السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جاء ملخصا في الموسوعة الفقهيه الكويتية
أ- الرضاعة:
هي اسم لوصول لبن المرأة, أو ما حصل من لبنها إلى جوف طفل بشروط.
1- الرضاع المحرم:
للرضاع المحرم ثلاثة أركان: المرضع, الرضيع, اللبن.
أولا: المرضع:
يشترط في المرضع التي ينتشر بلبنها التحريم:
1- أن تكون امرأة, فلا يثبت التحريم بلبن الرجل لندرته وعدم صلاحيته غذاء للطفل, ولا بلبن البهيمة, فلو ارتضع طفلان من بهيمة لم يصيرا أخوين, لأن تحريم الأخوة فرع على تحريم الأمومة, ولا يثبت تحريم الأمومة بهذا الرضاع فالأخوة أولى.
2- اشترط الحنفية والشافعية أن تكون محتملة للولادة بأن تبلغ سن الحيض وهو تسع سنين, فلو ظهر لبن الصغيرة دون تسع سنين فلا يحرم, بخلاف من بلغت هذه السن, لأنه وإن لم يتيقن بلوغها بالحيض فاحتمال البلوغ قائم, والرضاع تلو النسب فاكتفي فيه بالاحتمال, ولا يشترط المالكية ذلك فيحرم عندهم لبن الصغيرة التي لا تحتمل الوطء.
التحريم بلبن المرأة الميتة:
ذهب الجمهور إلى التحريم بلبن المرأة الميتة كما يحرم لبن الحية, لأنه وجد الارتضاع على وجه يثبت اللحم وينشز العظم من المرأة فأثبت التحريم كما لو كانت حية, وقال الشافعية: يشترط أن تكون المرضع حية حياة مستقرة عند انفصال اللبن منها, فلا تثبت الحرمة بلبن انفصل عن ميتة كما لا تثبت المصاهرة بوطئها, ولضعف حرمته بموتها.
تقدم الحمل على الرضاع:
ذهب الجمهور وهو رواية عند الحنابلة إلى أنه لا يشترط لثبوت التحريم بلبن المرأة أن يتقدم حمل. فيحرم لبن البكر التي لم توطأ ولم تحبل قط, لعموم قوله تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ }النساء-23، ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم.
ثانياً: اللبن:
يشترط أن يصل اللبن إلى جوف الطفل بمص من الثدي، أو إيجار من الحلق، أو إسعاط من الأنف، سواء كان اللبن صرفاً أو مشوباً بمائع لم يغلب على اللبن، بأن كان اللبن غالباً، بأن كانت صفاته باقية.
ولا فرق بين أن يكون المخالط نجساً كالخمر وأن يكون طاهراً كالماء ولبن الشاة.
أما إن كان مغلوباً فقد اختلف الفقهاء في ثبوت التحريم به، فذهب الحنفية والمالكية إلى أن اللبن المغلوب لا يؤثر في التحريم، لأن الحكم للأغلب، ولأن اسم اللبن يزول بغلبة غيره عليه.
وذهب الشافعية إلى أنه يثبت التحريم وإن كان اللبن مغلوباً، بأن لم يبق من صفاته شيء بشرط أن يشرب الطفل الجميع أو يشرب بعضه، إذا تحقق أن اللبن قد وصل إلى الجوف بأن بقي منه أقل من قدر اللبن، وأن يكون البن مقدار لو انفرد لأثر.
وقال الحنابلة: اللبن المشوب كالمحض في إثبات التحريم به على المذهب، والمشوب هو المختلط بغيره، والمحض هو الخالص الذي لا يخالطه سواه، سواء شيب بطعام أو شراب أو غيره، وسواء أكان غالباً أو مغلوباً.
كما اختلفوا في ثبوت التحريم باللبن المخلوط بطعام والمتغيرة هيئته بأن يصير جبنا أو مخيضا، أو إقطاً.
