حكم المعازفِ والغناء في الشريعة الغرَّاء .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله التقي الأمين ، وعلى آله وأصحابه الغُر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد
فإن الله تعالى أرسل رسوله هُدى للناس ، وبينَ لهُمْ الحلالَ مِنَ الحرامِ بلا التباس ، وأرشدهم عند التنازعِ بالرجوعِ إليهِ ، وحذرهمْ مِنَ التفرقِ والاختلافِ عليهِ .
وهناكَ بينَ الحلالِ والحرامِ مُشتبهاتٌ لا يَعلمهُنَّ كَثيرٌ مِنَ الناسِ ، من اتقاها فقد استبرأ لِدينهِ وعِرضهِ ، ومَن وقعَ فيها فقد وقَع فِي الحَرام .
فيجب على المسلم أن يكون وقَّافاً عندَ كتابِ اللهِ تعالى وسُنةِ نبيه، لا يتجاوزهما ولا يخالفهما ، ولا يحرف النصوص عما دلت عليه ، و يُبادِر بتقديمها ، ويُلزمُ نفسَهُ الامتثالَ بها.
وسأتكلم هنا عن حكم ( الغناء ) وأقوال أهلِ العلمِ الراسخينَ فيهِ ، إبراءً للذمةِ ، وأدَاءً للأمانةِ ، وتَنبيهاً للأمةِ .
فأقول مستعينا بالله :
حتى تُفهم هذه المسألة، لا بُدَ من التفريق بينالكلام الذي اشتمل على كلامٍ منثورٍ أو مَنظومٍمَوزونٍ - سواءً اشتملَ على معاني مُبَاحةٍ أو مُحرَّمةٍ - وبينَ المَعازفِوالمزاميرِ .
والتفريق بينهما مهم جداً ؛لأنه قد يشتبه على بعضالناس كلام أهل العلم ، وما قصدوه في كلامهم على هذه المسألة ، فقد يََعنون بالغناء المعنى الأول ، وقد يَعنون به ما خالطَتهُ المَعازفوالمزامير .
المبحث الأول : بيان معنى الغناء في اللغة
1- قد يطلق ويُراد به صوت صاحب الغناء.
قال الإمام ابن فارس : " غِنَى : الغين والنون والميم والحرف المعتل أصلان صحيحان ، أحدهُما يدل على الكِفاية ، والآخرُ صوتٌ ... والأصل : الغِناءُ من الصوت ، والأُغنِيَةُ : اللونُ من الغِنَاءِ " . ( 1 )
قال الإمام النووي : " والغِناءُ بالكسر أيضاً وبالمد : هو الصوتُ المعروف " . ( 2 )
2- وقد يطلق ويُراد به السماع . أي سماع ذلك الصوت .
قال الإمام الجوهري : " والأغنِيَة ُ : الغِنَاءُ والجمعُ الأغَانِي ، تقولُ مِنهُ : تَغَنَّى ، وغَنَّى .
والغِنَاءُ بالكَسرِ : مِنَ السَّمَاع " . ( 3 )
ولذلك سمَّى جمعٌ من أهل العلم الغناء وما يتعلق به من آلا ت لهو من معازف ومزامير واستماع له بمسألة : السماع .
المبحث الثاني: الكلام المجرد عن آلات اللهو من معازف ومزامير ونحوها .
بعض العلماءِ يُسمي هذا النوعَ أيضاً غِناءً ، وبعضهم حُداءً ، وبعضهم زهديات وإنشاد ونحوها .
قال الإمام محمد السَّفَّارِينِي في كلامه عن الغِناءِ : " وهو مَقسومٌ إلى قِسمينِ : مفهومٍ كالأشعارِ ، وغيرِ مفهومٍ كأصواتِ الجماداتِ وهي المزاميرِ كالشَّبَابَةِ والأوتارِ ، والثاني لا شك في حرمتهِ على المذهبِ المُعتَمد " . ( 4 )
وسأتكلم هنا عن النوع الأول الذي ذكرهُ الإمام السَّفَّاريني والذي سماه بالمفهوم كالشعر ونحوه .
1- إذا كان الكلام شعراً أو نثراً مشتملاً على تشبيب بالنساء ووصف لهن والتغزل فيهن وفي المُردانِ والخَمرِ ونحو ذلك ، فهذا تحريمه معلومٌ ومُجمعٌ عليه بين أهل العلم .
قال الإمام ابن رجب : " والمراد بالغِناء المحرم : ما كان من الشعر الرقيق الذي فيه تشبيب بالنساء ونحوه مما توصفُ فيهِ محاسنُ من تَهيجُ الطباعُ بسماعِ وَصفِ مَحاسِنهِ فهذا هو الغناءُ المَنهِيُّ عَنهُ ، وبذلك فسرَّهُ الإمام أحمد ، وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة " . ( 5 )
وقال الإمام طاهر الطبري : " إنشاد الشعر إذا لم يكُن فيهِ تشبيبٌ وتطريب بامرأة فإنه مُباحٌ " . ( 6 )
وقال الإمام القرطبي : " مِنَ الغِناءِ ما ينتهي سمَاعُهُ إلى التحريم ، وذلك كالأشعَارِ التي توصَفُ فيها الصورُ المستحسناتُ والخمر وغير ذلك مما يُحرك الطباع ويُخرجها عن الاعتدال ، أو يُثيرُ كامِناً من حُبِّ اللهو ... لا سيما إذا اقترنَ بذلكَ شبَّابَات وطارات مثل ما يُفعلُ اليوم في هذه الأزمانِ " . ( 7 )
2- وأما إذا لم يشتمل الشعرُ أو النثرُ على شيءٍ مِن ذلكَ، وإنما هو قصائد في الزهد والوعظ المرققة للقلوب فهناك خِلاف بين أهل العلم في حُكمهِ.
القول الأول : الإباحة . وقال به جمعٌ من أهل العلم منهم الإمام أبو بكر الخلال الحنبلي ، وأبو بكر غلام خليل الحنبلي .
قال الإمام ابن رجب : " فأما ما لم يكن فيه شيءٌ من ذلك فإنهُ ليس بمُحرَّمٍ وإن سُمِّىَ غِنَاءً ، وعلى هذا حَملَ الإمامُ أحمدُ حَديثَ عائشةَ رضي الله عنها في الرُّخصَةِ في غِناءِ الأنصارِ ، وقال: هو غِنَاءُ الرُّكبَانِ " أتيناكم أتيناكم " . وعلى مِثلِ ذلكَ حمَلَ طوائفُ من العلماءِ قولُ من رخَّصَ في الغِناءِ من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، وقالوا: إنما أرادوا الأشعار التي لا تتضمنُ ما يُهيجُ الطباعَ إلى الهوى ، وقريبٌ من ذلك الحُداءُ ، وليس في شيء من ذلك ما يُحرِّكُ النفُوسَ إلى شهواتها المحرمة " . ( 8 )
قال الإمام ابن الجوزي : " كان الغناء في زمانه إنشادَ قصائدَ الزهدِ إلا أنهم كانوا يُلحِّنونها ". ( 9 )
وقال ابن رجب : " وحُكي عنه – أي الإمام أحمد – روايةٌ أخرى في الرخصة في سماع القصائد المُجردة " .
وقال أيضاً : " وذكروا أن الإمام أحمد سمعَ في منزلهِ من وراء الباب مُنشداً يُنشدُ أبياتاً من هذه الزهديات ولم يُنكر ذلكَ ، لكن لم يكُن مع إنشادها تغبـيرٌ ولا ضربٌ بقضيبٍ ولا غيرهُ ". ( 10 )
وقال الإمام طاهر الطبري : " إنشاد الشعر إذا لم يكُن فيهِ تشبِيبٌ وتطريبٌ بامرأة فإنه مباحٌ ... وإذا جاز ذلك بكلامٍ منثور جاز بكلامٍ منظُومٍ موزونٍ وهو الشعرُ ولا فرق بينهما " . ( 11 )
وقال الإمام محمد السَّفَّارِينِي : " لأن الغناءَ إنما هو عبارَةٌ عن الأصوات الحَسَنة والنغماتُ المُطربةُ يَصدُرُ عنها كلامٌ مَوزونٌ مَفهومٌ ، فالوصفُ الأعَمُّ فيهِ إنما هو الصوتُ الحَسَنُ والنَّغْمةُ الطَّيِّبةُ " . ( 12 )
والأمثلة على هذا السماع المُباح : سماع القصائد والأشعار التي لا محظور فيها ، فقد سمع النبي شعر حسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير وغيرهم رضي الله عنهم ، و سمع حادي يحدوا في السفر يٌقال له أنجشة .
و سمع النبي شعر أمية بن أبي الصلت الثقفي ، فقال عنه: ( آمن لسانه ولم يؤمن قلبه ) .
وسمع كذلك عليه الصلاة والسلام شعر النابغة الجعدي ودعا له فقال : ( لا يُفضض الله فاك يا أبا ليلى ) فعاش مائة سنة لم تسقط له سن .
وروى الإمام أحمد وابن ماجه أن النبي قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( أهديتم الجارية إلى بيتها ) قالت : نعم . قال: ( فهلا بعثتم معها من يُغنيهم يقول : أتيناكم أتيناكم فحيونا نحيكم ) . ( 13 )
وسمع النبيُّ حُدَاءَ عامرِ بنِ الأكوعِ وهو يقول :
اللهُمَّ لولا أنتَ ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلنْ سكينـةً علينـا ... وثبتِ الأقدَامَ إنْ لاقينـا
إنَّا إذا صِيْحَ بِنَا أتَيْنَـا ... وبالصِّيَـاحِ عوَّلوا علينَـا
فقال رسول الله : ( من هذا السائق ؟ ) قالوا: عامرُ بنُ الأكوعِ . قال : ( يرحمُهُ اللهُ ) . ( 14 )
تنبيه: هذا القول إنما هو في الترخيص في التغني بالشعر والقصائد الزهدية المُرقِّقة دونالمشتملة على آلات اللهو والمعازف والمزامير .
قال الإمام ابن رجب: " إنما أرادوا سماع هذه القصائدِ الزُّهدِيةِ المُرَّقِّقةِ ، لم يُرخِّصوا في أكثرَ مِن ذلكَ " . ( 15 )
القول الثاني: يُباحُ مع الكراهة .
قال الإمام ابن الجوزي: " الروايتين عن الإمام أحمد في الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات المُلحَّنة ، فأما الغِناءُ المعروف اليوم فمحظور عِندهُ كيف ولو علمَ ما أحدث الناسُ من الزيادات " . ( 16 )
وهناك شروط اشترطها بعض أهل العلم في هذا النوع وهي : الاستتارُ في بَيتهِ ، وعَدمُ الإكثارِ والزيادة مِنهُ ، وأن يكون متخفياً ، لم يتخذ الغِناءَ صِناعةً لهُ ، وكان غِناءُهُ يسيراً . وقال بهذا القاضي أبو يعلى الحنبلي .
قال الإمام ابن عبدالقوي في منضومته في الآداب :
وحَظْرُ الغِنَاءِ الأكثرُونَ قَضَوا بهِ ... وَعَنْ أبَوَي بَكْـرٍ إمَـامٍ ومُقتَـدِ
إباحتُـهُ لا كُرهُـهُ وأبَاحَـهُ الـ ... إمامُ أبو يعلى مَعَ الكُرهِ فَاشْهَـدِ
فمَنْ يَسْتَتِرْ في بَيتِهِ لِسمَاعـهِ الـ ... غِناءَ ولـم يُكثْـرْ ولَـمْ يَتَزَيَّـدِ
وَغَنَّى يَسِيْراً فِي خَفَـاءٍ لِنَفْسِـهِ ... فَلا بَأسَ وَاقْبَلْ إنْ يُرَجِّعْ وَيُنْشـدِ
قال السَّفَّارِينِي شارحاً للمنظومة : " فعلى المذهب من يستتر منَ الرجال والنساءِ في بيتهِ لأجلِ سماعِ الغناء ولم يُكثر من ذلكَ ولم يتزيد منهُ ، ولم يقترن بآلة لهوٍ، ولم يكُن المُغني امرأة أجنبيةٌ لِحُرمةِ التلذذ بصوتها ، بل غَنَّى غِناءً غَيرَ كَثيرٍ ، فإن أكثرَ مِنهُ رُدَّت شهَادتُهُ ؛ لأنه سَفَاهَة ٌ ودَناءَةٌ يُسقِطُ المُروءةَ ، وأما إن غَنَّى يَسيراً في حَالِ خَفاءٍ لِنفسِهِ ولم يَتخذهُ صِناعَةً يُداومْهُ على ما مَرَّ فلا بأسَ ولا حرج ولا حُرمة " . ( 17 )
المبحث الثالث: الغناء المحرم .
إن الغِناء المحرم هو ما اشتمل على الكلام المحرم سواءً صاحبَهُ آلاتُ اللهو أم لا ، وأما آلات اللهو فهي محرمة بالإجماع ، وقد بين العلماء رحمهم الله تعالى حرمة هذا الغناءَ والذي أصبح ذلك الاسم علماً عليه .
قال الإمام ابن الجوزي : " وقد أخرجوا لهذه الأغاني ألحاناً مختلفةً كُلها تُخرجُ سامعها عن حَيزِ الاعتدالِ وتُثير حُبَّ الهوى .. وقد أضافوا إلى ذلك ضرب القضيب والإيقاع به على وفق الإنشاد والدفِّ بالجَلاجِلِ ، والشَّبَابةِ النائة عن الزمر ، فهذا الغناء المعروف اليوم " . ( 18 )
* قال ابن مسعود: " الغِناءُ يُنبت النفاق في القلب كما يُبتُ الماءُ الزرعَ " . ( 19 )
* وكتب الخليفةُ العادل عُمرُ بن عبدالعزيز إلى مؤدب ولده : " وليُكن أولَ ما يعتقدونَ من أدبكَ بُغضُ الملاهي التي بدؤها من الشيطان ن وعاقبتها سَخطُ الرحمن ، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حُضُورَ المعازفِ واستماعُ الأغاني ، واللهَجُ بهما يُنبتُ النفاق في القلب كما يُنبتُ العُشبَ الماءُ " . ( 20 )
* وسُئل الإمامُ الفقيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن الغِناء ؟ فقال : " أنهاكَ عنهُ وأكرهُهُ لكَ . قال : أحرامٌ هو ؟ قال: انظر يا ابن أخي إذا ميز اللهُ الحقَّ مِن الباطلِ في أيهِمَا يُجعلُ الغِناءُ ؟ " . ( 21 )
* وقال يزيد بن الوليد الأموي: " يا بني أمية: إياكم والغِناءَ ؛ فإنه يُنقصُ الحياءَ، ويَزيدُ الشهوةَ ن ويهدمُ المروءةَ ، وإنهُ لينُوبُ عن الخمرِ ، ويفعلُ ما يفعلُهُ السُّكرُ ، فإن كنتُم لا بُدَّ فاعلينَ فجنِّبوهُ النساءَ، فإن الغناء رقية الزنا ". ( 22 )
* وقال الشَّعبِي : " لعنَ اللهُ المُغنِّي والمُغنَّى لهُ " . ( 23 )
* وقال الحكُم : " حُبُّ السَّماعِ يُنبتُ النفاق في القلب " . ( 24 )
* وقال الفُضيلُ بنُ عِياضٍ : " الغِناءُ رُقيةُ الزِّنا ". ( 25 )
* وقال الضحَّاك : " الغِناءُ مفسدةٌ للقلبِ مسخطةٌ للرب " . ( 26 )
* وأما الإمامُ أبو حنيفةً : فإنه يكره الغناء ويجعل سماعَ الغِناءِ من الذنوب ، وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة ، وسُفيان الثوري ، وحماد ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي وغيرهم ، لا اختلافَ بينهم في ذلك ن ولا يُعرفُ أيضاً بين أهل البصرة خِلافاً في كراهية ذلك والمنع منهُ " . ( 27 )
وقال القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة – في دارٍ يُسمعُ منها صوتُ المَعازفِ والمَلاهي - : " اُدخُلْ عَليهم بغير إذنِهم ؛ لأن النهي عن المُنكر فرضٌ ، لو لم يَجُزْ الدخولُ بغير إذنٍ لامْتَنَعَ الناسُ من إقَامَةِ الفَرضِ " .
قال الإمام ابن القيم : " مذهبُ أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقولهُ فيه أغلظ الأقوال ، وقد صرَّح أصحابهُ بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف ، حتى الضربَ بالقضيبِ ، وصرحوا بأنه معصيةٌ يوجبُ الفِسقَ وتُردُّ به الشهادةُ ، وأبلغُ من ذلكَ أنهم قالوا إن السماعَ فِسقٌ والتلذذُ بهِ كُفرٌ " . ( 28 )
* وقال إسحاق بنُ عيسى الطَّباع سألتُ مالكَ بن أنس عن ما يترخصُ فيه أهل المدينة من الغِناء ؟ فقال : " إنما يفعلهُ عِندنا الفُسَّاقُ " . ( 29 )
* ونهى الإمام مالك عن الغِناء وعن استماعه وقال : " إذا اشترى جاريةً مغنيةً كان لهُ ردُّها بالعيبِ " . ( 30 )
* وقال الإمام الشافعي : " الغِناءُ لهوٌ مكروه يُشبهُ الباطل ومن استكثرَ مِنهُ فهو سفيه تُرد شهادته " . ( 31 )
وقال أيضاً : " صاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيهٌ تُردُّ شهادتهُ " .
وقال أيضاً : " هو دِياثةٌ " .
