الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وسيد ولد آدم أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:
فلزيارة المدينة النبوية حرسها الله أحكام وآداب كثيرة، وإليك أخي القارئ جملة منها في هذه الرسالة المختصرة سائلاً المولى عز وجل أن يتقبلها وأن ينفع بها إنه جواد كريم.
1- حكم زيارة المدينة:
زيارة المدينة سنة، حيث رغب النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في مسجده الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام" متفق عليه.
وأخبر بأنه لا يشد الرحل _ أي لا يسافر _ لموضع في الأرض تقرباً إلى الله إلا إلى ثلاثة مساجد ومنها مسجده النبوي الشريف وهو خبر بمعنى النهي عن شد الرحال إلا لهذه الثلاثة مساجد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الأقصى" متفق عليه.
وليس بين زيارة المدينة والحج تلازم فمن حج ولم يزر المدينة فحجه صحيح، ولا ينقص من أجر الحاج شيئ إذا لم يزرها، وإنما جرت عادة الفقهاء بذكر زيارة المدينة في كتب المناسك لأن الناس كان يشق عليهم تخصيص المدينة بسفر لمشقة الأسفار وخطورتها فيما سبق فكانوا يجمعون بين الحج وزيارة المدينة لذلك ناسب أن يجمعوا بينهما.
2- ماذا يفعل من قدم المدينة:
يسن لمن قدم المدينة أن يبدأ بالمسجد فيصلي فيه ركعتين، عن كعب بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يقدَمُ من سفر إلا نهاراً في الضحى فإذا قدِم بدأ بالمسجد فصلى فيه ركعتين ثم جلس فيه" متفق عليه واللفظ لمسلم.
وإذا تيسر أن يصلي في الروضة فهو حسن، لما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم) ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي) متفق عليه
وكلما حرص المسلم أن يصلي في المسجد فهو أفضل لأن الصلاة فيه مضاعفة للحديث المتقدم ذكره.
3- كيفية السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه:
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: فإذا صلى وأراد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقف أمامه بأدب ووقار وليقل:
السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، صلى الله عليك وسلم وبارك، وجزاك عن أمتك خير الجزاء. ثم يخطو خطوة ثانية، خطوة عن يمينه، ليكون مقابل وجه أبي بكر رضي الله عنه، ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيرا. ثم يخطو خطوة عن يمينه، ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيرا. ثم ينصرف، هذه هي الزيارة المشروعة.
بدع يفعلها الناس أمام قبر النبي
لسماحة الشيخ بن عثيمين
وأما ما يفعله بعض الناس من التمسح بجدران الحجرة، أو التبرك بها، أو ما أشبه ذلك، فكله من البدع، وأشد من ذلك وأنكر وأعظم أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتفريج الكربات وحصول المرغوبات، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا، ولا يملك لغيره كذلك نفعا ولا ضرا، ولا يعلم الغيب، وهو - صلى الله عليه وسلم - قد مات كما يموت غيره من بني آدم، فهو بشر يحيا كما يحيون ويموت كما يموتون، وليس له من تدبير الكون شيء أبدا.
قال الله تعالى، أي للرسول صلى الله عليه وسلم: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا
وقال الله تعالى له: قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ
وقال الله له: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ .
فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر محتاج إلى الله عز وجل، وليس به غنى عنه طرفة عين، ولا يملك أن يجلب نفعا لأحد أو يدفع ضررا عن أحد، بل هو عبد مربوب مكلف كما يكلف بنو آدم، وإنما يمتاز بما من الله به عليه من الرسالة التي لم تكن لأحد قبله ولن تكون لأحد بعده، وهي الرسالة العظمى التي بعث بها إلى سائر الناس إلى يوم القيامة.
تعليق