فذهب الجمهور إلى أن التحريم يثبت به لوصول عين اللبن إلى جوف الطفل، وحصول التغذية به، وقال الحنفية: لا تأثير للبن المخلوط بطعام ولا المتغير هيئته، ولا ما مسته النار لأن اسم الرضاع لا يقع عليه.
اشتراط تعدد الرضعات:
لا خلاف بين الفقهاء في أن خمس رضعات فصاعداً يحرمّن، واختلفوا فيما دونها.
فذهب الجمهور -الحنفية والمالكية وأحمد في رواية عنه- وكثير من الصحابة والتابعين إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم وإن كان مصة واحدة، فالشرط في التحريم أن يصل اللبن إلى جوف الطفل مهما كان قدره، واحتجوا بقوله تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ }النساء-23.
وقوالوا: إن الله سبحانه وتعالى علق التحريم باسم الرضاع، فحيث وجد، وجد حكمه، وورد الحديث موافقاً للآية: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)، حيث أطلق الرضاع ولم يذكر عددا، ولحديث: (كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما)، ولم يستفصل عن عدد الرضعات.
وهذا الذي نختاره.
وذهب الشافعية والحنابلة في القول الصحيح عندهم إلى أن ما دون خمس رضعات لا يؤثر في التحريم. وروى هذا عن عائشة، وابن مسعود وابن الزبير -رضي الله عنهم- وبه قال عطاء وطاوس، واستدلوا بما ورد عن عائشة، قالت: ( كان فيما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن"، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهن فيما يقرأ من القرآن.
ولا يشترط اتفاق صفات اللبن وطرق وصوله إلى المعدة، فإن مصه من الثدي مرة، وشرب من إناء مرة، وأوجره من حلقه مرة، وأكله جبناً مرة، بحيث تمت له خمس مرات أثّر في التحريم، ويشترط أن تكون الرضعات متفرقات عند من يرى اشتراط تعدد الرضعات.
والمعتمد في التعدد والتفرق هو العرف إذ لا ضابط له في اللغة، ولا في الشرع.
والرجوع في الرضعة والرضعات إلى العرف، ما تنزل الأيمان في ذلك، ومتى تخلل فصل طويل تعدد.
ولو ارتضع، ثم قطع أعراضاً، واشتغل بشيء آخر، ثم عاد وارتضع، فهما رضعتان، ولو قطعت المرضعة، ثم عادت إلى الإرضاع، فهما رضعتان على الأصح عند الشافعية، كما لو قطع الصبي، والراجح عند الحنابلة أنها رضعة واحدة.
ولا يحصل التعدد بأن يلفظ الثدي ثم يعود إلى التقامه في الحال، ولا بأن يتحول من ثدي إلى ثدي، أو تحوله لنفاذ ما في الأول، ولا بأن يلهو عن الامتصاص والثدي في فمه، ولا بأن يقطع التنفس، ولا بأن يتخلل النومة الخفيفة، ولا بأن تقوم وتشتغل بشغل خفيف ثم تعود إلى الإرضاع، فكل ذلك رضعة واحدة.
ثالثاً: الرضيع:
أ- يشترط أن يصل اللبن إلى المعدة بارتضاع أو إيجار أو إسعاط:
وإن كان الطفل نائماً، لأن المؤثر في التحريم هو حصول الغذاء باللبن وإنبات اللحم وإنشار العظم وسد المجاعة لتتحقق الجزئية، ولا يحصل ذلك إلا بما وصل إلى المعدة.
ب- ألا يبلغ الرضيع حولين:
لا خلاف بين الفقهاء في أن ارتضاع الطفل وهو دون الحولين يؤثر في التحريم.
فقال الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد وهو الأصح المفتى به عند الحنفية: إن مدة الرضاع المؤثر في التحريم حولان، فلا يحرم بعد حولين، واستدلوا بقوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }البقرة-233، وقالوا جعل الله الحولين الكاملين تمام الرضاعة، وليس وراء تمام الرضاعة شيء.