قال الإمام طاهر الطبري في بيان معنى كلام الشافعي السابق : " وإنما جعل صاحبها سفيهاً ؛ لأنه دعا الناس إلى الباطل فكانَ سَفيهاً فاسقاً " . ( 32 )
* وقال الشافعي أيضاً : " خَلَّفتُ بالعراقِ شيئاً أحدثَهُ الزنادقة يُسمونهُ التَّغْبِـيْر ، يُشغلونَ به الناس عن القرآن " . ( 33 )
* قال الإمام ابن رجب: " سماع القصائد الرقيقة المتضمنة للزهد والتخويف والتشويق ، فكان كثير من أهل السلوك والعبادة يستمعون ذلك وربما أنشدوه بنوعٍ من الألحان استجلاباً لترقيق القلب بها ، ثم صار منهم من يضرب مع إنشادها على جلدٍ ونحوهِ بقضيبٍ وكانوا يُسمون ذلك التَّغبِـير " . ( 34 )
* وقال الشافعي : " لا يجوز الغناءُ ولا سماعُهُ ولا الضرب بالقضيب " . ( 35 )
* قال الإمام البيهقي: " الرجلُ يُغَنِّي فيَتخِذِ الغِنَاءَ صِنَاعةً لهُ يُؤتى عليهِ ويُؤتى لهُ ويكونُ مَنسوباً إليهِ مَشهوراً بهِ مَعروفاً أو المرأة ، قال الشافعي : " لا يجوز شهادةُ واحدٍ منهما ؛ لأنهُ من اللهو المكروه الذي يُشبهُ البَاطلَ ، فإن من فعلَ هذا كانَ منسوباً إلى السَّفَهِ ، ومَن رضيَ هذا لِنفسِهِ كانَ مُستَخِفَّـاً " . ( 36 )
* قال ابن الجوزي: " وقد كان رؤساءُ أصحاب الشافعي رضي الله عنهم يُنكرون السماع ، وأما قُدماءُهم فلا يُعرف بينهُم خِلافٌ ، وأما أكابر المتأخرين فعلى الإنكار قال القاضي أبو بكر الشامي الشافعي : " لا يجوز الغناء ولا سماعه ولا الضربُ بالقضيب ، ومن أضاف إلى الشافعي هذا فقد كذب عليه " فهذا قولُ عُلماء الشافعية وأهل التدين منهم ، وإنما رخَّصَ في ذلكَ من متأخريهم من قلَّ عِلمُهُ وغلبهُ هواهُ " . ( 37 )
* وقد سُئلَ إمامُ الشافعيةِ في زمانهِ العزُّ بنُ عبدالسلام سؤالاً هذه صُورتُهُ : " هل بين العلماءِ رضي الله عنهم خِلافٌ في أن مجموع ( هذه الآلات ) الدفَّ المجلجلِ ، والشَّبابةَِ ، والغِناءَ المتضمنَ تشبـيباً من شخص أمرد جميلِ الشكل محرم منهي عنه مُعاقب عليه أم ؟ " .
فأجاب : " لا يُقدمُ على هذا السماع إلا غَبيٌّ فاجِرٌ قد غَلبَهُ هواهُ وعصى مولاهُ " . ( 38 )
* وقال الإمام أحمد : " الغِناءُ يُنبتُ النفاق في القلب لا يُعجبني " .
وقال أيضاً : " التغبـير بدعةٌ " فقيل له إنه يرقق القلب . فقال : هو بدعةٌ " . ( 39 )
* وسُئل الإمامُ أحمدُ عن رجلٍ ماتَ وتركَ ولداً وجاريةً مغنيةً ، فاحتاج الصبي إلى بيعها . فقال : " لا تُباع على أنها مُغنيةٌ " فقيل له : إنها تُساوي ثلاثين ألفَ دِرهم ، ولعلها إذا بيعت ساذجة تُساوي عشرين ديناراً . فقال : " لا تُباع إلا على أنها ساذجة " . ( 40 )
قال ابن الجوزي : " وهذا دليلٌ على أن الغِناءَ محظورٌ ؛ إذ لو لم يكُن محظوراً ما أجاز تفويتَ المالَ على اليتيم " . ( 41 )
* وذكر الإمام الآجُرِّيُّ إجماع العلماء على تحريم الغِناء . ( 42 )
* وقال الإمام الحكيم الترمذي : " الغِناءُ مُهيِّجٌ للنفُوسِ الأمَّارةِ بالسوءِ ، الدَّاعيةِ إلى ركونِ الدنيا وشَهَواتِها ، المُلهيةِ عن ذِكرِ اللهِ ، وعَن ذِكرِ ما أعدَّهُ " . ( 43 )
* وقال الإمام ابن الصلاح : " فليُعلم أن الدفَّ والشَّبَابةَ والغِناءَ إذا اجتمعتْ فاستماع ذلك حرامٌ عِندَ أئمة المذاهبِ وغيرهم من علماء المسلمينَ ، ولم يثبُت عن أحد ممن يُعتدُّ بقولهِ في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع ... ومَن نسَبَ إباحتَهُ إلى أحدٍ يجوزُ الاقتداءُ بهِ في الدين فقد أخطأ " . ( 44 )
* وقال الإمام ابن القطان الفاسي : " والغناء الذي يتغنَّى بهِ الفُسَّاق وهو الغِناءُ المَنهي عنهُ مذموم عند الجميع " . ( 45 )
* قال الإمام ابن الجوزي : " اعلم أن سماعَ الغِناءِ يجمعُ شيئينِ : أحدهما : أنهُ يُلهي القلبَ عن التفكُّر في عظمةِ اللهِ سبحانَهُ والقيام بخدمتهِ ، والثاني : أنهُ يُميلُهُ إلى اللذاتِ العاجِلَةِ التي تدعوا إلى استيفائها مِن جَميعِ الشهواتِ الحِسِّيةِ ومُعظمها النكاحُ وليسَ تَمامُ لذَّتِهِ إلا في المُتجدِّدات ، ولا سبيل إلى كثرة المُتجدِّداتِ مِنَ الحِلِّ ؛ فلذلكَ يَحُثُّ على الزنا ، فبينَ الغِناءِ والزنا تناسبٌ من جهة أن الغِناءَ لذةُ الروحِ ، والزِّنا أكبرُ لذاتِ النفسِ ، ولهذا جاء في الحديث : الغِناءُ رُقيةُ الزنا " . ( 46 )
* وقال ابن تيمية : " قد عُلمَ بالاضطرار من دين الإسلام أنَّ النبيَّ لم يشرع لصالحي أمته وعُبَّادِهم وزهَّادِهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات المُلحنة ، مع ضرب بالأكف أو ضربٍ بالقضيبِ أو الدفِّ ، كما لم يُبح أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة ، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره لا لِعامِّيٍّ ولا لِخاصٍّ " . ( 47 )
* قال الإمام ابن رجب : " الثابتُ عن الصحابة رضي الله عنهم ذمَّ الغِناء وآلات اللهو ، وقَد رُويَ ما يُوهِمُ الرُّخصةَ عَن بَعضِهِم وليسَ بمُخالِفٍ لهذا فإنَّ الرُّخصةَ إنما ورَدَت عنهُم في إنشَادِ أشعَارِ الأعرابِ عَن طريقِ الحُداء ونحوهِ مما لا محذُورَ فيهِ " . ( 48 )
وقد أحسنَ القائلُ :
تُليَ الكِتابُ فأطرقوا لا خيفـةً ... لكنَّـهُ إطـراقُ سـاهٍ لاهِـيْ
وأتى الغِناءُ فكالحَميْرِ تنَاهَقوا ... واللهِ مَا رَقَصـوا لأجـلِ اللهِ
دُفٌّ ومِزمَارٌ ونَغمَـةُ شَـادِنٍ ... فمتى رأيتَ عِبَـادَةً بمَلاهِـيْ
ثَقُلَ الكِتَابُ عَليْهُـمُ لمَّـا رأوا ... تَقييـدَهُ بأوامـرٍ ونـواهِـيْ
سَمِعُوا لهُ رَعْداً وبَرقَاً إذ حوى ... زجْراً وتَخْوِيفاً بِفِعْلِ مَنَاهِـيْ
وراوهُ أعظَمَ قَاطِعٍ للنَّفسِ عَن ... شَهَواتِهَا يَا ذبحهَـا المُتَنَاهِـيْ
وأتى السَّمَاعُ مُوافِقاً اغرَاضَهَا ... فلأجلِ ذاكَ غّدَا عَظِيْمَ الجَـاهِ
وقال آخر :
برئنا إلى الله من مَعشَـرٍ ... بهِم مَرَضٌ مِنْ سَمَاعِ الغِنَا
وَكَمْ قُلتُ يا قَومِي أنتُمْ عَلى ... شَفَا جُرُفٍ مَا لَهُ مِنْ بِنَـا
شَفَا جُـرُفٍ تَحتَـهُ هُـوَّةً ... إلى دَرَكٍ كَمْ بهِ مِنْ عَنَـا
وتِكرارُ ذا النُّصحِ مِنَّا لَهُمْ ... لِنُعذرَ فيهِـمْ إلـى رَبِّنَـا
فلمَّـا استَهَانُـوا بتَنبِيْهِنَـا ... رَجعنَا إلى اللهِ في أمرِنَـا
فَعِشنَا على سُنَّةِ المُصطَفى ... ومَاتـوا عـلـى تَنتَـنَـا
وما أحسن ما قاله بعض العلماء وقد شاهدَ هذا وأفعالهم :
ألاَ قُلْ لهُم قَولَ عَبدٍ نَصُـوحْ ... وَحَقُّ النَّصِيحَـةِ أنْ تُستَمَـعْ
مَتى عَلِمَ النَّـاسُ فـي دِينِنَـا ... بـأنَّ الغِنـا سُنَّـةٌ تُتَّـبَـعْ
وأنْ يَأكُل المَرءُ أكلَ الحِمَـار ... وَيَسقُطَ في الجَمعِ حَتَّى يَقَـعْ
وقالوا سَكِرنَا بحُـبِّ الإلـهِ ... ومَا أسْكَرَ القَومَ إلا القِصَـعْ
كَذاكَ البهائـمُُ إنْ أُشْبِعَـت ... ْيُرقِّصُهَـا رِيُّهَـا والشِّـبَـعْ
ويُسكِرُهُ النَّـايُ ثـمَّ الغِنَـا ... و ( يَسٌ ) لو تُلِيَتْ ما انصَدَعْ
فيـا لِلعُقُـولِ ويـا لِلنُّهـى ... ألا مُنْكِـرٌ مِنـكُـمُ للـبِـدَعْ
وقال الآخر :
فدَعْ صَاحِبَ المِزمَارِ والدُّفِ والغِنَا ... ومَا اختَارَهُ عَن طاعـةِ الله مَذهبَـا
ودَعْهُ يَعِشْ فـي غَيِّـهِ وضَلالـهِ ... على تَنتَنَـا يَحيَـا ويُبعَـثُ أشيَبَـا
وفي تَنتَنَـا يَـومَ المَعَـادِ نجَاتُـهُ ... إلى الجنَّةِ الحَمراءِ يُدعَـى مُقرَّبَـا
سَيَعلمُ يَومَ العَـرضِ أيُّ بضَاعَـةٍ ... أضَاعَ وعِندَ الوَزنِ مَا خَفَّ أو رَبَا
ويَعلمُ مَـا قـد كَـانَ فيـهِ حَياتُـهُ ... إذا حَصَلـتْ أعمَالُـهُ كُلَّهـا هَبَـا
دَعَاهُ الهُدَى والغَيُّ من ذا يُجِيبُـهُ ؟ ... فقالَ لِدَاعِيْ الغَـيِّ أهـلاَ ومَرحَبَـا
وأعرضَ عن دَاعي الهُدى قائلاً لَهُ : ... هَوَايَ إلى صوتِ المعَازِفِ قَد صَبَا
* وقَد ذكرَ الإمامُ ابن القيم للغناء أربَعةَ عَشَر اسماً قبيحاً وبيَّنَ كل واحد منها في فصل خاص ذكرَ فيهِ أدلة كل اسم منها ومعناه .
فقال رحمه الله : " هذا السَّمَاعُ الشيطاني المُضادُّ للسَّمَاعِ الرَّحماني . لهُ بِضعَة عَشرَ اسماً : اللهو ، واللغو ، والباطل ، والزور ، والمُكاء ، والتصدية ، ورُقية الزنَا ، وقُرآن الشيطان ، ومَنبَتُ النفاقِ في القلب ، والصوتُ الأحمق ، والصوتُ الفاجر ، وصوت الشيطان ، ومَزمُر الشيطان ، والسُّمُود " .
أسماؤهُ دّلَّتْ عَلى أوصَافِهِ ... قُبحَاً لِذيْ الأسمَاءِ والأوصَافِ
فنذكُرُ مَخَازيَ هذه الأسمَاء ، ووقوعُها عليهِ في كلامِ اللهِ وكَلامِ رَسُولهِ، والصَّحَابَةُ، ليَعلمَ أصحَابُهُ وأهلُهُ بما بهِ ظَفَروا، وأيُّ تِجَارَةٍ رَابِحَةٍ خَسِرُوا ". ( 49 )
* قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :" وكم قد فَتنَتْ الأصواتُ بالغِنَاء مِن عَابِدٍ وزاهِدٍ وقد ذكرنَا جُملَةً مِن أخبارِهِم في كِتَابِنَا المُسمَّى بذَمِّ الهَوَى " . ( 50 ) أهـ .
إذا كان هذا فعلها بالعابد والزاهد فكيف بمن أقل منهم عبادةً وزهداً ، هذا في ذلك الزمن الذي بيننا وبينه أكثر من 1000 سنة ، فماذا نقول عن الناس في زمننا هذا ؟؟
* قال الإمام العلامة محمد بن أبي بكر الطرطوشي المالكي في وَصفِ الغِنَاء وآثاره القبيحة السيئة : " فأنهُ صِنْوُ الخَمرِ ، ورضِيعُهُ ، وحَليفُهُ، ونَائبُهُ ، وهو جاسُوسُ القُلوبِ ، وسَارقُ المرؤةِ والعُقُولِ ، يتغَلغَلُ في مَكَامِنِ القُلوبِ ، ويَطلعُ على سَرائرِ الأفئدةِ ، ويَدُبُّ إلى التَّخَيُّلِ فيُـثيرُ ما غُرَزَ فِيهَا من الهَوى والشهوةِ والسَّخَافةِ والرُّعُونةِ ... فيستحسِنُ مَا كَانَ قبلَ السَّمَاعِ يَستقبِحُهُ ، ويُبدِي مِن أسراره ما كان يَكتُمُهُ وينتقِلُ مِن بهَاءِ السُّكُونِ إلى كثرةِ الكلامِ والكذبِ والزَّهْزَهةِ والفَرقعَةِ بالأصابعِ فيميلُ برأسهِ ويّهُزُّ بمَنكِبيهِ ، ويَدُّقُّ الأرضَ برجليهِ ، وهكذا تفعلُ الخَمرَةُ إذا مالت بشاربها " . ( 51 )
أدلة تحريم الغِناءِ من كتاب اللهتعالى :
الدليل الأول :
قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليُضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهُم عذاب مُهين ) [ سورة لقمان آية 6 ] .
قيل إنها نزلت في رجل مِن قُريش اشترى جاريةً مُغنيةً فشُغل الناسُ بِلَهْوِهَا عن استماع النبي صلى الله عليه وسلم . ( 52 )
وروى ابن جرير الطبري بسنده إلى ابن عباس في قوله : ( ليُضلَّ عن سبيلِ اللهِ ) قال : " سبيل الله : قراءة القرآن وذكر الله إذا ذكره ، وهو رجلٌ مِن قُريش اشترى جارية مغنية " . ( 53 )
وعن أبي أمامةقال : قال : ( لا يَحِلُّ بَيعُ المُغنِّياتِ ولا شراؤهنَّ ولا التِّجارةُ فيهنَّ ، ولا أثمَانِهِنَّ ، وفيهنَّ نزلتْ هذه الآية ) . ( 54 )
وقد فسِّرَ جمعٌ من أهل العلم قوله : ( لهو الحديث ) بأنه الغناء والاستماع له .
* قال ابن مسعود : " هو الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو " يرددها ثلاث مرات . ( 55 )
* وقال أبو الصهباء : " سألت ابن مسعود عن قول الله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) فقال : هو الغِناءُ والاستماعُ إليهِ " . ( 56 )
* ونقل القرطبي عن عبدالله بن عُمر أن قال : " الغناء " . ( 57 )
* وقال ابن عباس : " هو الغِناءُ وأشبَاهُهُ " . وفي رواية عنه : " هو الغِناءُ الاستماعُ إليهِ " .
