السلام عليكم
هُنا السائلة تسأل :
السؤال : أنا فتاة ، توفي والدي قبل عدة سنوات , وبعد وفاته بفترة تزوجت , وتوفي زوجي ، رحمهم الله جميعاً ، أحببتهم في الله ؛ لأني أحسبهم - والله حسيبهم - رجالاً صالحين . سؤالي : هل يجوز لي رفض الزواج ؟ مع العلم أني صغيرة في السن ، لكني بإذن الله سأصبر على فراقهم , وسبب رفضي للزواج هو أني سمعت أن المرأة في الجنة تكون مع آخر زوج لها أيضاً . أنا أقول لأهلي : إنني لا أريد أن أتزوج إلا من هو خير من زوجي السابق من باب (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) . أخيراً : أريد منكم نصيحة ، وتوجيها ؛ لأنني مقبلة على التخرج , وأخشى من الفراغ الذي قد يزيد من وساوس الشيطان والتفكير فيما لا ينفع , وهل تنصحني بالبحث عن وظيفة , والحرص على ذلك مع العلم أني خريجة قسم علمي ؟ وقد حفظت كتاب الله , ولله الحمد , وأسعى لمراجعته وتثبيته والقراءة في كتب الأحاديث .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
عظم الله أجركِ ، ورحم ميتكِ ، ورزقك الصبر ، وأبدلك خيراً مما فقدتِ من زوج .
واعلمي : أن هذه الدنيا دار بلاء ، واختبار ، كما قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأمْوَالِ وَالأنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة/ 155 – 157 ، وقال تعالى : (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) آل عمران/ 186 .
قال ابن كثير رحمه الله :
أي : لا بد أن يبتلى المؤمن في شيء من ماله ، أو نفسه ، أو ولده ، أو أهله ، ويُبتلى المؤمن على قدر دينه ، إن كان في دينه صلابة : زيد في البلاء .
"تفسير ابن كثير" (2/179) .
وقد عظَّم الله أجرَ الصابرين ، فقال تعالى : (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر/10 ، فنسأل الله تعالى أن يجعلكِ من الصابرين ، وأن يعظم أجركِ .
ثانياً :
اختلف العلماء في مسألة المرأة التي تزوجت بأكثر من زوج لمن تكون في الجنة ، فقيل : إنها تخيَّر بينهم ، وقيل : إنها لأحسنهم أخلاقاً ، والراجح هو القول الثالث ، وهو أنها : لآخر أزواجها.
وانظري جواب السؤال (8068) .
ثالثاً :
لا شك أن المسلم العاقل يطلب الأفضل ، والأحسن ، لدينه ، ودنياه ، فرغبتكِ في أن يكون زوجك الذي ترغبين الاقتران به مستقبلا أفضل من زوجك الأول : لا شك أن هذا مطلب يحث عليه الشرع ، والعقل .
ومجيء خواطر لك بأنه لا خير من زوجكِ الأول ، وأنكِ ستبقين بلا زوج : قد جاء مثل ذلك لمن هي خير منك ، وهي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، فلما استجابت لشرع الله تعالى ، وذكرت الدعاء الثابت في السنَّة أن يخلفها الله خيراً : جاءها النبي صلى الله عليه وسلم خاطباً لها! ثم صار زوجاً لها ، وهو خير من وطأت قدمه الأرض من البشر .
فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضِيَ الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ : إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِى مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْراً مِنْهَا) قَالَتْ : فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْتُ : أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا ، فَأَخْلَفَ اللَّهُ لِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رواه مسلم (918) .
فالوصية لك أن تقولي هذا الدعاء الثابت في هذا الحديث ، مع الاعتقاد الجازم بأنه لن ينقطع الخير من الأرض ، ولا يزال هناك من هو على خلق ودين ، وقد يعجل الله تعالى بأحدهم ليكون لك زوجاً ، يعفك ، وتعفينه ، وتقيمون أسرة صالحة ، تنصر دين الله ، ويكون لك منه ذرية طيبة ، تُقرُّ عينك بهم ، ويكونون لكما ذخراً يوم لقاء الله في الآخرة .
رابعاً :
اعلمي أن ترك الزواج ليس مما يحبه الشرع ولا يرغب فيه ، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع الباءة بالنكاح ، لا سيما الشباب ـ وأنت لا زلت في مرحلة الشباب ـ وذلك لما في الزواج من مصالح عظيمة ، وغايات شريفة ، فمنها : طلب الولد الصالح ، وتكوين الأسرة المسلمة ؛ وحفظ النفس من الوقوع في الحرام ، وحبائل الشيطان ، وتقوية الروابط والصلة بين المسلمين بالمصاهرة .
فالذي ننصحك به هو قبول الزواج إذا تقدم لك من يرضى دينه وخلقه ، وربما تكونين زوجة في الآخرة لمن خيرٌ خلُقاً ودِيناً .
فلا تتردي في السعي لإقامة بيت صالح ، وحفظ نفسك من الشهوات المحرَّمة ، والتي عمَّت الآفاق ، حتى لم يسلم منها المتزوجون والمتزوجات ، فكيف بمن ترك التزوج ، ويريد قضاء عمره بلا زوج ؟! .
خامساً :
العمل خارج البيت بالنسبة للمرأة – في الأصل – هو خلاف ما أمر الله به من القرار في البيت ، كما قال تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) الأحزاب/ 33 ، ففي خروجها بغير داعٍ ولا ضرورة مخالفة لهذا الأمر الرباني .
وللوقوف على بعض ضوابط ، وشروط عمل المرأة خارج بيتها : انظري جواب السؤال رقم : (22397) .
ولا شك أنكِ ترغبين بهذا العمل فراراً من الملل ، والفراغ ، وقطع السبيل لوساوس الشيطان , ولكن في الحقيقة قد يكون هذا مدخلاً آخر للشيطان من التعرض للفتن ، والاختلاط ، وغير ذلك من المحرمات .
ونرى أن الطريق الصحيح للفرار من الملل ، والفراغ هو بقبول الزوج المناسب ، والاشتغال بتكوين أسرة صالحة ، من قيام بحق زوج ، والاعتناء بتنشئة أولاد صالحين ، يملأون حياتكِ بهجة وسروراً ؛ لأنه مهما حاولت المرأة من بحث لأسباب الحياة الطيبة والسعيدة ، فلن تجدها بغير طاعة ربها أولاً ، ثم إنها ستجدها في بيتها بين زوجها ، وأولادها .
فالوظيفة مآلها إلى التعب ، والسآمة ، وسلي من يعمل من النساء كيف أنهن يتمنَّيْن الاستقرار في بيوتهنَّ ، إلا من عاند واستكبر ، فالله تعالى أعلم ، وأحكم ، بما يشرع من أحكام ، ولم يأمر المرأة بمكثها وقرارها في بيتها إلا وهو يعلم – سبحانه - أن هذا هو المناسب لها ، وهو الأطهر ، والأصون لها .
ونسأل الله الكريم أن يرزقكِ الزوج الصالح ، والذرية الطيبة ، وأن يعينكِ على التعلم والتفقه في دين الله , وأن يصرف عنك وساوس الشيطان .
والله أعلم
تعليق