وقال عز من قائل: { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ }لقمان-14، وقال: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا }الأحقاف-15، وأقل الحمل ستة أشهر فتبقى مدة الفصال حولين، ولحديث : ( لا رضاع إلا ما كان في الحولين)، ولحديث أم سلمة مرفوعاً: (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام).
قال ابن تيمية: "وقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن إرضاع الكبير يحرم"، واحتجوا بما في صحيح مسلم وغيره عن زينب بنت أم سلمة أن أم سلمة قالت لعائشة: (إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي، فقالت عائشة: أما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ قالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول الله: إن سالماً يدخل علي وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : أرضعيه حتى يدخل عليك)، وفي رواية لمالك في الموطأ قال: (أرضعيه خمس رضعات)، فكان بمنزلة ولده من الرضاعة.
وهذا مذهب ضعيف، مخالف لما عليه جماهير العلماء.
وقال المالكية: يشترط في التحريم أن يرتضع في حولين أو بزيادة شهر أشهرين، وألا يفطم قبل انتهاء الحولين فطاماً يستغني فيه بالطعام عن اللبن، فإن فطم واستغنى بالطعام عن اللبن ثم رضع في الحولين فلا يحرم.
وقال أبو حنيفة: مدة الرضاع المحرم حولان ونصف ولا يحرم بعد هذه المدة، سواء أفطم في أثناء المدة أم لم يفطم، واحتج بقوله تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ }النساء-23، قال: فأثبت سبحانه الحرمة بالرضاع مطلقاً عن التعرض لزمان الرضاع، إلا أنه قام الدليل على أن زمان كا بعد الحولين والنصف ليس بمراد، فيعمل بإطلاقه فيما وراءه، واستدلوا بقوله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا }الأحقاف-15، أي: ومدة كل منهما ثلاثون شهراً.
تحريم النكاح بالرضاع:
1- ما يحرم على الرضيع:
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يحرم على الرضيع من النساء من يحرمن عليه من النسب وهن السبع اللاتي ذكرن في آية: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }النساء-23، وهن الأمهات والبنات، والأخوات والعمات، والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.
وقد ثبت تحريم الأم والأخت من الرضاع بنص الكتاب قال تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ }النساء-23، وتحريم البنت بالتبعية، لأنه إذا حرمت الأخت فالبنت أولى.
أما سائر المحارم فقد ثبت تحريمهن بالسنة وهو قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)، وثبتت المحرمية لأنها فرع على التحريم فتحرم المرضعة على الرضيع، لأنها أمه، وآباؤها وأمهاتها من النسب أو الرضاع أجداده وجداته.
فإن كان أنثى حرم على الأجداد نكاحها أو ذكراً حرم عليه نكاح الجدات.
وفروع المرضعة من الرضاع كفروعها من النسب، فأولادها من نسب أو رضاع إخوته وأخواته، سواء كانوا من صاحب اللبن أو من غيره، وسواء من تقدمت ولادته عليه ومن تأخرت عنه لأنهم إخوته وأخواته، لقوله تعالى: { وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ }النساء-23، فقد أثبت سبحانه وتعالى الحرمة والأخوة بين بنات المرضعة وبين الرضيع مطلقاً، من غير فصل بين أخت وأخت، وكذا بنات بناتها، وبنات أبنائها، وإن سفلن.
2- المرضعة:
يحرم على المرضعة أبناء رضيعها وأبناء أبنائه وإن سفلوا، ولا يحرم عليها أصوله كأبيه، وجده، ولا حواشيه كإخوته وأعمامه وأخواله، فيجوز لهؤلاء أن يتزوجوا المرضعة أو بناتها أو أخواتها، فالرضاعة لا تنشر الحرمة إلى أصول الرضيع وحواشيه.