( 58 )
* وقال جابر بن عبدالله : " هو الغِناءُ والاستماعُ إليهِ " . ( 59 )
* وقال مجاهد : " الغناء " . ( 60 )
* وقال محكول : " من اشترى جاريةً ضَرَّابةً ليمسكها لِغِنائها وضَربِها مقيماً عليه حتى يموت لم أُصَلِّ عليه ؛ لأن الله يقول : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ... ) الآية " . ( 61 )
* وقال عكرمة : " الغناء " . ( 62 )
* وقال عطاء الخُراساني : " الغناء والباطل " . ( 63 )
* وقال قتادة : " هو الغناء " . ( 64 )
* قال الإمام البغوي : " وعن سعيد بن جُبير قال : " لهو الحديث هو الغناءُ والآية نزلت فيه " . ( 65 )
* وقال الحسن البصري : " نزلت هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) في الغناء والمزامير " . ( 66 )
* ونقل القرطبي عن ميمون بن مهران أنه قال : " الغناء " . ( 67 )
* ونقل ابن كثير عن عمرو بن شعيب وعلي بن بذيمة أنهما قالا : " الغناء " . ( 68 )
* وقال الإمام ابن العربي المالكي : " هو الغِناءُ وما اتصل به " . ( 69 )
* وقال الإمام ابن عطية : " ولهو الحديث كل ما يُلهي من غِناءٍ وخَنَىً ونحوِهِ " . ( 70 )
وأما معنىالآية :
* فقال شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره : " عَنَى بهِ كُلَّ ما كَانَ مِن لهوِ الحديثِ مُلهياً عَن سَبيلِ اللهِ، مِمَّا نَهى اللهُ عَن استماعِهِ أو رسولُهُ لأن الله تعالى عَمَّ بقولهِ : ( لَهوَ الحَديثِ ) ولم يُخصص بعضاً دونَ بَعضٍ ، فذلكَ على عُمومِهِ حتى يأتي ما يدل على خُصُوصِهِ ، والغِناءُ والشركُ من ذلك " . ( 71 )
* وقال الإمام البغوي : " ومعنى قوله : ( يشتري لهو الحديث ) أي : يستبدلُ ويختارُ الغِناءَ والمزاميرَ والمعازفَ على القرآن " . ( 72 )
* وقال الإمام الحكيم الترمذي : " فإذا كان الغِناءُ لهواً يُضلُّ عن سبيل الله ، فتعليم الصبيان فسادٌ لهُم ، وكذلك المُغنية ، وإنَّما تُعلَّمُ ليرتفع ثمنهُا عند أهل الريب والفساد ؛ لأنهم يبغونَ بها نَصيبَ النفس " . ( 73 )
* وقال الإمام أبو عُمر البغدادي المشهور بغلام ثعلب : " لهوَ الحدِيثِ : أي غناءُ المُغنيات " . ( 74 )
* وقال الإمام القرطبي : " ولهو الحديث الغناء .. وهذا أعلى ما قيل في هذه الآية " . ( 75 )
الدليل الثاني:
قوله تعالى لإبليس : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك ... ) الآية . [ سورة الإسراء 64 ]
قال جمع من أهل العلم بالتفسير ، إنَّ المرادَ بقولهِ : ( بصوتك ) اللهوُ والغِناءُ والمَعازفُ والمَزاميرُ .
* روي عن مجاهد أنه قال : " باللهوِ والغِناءِ " . ( 76 )
ورويَ عنه أيضاً أنه قال : " استـَنزِلْ مَن استطعتَ مِنهم بالغِناءِ والمَزاميرِ واللهوِ والبَاطلِ " . ( 77 )
* ورويَ عن الضحاك أنه قال : " صوت المزمار " . ( 78 )
* ورويَ عن الحسن البصري أنه قال : " هو الدُّفُ والمِزمَارُ " . ( 79 )
ومعنى الآية:
* قال الإمام ابن عطية : " والصوتُ هنا : قيل هو الغناءُ والمزاميرُ والملاهي ؛ لأنها أصواتٌ كُلُّها مُختصةٌ بالمعاصي فهي مُضافةٌ إلى الشيطانِ " . ( 80 )
* وقال الإمام القرطبي : " في الآية ما يدُلُّ على تحريم المزامير والغناء واللهو ... وما كان من صوتِ الشيطانِ أو فِعلهِ وما يستحسنُهُ فواجبٌ التنزهُ عنهُ " . ( 81 )
* وقال الإمام محمد الأمين الشنقيطي : " أي استخِفَّ من استطعت أن تستخِفَّهُ منهم باللهو والغناء والمزامير " . ( 82 )
الدليلالثالث:
قوله تعالى : ( والذين لا يَشهدُونَ الزورَ وإذا مرُّوا باللغو مرُّوا كِرامَاً ) [ سورة الفرقان آية 72 ]
ذكر جمعٌ من أهل العلم أن المراد ( بالزور ) هو الغِناءُ .
* قال مجاهد : " لا يسمعون الغناء " . ( 83 )
* وقال محمد بن الحنفية : " اللهو والغِناء " .
* وقال أبو الجحاف : " إنه الغِناء " . ( 84 )
وأما المعنى:
* فقال الإمام ابن جرير الطبري : " وأصل الزور تحسينُ الشيءِ ووصفهُ بخلافِ صِفَتِهِ حتَّى يُخيَّلُ إلى مَن يَسمعُهُ أو يَراهُ أنَّهُ خِلافُ مَا هو بهِ ، والشرك قد يَدخُلُ في ذلكَ ؛ لأنهُ مُحَسَّنٌ لأهلهِ حتى قد ظنُّوا أنهُ حَقٌّ وهو باطِلٌ ، ويَخُلُ فيهِ الغِناءُ ؛ لأنهُ أيضاً مما يُحسِّنُهُ تَرجيعُ الصوتِ حتى يستحلي سَامِعُهُ سَمَاعَهُ ،والكَذِبُ قد يدخُلُ فيهِ لِتَحسينِ صَاحِبُهُ إياهُ حتى يظنُّ صاحِبُهُ أنهُ حَقٌّ ، فكُلُّ ذلكَ مما يدخُلُ في معنى الزُّورِ ، فإذا كانَ كذلكَ فإن أولى الأقوال بالصوابِ في تأويلهِ أن يُقالَ : والذين لا يشهدونَ شيئاً من الباطلِ لا شركاً ولا غِناءً ولا كذبَاً وكلَّ ما لزمهُ اسم الزُّور " . ( 85 )
الدليلالرابع :
قوله تعالى : ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون ) [ سورة النجم آية 61 ]
قوله : ( سامدون ) فسَّرَه بعضُ الأئمةِ باللهو والغِناء ، فقال أي : مغنون من السُّمُودِ وهو الغِناءُ .
* قال ابن عباس : " لاهون " ، وقال أيضاً : " هي يمانية اُسْمُِد تَغّنَّ لنا " .
وقال : " هو الغِناء ، وهي يمانية ، يقولون : اُسْمُد لنا : تغنَّ لنا " . وقال : " السَّامِدُونَ المغنون بالحميرية " . ( 86 )
* وقال مُجاهد : " السُّمودُ هو الغِناءُ بلُغةِ حِمْـيَر ، يقولون : يا جارية اُسْمُدِي لنا : أي غَنِّي " . ( 87 )
* وقال عكرمة : " هو الغِناءُ بالحميرية " . ( 88 )
* وقال أبو عُبيدة : " هو الغِناءُ ، كانوا إذا سمعوا القرآن تّغَنَّوا ، وهي لُغة حِمْـيَر " . ( 89 )
* وقال الضحاك : " السُّمُود : اللهو واللعب ". ( 90 )
أما معنى الآية:
* فقال ابن جرير الطبري : " يقولُ تعالى ذِكرُهُ لِمُشركي قُريش : أفِمن هذا القُرآن أيها الناسُ تَعجبونَ أنْ نَزَلَ على مًحمدٍ صصص ، وتضحكونَ مِنهُ استهزاءً ، ولا تبكونَ مما فيهِ مِنَ الوعيدِ لأهلِ معاصي اللهِ وأنتم من أهلِ معاصيهِ ( وأنتم سامدون ) يقول : وأنتم لاهون عما فيه مِنَ العِبر والذكر مُعرضونَ عن آياتهِ ، يُقال للرجلِ : دَعْ عنَّا سُمُودَكَ ، يُرادُ بهِ : دَعْ عنَّا لهوكَ ، يُقال مِنهُ : سَمَدَ فلانٌ يَسْمُدُ سُمُوداً . وبنحو الذي قُلنا قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة ، فقال بعضهم : غافلون ، وقال بعضهُم : مُغّنُّون ، وقال بعضُهم : مبرطمون " . ( 91 )
* وقال الإمام ابن عطية : " والسَّامِدُ : اللاعبُ اللاهِي ، وبهذا فسره ابن عباس وغيره من المفسرين ، وقال الشاعر :
قِيلَ قُمْ فانظرْ إليهِم ... ثمَّ دَعْ عنكَ السُّمُودَ
وسَمَدَ بِلُغةِ حِمْـيَرْ غّنَّى ، وهو معنىً كُلُّهُ قريبٌ مِن بعضٍ " . ( 92 )
المبحث الرابع: آلات اللهو من المعازف والمزامير والطبول ونحوها .
أجمع كُلُّ من يُعتَدُّ بقولهِ مِن أهل العلم الراسخين أن آلات اللهو من المعازف والمزامير والطبول ونحوها من المحرمات ، ومِن أساب الفساد والهلاك المستوجبة للعذاب .
* قال ابن حجر : " الكَبيرة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والأربعون ، والخمسون والحادية والخمسون بعد الأربعمائةِ : ضربُ وَتَرٍ واستمَاعُهُ ، وزَمْرٍ بمزمَارٍ واستماعُهُ ، وضَربٌ بكُبةٍ واستماعها "
* وقال أيضاً : " يَحرمُ ضربَ واستماعَ كُلَّ مُطْربٍ كطنبُورٍ وعُودٍ وربَابٍ وجَنْكٍ وكمنجةٍ ودريج وصَنجٍ ومِزمَارٍ عراقي ويَراعٍ وهو الشَّبابَةُ وكُوبةٍ ، وغيرِ ذلكَ مِنَ الأوتَارِ والمعَازفِ " . ( 93 )
فانظر أخي المسلم كيفَ كانت هذه الأفعال القبيحة – من الغناء وآلات اللهو - كل واحدة منها كبيرة من كبائر الذنوب .
* وقال الإمام الواحدي في قوله تعالى : ( لهو الحديث ) : " ويدخُل في هذا كُلُّ مَن اختار اللهو ، والغِناء ، والمَزاميرَ والمعازفَ على القرآن ، وإن كان اللفظ قد وردَ بالشراء ، فلفظُ الشراء يُذكرُ في الاستبدال والاختيار ، وهو كثيرٌ في القرآن ، ويدلُّ على هذا ما قالهُ قتادةُ في هذه الآية : لعَلَّهُ أن لا يكونَ أنفقَ مالاً . وبِحَسبِ المرءِ مِن الضلالةِ أن يختَارَ حَديثَ البَاطِلِ على حديث الحقِّ " . ( 94 )
فانظر يا أخي كيف بـين هؤلاء العلماء الراسخين أن أهل الغِناء قد اختاروا الباطلَ والضلالة على الحق والهدى من كتاب الله تعالى وسُنةِ نبيه صلى الله عليه وسلم ، فكفاهم ذلك شراً وخُسراناً .
* وقال الإمام أبو العباس القرطبي : " أمَّا المَزامِيرُ والأوتَارُ والكُوبةُ فلا يُختَلِفُ في تحريمِ استماعِهَا ، ولَم أسمع عَن أحدٍ مِمَّن يُعتَبرُ قولُهُ مِنَ السَّلفِ وأئمةِ الخَلَفِ مَن يُبيحُ ذلكَ ، وكيفَ لا يَحرمُ وهو شِعَارُ أهلِ الخُمورِ والفُسُوقِ ومُهيِّجِ الشَّهَواتِ والفَسَادِ والمُجُونِ ؟ ومَا كَانَ كَذلِكَ لَمْ يُشَك في تَحريِمهِ ولا تَفسقِ فاعِلهِ وتأثيمِهِ " . (95 )
وأما الأدلة على ذلك من السنة النبوية باختصار :
الدليل الأول:
ما رواهُ أبو عامر – أو أبو مالك – الأشعريقال : سمعت رسول الله يقول : ( ليكونَنَّ أقوامٌ من أمتي يَستحلِّونَ الحِرَّ والحَريرَ والخَمرَ والمعَازفَ ، ولينزلنَّ أقوامٌ إلى جَنبِ علمٍ يروحُ عليهِم بسارحةٍ لهُم يأتيهِم لحَاجَةٍ ، فيقولوا : ارجع إلينا غداً ، فيُبيِّـتُهمُ اللهُ ويَضعُ العَلمَ ويَمسخُ آخرينَ قِردَةً وخنَازيرَ إلى يوم القيامة ) أخرجه البخاري والبيهقي وأبو داوود وغيرهم . ( 96 )
الدليل الثاني:
ما رواه أبو مالك الأشعري عن النبى قال : ( لَيشرَبنَّ ناسٌ مِن أمَّتي الخَمرَ يُسمُّونها بغير اسمهِا يُعزَفُ على رؤوسهم بالمعَازفِ والمُغنِّياتِ ، يخسِفُ الله بهِمُ الأرضَ ويَجعلُ مِنهمُ القردَةَ والخنازير ) أخرجه ابن ماجه وصححه ابن حبَّان وأبو داود مختصراً .( 97 )
* قال ابن القيم عن هذا الحديث : " هذا إسنادٌ صحيح " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة . ( 98 )
الدليلالثالث :
ما رواهُ أبو أمامةَ عن النبي قال : ( تَبيتُ طائفةٌ مِن أمَّتي على أكلٍ ولهوٍ وشُربٍ ، ثمَّ يُصبحونَ قِردةً وخنازيرَ، وتُبعثُ على حَيٍّ مِن أحيائهمْ رِيحٌ فَتَـنسِفُهُمْ كمَا تَـنسِفُ مَن قبلَهُم باستحلالهم الخمورِ ، وضربهم بالدُّفوفِ واتخاذهِمُ القيِنَاتِ ) أخرجه الإمام أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم . ( 99 )
الدليل الرابع:
ما رواه ابن عباس : أن النبي قال لوفد عبد القيس : ( إن الله حَرَّمَ على أو حَرَّمَ الخَمرَ والمَيسرَ والكُوبَةَ ) رواه الإمام أحمد وأبو داود . ( 100 )
ورواه أيضاً عبدالله بن عَمرو: ( أن نبيَّ اللهِ نهى عن الخَمرِ والمَيسرِ والكُوبةِ ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود . ( 101 )
* والكوبةُ هي الطبل .
الدليلالخامس:
ما رواهُ جابر بن عبدالله عن النبي أنه قال : ( إنما نُهيتُ عَن صَوتينِ أحمَقينِ فاجِرَينِ : صوتُ عِندَ نَغمَةِ لَهوٍ وَلَعبٍ ومَزاميرِ الشيطانِ ، وصوتُ مُصيبةٍ لَطم الخُدودِ وَشّقُّ الجُيوبِ ودُعَاءٍ بِدعوى الجاهليةِ ) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن . ( 102 )
* ولقد قال الحسن بن علي بن أبي طالبٍ : " صوتان ملعونان : مِزمارٌ عند نغمةٍ ، ورنةٌ عِندَ مُصيبةٍ . وقال : وذكرَ الهُ المؤمِنينَ فقال : ( وفي أموالهم حقٌّ مَعلومٌ للسَّائلِ والمحروم ) وجعَلتُم أنتم في أموالِكُم حقَّاً معلوماً للمُغنِّيةِ عندَ النغمةِ ، وللنائحةِ عِندَ فاجرينَ عِندَ المُصيبةِ " . أخرجه ابن أبي الدنيا . ( 103 )
الدليل السادس:
ما رواه نافعٌ قال : " كُنا معَ ابنِ عُمرَ في سَفرٍ فسَمِعَ صوتَ زامِرٍ ، فوضعَ إصبَعيهِِ في أذنَيهِ وعَدلَ عنِ الطريقِ ، ثم قالَ : " يا نافعُ أتسمعُ ؟ " فأقولُ : نعم ، حتى قلتُ : لا " فرفع يديهِ وأعادَ راحِلتَهُ إلى الطريقِ ثمَّ قالَ: ( هكذا رأيتُ رسول الله فعل ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود . ( 104 )
* قال الإمام ابن رجب : " هذا الحديث يرويهِ سُليمان بن موسى الفقيه الدمشقي ، عن نافع ، وقد اختلفوا في سُليمان فوثقهُ قومٌ وتكلَّمَ فيهِ آخرون ، وتابعهُ عليه المُطعمُ بنُ المِقدام فرواه عن نافع أيضاً ، خرج حديثه أبو داود ، والمُطعم هذا ثقةٌ جليل ، وتابعهما أيضاً ميمون بنُ مهران ، عن نافعٍ ، خرَّجَ حديثَهُ أبو داود أيضاً " . ( 105 )
الدليل السابع:
ما رواه أبو هريرة أنه قال : ( نهى رسول الله عَن ثمنِ الكَلبِ وكَسب الزمَّارَة ) رواه البغوى وحَسَّنه . ( 106 )
* قال الإمام التوربشتي : " قال أبو عُبيد : إنها الزانية ، ونقل الهَروي عن الزُّهري أنه قال : نهىَ عَن كَسب المرأة المُغنية ، يُقال : غِنَاءٌ زَمِيرٌ : أي حَسنٌ ، ويُقال : زَمَرَ إذا غَنَّى ، وزمَرَ الرَّجُلُ : إذا ضَرَبَ المِزمَارَ فهو زَمَّار ، ويُقال للمرأةِ : زَمَّارةٌ ، ويُحتَملُ أن يكونَ تَسمِيةُ الزانيةِ زمَّارةٌ ؛ لأنَّ الغَالبَ على الزَّواني اللاتي اشْتَهرنَ بذلك العمل الفاحِشِ واتَّخَذنَهُ حِرفَةً كُونُهُنَّ مُغَنِّيات " . ( 107 )
الدليل الثامن:
ما رواهُ أبو هُريرةَ أن النبيَّ قال : ( الجَرسُ مَزامِيرُ الشيطانِ ) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي . ( 108 )
وعنه أيضاً قال: قالَ رسول الله : (لا تَصحًبُ الملائكةُ رُفقةً فيها كلبٌ أو جَرسٌ ) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي . ( 109 )
وفي روايةٍ أم المؤمنينَ أم سلمةَ رضي الله عنهُا قالَت : سَمعتُ النبيَّ يقول : ( لا تَدخلُ الملائكةُ بيتَاً فيهٍ جَرسٌ ولا تَصحًبُ الملائكةُ رُفقةً فيها جَرسٌ ) رواه النَّسائي . ( 110 )
* فإذا كان الجرسُ مِزمَارَ الشيطان ، فكذلكَ المعازفُ وآلاتُ اللهوِ والطربِ التي هي أعظم منه من أعظم مزامير الشيطان كما بين ذلك العُلماء .
وإذا كانت الملائكةُ لا تدخل بيتاً فيه جرس ، ولا تصحبُ رِفقةً فيها جَرس ، فالمعَازف وآلات الطربِ واللهوِ التي هي أشد وأعظم كذلك .
