بحثهم فى علم الأعمال عما يفسدها ويكدر القلوب ويهيج الوساوس،
                    فإن صور الأعمال قريبة سهلة، وإنما التعب فى تصفيتها .


                    وأصل الدين :

                    التوقي من الشر، ولا يصح أن يتوقى حتى يعرف .


                    ومن صفاتهم :

                    البحث عن أسرار الأعمال الشرعية، والملاحظة لحكمها .

                    فإن عجز عن الاطلاع على العلة كفاه التسليم للشرع .



                    ومن صفاتهم :

                    اتباع الصحابة وخيار التابعين، وتوقى كل محدث .




                    نسأل الله تعالى أن يمن علينا بالعلم النافع والعمل الصالح

                    تعليق


                    • #11
                      رد: أسرار العبادات

                      السلام عليكم ورحمه الله وبركاته : ............... .


                      ما شاء الله لا قوه الا بالله ، والله كلمات تكتب بماء الذهب ، جزاكم الله خير الجزاء أخانا الكريم "حادى الطريق " ، جعل ربى ما تقدمونه فى ميزان الحسنات ، ونفعنا الله ونفع المسلمين أجمعين به ،



                      شكر الله لكم

                      متابعين ان شاء الله
                      التعديل الأخير تم بواسطة المشتاقة لله; الساعة 28-08-2011, 09:26 AM.
                      يا أمة الحق ماذا بعد قد نفدت كل الدعاوى وكلت دونها الفكر
                      ماذا سوى عوده لله صادقه عسى نبدل هذا الحال والصور
                      عسى يعود لما ماض به ازدهرت كل الدنا واهتدى من نوره البشر
                      على اساس الهدى كانت مدائـنـنا وفى سبيل العلا لم يثـنـنا سفر
                      *******************************
                      طالب العلم يكفيه دليل ، وطالب الهوى لا يكفيه الف دليل ؛؛ الجاهل يتعلم ،وصاحب الهوى ليس لنا عليه دليل.

                      تعليق


                      • #12
                        رد: أسرار العبادات

                        السلام عليكم ورحمة الله وبركاته


                        الطهارة وأسرارها



                        اعلم : أن الطهارة لها أربع مراتب :


                        الأولى : تطهير الظاهر من الأحداث والأنجاس والفضلات .
                        والثانية : تطهير الجوارح من الذنوب والآثام .
                        والثالثة : تطهير القلب من الأخلاق المذمومة والرذائل الممقوتة .
                        والرابعة : تطهير السر عما سوى الله تعالى، وهذا هو الغاية القصوى،



                        فمن قويت بصيرته سمت إلى هذا المطلوب،

                        ومن عميت بصيرته لم يفهم من مراتب الطهارة إلا المرتبة الأولى،



                        فتراه يضيع أكثر زمانه الشريف فى المبالغة فى الاستنجاء وغسل الثياب، ظناً منه بحكم الوسوسة وقلة العلم أن الطهارة المطلوبة هي هذه فقط، وجهلاً بسير المتقدمين الذين كانوا يستغرقون الزمان فى تطهير القلوب ويتساهلون فى أمر الظاهر،



                        كما روى عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه توضأ من جرة نصرانية، وكانوا لا يكادون يغسلون أيديهم من الزُّهم ويصلون على الأرض، ويمشون حفاة، ويقتصرون فى الاستجمار على الأحجار .



                        فانظر كيف جعلوا البذاذة (التواضعَ في اللباس وتركَ التَّبَجُّجِ به) التي هي من الإيمان قذارة، والرعونة (المبالغة) نظافة، وصيروا المنكر معروفاً، والمعروف منكراً .



                        لكن من قصد بهذه الطهارة النظافة ولم يسرف في الماء، ولم يعتقد أن استعمال الماء الكثير أصل الدين، فليس ذلك بمنكر، بل هو فعل حسن.



                        وليرجع في معرفة الأنجاس والأحداث إلى كتب الفقه،

                        فإن المقصود من هذا الكتاب الآداب.



                        قلت (أبو أنس):

                        أخبرني أحد إخواني الذين طلبوا العلم على يد الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز – رحمه الله – أنه رأى الشيخ – رحمه الله – أكثر من مرة يلبس قميصا من نوعية (الوردة المائية) – وهي نوعية رخيصة جدا من الثياب – ( تلبس غالبا في المنزل ولا يُخرج بها إلى الشارع كونها شديدة التكسر) وكان يحضر به الدروس والمؤتمرات ، بل أخبرني أنه رآه مرارا يلبس ( شبشب من أبو صابع) على حد قوله .