3- الفحل صحب اللبن:
إن صاحب اللبن -وهو زوج المرضعة التي نزل لها منه اللبن- وهو المسمى في عرف الفقهاء "لبن الفحل" ينشر الحرمة، فيحرم على صاحب اللبن من أرضعتها زوجته، لأنها ابنته من الرضاع، وتحرم على أبنائه الذين من غير المرضعة، لأنهم إخوتها من الرضاعة، وأبناء بناته من غير المرضعة، لأنهم أبناء إخوتها لأب من الرضاعة.
وإن أرضعت كل من زوجتيه طفلاً أجنبياً عن الآخر فقد صاراً أخوين لأب من الرضاعة، فيحرم التناكح بينهما إن كانت أحدهما أنثى لأن بينهما أخوة لأب من الرضاعة، وتحرم الرضيعة على آباء زوج المرضعة، لأنهم أجدادها من قبل الأب من الرضاعة، وعلى إخوته لأنهم أعمامها من الرضاعة، وأخواته عمات الرضيع فيحرمن عليه، ولا حرمة بين صاحب اللبن وأمهات الرضيع وأخواته من النسب.
ودليل نشر الحرمة من صاحب اللبن: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (إن أفحل أخا أبي القعيس استأذن علي بعد أن نزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن حتى استأذن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته، فقال: ائذني له فإنه عمك تربت يمينك).
وقد ذهب إلى عدم التحريم بلبن الفحل سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وسليمان بن يسار، وعطاء، والنخعي، وأبو قلابة، وبروي عدم التحريم به أيضاً عن بعض الصحابة.
وهو مذهب مهجور عند المذاهب المعتمدة.
لخصه ورجح بين أدلته الأستاذ الدكتور محمد بن عبد القادر الشريف
فجزاه الله خيرا
جاء ملخصا في الموسوعة الفقهيه الكويتية
أ- الرضاعة:
هي اسم لوصول لبن المرأة, أو ما حصل من لبنها إلى جوف طفل بشروط.
1- الرضاع المحرم:
للرضاع المحرم ثلاثة أركان: المرضع, الرضيع, اللبن.
أولا: المرضع:
يشترط في المرضع التي ينتشر بلبنها التحريم:
1- أن تكون امرأة, فلا يثبت التحريم بلبن الرجل لندرته وعدم صلاحيته غذاء للطفل, ولا بلبن البهيمة, فلو ارتضع طفلان من بهيمة لم يصيرا أخوين, لأن تحريم الأخوة فرع على تحريم الأمومة, ولا يثبت تحريم الأمومة بهذا الرضاع فالأخوة أولى.
2- اشترط الحنفية والشافعية أن تكون محتملة للولادة بأن تبلغ سن الحيض وهو تسع سنين, فلو ظهر لبن الصغيرة دون تسع سنين فلا يحرم, بخلاف من بلغت هذه السن, لأنه وإن لم يتيقن بلوغها بالحيض فاحتمال البلوغ قائم, والرضاع تلو النسب فاكتفي فيه بالاحتمال, ولا يشترط المالكية ذلك فيحرم عندهم لبن الصغيرة التي لا تحتمل الوطء.
التحريم بلبن المرأة الميتة:
ذهب الجمهور إلى التحريم بلبن المرأة الميتة كما يحرم لبن الحية, لأنه وجد الارتضاع على وجه يثبت اللحم وينشز العظم من المرأة فأثبت التحريم كما لو كانت حية, وقال الشافعية: يشترط أن تكون المرضع حية حياة مستقرة عند انفصال اللبن منها, فلا تثبت الحرمة بلبن انفصل عن ميتة كما لا تثبت المصاهرة بوطئها, ولضعف حرمته بموتها.
تقدم الحمل على الرضاع:
ذهب الجمهور وهو رواية عند الحنابلة إلى أنه لا يشترط لثبوت التحريم بلبن المرأة أن يتقدم حمل. فيحرم لبن البكر التي لم توطأ ولم تحبل قط, لعموم قوله تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ }النساء-23، ولأنه لبن امرأة فتعلق به التحريم.