* وقد عَدَّ الأمامُ محيي الدين ابن النحاس الشافعي سماع ذلك من الكبائر في كتابه تنبيه الغافلين في فصل ما اختارهُ جماعةٌ مِنَ العُلماءِ من الكبائر حيث قال : " ومنها سماعُ الأوتارِ والمعازف " .
* وقال أيضاً : " فصلٌ في ذكرِ شيءٍ مما يقعُ في النكاحِ ، وبَعدَهُ من البدَعِ والمُنكراتِ : ومنها ما يفعله أهل ديار مصر ويُسَمُّونهُ الشطورَ : وهو بدعةٌ يشتملُ على جُملةٍ مِنَ المُنكراتِ ... وحضورِ الأغاني بالآلاتِ المُحرمة " .
* وقال أيضاً : " فصلٌ في ذكر بعضِ ما ابتُدعَ في المَواسِمِ والأعيادِ ، قال ابن الحاج : ومِن جُملة ما أحدثوهُ مِن البدعِ – مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات – ما يفعلونهُ في المولد وقد احتوى ذلكَ على بِدعٍ ومُحرَّماتٍ منها : استعمَالُهم الأغاني وآلات الطرب وحُضور المردان والشَّبَّابَاتِ ..." . ( 111 )
* وقد استحبَّ الإمام أحمد كسر آلات الطرب والمعازف إذا تأكد الإنسان من وجودها وقدرَ على كسرها .
سُئل الإمام أحمد : " عن الرجُلِ يَرى الطنبُورَ أو الطبلَ مُغطىً أيَكسِرْهُ ؟ فقال : إذا كان يُثبتْهُ أن طنبُورٌ أو طَبلٌ كَسرَهُ " . ( 112 )
* وبين الإمام أحمد أيضاً أن من كسر تلك الآلات فإنَّ لهُ فضلٌ ومأجور في ذلك ، ولو آذاهُ السلطان بمكروه فإنه يغبِطه على ذلك .
ففي سؤالات الإمام أبي داوود قال : " سمعتُ أحمدَ سُئل عن الطنبُورِ أو الطبلِ أو نحو ذلكَ واجِبٌ تغييرُهُ ؟ قال : " ما أدري ما واجبٌ ، إن غَـيَّرَ فَلَهُ فََضْـلٌ " قيل لأحمد : فإن أصابَهُ مِن قِبَلِ السلطانُ في ذلكَ مكروهٌ ترجوا أنْ يؤجَرَ ؟ فرأى لهُ فضلاً ، تكَلَّمَ بشيءٍ كأنَّهُ يَغبطهُ " . ( 113 )
فيا من اختار السماع الشيطاني من الأغاني وآلات اللهو المعازف وترك السماع الرحماني من القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين ، لقد اخترت الفاني على الباقي ، وفضلت الأدنى على الذي هو خير وأعلى . فيا لخسارتك في الدنيا والآخرة . واعلم أنه لا يجتمعُ في قلبِ المسلمِ حبُّ القرآنِ وحُبُّ الغِناءِ . واعلم أن في الجنة غناءً ليس كغِناء أهل الدنيا المحرم ، كما أن فيها خَمراً ليس كخمر الدنيا ، فإن أردت سماع غناء الحور في الجنة فـَنَـزِّهْ سَماعكَ عَن غِناءِ أهلِ الدنيا الذي هو سبب للفساد وهجرٌ للقرآنِ وبُعدٌ عَن ذكرِ اللهِ تعالى .
قال الإمام الحَبرُ أبو بكر ابن القيم رحمه الله في نونيته : ( 114 )
نَزِّهْ سَمَاعَكَ إنْ أردتَّ سَمَاعَ ذيَّـ ... ـاكَ الغِنا عَـن هـذهِ الألحـانِ
لا تُؤثِرِ الأدنى على الأعلى فتُحْـ ... ـرَمُ ذا وذا يَـا ذِلَّـةَ الحِرمَـانِ
إنَّ اختيارَكَ للسَّمَاعِ النَّـازِلِ الـ ... ـأدنى على الأعلى مِنَ النُّقصَانِ
واللهِ إنَّ سَمَاعَهُم في القلبِ والـ ... ـإيمَانِ مِثلَ السُّمِّ فـي الأبـدَانِ
واللهِ ما انفَكَّ الذي هـوَ دَأبُـهُ ... أبداً مِـنَ الإشـراكِ بالرحمَـنِ
فالقلبُ بيتُ الرَّبِّ جَـلَّ جَلالُـهُ ... حُبَّاً وإخلاصاً مَـعَ الإحسَـانِ
فإذا تَعلَّـقَ بالسمـاعِ أصـارَهُ ... عَبـداً لكُـلِّ فُلانَـةٍ وفُــلانِ
حُبُّ الكِتابِ وحُبّ ألحَانِ الغِنـا ... في قَلبِ عَبدٍ ليـسَ يجتمِعَـانِ
ثَقُلَ الكِتابُ عَليهِـمُ لمَّـا رأوا ... تقييـدهُ بشَـرَائـعِ الإيـمـانِ
واللهْو خّفَّ عَليهِـمُ لمَّـا رأوا ... ما فيهِ مِن طَربٍ ومِن ألحَـانِ
قُوتُ النُّفُوسِ وإنَّمَا القُرآنُ قُـ ... ـوتُ القَلبِ أنَّى يَستوي القُوتَـانِ
يا لذَّةَ الفُسَّاقِ لسـتِ كلـذَّةِ ... الأبرارِ فـي عَقـلٍ ولا قُـرآنِ
أسأل الله تعالى أن يعصمَنا مِن الزلل ، ويوفقنا لخير القول والعمل ، ويثبت قلوبنا على دينه ، وسنة نبيه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الحاشية
( 1 ) معجم مقاييس اللغة للإمام أحمد بن فارس ج 4 ص 397 – 398
( 2 ) تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي ج 3 ص 245
( 3 ) الصحاح للإمام أبي نصر الجوهري ج 2 ص 1779
( 4 ) غذاءُ الألبابِ شرح منظومة الآداب للإمام محمد السَّفَّارِيني ج 1 ص 157
( 5 ) نُزهة الأسماع في مسألة السماع للإمام ابن رجب ص 35
( 6 ) الرد على من يحب السماع ص 54
( 7 ) تفسير القرطبي ج 13 ص 78
( 8 ) نُزهة الأسماع في مسألة السماع للإمام ابن رجب ص 35- 38 باختصار
( 9 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 10 ) نُزهة الأسماع في مسألة السماع للإمام ابن رجب ص 86- 87 باختصار
( 11 ) الرد على من يحب السماع ص 54 باختصار
( 12 ) غذاءُ الألبابِ شرح منظومة الآداب للإمام محمد السَّفَّارِيني ج 1 ص 157
( 13 ) رواه الإمام أحمد في مسنده ج 3 ص 391 وابن ماجه في سننه : كتاب النكاح : باب الغناء والدف رقم 1900
( 14 ) رواه البخاري : باب غزوة خيبر ج 5 ص 166 ومسلم : كتاب الجهاد والسير : باب غزوة خيبر ج 3 ص 1427
( 15 ) نُزهة الأسماع لابن رجب ص 87
( 16 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 17 ) غذاءُ الألبابِ شرح منظومة الآداب للإمام محمد السَّفَّارِيني ج 1 ص 159
( 18 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 175
( 19 ) أخرجه أبو داود : كتاب الأدب : باب كراهية الغِناءِ والزَّمْرِ ج 4 ص 282 ، والبيهقي في السنن الكبرى : كتاب الشهادات ج 10 ص 223 ، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ص 73
( 20 ) أخرجه ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 181 ، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ص 75 ، والطبري في الرد على من يحب السماع ص 49
( 21 ) ذم الملاهي لابن أبي الدنيا ص 74
( 22 ) الرد على من يحب السماع للطبري ص 50
( 23 ) ذم الملاهي لابن أبي الدنيا ص 74
( 24 ) الرد على من يحب السماع للطبري ص 49
( 25 ) ذم الملاهي لابن أبي الدنيا ص 74 ، والرد على من يحب السماع للطبري ص 49
( 26 ) الرد على من يحب السماع للطبري ص 49
( 27 ) المصدر السابق للطبري ص 31
( 28 ) إغاثة اللهفان لابن القيم ص 231 – 232 باختصار
( 29 ) كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مسائل الإمام أحمد للخلال ص 32 ، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص 177
( 30 ) الرد على من يحب السماع للطبري ص 29 - 30
( 31 ) كتاب الأم للشافعي : كتاب الأقضية : باب شهادة القاذف ج 6 ص 514 – 515 ، والرد على من يحب السماع للطبري ص 27 ، وسنن البيهقي : كتاب الشهادات : باب الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين ويجمع عليهما ويغنيان ج 11 ص 225
( 32 ) انظر الرد على من يحب السماع للإمام طاهر الطبري ص 28
( 33 ) أخرجه ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 177 ، وأبو نعيم في الحلية ج 9 ص 146 ، والبيهقي في مناقب الشافعي ج 1 ص 283
( 34 ) نزهة الأسماع للحافظ ابن رجب ص 86
( 35 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 178
( 36 ) السُنن الكبرى للبيهقي ج 10 ص 223
( 37 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 178 ، وانظر نُزهة الأسماع لابن رجب ص 80 - 81
( 38 ) الفتاوى الموصلية للعز بن عبدالسلام ص 84 – 85 باختصار
( 39 ) انظر تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 40 ) انظر غذاء الألباب للسَّفَّاريني ج 1 ص 163 ، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 41 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 42 ) تحريم النرد والشطرنج والملاهي للآجُرِّي ص 39
( 43 ) كتاب المنهيات للحكيم الترمذي ص 107
( 44 ) فتاوى الإمام ابن الصلاح ص 300 باختصار
( 45 ) الإقناع في مسائل الإجماع ج 2 ص 304 رقم الإجماع 3989
( 46 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 171
( 47 ) رسالة السماع والرقص لابن تيمية ص 25
( 48 ) نزهة الأسماع لابن رجب ص 70
( 49 ) إغاثة اللهفان لابن القيم ص 241 - 261
( 50 ) تلبيس إبليس ص 181
( 51 ) انظر كتاب تحريم السماع والغناء ص 197 ، وذكره العلامة السَّفَّاريني في شرح ثُلاثيات مسند الإمام أحمد ج 1 ص 819
( 52 ) تفسير أحكام القرآن للإمام ابن العربي المالكي ج 3 ص وتفسير المحرر الوجيز لابن عطية ج 9 ص 9 526
( 53 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 11 ص 68 رقم 21374
( 54 ) أخرجه الإمام أحمد ج 5 ص 252، 257 ، 264 ، 268 والترمذي: كتاب تفسير القرآن باب 32 ج 5 رقم 3195 وابن جرير في تفسيره ج 11 ص 64 رقم 21358 واللفظ له ، و البغوي في تفسيره ج 3 ص 506 ، والحكيم الترمذي في كتاب المنهيات ص 113 ، والواحدي في أسباب النزول ص 356 رقم 678
( 55 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 11 ص 66 رقم 21361 والحاكم : كتاب التفسير : باب تفسير سورة لقمان ج 2 ص 411 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، وابن أبي شيبة في مصنفه ج 6 ص 309
( 56 ) أخرجه الحاكم في مستدركه ج 2 ص 411 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وأخرجه الطبري في تفسيره ج 11 ص 66
( 57 ) تفسير القرطبي ج 14 ص 48
( 58 ) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ج 6 ص 309 وابن جرير في تفسيره ج 11 ص 66 رقم 21363
( 59 ) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج 11 ص 67 رقم 21364
( 60 ) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج 11 ص 67 رقم 21366
( 61 ) أخرجه البغوي في تفسيره ج 3 ص 506 ، وانظر تفسير الدر المنثور ج 6 ص 505
( 62 ) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج 11 ص 68 رقم 21367
( 63 ) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره ج 9 ص 3096 رقم 17525
( 64 ) ذكره الإمام ابن رجب في نزهة الأسماع ص 40
( 65 ) ذكره البغوي في تفسيره ج 3 ص 506
( 66 ) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره ج 9 ص 3069 رقم 17526
( 67 ) تفسير القرطبي ج 14 ص 48
( 68 ) انظر تفسيره ج 3 ص 426
( 69 ) تفسير أحكام القرآن للإمام ابن العربي المالكي ج 3 ص 525
( 70 ) انظر تفسيره المحرر الوجيز ج 9 ص 9
( 71 ) انظر تفسيره ج 11 ص 68
( 72 ) انظر تفسيره ج 3 ص 506
( 73 ) كتاب المنهيات للحكيم الترمذي ص 113
( 74 ) انظر كتابه ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن ص 405
( 75 ) انظر تفسيره ج 14 ص 48 باختصار
( 76 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 9 ص 133 رقم 16952
( 77 ) تفسير ابن أبي حاتم ج 10 ص 2337 رقم 13335
( 78 ) تفسير القرطبي ج 10 ص 250
( 79 ) تفسير الإمام ابن أبي زمنين المالكي ج 3 ص 30
( 80 ) تفسير المحرر الوجيز لابن عطية ج 10 ص 319
( 81 ) انظر تفسيره أحكام القرآن ج 10 ص 252
( 82 ) تفسير أضواء البيان للإمام الشنقيطي ج 3 ص 607
( 83 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 11 ص 55 رقم 20149
( 84 ) أخرجها ابن أبي حاتم في تفسيره ج 8 ص 2737 رقم 15450
( 85 ) انظر تفسير الطبري ج 11 ص 55
( 86 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 13 ص 95 - 96 رقم 25281 و 25286
( 87 ) تفسير الإمام أبي المظفر السمعاني ج 5 ص 305
( 88 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 13 ص 95 رقم 25284 ، وتفسير زاد المسير لابن الجوزي ج 6 ص 86
( 89 ) تفسير الإمام الماوردي المسمى النُّكَتْ والعُيون ج 5 ص 407
( 90 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 13 ص 96 رقم 25288
( 91 ) تفسير الطبري ج 13 ص 96 رقم 25288
( 92 ) تفسير المحرر الوجيز لابن عطية ج 12 ص 289
( 93 ) الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي ج 2 ص 902 - 903
( 94 ) نقله عنه ابن القيم في إغاثة اللهفان ص 242
(95 ) نقله عنه في الزواجر ج 2 ص 903
( 96 ) أخرجه البخاري : كتاب الأشربة: باب ما جاء فيمن يستحِلُّ الخَمرَ ويُسميهِ بغير اسمهِ ج 6 ص 243 ، والبيهقي في سننه الكبرى : كتاب الشهادات: باب ما جاءَ في ذم الملاهي من المعازف والمزامير ونحوها ج 10 ص 221 ، وأبو داوود مختصرا في كتاب اللباس : باب ما جاءَ في الخَزِّ ج 4 ص 46
( 97 ) أخرجه ابن ماجه : كتاب الفتن : باب العقوبات ج 2 ص 1333 رقم 4020 ، وابن حبان في صحيحه كما في موارد الضمآن: كتاب الأشربة : باب فيمن يستحل الخمرَ ص 336 ، وأبو داود : كتاب الأشربة : باب في الداذي ج 3 ص 329 رقم 3688 و 3689
( 98 ) انظر إغاثة اللهفان لابن القيم ص 263 ، والسلسلة الصحيحة للألباني 90 و 415
( 99 ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 5 ص 259 و 329
( 100 ) أخرجه الإمام أحمد ج 1 ص 274 و 289 و 350 ، وأبو داود : كتاب الأشربة : باب في الأوعية ج 3 ص 331 رقم 3696
( 101 ) أخرجه الإمام أحمد ج 2 ص 158 و 165 و 167 و 171 و 172 ، وأبو داود : كتاب الأشربة : باب النهي عن المُسكر ج 3 ص 328 رقم 3685
( 102 ) أخرجه الترمذي : كتاب الجنائز : باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت ج 3 ص 319
( 103 ) أخرجه ابن الدنيا في ذم الملاهي ص 77
( 104 ) أخرجه الإمام أحمد ج 2 ص 8 و 38 ، وأبو داود : كتاب الأدب : بابُ كراهية الغِناءِ والزَّمرِ ج 4 ص 281 رقم 4924 و 4925 و 4926
( 105 ) انظر نُزهةُ الأسماعِ لإمام ابن رجب ص 62 - 63
( 106 ) في مصابيح السنة مع شرحه لأبي عبدالله التوربشي ج 2 ص 661 رقم 1961
( 107 ) المُيسَّر في شرح مصابيح السُّنة لأبي عبدالله التوربشتي ج 2 ص 661
( 108 ) أخرجه مسلم في صحيحه رقم 2113 ، وأبو داود في سننه رقم 2556 ، والنسائي في الكبري رقم 8812 .
( 109 ) أخرجه مسلم في صحيحه رقم 2113 وأبو داود في سننه رقم 2555 ، والترمذي في سننه رقم 1703
( 110 ) أخرجه النسائي في سننهِ ج 8 ص 180
( 111 ) تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين لابن النحَّاس ص 303 و 473 و 499
( 112 ) مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابن هانئ ج 2 ص 174 رقم المسألة 1956
( 113 ) مسائل الأمام أحمد رواية الإمام أبي داود السجستاني صاحب السنن ص 371 رقم المسألة 1798
( 114 ) نونية ابن القيم المسمَّاةُ بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية ص 366 الأبيات 5158 – 5171 باختصار
منقول من موقع الألوكة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله التقي الأمين ، وعلى آله وأصحابه الغُر الميامين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
وبعد
فإن الله تعالى أرسل رسوله هُدى للناس ، وبينَ لهُمْ الحلالَ مِنَ الحرامِ بلا التباس ، وأرشدهم عند التنازعِ بالرجوعِ إليهِ ، وحذرهمْ مِنَ التفرقِ والاختلافِ عليهِ .
وهناكَ بينَ الحلالِ والحرامِ مُشتبهاتٌ لا يَعلمهُنَّ كَثيرٌ مِنَ الناسِ ، من اتقاها فقد استبرأ لِدينهِ وعِرضهِ ، ومَن وقعَ فيها فقد وقَع فِي الحَرام .