                        فهذا علم من أعلام الهدى وهو يعلم ويطبق معني التواضع وعدم التكلف والمبالغة

                        فرحمة الله عليه وبركاته ومغفرته


                        وأما إزالة الفضلات فهي نوعان :
                        [ النوع الأول ] : أوساخ تزال ،

                        كالذي يجتمع فى الرأس من الوسخ والدرن، فيستحب تنظيفه بالغسل والترجيل والتدهين لإزالة الشعث ، وكذلك ما يجتمع فى الأذن من الوسخ يستحب إزالته .



                        ويستحب التسوك والمضمضة لإزالة ما على الأسنان واللسان من القلح (الصفار) ،وكذلك وسخ البراجم (ما بين الأصابع) والدرن (الوسخ)الذي يجتمع على جميع البدن برشح العرق وغبار الطريق ، وذلك يزيله الغسل .



                        ولا بأس بدخول الحمام (يقصد الحمام العام (الساونة))، فإنه أبلغ فى الإزالة،

                        وقد دخله جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،



                        لكن على داخله صيانة عورته من نظر الغير إليها ولمسه إياها .

                        وينبغى للداخل إليه أن يتذكر بحرارته حر النار،

                        فإن فكرة المؤمن لا تزال تجول فى كل شئ من أمور الدنيا فيذكر به أمور الآخرة ،



                        لأن الغالب على المؤمن أمر الآخرة، وكل إناء ينضح بما فيه .



                        ألا ترى أنه لو دخل إلى دار - معمورة- بَزَّاز (بائع الأقمشة)، ونجار، وبناء، وحائك (خياط)،

                        رأيت البزاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها ،

                        والحائك ينظر إلى نسج الثياب،

                        والنجار ينظر إلى سقف الدار

                        والبناء ينظر إلى الحائط،



                        فكذلك المؤمن

                        إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر،

                        وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور،

                        وإن رأى نعيماً تذكر نعيم الجنة،

                        وإن رأى عذاباً ذكر النار .


                        ويكره دخول الحمام قريباً من الغروب وبين العشاءين ، فإنه وقت انتشار الشياطين .


                        النوع الثاني من إزالة الفضلات :

                        أجزاء تحذف، مثل قص الشارب، ونتف الإبط، وحلق العانة، وقص الأظافر . ويكره نتف الشيب، ويستحب خضابه.


                        وباقى مراتب الطهارة يأتي في ربع المهلكات والمنجيات إن شاء الله تعالى .


                        هذا ما تيسر وللحديث بقية إن شاء الله

                        تعليق


                        • #13
                          رد: أسرار العبادات

                          جزاكم الله خيرا باذن الله
                          التعديل الأخير تم بواسطة المشتاقة لله; الساعة 28-08-2011, 09:26 AM.

                          تعليق


                          • #14
                            رد: أسرار العبادات

                            ما شاء الله موضوع مفيد جدا
                            بارك الله فيك وفى اعمالك القيمة

                            تعليق


                            • #15
                              رد: أسرار العبادات

                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



                              فصل [ فى فضائل الصلاة ]


                              وأما الصلاة فإنها عماد الدين وغرة الطاعات .



                              وقد ورد فى فضائل الصلاة أخبار كثيرة مشهورة، ومن أحسن آدابها الخشوع .


                              وقد روى عن عثمان رضى الله عنه ، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : “ما من امرئ تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يأت كبيرة، وذلك الدهر كله “ .



                              وله فى حديث أيضا عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : “ من صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه “ .


                              وكان ابن الزبير رضى الله عنهما إذا قام فى الصلاة كأنه عود من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط، وصلى يوماً في الحِجْر فجاء حجر قذافة (منجنيق) فذهب ببعض ثوبه فما انفتل .


                              وقال ميمون بن مهران : ما رأيت مسلم ين يسار ملتفتاً فى صلاة قط، ولقد انهدمت ناحية من المسجد ففزع أهل السوق لهدتها، وإنه لفى المسجد يصلى فما التفت، وكان أهل بيته إذا دخل المنزل سكتوا، فإذا قام إلى الصلاة تكلموا وضحكوا .


