الشيخ محمد صالح المنجد
مع توالي تداعيات كارثة السيول ، وما أفرزته من إشكالات كثيرة ؛ زادت الحاجة إلى معرفة كثيرٍ من الأحكام الشرعية المتعلقة بهذه الكارثة ، ومن أهم هذه المسائل والأحكام :
* إنقاذ الغريق والعمل على إنجائه من الواجبات ، بل يجب على المسلم قطع الصلاة ولو كانت فريضة لإغاثة الغريق إذا قدر على ذلك.
فإن كان قادرا على ذلك دون غيره وجب عليه وجوباً عينياً , وإن كان ثمَّ غيره كان ذلك واجباً كفائياً على القادرين.
فإن قام به أحدهم سقط عن الباقين, وإلا أثموا جميعاً.
ومن امْتَنَعَ عن ذلك مع قدرته ضمن على الصحيح .
* ومن كان مالكاً للنصاب الشرعي للزكاة ، ثم أذهب السيل ماله ، فإن لم يكن الحول قد حال على المال ، أو حال ولكن لم يتمكن من إخراجها لعذر ، فلا إثم ولا ضمان ، وتسقط الزكاة.
وأما إن كان التلف حصل بعد الحول وبعد التمكن من إخراجها، وفرط وقصر في ذلك ، ففي هذه الحال تكون الزكاة قد استقرت في ذمته ، ويجب عليه إخراجها.
* يصح إعطاء المتضررين في السيول من الزكاة، إذا صاروا بالتضرر من الفقراء أو الغارمين .
ويدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه (1044) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ ) وذكر منهم : ( وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ ).
قال التابعي الجليل مجاهد بن جبر المكي : " ثَلاَثَةٌ مِنَ الْغَارِمِينَ : رَجُلٌ ذَهَبَ السَّيْلُ بِمَالِهِ ، وَرَجُلٌ أَصَابَهُ حَرِيقٌ فَذَهَبَ بِمَالِهِ , وَرَجُلٌ لَهُ عِيَالٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ , فَهُوَ يَدَّانُ وَيُنْفَقُ عَلَى عِيَالِهِ ". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (3/207) بسند صحيح .
* يجوز تعجيل زكاة العام القادم وحسابها بالتقدير والاجتهاد من أجل حاجة الناس في هذه الكارثة ، وهو أفضل من إخراجها في رمضان .
* المبيع الذي تلف بسبب كارثة السيول: إن تلف قبل قبض المشتري له انفسخ البيع ، ويكون ضمان التالف على البائع ، ويلزمه رد الثمن للمشتري إن كان قد أخذه منه.
وأما إن تلف المبيع بعد قبض المشتري للسلعة وحيازتها ، ففي هذه الحال يكون من ضمان المشتري ولا يلزم البائع شيء ؛ لأن المبيع قد خرج من عهدته بتسليمه للمشتري .
وأما إذا مكن البائعُ المشتري من القبض فقد قضى ما عليه، والمشتري هو المفرط بترك القبض ، فيكون الضمان عليه .
* ثمار الزروع التي تلفت بسبب السيل ، وقبل التمكن من الجذاذ ، يحق للمشتري الذي سلَّم ثمنها أن يرجع على البائع بكل الثمن الذي دفعه له ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا ، فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ ، فَلَا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا ، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ!!). رواه مسلم (1544).
* باقي قسط الإجارة في البيوت والمحلات التي هدمها السيل تسقط عن المستأجر، لأن الإجارة تنفسخ بتلف العين المستأجرة، وعلى المستأجر أجرة ما سبق من المدة فقط ، ويعاد له ما زاد عن ذلك إن كان قدم الأجرة.
* وهذه الحادثة تؤكد على ما نبه عليه العلماء في موضوع بيع السيارات من ضرورة التفريق بين عقدي الإجارة والبيع وعدم الخلط بينهما ؛ لأنه يؤدي إلى النزاع بين الشركة والمستأجر ؛ لأن كلاً منهما يُحمِّل قيمة السيارة على الطرف الآخر ، بينما لو كان عقد إجارة منفصل فيتحمل المؤجر ( وهو شركة السيارات ) التلف ، ولو كان عقد بيع بالأقساط مستقل ، فسيتحمل المشتري التلف وتبقى عليه الأقساط .
لكن الإجارة المنتهية بالتمليك ليست إجارة خالصةً ، ولا بيعاً خالصاً ، فيقع النزاع .... والآن بعد السيول ستبدأ النزاعات بين المستأجر وشركات التأجير المنتهي بالتمليك حول ضمان السيارة ، ومن سيأخذ التعويض من شركات التأمين !!.
* ما يتلف تحت يد الأجير الخاص من الموظفين في المؤسسات والشركات بسبب السيل لا ضمان عليهم فيه ؛ لأن الأجير الخاص أمين ، فلا ضمان عليه فيما تلف في يده بلا تعدٍ ولا تفريط .
* وما يتلف عند الأجير المشترك، كسيارات الناس في ورش الإصلاح، وأقمشتهم في محلات الخياطة ، وملابسهم في المغاسل ...ونحوها ، بسبب السيل لا ضمان فيه على القول الراجح.
* و الأمانات والودائع التي تلفت في السيل لا يضمنها المودَع إذا كان قد وضعها في حرز مثلها عادة .
* ومن استعار شيئاً ثم تلف في السيل ، ففي تضمينه خلاف بين العلماء ، والأقرب أنه لا ضمان عليه ..لأن العارية أمــانة فلا تُضمن إلا بالتعدي أو التفريط .
* وكذلك إذا تلف رأس مال المضاربة في السيل، يكون تلفه على رب المال، ولا يضمن المضارب شيئاً إذا لم يفرط؛ لأنه في يده بمنزلة الوديعة.
* وأما المال المغصوب الذي تلف في السيل، فلا خلاف بين الفقهاء في ضمانه؛ لأن الغاصب متعدٍّ، قال ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية صـ362: " الغاصب ضامن لما غصبه، سواء تلف بأمر الله أو من مخلوق ".
تعليق