ثانياً: اللبن:
يشترط أن يصل اللبن إلى جوف الطفل بمص من الثدي، أو إيجار من الحلق، أو إسعاط من الأنف، سواء كان اللبن صرفاً أو مشوباً بمائع لم يغلب على اللبن، بأن كان اللبن غالباً، بأن كانت صفاته باقية.
ولا فرق بين أن يكون المخالط نجساً كالخمر وأن يكون طاهراً كالماء ولبن الشاة.
أما إن كان مغلوباً فقد اختلف الفقهاء في ثبوت التحريم به، فذهب الحنفية والمالكية إلى أن اللبن المغلوب لا يؤثر في التحريم، لأن الحكم للأغلب، ولأن اسم اللبن يزول بغلبة غيره عليه.
وذهب الشافعية إلى أنه يثبت التحريم وإن كان اللبن مغلوباً، بأن لم يبق من صفاته شيء بشرط أن يشرب الطفل الجميع أو يشرب بعضه، إذا تحقق أن اللبن قد وصل إلى الجوف بأن بقي منه أقل من قدر اللبن، وأن يكون البن مقدار لو انفرد لأثر.
وقال الحنابلة: اللبن المشوب كالمحض في إثبات التحريم به على المذهب، والمشوب هو المختلط بغيره، والمحض هو الخالص الذي لا يخالطه سواه، سواء شيب بطعام أو شراب أو غيره، وسواء أكان غالباً أو مغلوباً.
كما اختلفوا في ثبوت التحريم باللبن المخلوط بطعام والمتغيرة هيئته بأن يصير جبنا أو مخيضا، أو إقطاً.
فذهب الجمهور إلى أن التحريم يثبت به لوصول عين اللبن إلى جوف الطفل، وحصول التغذية به، وقال الحنفية: لا تأثير للبن المخلوط بطعام ولا المتغير هيئته، ولا ما مسته النار لأن اسم الرضاع لا يقع عليه.
اشتراط تعدد الرضعات:
لا خلاف بين الفقهاء في أن خمس رضعات فصاعداً يحرمّن، واختلفوا فيما دونها.
فذهب الجمهور -الحنفية والمالكية وأحمد في رواية عنه- وكثير من الصحابة والتابعين إلى أن قليل الرضاع وكثيره يحرم وإن كان مصة واحدة، فالشرط في التحريم أن يصل اللبن إلى جوف الطفل مهما كان قدره، واحتجوا بقوله تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ }النساء-23.
وقوالوا: إن الله سبحانه وتعالى علق التحريم باسم الرضاع، فحيث وجد، وجد حكمه، وورد الحديث موافقاً للآية: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)، حيث أطلق الرضاع ولم يذكر عددا، ولحديث: (كيف بها وقد زعمت أنها قد أرضعتكما)، ولم يستفصل عن عدد الرضعات.
وهذا الذي نختاره.
وذهب الشافعية والحنابلة في القول الصحيح عندهم إلى أن ما دون خمس رضعات لا يؤثر في التحريم. وروى هذا عن عائشة، وابن مسعود وابن الزبير -رضي الله عنهم- وبه قال عطاء وطاوس، واستدلوا بما ورد عن عائشة، قالت: ( كان فيما أنزل من القرآن: "عشر رضعات معلومات يحرمن"، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وهن فيما يقرأ من القرآن.
ولا يشترط اتفاق صفات اللبن وطرق وصوله إلى المعدة، فإن مصه من الثدي مرة، وشرب من إناء مرة، وأوجره من حلقه مرة، وأكله جبناً مرة، بحيث تمت له خمس مرات أثّر في التحريم، ويشترط أن تكون الرضعات متفرقات عند من يرى اشتراط تعدد الرضعات.
والمعتمد في التعدد والتفرق هو العرف إذ لا ضابط له في اللغة، ولا في الشرع.
والرجوع في الرضعة والرضعات إلى العرف، ما تنزل الأيمان في ذلك، ومتى تخلل فصل طويل تعدد.