فيجب على المسلم أن يكون وقَّافاً عندَ كتابِ اللهِ تعالى وسُنةِ نبيه، لا يتجاوزهما ولا يخالفهما ، ولا يحرف النصوص عما دلت عليه ، و يُبادِر بتقديمها ، ويُلزمُ نفسَهُ الامتثالَ بها.
وسأتكلم هنا عن حكم ( الغناء ) وأقوال أهلِ العلمِ الراسخينَ فيهِ ، إبراءً للذمةِ ، وأدَاءً للأمانةِ ، وتَنبيهاً للأمةِ .
فأقول مستعينا بالله :
حتى تُفهم هذه المسألة، لا بُدَ من التفريق بينالكلام الذي اشتمل على كلامٍ منثورٍ أو مَنظومٍمَوزونٍ - سواءً اشتملَ على معاني مُبَاحةٍ أو مُحرَّمةٍ - وبينَ المَعازفِوالمزاميرِ .
والتفريق بينهما مهم جداً ؛لأنه قد يشتبه على بعضالناس كلام أهل العلم ، وما قصدوه في كلامهم على هذه المسألة ، فقد يََعنون بالغناء المعنى الأول ، وقد يَعنون به ما خالطَتهُ المَعازفوالمزامير .
المبحث الأول : بيان معنى الغناء في اللغة
1- قد يطلق ويُراد به صوت صاحب الغناء.
قال الإمام ابن فارس : " غِنَى : الغين والنون والميم والحرف المعتل أصلان صحيحان ، أحدهُما يدل على الكِفاية ، والآخرُ صوتٌ ... والأصل : الغِناءُ من الصوت ، والأُغنِيَةُ : اللونُ من الغِنَاءِ " . ( 1 )
قال الإمام النووي : " والغِناءُ بالكسر أيضاً وبالمد : هو الصوتُ المعروف " . ( 2 )
2- وقد يطلق ويُراد به السماع . أي سماع ذلك الصوت .
قال الإمام الجوهري : " والأغنِيَة ُ : الغِنَاءُ والجمعُ الأغَانِي ، تقولُ مِنهُ : تَغَنَّى ، وغَنَّى .
والغِنَاءُ بالكَسرِ : مِنَ السَّمَاع " . ( 3 )
ولذلك سمَّى جمعٌ من أهل العلم الغناء وما يتعلق به من آلا ت لهو من معازف ومزامير واستماع له بمسألة : السماع .
المبحث الثاني: الكلام المجرد عن آلات اللهو من معازف ومزامير ونحوها .
بعض العلماءِ يُسمي هذا النوعَ أيضاً غِناءً ، وبعضهم حُداءً ، وبعضهم زهديات وإنشاد ونحوها .
قال الإمام محمد السَّفَّارِينِي في كلامه عن الغِناءِ : " وهو مَقسومٌ إلى قِسمينِ : مفهومٍ كالأشعارِ ، وغيرِ مفهومٍ كأصواتِ الجماداتِ وهي المزاميرِ كالشَّبَابَةِ والأوتارِ ، والثاني لا شك في حرمتهِ على المذهبِ المُعتَمد " . ( 4 )
وسأتكلم هنا عن النوع الأول الذي ذكرهُ الإمام السَّفَّاريني والذي سماه بالمفهوم كالشعر ونحوه .
1- إذا كان الكلام شعراً أو نثراً مشتملاً على تشبيب بالنساء ووصف لهن والتغزل فيهن وفي المُردانِ والخَمرِ ونحو ذلك ، فهذا تحريمه معلومٌ ومُجمعٌ عليه بين أهل العلم .
قال الإمام ابن رجب : " والمراد بالغِناء المحرم : ما كان من الشعر الرقيق الذي فيه تشبيب بالنساء ونحوه مما توصفُ فيهِ محاسنُ من تَهيجُ الطباعُ بسماعِ وَصفِ مَحاسِنهِ فهذا هو الغناءُ المَنهِيُّ عَنهُ ، وبذلك فسرَّهُ الإمام أحمد ، وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمة " . ( 5 )
وقال الإمام طاهر الطبري : " إنشاد الشعر إذا لم يكُن فيهِ تشبيبٌ وتطريب بامرأة فإنه مُباحٌ " . ( 6 )
وقال الإمام القرطبي : " مِنَ الغِناءِ ما ينتهي سمَاعُهُ إلى التحريم ، وذلك كالأشعَارِ التي توصَفُ فيها الصورُ المستحسناتُ والخمر وغير ذلك مما يُحرك الطباع ويُخرجها عن الاعتدال ، أو يُثيرُ كامِناً من حُبِّ اللهو ... لا سيما إذا اقترنَ بذلكَ شبَّابَات وطارات مثل ما يُفعلُ اليوم في هذه الأزمانِ " . ( 7 )
2- وأما إذا لم يشتمل الشعرُ أو النثرُ على شيءٍ مِن ذلكَ، وإنما هو قصائد في الزهد والوعظ المرققة للقلوب فهناك خِلاف بين أهل العلم في حُكمهِ.
القول الأول : الإباحة . وقال به جمعٌ من أهل العلم منهم الإمام أبو بكر الخلال الحنبلي ، وأبو بكر غلام خليل الحنبلي .
قال الإمام ابن رجب : " فأما ما لم يكن فيه شيءٌ من ذلك فإنهُ ليس بمُحرَّمٍ وإن سُمِّىَ غِنَاءً ، وعلى هذا حَملَ الإمامُ أحمدُ حَديثَ عائشةَ رضي الله عنها في الرُّخصَةِ في غِناءِ الأنصارِ ، وقال: هو غِنَاءُ الرُّكبَانِ " أتيناكم أتيناكم " . وعلى مِثلِ ذلكَ حمَلَ طوائفُ من العلماءِ قولُ من رخَّصَ في الغِناءِ من الفقهاء من أصحابنا وغيرهم، وقالوا: إنما أرادوا الأشعار التي لا تتضمنُ ما يُهيجُ الطباعَ إلى الهوى ، وقريبٌ من ذلك الحُداءُ ، وليس في شيء من ذلك ما يُحرِّكُ النفُوسَ إلى شهواتها المحرمة " . ( 8 )
قال الإمام ابن الجوزي : " كان الغناء في زمانه إنشادَ قصائدَ الزهدِ إلا أنهم كانوا يُلحِّنونها ". ( 9 )
وقال ابن رجب : " وحُكي عنه – أي الإمام أحمد – روايةٌ أخرى في الرخصة في سماع القصائد المُجردة " .
وقال أيضاً : " وذكروا أن الإمام أحمد سمعَ في منزلهِ من وراء الباب مُنشداً يُنشدُ أبياتاً من هذه الزهديات ولم يُنكر ذلكَ ، لكن لم يكُن مع إنشادها تغبـيرٌ ولا ضربٌ بقضيبٍ ولا غيرهُ ". ( 10 )
وقال الإمام طاهر الطبري : " إنشاد الشعر إذا لم يكُن فيهِ تشبِيبٌ وتطريبٌ بامرأة فإنه مباحٌ ... وإذا جاز ذلك بكلامٍ منثور جاز بكلامٍ منظُومٍ موزونٍ وهو الشعرُ ولا فرق بينهما " . ( 11 )
وقال الإمام محمد السَّفَّارِينِي : " لأن الغناءَ إنما هو عبارَةٌ عن الأصوات الحَسَنة والنغماتُ المُطربةُ يَصدُرُ عنها كلامٌ مَوزونٌ مَفهومٌ ، فالوصفُ الأعَمُّ فيهِ إنما هو الصوتُ الحَسَنُ والنَّغْمةُ الطَّيِّبةُ " . ( 12 )
والأمثلة على هذا السماع المُباح : سماع القصائد والأشعار التي لا محظور فيها ، فقد سمع النبي شعر حسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير وغيرهم رضي الله عنهم ، و سمع حادي يحدوا في السفر يٌقال له أنجشة .
و سمع النبي شعر أمية بن أبي الصلت الثقفي ، فقال عنه: ( آمن لسانه ولم يؤمن قلبه ) .
وسمع كذلك عليه الصلاة والسلام شعر النابغة الجعدي ودعا له فقال : ( لا يُفضض الله فاك يا أبا ليلى ) فعاش مائة سنة لم تسقط له سن .
وروى الإمام أحمد وابن ماجه أن النبي قال لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( أهديتم الجارية إلى بيتها ) قالت : نعم . قال: ( فهلا بعثتم معها من يُغنيهم يقول : أتيناكم أتيناكم فحيونا نحيكم ) . ( 13 )
وسمع النبيُّ حُدَاءَ عامرِ بنِ الأكوعِ وهو يقول :
اللهُمَّ لولا أنتَ ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلنْ سكينـةً علينـا ... وثبتِ الأقدَامَ إنْ لاقينـا
إنَّا إذا صِيْحَ بِنَا أتَيْنَـا ... وبالصِّيَـاحِ عوَّلوا علينَـا
فقال رسول الله : ( من هذا السائق ؟ ) قالوا: عامرُ بنُ الأكوعِ . قال : ( يرحمُهُ اللهُ ) . ( 14 )
تنبيه: هذا القول إنما هو في الترخيص في التغني بالشعر والقصائد الزهدية المُرقِّقة دونالمشتملة على آلات اللهو والمعازف والمزامير .
قال الإمام ابن رجب: " إنما أرادوا سماع هذه القصائدِ الزُّهدِيةِ المُرَّقِّقةِ ، لم يُرخِّصوا في أكثرَ مِن ذلكَ " . ( 15 )
القول الثاني: يُباحُ مع الكراهة .
قال الإمام ابن الجوزي: " الروايتين عن الإمام أحمد في الكراهة وعدمها تتعلق بالزهديات المُلحَّنة ، فأما الغِناءُ المعروف اليوم فمحظور عِندهُ كيف ولو علمَ ما أحدث الناسُ من الزيادات " . ( 16 )
وهناك شروط اشترطها بعض أهل العلم في هذا النوع وهي : الاستتارُ في بَيتهِ ، وعَدمُ الإكثارِ والزيادة مِنهُ ، وأن يكون متخفياً ، لم يتخذ الغِناءَ صِناعةً لهُ ، وكان غِناءُهُ يسيراً . وقال بهذا القاضي أبو يعلى الحنبلي .
قال الإمام ابن عبدالقوي في منضومته في الآداب :
وحَظْرُ الغِنَاءِ الأكثرُونَ قَضَوا بهِ ... وَعَنْ أبَوَي بَكْـرٍ إمَـامٍ ومُقتَـدِ
إباحتُـهُ لا كُرهُـهُ وأبَاحَـهُ الـ ... إمامُ أبو يعلى مَعَ الكُرهِ فَاشْهَـدِ
فمَنْ يَسْتَتِرْ في بَيتِهِ لِسمَاعـهِ الـ ... غِناءَ ولـم يُكثْـرْ ولَـمْ يَتَزَيَّـدِ
وَغَنَّى يَسِيْراً فِي خَفَـاءٍ لِنَفْسِـهِ ... فَلا بَأسَ وَاقْبَلْ إنْ يُرَجِّعْ وَيُنْشـدِ
قال السَّفَّارِينِي شارحاً للمنظومة : " فعلى المذهب من يستتر منَ الرجال والنساءِ في بيتهِ لأجلِ سماعِ الغناء ولم يُكثر من ذلكَ ولم يتزيد منهُ ، ولم يقترن بآلة لهوٍ، ولم يكُن المُغني امرأة أجنبيةٌ لِحُرمةِ التلذذ بصوتها ، بل غَنَّى غِناءً غَيرَ كَثيرٍ ، فإن أكثرَ مِنهُ رُدَّت شهَادتُهُ ؛ لأنه سَفَاهَة ٌ ودَناءَةٌ يُسقِطُ المُروءةَ ، وأما إن غَنَّى يَسيراً في حَالِ خَفاءٍ لِنفسِهِ ولم يَتخذهُ صِناعَةً يُداومْهُ على ما مَرَّ فلا بأسَ ولا حرج ولا حُرمة " . ( 17 )
المبحث الثالث: الغناء المحرم .
إن الغِناء المحرم هو ما اشتمل على الكلام المحرم سواءً صاحبَهُ آلاتُ اللهو أم لا ، وأما آلات اللهو فهي محرمة بالإجماع ، وقد بين العلماء رحمهم الله تعالى حرمة هذا الغناءَ والذي أصبح ذلك الاسم علماً عليه .
قال الإمام ابن الجوزي : " وقد أخرجوا لهذه الأغاني ألحاناً مختلفةً كُلها تُخرجُ سامعها عن حَيزِ الاعتدالِ وتُثير حُبَّ الهوى .. وقد أضافوا إلى ذلك ضرب القضيب والإيقاع به على وفق الإنشاد والدفِّ بالجَلاجِلِ ، والشَّبَابةِ النائة عن الزمر ، فهذا الغناء المعروف اليوم " . ( 18 )
* قال ابن مسعود: " الغِناءُ يُنبت النفاق في القلب كما يُبتُ الماءُ الزرعَ " . ( 19 )
* وكتب الخليفةُ العادل عُمرُ بن عبدالعزيز إلى مؤدب ولده : " وليُكن أولَ ما يعتقدونَ من أدبكَ بُغضُ الملاهي التي بدؤها من الشيطان ن وعاقبتها سَخطُ الرحمن ، فإنه بلغني عن الثقات من حملة العلم أن حُضُورَ المعازفِ واستماعُ الأغاني ، واللهَجُ بهما يُنبتُ النفاق في القلب كما يُنبتُ العُشبَ الماءُ " . ( 20 )
* وسُئل الإمامُ الفقيه القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن الغِناء ؟ فقال : " أنهاكَ عنهُ وأكرهُهُ لكَ . قال : أحرامٌ هو ؟ قال: انظر يا ابن أخي إذا ميز اللهُ الحقَّ مِن الباطلِ في أيهِمَا يُجعلُ الغِناءُ ؟ " . ( 21 )
* وقال يزيد بن الوليد الأموي: " يا بني أمية: إياكم والغِناءَ ؛ فإنه يُنقصُ الحياءَ، ويَزيدُ الشهوةَ ن ويهدمُ المروءةَ ، وإنهُ لينُوبُ عن الخمرِ ، ويفعلُ ما يفعلُهُ السُّكرُ ، فإن كنتُم لا بُدَّ فاعلينَ فجنِّبوهُ النساءَ، فإن الغناء رقية الزنا ". ( 22 )
* وقال الشَّعبِي : " لعنَ اللهُ المُغنِّي والمُغنَّى لهُ " . ( 23 )
* وقال الحكُم : " حُبُّ السَّماعِ يُنبتُ النفاق في القلب " . ( 24 )
* وقال الفُضيلُ بنُ عِياضٍ : " الغِناءُ رُقيةُ الزِّنا ". ( 25 )
* وقال الضحَّاك : " الغِناءُ مفسدةٌ للقلبِ مسخطةٌ للرب " . ( 26 )
* وأما الإمامُ أبو حنيفةً : فإنه يكره الغناء ويجعل سماعَ الغِناءِ من الذنوب ، وكذلك مذهب سائر أهل الكوفة ، وسُفيان الثوري ، وحماد ، وإبراهيم النخعي ، والشعبي وغيرهم ، لا اختلافَ بينهم في ذلك ن ولا يُعرفُ أيضاً بين أهل البصرة خِلافاً في كراهية ذلك والمنع منهُ " . ( 27 )
وقال القاضي أبو يوسف صاحب أبي حنيفة – في دارٍ يُسمعُ منها صوتُ المَعازفِ والمَلاهي - : " اُدخُلْ عَليهم بغير إذنِهم ؛ لأن النهي عن المُنكر فرضٌ ، لو لم يَجُزْ الدخولُ بغير إذنٍ لامْتَنَعَ الناسُ من إقَامَةِ الفَرضِ " .
قال الإمام ابن القيم : " مذهبُ أبي حنيفة في ذلك من أشد المذاهب وقولهُ فيه أغلظ الأقوال ، وقد صرَّح أصحابهُ بتحريم سماع الملاهي كلها كالمزمار والدف ، حتى الضربَ بالقضيبِ ، وصرحوا بأنه معصيةٌ يوجبُ الفِسقَ وتُردُّ به الشهادةُ ، وأبلغُ من ذلكَ أنهم قالوا إن السماعَ فِسقٌ والتلذذُ بهِ كُفرٌ " . ( 28 )
* وقال إسحاق بنُ عيسى الطَّباع سألتُ مالكَ بن أنس عن ما يترخصُ فيه أهل المدينة من الغِناء ؟ فقال : " إنما يفعلهُ عِندنا الفُسَّاقُ " . ( 29 )
* ونهى الإمام مالك عن الغِناء وعن استماعه وقال : " إذا اشترى جاريةً مغنيةً كان لهُ ردُّها بالعيبِ " . ( 30 )
* وقال الإمام الشافعي : " الغِناءُ لهوٌ مكروه يُشبهُ الباطل ومن استكثرَ مِنهُ فهو سفيه تُرد شهادته " . ( 31 )
وقال أيضاً : " صاحب الجارية إذا جمع الناس لسماعها فهو سفيهٌ تُردُّ شهادتهُ " .
وقال أيضاً : " هو دِياثةٌ " .
