حكم المتعطرة في الاسلام
الحمدلله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فاعلمي أختي المسلمة، أنه لا يحل للمرأة أن تخرج من بيتها وهي متعطرة، حتى وإن كان إلى المسجد؛ لما روى مسلم في "صحيحه" عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول اللَّهِ : (( أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بَخُورًا فلا تَشْهَدْ مَعَنَا الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ )).
وروى مسلم أيضًا عن زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةَ أنها كانت تُحَدِّثُ عن رسول اللَّهِ أَنَّهُ قال: (( إذا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْعِشَاءَ فلا تَطَيَّبْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ )).
وفي لفظ: قالت قال لنا رسول اللَّهِ : (( إذا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فلا تَمَسَّ طِيبًا )).
وأخرج أبو داود، والنسائي، وابن خزيمة في "صحيحه"، وابن حبان، والحاكم عن أبي موسى الأشعري عن النبي قال: (( أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية، وكل عين زانية )).
قال المناوي في "فيض القدير": "والمرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فقد هيجت شهوة الرجال بعطرها وحملتهم على النظر إليها، فكل من ينظر إليها فقد زنا بعينه، ويحصل لها إثمٌ لأنها حملته على النظر إليها وشوشت قلبه، فإذن هي سببُ زناه بالعين، فهي أيضاً زانية".
وليس التعطر زنا بالمعنى الذي يوجب الرجم أو الجلد بلا ريب، ومن ينادي المتعطرة بالزانية، فهو قاذِفٌ يجب جلده ثمانين جلدة، وإنما عظم الوزر؛ لأنها أيقظت شهوة الرجال بعطرها، وحملتهم على النظر إليها، وربما على الفاحشة.
قال إمام الأئمة ابن خزيمة: "المتعطرة التي تخرج ليوجد ريحها قد سماها النبي - - زانية وهذا الفعل لا يوجب جلداً ولا رجماً، ولو كان التشبيه بكون الاسم على الاسم لكانت الزانية بالتعطر يجب عليها ما يجب على الزانية بالفرج، ولكن لما كانت العلة الموجبة للحد في الزنا الوطء بالفرج لم يجز أن يحكم لمن يقع عليه اسم زان وزانية بغير جماع بالفرج في الفرج بجلد ولا رجم".
ومقصود ابن خزيمة والمناوي هو ما دل عليه الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: "ما رأيتُ شيئاً أشبه بِاللَّمَمِ (أي صغائر الذنوب) مما قال أبو هريرة عن النبي - -: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدركه ذلك لا محالة؛ فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه))"، وزاد أحمد في روايته: ((وزنا اليدين البطش وزنا الرجلين المشي وزنا الفم القبل)).
فالشرع سمى هذا كله زنا؛ لأنه من دواعي زنا الفرج، وليس المقصود أنه زنا في نفسه؛ وتسمية الشارع المُجاهِرة بالعطر خارج بيتها بالزانية من باب قول النبي - - في حديث جرير: ((ومن سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة))؛ أخرجه مسلم، وروى مسلم أيضًا عن أبي هريرة أن رسول الله -- قال: ((من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً)).
فكم من رجل وقع في زنا الفرج والعياذ بالله من جراء النظر لصاحبة تلك العطور! فيُفتن ويقع في الفاحشة بسببها؛ فيكون عليها كفل منها؛ فيصح بهذا إطلاق اسم الزانية عليها من جهة ما تحصله من وزر.
ولو عَقِلَتِ النساء، لكان في هذا الحديث الشريف الخارج من مشكاة النبوة، أعظم زاجر لهن عن الوقوع في المعاصي، لاسيما المعاصي التي وزرها متعدِّ إلى الغير، بالفتنة والغواية، ولأبت العاقلة اللبيبة لنفسها أن تكون حبلاً للشيطان يوقع بسببهن كثيراً من المسلمين في الرذيلة؛ قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37]،، والله أعلم.
تعليق