ولو ارتضع، ثم قطع أعراضاً، واشتغل بشيء آخر، ثم عاد وارتضع، فهما رضعتان، ولو قطعت المرضعة، ثم عادت إلى الإرضاع، فهما رضعتان على الأصح عند الشافعية، كما لو قطع الصبي، والراجح عند الحنابلة أنها رضعة واحدة.
ولا يحصل التعدد بأن يلفظ الثدي ثم يعود إلى التقامه في الحال، ولا بأن يتحول من ثدي إلى ثدي، أو تحوله لنفاذ ما في الأول، ولا بأن يلهو عن الامتصاص والثدي في فمه، ولا بأن يقطع التنفس، ولا بأن يتخلل النومة الخفيفة، ولا بأن تقوم وتشتغل بشغل خفيف ثم تعود إلى الإرضاع، فكل ذلك رضعة واحدة.
ثالثاً: الرضيع:
أ- يشترط أن يصل اللبن إلى المعدة بارتضاع أو إيجار أو إسعاط:
وإن كان الطفل نائماً، لأن المؤثر في التحريم هو حصول الغذاء باللبن وإنبات اللحم وإنشار العظم وسد المجاعة لتتحقق الجزئية، ولا يحصل ذلك إلا بما وصل إلى المعدة.
ب- ألا يبلغ الرضيع حولين:
لا خلاف بين الفقهاء في أن ارتضاع الطفل وهو دون الحولين يؤثر في التحريم.
فقال الشافعية والحنابلة وأبو يوسف ومحمد وهو الأصح المفتى به عند الحنفية: إن مدة الرضاع المؤثر في التحريم حولان، فلا يحرم بعد حولين، واستدلوا بقوله تعالى: { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }البقرة-233، وقالوا جعل الله الحولين الكاملين تمام الرضاعة، وليس وراء تمام الرضاعة شيء.
وقال عز من قائل: { وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ }لقمان-14، وقال: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا }الأحقاف-15، وأقل الحمل ستة أشهر فتبقى مدة الفصال حولين، ولحديث : ( لا رضاع إلا ما كان في الحولين)، ولحديث أم سلمة مرفوعاً: (لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام).
قال ابن تيمية: "وقد ذهب طائفة من السلف والخلف إلى أن إرضاع الكبير يحرم"، واحتجوا بما في صحيح مسلم وغيره عن زينب بنت أم سلمة أن أم سلمة قالت لعائشة: (إنه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب أن يدخل علي، فقالت عائشة: أما لك في رسول الله أسوة حسنة؟ قالت: إن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول الله: إن سالماً يدخل علي وهو رجل، وفي نفس أبي حذيفة منه شيء؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- : أرضعيه حتى يدخل عليك)، وفي رواية لمالك في الموطأ قال: (أرضعيه خمس رضعات)، فكان بمنزلة ولده من الرضاعة.
وهذا مذهب ضعيف، مخالف لما عليه جماهير العلماء.
وقال المالكية: يشترط في التحريم أن يرتضع في حولين أو بزيادة شهر أشهرين، وألا يفطم قبل انتهاء الحولين فطاماً يستغني فيه بالطعام عن اللبن، فإن فطم واستغنى بالطعام عن اللبن ثم رضع في الحولين فلا يحرم.
وقال أبو حنيفة: مدة الرضاع المحرم حولان ونصف ولا يحرم بعد هذه المدة، سواء أفطم في أثناء المدة أم لم يفطم، واحتج بقوله تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ }النساء-23، قال: فأثبت سبحانه الحرمة بالرضاع مطلقاً عن التعرض لزمان الرضاع، إلا أنه قام الدليل على أن زمان كا بعد الحولين والنصف ليس بمراد، فيعمل بإطلاقه فيما وراءه، واستدلوا بقوله تعالى: { وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا }الأحقاف-15، أي: ومدة كل منهما ثلاثون شهراً.