قال الإمام طاهر الطبري في بيان معنى كلام الشافعي السابق : " وإنما جعل صاحبها سفيهاً ؛ لأنه دعا الناس إلى الباطل فكانَ سَفيهاً فاسقاً " . ( 32 )
* وقال الشافعي أيضاً : " خَلَّفتُ بالعراقِ شيئاً أحدثَهُ الزنادقة يُسمونهُ التَّغْبِـيْر ، يُشغلونَ به الناس عن القرآن " . ( 33 )
* قال الإمام ابن رجب: " سماع القصائد الرقيقة المتضمنة للزهد والتخويف والتشويق ، فكان كثير من أهل السلوك والعبادة يستمعون ذلك وربما أنشدوه بنوعٍ من الألحان استجلاباً لترقيق القلب بها ، ثم صار منهم من يضرب مع إنشادها على جلدٍ ونحوهِ بقضيبٍ وكانوا يُسمون ذلك التَّغبِـير " . ( 34 )
* وقال الشافعي : " لا يجوز الغناءُ ولا سماعُهُ ولا الضرب بالقضيب " . ( 35 )
* قال الإمام البيهقي: " الرجلُ يُغَنِّي فيَتخِذِ الغِنَاءَ صِنَاعةً لهُ يُؤتى عليهِ ويُؤتى لهُ ويكونُ مَنسوباً إليهِ مَشهوراً بهِ مَعروفاً أو المرأة ، قال الشافعي : " لا يجوز شهادةُ واحدٍ منهما ؛ لأنهُ من اللهو المكروه الذي يُشبهُ البَاطلَ ، فإن من فعلَ هذا كانَ منسوباً إلى السَّفَهِ ، ومَن رضيَ هذا لِنفسِهِ كانَ مُستَخِفَّـاً " . ( 36 )
* قال ابن الجوزي: " وقد كان رؤساءُ أصحاب الشافعي رضي الله عنهم يُنكرون السماع ، وأما قُدماءُهم فلا يُعرف بينهُم خِلافٌ ، وأما أكابر المتأخرين فعلى الإنكار قال القاضي أبو بكر الشامي الشافعي : " لا يجوز الغناء ولا سماعه ولا الضربُ بالقضيب ، ومن أضاف إلى الشافعي هذا فقد كذب عليه " فهذا قولُ عُلماء الشافعية وأهل التدين منهم ، وإنما رخَّصَ في ذلكَ من متأخريهم من قلَّ عِلمُهُ وغلبهُ هواهُ " . ( 37 )
* وقد سُئلَ إمامُ الشافعيةِ في زمانهِ العزُّ بنُ عبدالسلام سؤالاً هذه صُورتُهُ : " هل بين العلماءِ رضي الله عنهم خِلافٌ في أن مجموع ( هذه الآلات ) الدفَّ المجلجلِ ، والشَّبابةَِ ، والغِناءَ المتضمنَ تشبـيباً من شخص أمرد جميلِ الشكل محرم منهي عنه مُعاقب عليه أم ؟ " .
فأجاب : " لا يُقدمُ على هذا السماع إلا غَبيٌّ فاجِرٌ قد غَلبَهُ هواهُ وعصى مولاهُ " . ( 38 )
* وقال الإمام أحمد : " الغِناءُ يُنبتُ النفاق في القلب لا يُعجبني " .
وقال أيضاً : " التغبـير بدعةٌ " فقيل له إنه يرقق القلب . فقال : هو بدعةٌ " . ( 39 )
* وسُئل الإمامُ أحمدُ عن رجلٍ ماتَ وتركَ ولداً وجاريةً مغنيةً ، فاحتاج الصبي إلى بيعها . فقال : " لا تُباع على أنها مُغنيةٌ " فقيل له : إنها تُساوي ثلاثين ألفَ دِرهم ، ولعلها إذا بيعت ساذجة تُساوي عشرين ديناراً . فقال : " لا تُباع إلا على أنها ساذجة " . ( 40 )
قال ابن الجوزي : " وهذا دليلٌ على أن الغِناءَ محظورٌ ؛ إذ لو لم يكُن محظوراً ما أجاز تفويتَ المالَ على اليتيم " . ( 41 )
* وذكر الإمام الآجُرِّيُّ إجماع العلماء على تحريم الغِناء . ( 42 )
* وقال الإمام الحكيم الترمذي : " الغِناءُ مُهيِّجٌ للنفُوسِ الأمَّارةِ بالسوءِ ، الدَّاعيةِ إلى ركونِ الدنيا وشَهَواتِها ، المُلهيةِ عن ذِكرِ اللهِ ، وعَن ذِكرِ ما أعدَّهُ " . ( 43 )
* وقال الإمام ابن الصلاح : " فليُعلم أن الدفَّ والشَّبَابةَ والغِناءَ إذا اجتمعتْ فاستماع ذلك حرامٌ عِندَ أئمة المذاهبِ وغيرهم من علماء المسلمينَ ، ولم يثبُت عن أحد ممن يُعتدُّ بقولهِ في الإجماع والاختلاف أنه أباح هذا السماع ... ومَن نسَبَ إباحتَهُ إلى أحدٍ يجوزُ الاقتداءُ بهِ في الدين فقد أخطأ " . ( 44 )
* وقال الإمام ابن القطان الفاسي : " والغناء الذي يتغنَّى بهِ الفُسَّاق وهو الغِناءُ المَنهي عنهُ مذموم عند الجميع " . ( 45 )
* قال الإمام ابن الجوزي : " اعلم أن سماعَ الغِناءِ يجمعُ شيئينِ : أحدهما : أنهُ يُلهي القلبَ عن التفكُّر في عظمةِ اللهِ سبحانَهُ والقيام بخدمتهِ ، والثاني : أنهُ يُميلُهُ إلى اللذاتِ العاجِلَةِ التي تدعوا إلى استيفائها مِن جَميعِ الشهواتِ الحِسِّيةِ ومُعظمها النكاحُ وليسَ تَمامُ لذَّتِهِ إلا في المُتجدِّدات ، ولا سبيل إلى كثرة المُتجدِّداتِ مِنَ الحِلِّ ؛ فلذلكَ يَحُثُّ على الزنا ، فبينَ الغِناءِ والزنا تناسبٌ من جهة أن الغِناءَ لذةُ الروحِ ، والزِّنا أكبرُ لذاتِ النفسِ ، ولهذا جاء في الحديث : الغِناءُ رُقيةُ الزنا " . ( 46 )
* وقال ابن تيمية : " قد عُلمَ بالاضطرار من دين الإسلام أنَّ النبيَّ لم يشرع لصالحي أمته وعُبَّادِهم وزهَّادِهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات المُلحنة ، مع ضرب بالأكف أو ضربٍ بالقضيبِ أو الدفِّ ، كما لم يُبح أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة ، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره لا لِعامِّيٍّ ولا لِخاصٍّ " . ( 47 )
* قال الإمام ابن رجب : " الثابتُ عن الصحابة رضي الله عنهم ذمَّ الغِناء وآلات اللهو ، وقَد رُويَ ما يُوهِمُ الرُّخصةَ عَن بَعضِهِم وليسَ بمُخالِفٍ لهذا فإنَّ الرُّخصةَ إنما ورَدَت عنهُم في إنشَادِ أشعَارِ الأعرابِ عَن طريقِ الحُداء ونحوهِ مما لا محذُورَ فيهِ " . ( 48 )
وقد أحسنَ القائلُ :
تُليَ الكِتابُ فأطرقوا لا خيفـةً ... لكنَّـهُ إطـراقُ سـاهٍ لاهِـيْ
وأتى الغِناءُ فكالحَميْرِ تنَاهَقوا ... واللهِ مَا رَقَصـوا لأجـلِ اللهِ
دُفٌّ ومِزمَارٌ ونَغمَـةُ شَـادِنٍ ... فمتى رأيتَ عِبَـادَةً بمَلاهِـيْ
ثَقُلَ الكِتَابُ عَليْهُـمُ لمَّـا رأوا ... تَقييـدَهُ بأوامـرٍ ونـواهِـيْ
سَمِعُوا لهُ رَعْداً وبَرقَاً إذ حوى ... زجْراً وتَخْوِيفاً بِفِعْلِ مَنَاهِـيْ
وراوهُ أعظَمَ قَاطِعٍ للنَّفسِ عَن ... شَهَواتِهَا يَا ذبحهَـا المُتَنَاهِـيْ
وأتى السَّمَاعُ مُوافِقاً اغرَاضَهَا ... فلأجلِ ذاكَ غّدَا عَظِيْمَ الجَـاهِ
وقال آخر :
برئنا إلى الله من مَعشَـرٍ ... بهِم مَرَضٌ مِنْ سَمَاعِ الغِنَا
وَكَمْ قُلتُ يا قَومِي أنتُمْ عَلى ... شَفَا جُرُفٍ مَا لَهُ مِنْ بِنَـا
شَفَا جُـرُفٍ تَحتَـهُ هُـوَّةً ... إلى دَرَكٍ كَمْ بهِ مِنْ عَنَـا
وتِكرارُ ذا النُّصحِ مِنَّا لَهُمْ ... لِنُعذرَ فيهِـمْ إلـى رَبِّنَـا
فلمَّـا استَهَانُـوا بتَنبِيْهِنَـا ... رَجعنَا إلى اللهِ في أمرِنَـا
فَعِشنَا على سُنَّةِ المُصطَفى ... ومَاتـوا عـلـى تَنتَـنَـا
وما أحسن ما قاله بعض العلماء وقد شاهدَ هذا وأفعالهم :
ألاَ قُلْ لهُم قَولَ عَبدٍ نَصُـوحْ ... وَحَقُّ النَّصِيحَـةِ أنْ تُستَمَـعْ
مَتى عَلِمَ النَّـاسُ فـي دِينِنَـا ... بـأنَّ الغِنـا سُنَّـةٌ تُتَّـبَـعْ
وأنْ يَأكُل المَرءُ أكلَ الحِمَـار ... وَيَسقُطَ في الجَمعِ حَتَّى يَقَـعْ
وقالوا سَكِرنَا بحُـبِّ الإلـهِ ... ومَا أسْكَرَ القَومَ إلا القِصَـعْ
كَذاكَ البهائـمُُ إنْ أُشْبِعَـت ... ْيُرقِّصُهَـا رِيُّهَـا والشِّـبَـعْ
ويُسكِرُهُ النَّـايُ ثـمَّ الغِنَـا ... و ( يَسٌ ) لو تُلِيَتْ ما انصَدَعْ
فيـا لِلعُقُـولِ ويـا لِلنُّهـى ... ألا مُنْكِـرٌ مِنـكُـمُ للـبِـدَعْ
وقال الآخر :
فدَعْ صَاحِبَ المِزمَارِ والدُّفِ والغِنَا ... ومَا اختَارَهُ عَن طاعـةِ الله مَذهبَـا
ودَعْهُ يَعِشْ فـي غَيِّـهِ وضَلالـهِ ... على تَنتَنَـا يَحيَـا ويُبعَـثُ أشيَبَـا
وفي تَنتَنَـا يَـومَ المَعَـادِ نجَاتُـهُ ... إلى الجنَّةِ الحَمراءِ يُدعَـى مُقرَّبَـا
سَيَعلمُ يَومَ العَـرضِ أيُّ بضَاعَـةٍ ... أضَاعَ وعِندَ الوَزنِ مَا خَفَّ أو رَبَا
ويَعلمُ مَـا قـد كَـانَ فيـهِ حَياتُـهُ ... إذا حَصَلـتْ أعمَالُـهُ كُلَّهـا هَبَـا
دَعَاهُ الهُدَى والغَيُّ من ذا يُجِيبُـهُ ؟ ... فقالَ لِدَاعِيْ الغَـيِّ أهـلاَ ومَرحَبَـا
وأعرضَ عن دَاعي الهُدى قائلاً لَهُ : ... هَوَايَ إلى صوتِ المعَازِفِ قَد صَبَا
* وقَد ذكرَ الإمامُ ابن القيم للغناء أربَعةَ عَشَر اسماً قبيحاً وبيَّنَ كل واحد منها في فصل خاص ذكرَ فيهِ أدلة كل اسم منها ومعناه .
فقال رحمه الله : " هذا السَّمَاعُ الشيطاني المُضادُّ للسَّمَاعِ الرَّحماني . لهُ بِضعَة عَشرَ اسماً : اللهو ، واللغو ، والباطل ، والزور ، والمُكاء ، والتصدية ، ورُقية الزنَا ، وقُرآن الشيطان ، ومَنبَتُ النفاقِ في القلب ، والصوتُ الأحمق ، والصوتُ الفاجر ، وصوت الشيطان ، ومَزمُر الشيطان ، والسُّمُود " .
أسماؤهُ دّلَّتْ عَلى أوصَافِهِ ... قُبحَاً لِذيْ الأسمَاءِ والأوصَافِ
فنذكُرُ مَخَازيَ هذه الأسمَاء ، ووقوعُها عليهِ في كلامِ اللهِ وكَلامِ رَسُولهِ، والصَّحَابَةُ، ليَعلمَ أصحَابُهُ وأهلُهُ بما بهِ ظَفَروا، وأيُّ تِجَارَةٍ رَابِحَةٍ خَسِرُوا ". ( 49 )
* قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :" وكم قد فَتنَتْ الأصواتُ بالغِنَاء مِن عَابِدٍ وزاهِدٍ وقد ذكرنَا جُملَةً مِن أخبارِهِم في كِتَابِنَا المُسمَّى بذَمِّ الهَوَى " . ( 50 ) أهـ .
إذا كان هذا فعلها بالعابد والزاهد فكيف بمن أقل منهم عبادةً وزهداً ، هذا في ذلك الزمن الذي بيننا وبينه أكثر من 1000 سنة ، فماذا نقول عن الناس في زمننا هذا ؟؟
* قال الإمام العلامة محمد بن أبي بكر الطرطوشي المالكي في وَصفِ الغِنَاء وآثاره القبيحة السيئة : " فأنهُ صِنْوُ الخَمرِ ، ورضِيعُهُ ، وحَليفُهُ، ونَائبُهُ ، وهو جاسُوسُ القُلوبِ ، وسَارقُ المرؤةِ والعُقُولِ ، يتغَلغَلُ في مَكَامِنِ القُلوبِ ، ويَطلعُ على سَرائرِ الأفئدةِ ، ويَدُبُّ إلى التَّخَيُّلِ فيُـثيرُ ما غُرَزَ فِيهَا من الهَوى والشهوةِ والسَّخَافةِ والرُّعُونةِ ... فيستحسِنُ مَا كَانَ قبلَ السَّمَاعِ يَستقبِحُهُ ، ويُبدِي مِن أسراره ما كان يَكتُمُهُ وينتقِلُ مِن بهَاءِ السُّكُونِ إلى كثرةِ الكلامِ والكذبِ والزَّهْزَهةِ والفَرقعَةِ بالأصابعِ فيميلُ برأسهِ ويّهُزُّ بمَنكِبيهِ ، ويَدُّقُّ الأرضَ برجليهِ ، وهكذا تفعلُ الخَمرَةُ إذا مالت بشاربها " . ( 51 )
أدلة تحريم الغِناءِ من كتاب اللهتعالى :
الدليل الأول :
قوله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليُضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهُم عذاب مُهين ) [ سورة لقمان آية 6 ] .
قيل إنها نزلت في رجل مِن قُريش اشترى جاريةً مُغنيةً فشُغل الناسُ بِلَهْوِهَا عن استماع النبي صلى الله عليه وسلم . ( 52 )
وروى ابن جرير الطبري بسنده إلى ابن عباس في قوله : ( ليُضلَّ عن سبيلِ اللهِ ) قال : " سبيل الله : قراءة القرآن وذكر الله إذا ذكره ، وهو رجلٌ مِن قُريش اشترى جارية مغنية " . ( 53 )
وعن أبي أمامةقال : قال : ( لا يَحِلُّ بَيعُ المُغنِّياتِ ولا شراؤهنَّ ولا التِّجارةُ فيهنَّ ، ولا أثمَانِهِنَّ ، وفيهنَّ نزلتْ هذه الآية ) . ( 54 )
وقد فسِّرَ جمعٌ من أهل العلم قوله : ( لهو الحديث ) بأنه الغناء والاستماع له .
* قال ابن مسعود : " هو الغناء ، والله الذي لا إله إلا هو " يرددها ثلاث مرات . ( 55 )
* وقال أبو الصهباء : " سألت ابن مسعود عن قول الله تعالى : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) فقال : هو الغِناءُ والاستماعُ إليهِ " . ( 56 )
* ونقل القرطبي عن عبدالله بن عُمر أن قال : " الغناء " . ( 57 )
* وقال ابن عباس : " هو الغِناءُ وأشبَاهُهُ " . وفي رواية عنه : " هو الغِناءُ الاستماعُ إليهِ " .
( 58 )
* وقال جابر بن عبدالله : " هو الغِناءُ والاستماعُ إليهِ " . ( 59 )
* وقال مجاهد : " الغناء " . ( 60 )
* وقال محكول : " من اشترى جاريةً ضَرَّابةً ليمسكها لِغِنائها وضَربِها مقيماً عليه حتى يموت لم أُصَلِّ عليه ؛ لأن الله يقول : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ... ) الآية " . ( 61 )
* وقال عكرمة : " الغناء " . ( 62 )
* وقال عطاء الخُراساني : " الغناء والباطل " . ( 63 )
* وقال قتادة : " هو الغناء " . ( 64 )
* قال الإمام البغوي : " وعن سعيد بن جُبير قال : " لهو الحديث هو الغناءُ والآية نزلت فيه " . ( 65 )
* وقال الحسن البصري : " نزلت هذه الآية : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) في الغناء والمزامير " . ( 66 )
* ونقل القرطبي عن ميمون بن مهران أنه قال : " الغناء " . ( 67 )
* ونقل ابن كثير عن عمرو بن شعيب وعلي بن بذيمة أنهما قالا : " الغناء " . ( 68 )
* وقال الإمام ابن العربي المالكي : " هو الغِناءُ وما اتصل به " . ( 69 )
* وقال الإمام ابن عطية : " ولهو الحديث كل ما يُلهي من غِناءٍ وخَنَىً ونحوِهِ " . ( 70 )
وأما معنىالآية :
* فقال شيخ المفسرين الإمام الطبري في تفسيره : " عَنَى بهِ كُلَّ ما كَانَ مِن لهوِ الحديثِ مُلهياً عَن سَبيلِ اللهِ، مِمَّا نَهى اللهُ عَن استماعِهِ أو رسولُهُ لأن الله تعالى عَمَّ بقولهِ : ( لَهوَ الحَديثِ ) ولم يُخصص بعضاً دونَ بَعضٍ ، فذلكَ على عُمومِهِ حتى يأتي ما يدل على خُصُوصِهِ ، والغِناءُ والشركُ من ذلك " . ( 71 )
* وقال الإمام البغوي : " ومعنى قوله : ( يشتري لهو الحديث ) أي : يستبدلُ ويختارُ الغِناءَ والمزاميرَ والمعازفَ على القرآن " . ( 72 )
* وقال الإمام الحكيم الترمذي : " فإذا كان الغِناءُ لهواً يُضلُّ عن سبيل الله ، فتعليم الصبيان فسادٌ لهُم ، وكذلك المُغنية ، وإنَّما تُعلَّمُ ليرتفع ثمنهُا عند أهل الريب والفساد ؛ لأنهم يبغونَ بها نَصيبَ النفس " . ( 73 )
* وقال الإمام أبو عُمر البغدادي المشهور بغلام ثعلب : " لهوَ الحدِيثِ : أي غناءُ المُغنيات " . ( 74 )
* وقال الإمام القرطبي : " ولهو الحديث الغناء .. وهذا أعلى ما قيل في هذه الآية " . ( 75 )
الدليل الثاني:
قوله تعالى لإبليس : ( واستفزز من استطعت منهم بصوتك ... ) الآية . [ سورة الإسراء 64 ]
قال جمع من أهل العلم بالتفسير ، إنَّ المرادَ بقولهِ : ( بصوتك ) اللهوُ والغِناءُ والمَعازفُ والمَزاميرُ .
