السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولاً ــ الجرأة على الفتوى وتعجل التدريس :
=========================
وهذه للأسف الشديد هي سمة الكثيرين من طلبة العلم من أهل هذا العصر .
... قال الله تعالى : ((قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ )) [ يونس/59 ]
ومن تأمل سير السلف يعرف حقًا كيف كان هؤلاء الأكابر أكثر الناس علمًا وورعًا ، فكانوا يهابون مما يقتحمه المتعالمون في هذه الأيام ، ومما يقع فيه علماء السوء من شواذ المسائل .
قال أبو داود في مسائله : ما أحصى ما سمعت أحمد سئل عن كثير مما فيه الاختلاف في العلم فيقول لا أدري .
قال : وسمعته يقول ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتوى أحسن فتيا منه ، كان أهون عليه أن يقول لا أدري .
وقال عبد الله ابنه في مسائله سمعت أبي يقول وقال عبد الرحمن بن مهدي سأل رجل الإمام مالك بن أنس عن مسألة فقال لا أدري فقال يا أبا عبد الله تقول لا أدري قال نعم فأبلغ من ورائك أني لا أدري .
وقال عبد الله : كنت أسمع أبي كثيرًا يسأل عن المسائل فيقول : لا أدري ، ويقف إذا كانت مسألة فيها اختلاف ، وكثيرا ما كان يقول : سل غيري فإن قيل له من نسأل قال سلوا العلماء ولا يكاد يسمي رجلا بعينه.
يقول ابن القيم : وكان السلف من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع في الفتوى ، ويود كل واحد منهم أن يكفيه إياها غيره ، فإذا رأى أنها قد تعينت عليه بذل اجتهاده في معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى . [إعلام الموقعين لابن القيم (1/33،34) ، المدخل لابن بدران (1/120) ط مؤسسة الرسالة] .
قال عبد الرحمن ابن أبي ليلى : أدركت عشرين و مائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ، فما كان منهم محدث إلا ود أن أخاه كفاه الحديث ، ولا مفت إلا ود أن أخاه كفاه الفتيا.
وقال سحنون بن سعيد : أجسر الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه .
فأين هؤلاء الأصاغر المتعالمون من أدب سلفنا الصالح في الفتيا والاستفتاء ،فترى هؤلاء المتعالمين المتفيهقين يتعجل أحدهم الفتيا ويتعجل التدريس ويتعجل كل شيء ، يظن بنفسه أنه محيي الدين يود أحدهم لو كان مفتي البلاد والعباد ، ولكنها الشهوة الخفية ، وأين هؤلاء من الشروط والأسس التي وضعها سلفنا لحفظ جناب الدين من المتفيهقين .
* قال الإمام أحمد : " لا ينبغي للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال :
إحداها :: أن تكون له نية ، أي أنْ يخلص في ذلك لله تعالى ، ولا يقصد رياسة ولا نحوها ، فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ، ولا على كلامه نور،إذ الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى .
الثانية : أن يكون له حلم ووقار وسكينة ، و إلا لم يتمكن من فعل ما تصدى له من بيان الأحكام الشرعية .
الثالثة : أن يكون قويًا على ما هو فيه وعلى معرفته ، و إلا فقد عرض نفسه لعظيم .
الرابعة :: الكفاية و إلا أبغضه الناس ، فإنه إذا لم تكن له كفاية احتاج إلى الناس ، وإلى الأخذ مما في أيديهم فيتضررون منه .
الخامسة : معرفة الناس .[ كشاف القناع للبهوتي (6/299) ط دار الفكر] .
ولعلك إن فتشت فيمن حولك عمن تنطبق فيه تلك الأوصاف لا يسعفك عد عشرة على أصابع اليدين ولا حول ولا قوة إلا بالله .
فحذار حذار من فتنة التصدر ، وطلب الشهرة والجاه ، فإنها عمار للنار ، قتالة للقلب ، مفسدة له ، دالة على سوء النوايا ، وإنما من ابتلي بذلك صبر ، ومن استراح من هذا شكر لو تعلمون .
تعليق