                              وكان على بن الحسن رضى الله عنهما إذا توضأ اصفر لونه ، فقيل له : ما هذا الذى يعتادك عند الوضوء ؟ فقال : أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم ؟


                              وأعلم :

                              أن للصلاة أركانا وواجبات وسنناً، وروحها النية والإخلاص والخشوع وحضور القلب،

                              فإن الصلاة تشتمل على أذكار ومناجاة وأفعال ،



                              ومع عدم حضور القلب لا يحصل المقصود بالأذكار والمناجاة، لأن النطق إذا لم يُعِربُ عما فى الضمير كان بمنزلة الهذيان ،



                              وكذلك لا يحصل المقصود من الأفعال، لأنه إذا كان المقصود من القيام الخدمة، ومن الركوع والسجود الذل والتعظيم، ولم يكن القلب حاضراً، لم يحصل المقصود، فإن الفعل متى خرج عن مقصوده بقى صورة لا اعتبار بها ،

                              قال الله تعالى : { لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم } [ الحج : 37 ]



                              والمقصود أن الواصل إلى الله سبحانه وتعالى هو الوصف الذى استولى على القلب حتى حمل على امتثال الأوامر المطلوبة، فلا بد من حضور القلب فى الصلاة، ولكن سامح الشارع فى غفلة تطرأ لأن حضور القلب فى أولها ينسحب حكمه على باقيها .


                              والمعاني التي تتم بها حياة الصلاة كثيرة .



                              المعنى الأول :
                              حضور القلب كما ذكرنا ، ومعناه أن يفرغ القلب من غير ما هو ملابس له ، وسبب ذلك الهمة،

                              فإنه متى أهمك أمر حضر قلبك ضرورة فلا علاج لإحضاره إلا صرف الهمة إلى الصلاة، وانصراف الهمة يقوى ويضعف بحسب قوة الإيمان بالآخرة واحتقار الدنيا،

                              فمتى رأيت قلبك لا يحضر فى الصلاة، فاعلم أن سببه ضعف الإيمان، فاجتهد فى تقويته .


                              والمعنى الثاني :
                              التفهم لمعنى الكلام فإنه أمر وراء حضور القلب، لأنه ربما كان القلب حاضراً مع اللفظ دون المعنى ، فينبغي صرف الذهن إلى إدراك المعنى بدفع الخواطر الشاغلة وقطع موادها، فان المواد إذا لم تنقطع لم تنصرف الخواطر عنها .


                              والمواد،

                              إما ظاهرة : وهى ما يشغل السمع والبصر،

                              وإما باطنة : وهو أشد كمن تشعبت به الهموم فى أودية الدنيا،

                              فإنه لا ينحصر فكره فى فن واحد، ولم يغنه غض البصر، لأن ما وقع فى القلب كاف فى الاشتغال به .


                              وعلاج ذلك إن كان من المواد الظاهرة، بقطع ما يشغل السمع والبصر، وهو القرب من القبلة، والنظر إلى موضع سجوده ، والاحتراز فى الصلاة من المواضع المنقوشة، وأن لا يترك عنده ما يشغل حسه ،



                              فإن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما صلى في أمبجانية لها أعلام نزعها وقال : “ إنها ألهتني آنفا عن صلاتي .


                              وإن كان من المواد الباطنة، فطريق علاجه أن يرد النفس قهراً إلى ما يقرأ في الصلاة ويشغلها به عن غيره،



                              ويستعد لذلك قبل الدخول في الصلاة، بأن يقضى أشغاله، ويجتهد في تفريغ قلبه ويجدد على نفسه ذكر الآخرة وخطر القيام بين يدي الله عز وجل وهول المطلع ، فان لم تسكن الأفكار بذلك ، فليعلم أنه إنما يتفكر فيما أهمه واشتهاه ، فليترك تلك الشهوات وليقطع كل العلائق .