تحريم النكاح بالرضاع:
1- ما يحرم على الرضيع:
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يحرم على الرضيع من النساء من يحرمن عليه من النسب وهن السبع اللاتي ذكرن في آية: { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ }النساء-23، وهن الأمهات والبنات، والأخوات والعمات، والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت.
وقد ثبت تحريم الأم والأخت من الرضاع بنص الكتاب قال تعالى: { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ }النساء-23، وتحريم البنت بالتبعية، لأنه إذا حرمت الأخت فالبنت أولى.
أما سائر المحارم فقد ثبت تحريمهن بالسنة وهو قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)، وثبتت المحرمية لأنها فرع على التحريم فتحرم المرضعة على الرضيع، لأنها أمه، وآباؤها وأمهاتها من النسب أو الرضاع أجداده وجداته.
فإن كان أنثى حرم على الأجداد نكاحها أو ذكراً حرم عليه نكاح الجدات.
وفروع المرضعة من الرضاع كفروعها من النسب، فأولادها من نسب أو رضاع إخوته وأخواته، سواء كانوا من صاحب اللبن أو من غيره، وسواء من تقدمت ولادته عليه ومن تأخرت عنه لأنهم إخوته وأخواته، لقوله تعالى: { وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ }النساء-23، فقد أثبت سبحانه وتعالى الحرمة والأخوة بين بنات المرضعة وبين الرضيع مطلقاً، من غير فصل بين أخت وأخت، وكذا بنات بناتها، وبنات أبنائها، وإن سفلن.
2- المرضعة:
يحرم على المرضعة أبناء رضيعها وأبناء أبنائه وإن سفلوا، ولا يحرم عليها أصوله كأبيه، وجده، ولا حواشيه كإخوته وأعمامه وأخواله، فيجوز لهؤلاء أن يتزوجوا المرضعة أو بناتها أو أخواتها، فالرضاعة لا تنشر الحرمة إلى أصول الرضيع وحواشيه.
3- الفحل صحب اللبن:
إن صاحب اللبن -وهو زوج المرضعة التي نزل لها منه اللبن- وهو المسمى في عرف الفقهاء "لبن الفحل" ينشر الحرمة، فيحرم على صاحب اللبن من أرضعتها زوجته، لأنها ابنته من الرضاع، وتحرم على أبنائه الذين من غير المرضعة، لأنهم إخوتها من الرضاعة، وأبناء بناته من غير المرضعة، لأنهم أبناء إخوتها لأب من الرضاعة.
وإن أرضعت كل من زوجتيه طفلاً أجنبياً عن الآخر فقد صاراً أخوين لأب من الرضاعة، فيحرم التناكح بينهما إن كانت أحدهما أنثى لأن بينهما أخوة لأب من الرضاعة، وتحرم الرضيعة على آباء زوج المرضعة، لأنهم أجدادها من قبل الأب من الرضاعة، وعلى إخوته لأنهم أعمامها من الرضاعة، وأخواته عمات الرضيع فيحرمن عليه، ولا حرمة بين صاحب اللبن وأمهات الرضيع وأخواته من النسب.
ودليل نشر الحرمة من صاحب اللبن: ما روته عائشة رضي الله عنها قالت: (إن أفحل أخا أبي القعيس استأذن علي بعد أن نزل الحجاب، فقلت: والله لا آذن حتى استأذن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس، فدخل عليّ رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فقلت: يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني، ولكن أرضعتني امرأته، فقال: ائذني له فإنه عمك تربت يمينك).
وقد ذهب إلى عدم التحريم بلبن الفحل سعيد بن المسيب، وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وسليمان بن يسار، وعطاء، والنخعي، وأبو قلابة، وبروي عدم التحريم به أيضاً عن بعض الصحابة.
وهو مذهب مهجور عند المذاهب المعتمدة.
لخصه ورجح بين أدلته الأستاذ الدكتور محمد بن عبد القادر الشريف
فجزاه الله خيرا
تعليق