* روي عن مجاهد أنه قال : " باللهوِ والغِناءِ " . ( 76 )
ورويَ عنه أيضاً أنه قال : " استـَنزِلْ مَن استطعتَ مِنهم بالغِناءِ والمَزاميرِ واللهوِ والبَاطلِ " . ( 77 )
* ورويَ عن الضحاك أنه قال : " صوت المزمار " . ( 78 )
* ورويَ عن الحسن البصري أنه قال : " هو الدُّفُ والمِزمَارُ " . ( 79 )
ومعنى الآية:
* قال الإمام ابن عطية : " والصوتُ هنا : قيل هو الغناءُ والمزاميرُ والملاهي ؛ لأنها أصواتٌ كُلُّها مُختصةٌ بالمعاصي فهي مُضافةٌ إلى الشيطانِ " . ( 80 )
* وقال الإمام القرطبي : " في الآية ما يدُلُّ على تحريم المزامير والغناء واللهو ... وما كان من صوتِ الشيطانِ أو فِعلهِ وما يستحسنُهُ فواجبٌ التنزهُ عنهُ " . ( 81 )
* وقال الإمام محمد الأمين الشنقيطي : " أي استخِفَّ من استطعت أن تستخِفَّهُ منهم باللهو والغناء والمزامير " . ( 82 )
الدليلالثالث:
قوله تعالى : ( والذين لا يَشهدُونَ الزورَ وإذا مرُّوا باللغو مرُّوا كِرامَاً ) [ سورة الفرقان آية 72 ]
ذكر جمعٌ من أهل العلم أن المراد ( بالزور ) هو الغِناءُ .
* قال مجاهد : " لا يسمعون الغناء " . ( 83 )
* وقال محمد بن الحنفية : " اللهو والغِناء " .
* وقال أبو الجحاف : " إنه الغِناء " . ( 84 )
وأما المعنى:
* فقال الإمام ابن جرير الطبري : " وأصل الزور تحسينُ الشيءِ ووصفهُ بخلافِ صِفَتِهِ حتَّى يُخيَّلُ إلى مَن يَسمعُهُ أو يَراهُ أنَّهُ خِلافُ مَا هو بهِ ، والشرك قد يَدخُلُ في ذلكَ ؛ لأنهُ مُحَسَّنٌ لأهلهِ حتى قد ظنُّوا أنهُ حَقٌّ وهو باطِلٌ ، ويَخُلُ فيهِ الغِناءُ ؛ لأنهُ أيضاً مما يُحسِّنُهُ تَرجيعُ الصوتِ حتى يستحلي سَامِعُهُ سَمَاعَهُ ،والكَذِبُ قد يدخُلُ فيهِ لِتَحسينِ صَاحِبُهُ إياهُ حتى يظنُّ صاحِبُهُ أنهُ حَقٌّ ، فكُلُّ ذلكَ مما يدخُلُ في معنى الزُّورِ ، فإذا كانَ كذلكَ فإن أولى الأقوال بالصوابِ في تأويلهِ أن يُقالَ : والذين لا يشهدونَ شيئاً من الباطلِ لا شركاً ولا غِناءً ولا كذبَاً وكلَّ ما لزمهُ اسم الزُّور " . ( 85 )
الدليلالرابع :
قوله تعالى : ( أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون ) [ سورة النجم آية 61 ]
قوله : ( سامدون ) فسَّرَه بعضُ الأئمةِ باللهو والغِناء ، فقال أي : مغنون من السُّمُودِ وهو الغِناءُ .
* قال ابن عباس : " لاهون " ، وقال أيضاً : " هي يمانية اُسْمُِد تَغّنَّ لنا " .
وقال : " هو الغِناء ، وهي يمانية ، يقولون : اُسْمُد لنا : تغنَّ لنا " . وقال : " السَّامِدُونَ المغنون بالحميرية " . ( 86 )
* وقال مُجاهد : " السُّمودُ هو الغِناءُ بلُغةِ حِمْـيَر ، يقولون : يا جارية اُسْمُدِي لنا : أي غَنِّي " . ( 87 )
* وقال عكرمة : " هو الغِناءُ بالحميرية " . ( 88 )
* وقال أبو عُبيدة : " هو الغِناءُ ، كانوا إذا سمعوا القرآن تّغَنَّوا ، وهي لُغة حِمْـيَر " . ( 89 )
* وقال الضحاك : " السُّمُود : اللهو واللعب ". ( 90 )
أما معنى الآية:
* فقال ابن جرير الطبري : " يقولُ تعالى ذِكرُهُ لِمُشركي قُريش : أفِمن هذا القُرآن أيها الناسُ تَعجبونَ أنْ نَزَلَ على مًحمدٍ صصص ، وتضحكونَ مِنهُ استهزاءً ، ولا تبكونَ مما فيهِ مِنَ الوعيدِ لأهلِ معاصي اللهِ وأنتم من أهلِ معاصيهِ ( وأنتم سامدون ) يقول : وأنتم لاهون عما فيه مِنَ العِبر والذكر مُعرضونَ عن آياتهِ ، يُقال للرجلِ : دَعْ عنَّا سُمُودَكَ ، يُرادُ بهِ : دَعْ عنَّا لهوكَ ، يُقال مِنهُ : سَمَدَ فلانٌ يَسْمُدُ سُمُوداً . وبنحو الذي قُلنا قال أهل التأويل وإن اختلفت ألفاظهم بالعبارة ، فقال بعضهم : غافلون ، وقال بعضهُم : مُغّنُّون ، وقال بعضُهم : مبرطمون " . ( 91 )
* وقال الإمام ابن عطية : " والسَّامِدُ : اللاعبُ اللاهِي ، وبهذا فسره ابن عباس وغيره من المفسرين ، وقال الشاعر :
قِيلَ قُمْ فانظرْ إليهِم ... ثمَّ دَعْ عنكَ السُّمُودَ
وسَمَدَ بِلُغةِ حِمْـيَرْ غّنَّى ، وهو معنىً كُلُّهُ قريبٌ مِن بعضٍ " . ( 92 )
المبحث الرابع: آلات اللهو من المعازف والمزامير والطبول ونحوها .
أجمع كُلُّ من يُعتَدُّ بقولهِ مِن أهل العلم الراسخين أن آلات اللهو من المعازف والمزامير والطبول ونحوها من المحرمات ، ومِن أساب الفساد والهلاك المستوجبة للعذاب .
* قال ابن حجر : " الكَبيرة السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والأربعون ، والخمسون والحادية والخمسون بعد الأربعمائةِ : ضربُ وَتَرٍ واستمَاعُهُ ، وزَمْرٍ بمزمَارٍ واستماعُهُ ، وضَربٌ بكُبةٍ واستماعها "
* وقال أيضاً : " يَحرمُ ضربَ واستماعَ كُلَّ مُطْربٍ كطنبُورٍ وعُودٍ وربَابٍ وجَنْكٍ وكمنجةٍ ودريج وصَنجٍ ومِزمَارٍ عراقي ويَراعٍ وهو الشَّبابَةُ وكُوبةٍ ، وغيرِ ذلكَ مِنَ الأوتَارِ والمعَازفِ " . ( 93 )
فانظر أخي المسلم كيفَ كانت هذه الأفعال القبيحة – من الغناء وآلات اللهو - كل واحدة منها كبيرة من كبائر الذنوب .
* وقال الإمام الواحدي في قوله تعالى : ( لهو الحديث ) : " ويدخُل في هذا كُلُّ مَن اختار اللهو ، والغِناء ، والمَزاميرَ والمعازفَ على القرآن ، وإن كان اللفظ قد وردَ بالشراء ، فلفظُ الشراء يُذكرُ في الاستبدال والاختيار ، وهو كثيرٌ في القرآن ، ويدلُّ على هذا ما قالهُ قتادةُ في هذه الآية : لعَلَّهُ أن لا يكونَ أنفقَ مالاً . وبِحَسبِ المرءِ مِن الضلالةِ أن يختَارَ حَديثَ البَاطِلِ على حديث الحقِّ " . ( 94 )
فانظر يا أخي كيف بـين هؤلاء العلماء الراسخين أن أهل الغِناء قد اختاروا الباطلَ والضلالة على الحق والهدى من كتاب الله تعالى وسُنةِ نبيه صلى الله عليه وسلم ، فكفاهم ذلك شراً وخُسراناً .
* وقال الإمام أبو العباس القرطبي : " أمَّا المَزامِيرُ والأوتَارُ والكُوبةُ فلا يُختَلِفُ في تحريمِ استماعِهَا ، ولَم أسمع عَن أحدٍ مِمَّن يُعتَبرُ قولُهُ مِنَ السَّلفِ وأئمةِ الخَلَفِ مَن يُبيحُ ذلكَ ، وكيفَ لا يَحرمُ وهو شِعَارُ أهلِ الخُمورِ والفُسُوقِ ومُهيِّجِ الشَّهَواتِ والفَسَادِ والمُجُونِ ؟ ومَا كَانَ كَذلِكَ لَمْ يُشَك في تَحريِمهِ ولا تَفسقِ فاعِلهِ وتأثيمِهِ " . (95 )
وأما الأدلة على ذلك من السنة النبوية باختصار :
الدليل الأول:
ما رواهُ أبو عامر – أو أبو مالك – الأشعريقال : سمعت رسول الله يقول : ( ليكونَنَّ أقوامٌ من أمتي يَستحلِّونَ الحِرَّ والحَريرَ والخَمرَ والمعَازفَ ، ولينزلنَّ أقوامٌ إلى جَنبِ علمٍ يروحُ عليهِم بسارحةٍ لهُم يأتيهِم لحَاجَةٍ ، فيقولوا : ارجع إلينا غداً ، فيُبيِّـتُهمُ اللهُ ويَضعُ العَلمَ ويَمسخُ آخرينَ قِردَةً وخنَازيرَ إلى يوم القيامة ) أخرجه البخاري والبيهقي وأبو داوود وغيرهم . ( 96 )
الدليل الثاني:
ما رواه أبو مالك الأشعري عن النبى قال : ( لَيشرَبنَّ ناسٌ مِن أمَّتي الخَمرَ يُسمُّونها بغير اسمهِا يُعزَفُ على رؤوسهم بالمعَازفِ والمُغنِّياتِ ، يخسِفُ الله بهِمُ الأرضَ ويَجعلُ مِنهمُ القردَةَ والخنازير ) أخرجه ابن ماجه وصححه ابن حبَّان وأبو داود مختصراً .( 97 )
* قال ابن القيم عن هذا الحديث : " هذا إسنادٌ صحيح " وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة . ( 98 )
الدليلالثالث :
ما رواهُ أبو أمامةَ عن النبي قال : ( تَبيتُ طائفةٌ مِن أمَّتي على أكلٍ ولهوٍ وشُربٍ ، ثمَّ يُصبحونَ قِردةً وخنازيرَ، وتُبعثُ على حَيٍّ مِن أحيائهمْ رِيحٌ فَتَـنسِفُهُمْ كمَا تَـنسِفُ مَن قبلَهُم باستحلالهم الخمورِ ، وضربهم بالدُّفوفِ واتخاذهِمُ القيِنَاتِ ) أخرجه الإمام أحمد والحاكم وقال: صحيح على شرط مسلم . ( 99 )
الدليل الرابع:
ما رواه ابن عباس : أن النبي قال لوفد عبد القيس : ( إن الله حَرَّمَ على أو حَرَّمَ الخَمرَ والمَيسرَ والكُوبَةَ ) رواه الإمام أحمد وأبو داود . ( 100 )
ورواه أيضاً عبدالله بن عَمرو: ( أن نبيَّ اللهِ نهى عن الخَمرِ والمَيسرِ والكُوبةِ ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود . ( 101 )
* والكوبةُ هي الطبل .
الدليلالخامس:
ما رواهُ جابر بن عبدالله عن النبي أنه قال : ( إنما نُهيتُ عَن صَوتينِ أحمَقينِ فاجِرَينِ : صوتُ عِندَ نَغمَةِ لَهوٍ وَلَعبٍ ومَزاميرِ الشيطانِ ، وصوتُ مُصيبةٍ لَطم الخُدودِ وَشّقُّ الجُيوبِ ودُعَاءٍ بِدعوى الجاهليةِ ) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن . ( 102 )
* ولقد قال الحسن بن علي بن أبي طالبٍ : " صوتان ملعونان : مِزمارٌ عند نغمةٍ ، ورنةٌ عِندَ مُصيبةٍ . وقال : وذكرَ الهُ المؤمِنينَ فقال : ( وفي أموالهم حقٌّ مَعلومٌ للسَّائلِ والمحروم ) وجعَلتُم أنتم في أموالِكُم حقَّاً معلوماً للمُغنِّيةِ عندَ النغمةِ ، وللنائحةِ عِندَ فاجرينَ عِندَ المُصيبةِ " . أخرجه ابن أبي الدنيا . ( 103 )
الدليل السادس:
ما رواه نافعٌ قال : " كُنا معَ ابنِ عُمرَ في سَفرٍ فسَمِعَ صوتَ زامِرٍ ، فوضعَ إصبَعيهِِ في أذنَيهِ وعَدلَ عنِ الطريقِ ، ثم قالَ : " يا نافعُ أتسمعُ ؟ " فأقولُ : نعم ، حتى قلتُ : لا " فرفع يديهِ وأعادَ راحِلتَهُ إلى الطريقِ ثمَّ قالَ: ( هكذا رأيتُ رسول الله فعل ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود . ( 104 )
* قال الإمام ابن رجب : " هذا الحديث يرويهِ سُليمان بن موسى الفقيه الدمشقي ، عن نافع ، وقد اختلفوا في سُليمان فوثقهُ قومٌ وتكلَّمَ فيهِ آخرون ، وتابعهُ عليه المُطعمُ بنُ المِقدام فرواه عن نافع أيضاً ، خرج حديثه أبو داود ، والمُطعم هذا ثقةٌ جليل ، وتابعهما أيضاً ميمون بنُ مهران ، عن نافعٍ ، خرَّجَ حديثَهُ أبو داود أيضاً " . ( 105 )
الدليل السابع:
ما رواه أبو هريرة أنه قال : ( نهى رسول الله عَن ثمنِ الكَلبِ وكَسب الزمَّارَة ) رواه البغوى وحَسَّنه . ( 106 )
* قال الإمام التوربشتي : " قال أبو عُبيد : إنها الزانية ، ونقل الهَروي عن الزُّهري أنه قال : نهىَ عَن كَسب المرأة المُغنية ، يُقال : غِنَاءٌ زَمِيرٌ : أي حَسنٌ ، ويُقال : زَمَرَ إذا غَنَّى ، وزمَرَ الرَّجُلُ : إذا ضَرَبَ المِزمَارَ فهو زَمَّار ، ويُقال للمرأةِ : زَمَّارةٌ ، ويُحتَملُ أن يكونَ تَسمِيةُ الزانيةِ زمَّارةٌ ؛ لأنَّ الغَالبَ على الزَّواني اللاتي اشْتَهرنَ بذلك العمل الفاحِشِ واتَّخَذنَهُ حِرفَةً كُونُهُنَّ مُغَنِّيات " . ( 107 )
الدليل الثامن:
ما رواهُ أبو هُريرةَ أن النبيَّ قال : ( الجَرسُ مَزامِيرُ الشيطانِ ) أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي . ( 108 )
وعنه أيضاً قال: قالَ رسول الله : (لا تَصحًبُ الملائكةُ رُفقةً فيها كلبٌ أو جَرسٌ ) أخرجه مسلم وأبو داود والترمذي . ( 109 )
وفي روايةٍ أم المؤمنينَ أم سلمةَ رضي الله عنهُا قالَت : سَمعتُ النبيَّ يقول : ( لا تَدخلُ الملائكةُ بيتَاً فيهٍ جَرسٌ ولا تَصحًبُ الملائكةُ رُفقةً فيها جَرسٌ ) رواه النَّسائي . ( 110 )
* فإذا كان الجرسُ مِزمَارَ الشيطان ، فكذلكَ المعازفُ وآلاتُ اللهوِ والطربِ التي هي أعظم منه من أعظم مزامير الشيطان كما بين ذلك العُلماء .
وإذا كانت الملائكةُ لا تدخل بيتاً فيه جرس ، ولا تصحبُ رِفقةً فيها جَرس ، فالمعَازف وآلات الطربِ واللهوِ التي هي أشد وأعظم كذلك .