                              واعلم :

                              أن العلة متى تمكنت لا ينفعها إلا الدواء القوى،

                              والعلة إذا قويت جاذبت المصلى وجاذبها إلى أن تنقضي الصلاة فى المجاذبة،



                              ومثل ذلك كمثل رجل تحت شجرة أراد أن يصفو له فكره، وكانت أصوات العصافير تشوش عليه وفى يده خشبة يطيرها بها، فما يستقر فكره حتى تعود العصافير فيشتغل بها، فقيل له : هذا شيء لا ينقطع ،



                              فإن أردت الخلاص فاقطع الشجرة،



                              فكذلك شجرة الشهوة إذا علت وتفرقت أغصانها انجذبت أليها الأفكار كانجذاب العصافير إلى الأشجار والذباب إلى الأقذار ،

                              فذهب العمر النفيس فى دفع ما لا يندفع ، وسبب هذه الشهوات التي توجب هذه الأفكار حب الدنيا .


                              قيل لعامر بن عبد قيس رحمه الله :

                              هل تحدثك نفسك بشيء من أمور الدنيا في الصلاة ؟ فقال : لأن تختلف الأسنة في أحبُّ إلي من أجد هذا .


                              واعلم :

                              أن قطع حب الدنيا من القلب أمر صعب وزواله بالكلية عزيز، فليقع الاجتهاد في الممكن منه ، والله الموفق والمعين .


                              وذلك يتولد من شيئين :

                              معرفة جلال الله تعالى وعظمته،

                              ومعرفة حقارة النفس وأنها مستعبدة،



                              فيتولد من المعرفتين : الاستكانة ، والخشوع .


                              ومن ذلك الرجاء :

                              فإنه زائد على الخوف، فكم من معظم ملكاً يهابه لخوف سطوته كما يرجو بره.


                              والمصلى ينبغي أن
                              يكون راجياً بصلاته الثواب، كما يخاف من تقصيره العقاب.


                              وينبغي للمصلى أن
                              يحضر قلبه عند كل شيء من الصلاة،

                              فإذا سمع نداء المؤذن فليمثل النداء للقيامة ويشمر للإجابة، ولينظر ماذا يجيب، وبأي بدن يحضر .



                              وإذا ستر عورته

                              فليعلم أن المراد من ذلك تغطية فضائح بدنه عن الخلق ، فليذكر عورات باطنه وفضائح سره التي لا يطلع عليها إلا الخالق ، وليس لها عنه ساتر ، وأنها يكفرها الندم، والحياء، والخوف .



                              وإذا استقبل القبلة

                              فقد صرف وجهه عن الجهات إلى جهة بيت الله تعالى، فصرف قلبه إلى الله تعالى أولى من ذلك ، فكما أنه لا يتوجه إلى جهة البيت إلا بالانصراف عن غيرها، كذلك القلب لا ينصرف إلى الله تعالى إلا بالانصراف عما سواه .



                              إذا كبرت أيها المصلى،

                              فلا يكذبن قلبك لسانك، لأنه إذا كان في قلبك أكبر من الله تعالى قد كذبت ، فاحذر أن يكون الهوى عندك أكبر بدليل إيثارك موافقته على طاعة الله تعالى .



                              فإذا استعذت،

                              فاعلم أن الاستعاذة هي لجأ إلى لله سبحانه، فإذا لم تلجأ بقلبك كان كلامك لغواً ،



                              وتفهم معنى ما تتلو،

                              وأحضر التفهم بقلبك عند قولك : { الحمد لله رب العالمين } ،

                              واستحضر لطفه عند قولك : { الرحمن الرحيم } ،

                              وعظمته عند قولك : { مالك يوم الدين } , وكذلك فى جميع ما تتلو .


                              وقد روينا عن زرارة بن أبى أوفى رضي الله عنه أنه قرأ في صلاته : { فإذا نقر في الناقور} [ المدثر : 8 ] فخر ميتاً، وما ذاك إلا لأنه صور تلك الحال فأثرت عنده التلف .


                              واستشعر فى ركوعك التواضع ،

                              وفى سجودك الذل،

                              لأنك وضعت النفس موضعها، ورددت الفرع إلى أصله بالسجود على التراب الذي خلقت منه وتفهم منه معنى الأذكار بالذوق .


                              واعلم :

                              أن أداء الصلاة بهذه الشروط الباطنة سبب لجلاء القلب من الصدأ ، وحصول الأنوار فيه التي بها تتلمح عظم المعبود، وتطلع على أسراره وما يعقلها إلا العالمون .


                              فأما من هو قائم بصورة الصلاة دون معانيها، فإنه لا يطلع على شيء من ذلك بل ينكر وجوده .


                              وللحديث بقية إن شاء الله





                              تعليق

                              يعمل...
                              X