* وقد عَدَّ الأمامُ محيي الدين ابن النحاس الشافعي سماع ذلك من الكبائر في كتابه تنبيه الغافلين في فصل ما اختارهُ جماعةٌ مِنَ العُلماءِ من الكبائر حيث قال : " ومنها سماعُ الأوتارِ والمعازف " .
* وقال أيضاً : " فصلٌ في ذكرِ شيءٍ مما يقعُ في النكاحِ ، وبَعدَهُ من البدَعِ والمُنكراتِ : ومنها ما يفعله أهل ديار مصر ويُسَمُّونهُ الشطورَ : وهو بدعةٌ يشتملُ على جُملةٍ مِنَ المُنكراتِ ... وحضورِ الأغاني بالآلاتِ المُحرمة " .
* وقال أيضاً : " فصلٌ في ذكر بعضِ ما ابتُدعَ في المَواسِمِ والأعيادِ ، قال ابن الحاج : ومِن جُملة ما أحدثوهُ مِن البدعِ – مع اعتقادهم أن ذلك من أكبر العبادات – ما يفعلونهُ في المولد وقد احتوى ذلكَ على بِدعٍ ومُحرَّماتٍ منها : استعمَالُهم الأغاني وآلات الطرب وحُضور المردان والشَّبَّابَاتِ ..." . ( 111 )
* وقد استحبَّ الإمام أحمد كسر آلات الطرب والمعازف إذا تأكد الإنسان من وجودها وقدرَ على كسرها .
سُئل الإمام أحمد : " عن الرجُلِ يَرى الطنبُورَ أو الطبلَ مُغطىً أيَكسِرْهُ ؟ فقال : إذا كان يُثبتْهُ أن طنبُورٌ أو طَبلٌ كَسرَهُ " . ( 112 )
* وبين الإمام أحمد أيضاً أن من كسر تلك الآلات فإنَّ لهُ فضلٌ ومأجور في ذلك ، ولو آذاهُ السلطان بمكروه فإنه يغبِطه على ذلك .
ففي سؤالات الإمام أبي داوود قال : " سمعتُ أحمدَ سُئل عن الطنبُورِ أو الطبلِ أو نحو ذلكَ واجِبٌ تغييرُهُ ؟ قال : " ما أدري ما واجبٌ ، إن غَـيَّرَ فَلَهُ فََضْـلٌ " قيل لأحمد : فإن أصابَهُ مِن قِبَلِ السلطانُ في ذلكَ مكروهٌ ترجوا أنْ يؤجَرَ ؟ فرأى لهُ فضلاً ، تكَلَّمَ بشيءٍ كأنَّهُ يَغبطهُ " . ( 113 )
فيا من اختار السماع الشيطاني من الأغاني وآلات اللهو المعازف وترك السماع الرحماني من القرآن الكريم وسنة سيد المرسلين ، لقد اخترت الفاني على الباقي ، وفضلت الأدنى على الذي هو خير وأعلى . فيا لخسارتك في الدنيا والآخرة . واعلم أنه لا يجتمعُ في قلبِ المسلمِ حبُّ القرآنِ وحُبُّ الغِناءِ . واعلم أن في الجنة غناءً ليس كغِناء أهل الدنيا المحرم ، كما أن فيها خَمراً ليس كخمر الدنيا ، فإن أردت سماع غناء الحور في الجنة فـَنَـزِّهْ سَماعكَ عَن غِناءِ أهلِ الدنيا الذي هو سبب للفساد وهجرٌ للقرآنِ وبُعدٌ عَن ذكرِ اللهِ تعالى .
قال الإمام الحَبرُ أبو بكر ابن القيم رحمه الله في نونيته : ( 114 )
نَزِّهْ سَمَاعَكَ إنْ أردتَّ سَمَاعَ ذيَّـ ... ـاكَ الغِنا عَـن هـذهِ الألحـانِ
لا تُؤثِرِ الأدنى على الأعلى فتُحْـ ... ـرَمُ ذا وذا يَـا ذِلَّـةَ الحِرمَـانِ
إنَّ اختيارَكَ للسَّمَاعِ النَّـازِلِ الـ ... ـأدنى على الأعلى مِنَ النُّقصَانِ
واللهِ إنَّ سَمَاعَهُم في القلبِ والـ ... ـإيمَانِ مِثلَ السُّمِّ فـي الأبـدَانِ
واللهِ ما انفَكَّ الذي هـوَ دَأبُـهُ ... أبداً مِـنَ الإشـراكِ بالرحمَـنِ
فالقلبُ بيتُ الرَّبِّ جَـلَّ جَلالُـهُ ... حُبَّاً وإخلاصاً مَـعَ الإحسَـانِ
فإذا تَعلَّـقَ بالسمـاعِ أصـارَهُ ... عَبـداً لكُـلِّ فُلانَـةٍ وفُــلانِ
حُبُّ الكِتابِ وحُبّ ألحَانِ الغِنـا ... في قَلبِ عَبدٍ ليـسَ يجتمِعَـانِ
ثَقُلَ الكِتابُ عَليهِـمُ لمَّـا رأوا ... تقييـدهُ بشَـرَائـعِ الإيـمـانِ
واللهْو خّفَّ عَليهِـمُ لمَّـا رأوا ... ما فيهِ مِن طَربٍ ومِن ألحَـانِ
قُوتُ النُّفُوسِ وإنَّمَا القُرآنُ قُـ ... ـوتُ القَلبِ أنَّى يَستوي القُوتَـانِ
يا لذَّةَ الفُسَّاقِ لسـتِ كلـذَّةِ ... الأبرارِ فـي عَقـلٍ ولا قُـرآنِ
أسأل الله تعالى أن يعصمَنا مِن الزلل ، ويوفقنا لخير القول والعمل ، ويثبت قلوبنا على دينه ، وسنة نبيه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
الحاشية
( 1 ) معجم مقاييس اللغة للإمام أحمد بن فارس ج 4 ص 397 – 398
( 2 ) تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي ج 3 ص 245
( 3 ) الصحاح للإمام أبي نصر الجوهري ج 2 ص 1779
( 4 ) غذاءُ الألبابِ شرح منظومة الآداب للإمام محمد السَّفَّارِيني ج 1 ص 157
( 5 ) نُزهة الأسماع في مسألة السماع للإمام ابن رجب ص 35
( 6 ) الرد على من يحب السماع ص 54
( 7 ) تفسير القرطبي ج 13 ص 78
( 8 ) نُزهة الأسماع في مسألة السماع للإمام ابن رجب ص 35- 38 باختصار
( 9 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 10 ) نُزهة الأسماع في مسألة السماع للإمام ابن رجب ص 86- 87 باختصار
( 11 ) الرد على من يحب السماع ص 54 باختصار
( 12 ) غذاءُ الألبابِ شرح منظومة الآداب للإمام محمد السَّفَّارِيني ج 1 ص 157
( 13 ) رواه الإمام أحمد في مسنده ج 3 ص 391 وابن ماجه في سننه : كتاب النكاح : باب الغناء والدف رقم 1900
( 14 ) رواه البخاري : باب غزوة خيبر ج 5 ص 166 ومسلم : كتاب الجهاد والسير : باب غزوة خيبر ج 3 ص 1427
( 15 ) نُزهة الأسماع لابن رجب ص 87
( 16 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 17 ) غذاءُ الألبابِ شرح منظومة الآداب للإمام محمد السَّفَّارِيني ج 1 ص 159
( 18 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 175
( 19 ) أخرجه أبو داود : كتاب الأدب : باب كراهية الغِناءِ والزَّمْرِ ج 4 ص 282 ، والبيهقي في السنن الكبرى : كتاب الشهادات ج 10 ص 223 ، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ص 73
( 20 ) أخرجه ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 181 ، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ص 75 ، والطبري في الرد على من يحب السماع ص 49
( 21 ) ذم الملاهي لابن أبي الدنيا ص 74
( 22 ) الرد على من يحب السماع للطبري ص 50
( 23 ) ذم الملاهي لابن أبي الدنيا ص 74
( 24 ) الرد على من يحب السماع للطبري ص 49
( 25 ) ذم الملاهي لابن أبي الدنيا ص 74 ، والرد على من يحب السماع للطبري ص 49
( 26 ) الرد على من يحب السماع للطبري ص 49
( 27 ) المصدر السابق للطبري ص 31
( 28 ) إغاثة اللهفان لابن القيم ص 231 – 232 باختصار
( 29 ) كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مسائل الإمام أحمد للخلال ص 32 ، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص 177
( 30 ) الرد على من يحب السماع للطبري ص 29 - 30
( 31 ) كتاب الأم للشافعي : كتاب الأقضية : باب شهادة القاذف ج 6 ص 514 – 515 ، والرد على من يحب السماع للطبري ص 27 ، وسنن البيهقي : كتاب الشهادات : باب الرجل يتخذ الغلام والجارية المغنيين ويجمع عليهما ويغنيان ج 11 ص 225
( 32 ) انظر الرد على من يحب السماع للإمام طاهر الطبري ص 28
( 33 ) أخرجه ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 177 ، وأبو نعيم في الحلية ج 9 ص 146 ، والبيهقي في مناقب الشافعي ج 1 ص 283
( 34 ) نزهة الأسماع للحافظ ابن رجب ص 86
( 35 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 178
( 36 ) السُنن الكبرى للبيهقي ج 10 ص 223
( 37 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 178 ، وانظر نُزهة الأسماع لابن رجب ص 80 - 81
( 38 ) الفتاوى الموصلية للعز بن عبدالسلام ص 84 – 85 باختصار
( 39 ) انظر تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 40 ) انظر غذاء الألباب للسَّفَّاريني ج 1 ص 163 ، وتلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 41 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 176
( 42 ) تحريم النرد والشطرنج والملاهي للآجُرِّي ص 39
( 43 ) كتاب المنهيات للحكيم الترمذي ص 107
( 44 ) فتاوى الإمام ابن الصلاح ص 300 باختصار
( 45 ) الإقناع في مسائل الإجماع ج 2 ص 304 رقم الإجماع 3989
( 46 ) تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 171
( 47 ) رسالة السماع والرقص لابن تيمية ص 25
( 48 ) نزهة الأسماع لابن رجب ص 70
( 49 ) إغاثة اللهفان لابن القيم ص 241 - 261
( 50 ) تلبيس إبليس ص 181
( 51 ) انظر كتاب تحريم السماع والغناء ص 197 ، وذكره العلامة السَّفَّاريني في شرح ثُلاثيات مسند الإمام أحمد ج 1 ص 819
( 52 ) تفسير أحكام القرآن للإمام ابن العربي المالكي ج 3 ص وتفسير المحرر الوجيز لابن عطية ج 9 ص 9 526
( 53 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 11 ص 68 رقم 21374
( 54 ) أخرجه الإمام أحمد ج 5 ص 252، 257 ، 264 ، 268 والترمذي: كتاب تفسير القرآن باب 32 ج 5 رقم 3195 وابن جرير في تفسيره ج 11 ص 64 رقم 21358 واللفظ له ، و البغوي في تفسيره ج 3 ص 506 ، والحكيم الترمذي في كتاب المنهيات ص 113 ، والواحدي في أسباب النزول ص 356 رقم 678
( 55 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 11 ص 66 رقم 21361 والحاكم : كتاب التفسير : باب تفسير سورة لقمان ج 2 ص 411 وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي ، وابن أبي شيبة في مصنفه ج 6 ص 309
( 56 ) أخرجه الحاكم في مستدركه ج 2 ص 411 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ، وأخرجه الطبري في تفسيره ج 11 ص 66
( 57 ) تفسير القرطبي ج 14 ص 48
( 58 ) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه ج 6 ص 309 وابن جرير في تفسيره ج 11 ص 66 رقم 21363
( 59 ) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج 11 ص 67 رقم 21364
( 60 ) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج 11 ص 67 رقم 21366
( 61 ) أخرجه البغوي في تفسيره ج 3 ص 506 ، وانظر تفسير الدر المنثور ج 6 ص 505
( 62 ) أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ج 11 ص 68 رقم 21367
( 63 ) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره ج 9 ص 3096 رقم 17525
( 64 ) ذكره الإمام ابن رجب في نزهة الأسماع ص 40
( 65 ) ذكره البغوي في تفسيره ج 3 ص 506
( 66 ) ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره ج 9 ص 3069 رقم 17526
( 67 ) تفسير القرطبي ج 14 ص 48
( 68 ) انظر تفسيره ج 3 ص 426
( 69 ) تفسير أحكام القرآن للإمام ابن العربي المالكي ج 3 ص 525
( 70 ) انظر تفسيره المحرر الوجيز ج 9 ص 9
( 71 ) انظر تفسيره ج 11 ص 68
( 72 ) انظر تفسيره ج 3 ص 506
( 73 ) كتاب المنهيات للحكيم الترمذي ص 113
( 74 ) انظر كتابه ياقوتة الصراط في تفسير غريب القرآن ص 405
( 75 ) انظر تفسيره ج 14 ص 48 باختصار
( 76 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 9 ص 133 رقم 16952
( 77 ) تفسير ابن أبي حاتم ج 10 ص 2337 رقم 13335
( 78 ) تفسير القرطبي ج 10 ص 250
( 79 ) تفسير الإمام ابن أبي زمنين المالكي ج 3 ص 30
( 80 ) تفسير المحرر الوجيز لابن عطية ج 10 ص 319
( 81 ) انظر تفسيره أحكام القرآن ج 10 ص 252
( 82 ) تفسير أضواء البيان للإمام الشنقيطي ج 3 ص 607
( 83 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 11 ص 55 رقم 20149
( 84 ) أخرجها ابن أبي حاتم في تفسيره ج 8 ص 2737 رقم 15450
( 85 ) انظر تفسير الطبري ج 11 ص 55
( 86 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 13 ص 95 - 96 رقم 25281 و 25286
( 87 ) تفسير الإمام أبي المظفر السمعاني ج 5 ص 305
( 88 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 13 ص 95 رقم 25284 ، وتفسير زاد المسير لابن الجوزي ج 6 ص 86
( 89 ) تفسير الإمام الماوردي المسمى النُّكَتْ والعُيون ج 5 ص 407
( 90 ) أخرجه الطبري في تفسيره ج 13 ص 96 رقم 25288
( 91 ) تفسير الطبري ج 13 ص 96 رقم 25288
( 92 ) تفسير المحرر الوجيز لابن عطية ج 12 ص 289
( 93 ) الزواجر عن اقتراف الكبائر لابن حجر الهيتمي ج 2 ص 902 - 903
( 94 ) نقله عنه ابن القيم في إغاثة اللهفان ص 242
(95 ) نقله عنه في الزواجر ج 2 ص 903
( 96 ) أخرجه البخاري : كتاب الأشربة: باب ما جاء فيمن يستحِلُّ الخَمرَ ويُسميهِ بغير اسمهِ ج 6 ص 243 ، والبيهقي في سننه الكبرى : كتاب الشهادات: باب ما جاءَ في ذم الملاهي من المعازف والمزامير ونحوها ج 10 ص 221 ، وأبو داوود مختصرا في كتاب اللباس : باب ما جاءَ في الخَزِّ ج 4 ص 46
( 97 ) أخرجه ابن ماجه : كتاب الفتن : باب العقوبات ج 2 ص 1333 رقم 4020 ، وابن حبان في صحيحه كما في موارد الضمآن: كتاب الأشربة : باب فيمن يستحل الخمرَ ص 336 ، وأبو داود : كتاب الأشربة : باب في الداذي ج 3 ص 329 رقم 3688 و 3689
( 98 ) انظر إغاثة اللهفان لابن القيم ص 263 ، والسلسلة الصحيحة للألباني 90 و 415
( 99 ) أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 5 ص 259 و 329
( 100 ) أخرجه الإمام أحمد ج 1 ص 274 و 289 و 350 ، وأبو داود : كتاب الأشربة : باب في الأوعية ج 3 ص 331 رقم 3696
( 101 ) أخرجه الإمام أحمد ج 2 ص 158 و 165 و 167 و 171 و 172 ، وأبو داود : كتاب الأشربة : باب النهي عن المُسكر ج 3 ص 328 رقم 3685
( 102 ) أخرجه الترمذي : كتاب الجنائز : باب ما جاء في الرخصة في البكاء على الميت ج 3 ص 319
( 103 ) أخرجه ابن الدنيا في ذم الملاهي ص 77
( 104 ) أخرجه الإمام أحمد ج 2 ص 8 و 38 ، وأبو داود : كتاب الأدب : بابُ كراهية الغِناءِ والزَّمرِ ج 4 ص 281 رقم 4924 و 4925 و 4926
( 105 ) انظر نُزهةُ الأسماعِ لإمام ابن رجب ص 62 - 63
( 106 ) في مصابيح السنة مع شرحه لأبي عبدالله التوربشي ج 2 ص 661 رقم 1961
( 107 ) المُيسَّر في شرح مصابيح السُّنة لأبي عبدالله التوربشتي ج 2 ص 661
( 108 ) أخرجه مسلم في صحيحه رقم 2113 ، وأبو داود في سننه رقم 2556 ، والنسائي في الكبري رقم 8812 .
( 109 ) أخرجه مسلم في صحيحه رقم 2113 وأبو داود في سننه رقم 2555 ، والترمذي في سننه رقم 1703
( 110 ) أخرجه النسائي في سننهِ ج 8 ص 180
( 111 ) تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين لابن النحَّاس ص 303 و 473 و 499
( 112 ) مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية ابن هانئ ج 2 ص 174 رقم المسألة 1956
( 113 ) مسائل الأمام أحمد رواية الإمام أبي داود السجستاني صاحب السنن ص 371 رقم المسألة 1798
( 114 ) نونية ابن القيم المسمَّاةُ بالكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية ص 366 الأبيات 5158 – 5171 باختصار
منقول من موقع الألوكة
تعليق