إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

وقفات مع آخر اللحظات لشهر رمضان (خطبة)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • وقفات مع آخر اللحظات لشهر رمضان (خطبة)

    1- وَقَفَاتٌ مُهِمَّةٌ مَعَ خِتَام الشَّهْرِ.
    2- وَقَفَاتٌ مَعَ أَحكَامِ زَكَاةِ الفِطرِ.
    3- آدَاب وَمُستَحَبَّات يَوْمِ العِيدِ.

    الهدف من الخطبة:
    نصائح وإرشادات تحفيزية لاغتنام ما بقي من شهر رمضان ولو كان لحظات قليلة، مع وقفة أخيرة لبعض أَحكَامِ زَكاةِ الفِطرِ، وآداب ومستحبات يوم العيد.

    مقدمة ومدخل للموضوع:
    أيها المسلمون عباد الله، كنا بالأمس القريب نتلقَّى التهاني ويبارك بعضنا لبعض بدخول شهر رمضان الكريم، هذا الموسم العظيم للمسلمين، وها نحن الآن على مشارف وداعه، وها نحن في الساعات واللحظات الأخيرة من شهر رمضان، فاللهم اجبر كسرنا بفراق شهرنا، واجعلنا فيه عندك من المقبولين، ولنا في ختام شهر رمضان هذه الوقفات:
    الوقفة الأولى: وقفة تأمل نأخذ منها العبرة والعظةَ من سرعة مرور الليالي والأيام:
    فإذا كنا قد بدأنا بالأمس صيام هذا الشهر، واليوم نوشك على النهاية؛ فإن في هذا لعبرة، فلكل بداية نهاية، فسبحان مُصرِّف الشهور والأعوام ومدبِّر الليالي والأيام، وسبحان الذي كتب الفناء على كل شيء وهو الحي القيوم الدائم الذي لا يزول، قال الله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62].

    فالعاقل من اعتبر مِن ذلك بسرعة انتهاء العمر ليملأ كل لحظة تمرُّ به بخيرٍ؛ طاعةً لربه ابتغاءَ رضوانه قبل أن يدركه الأجل؛ فعَنْ أبي يَعلَى شدَّادِ بنِ أوْسٍ رضي اللهُ عنه، عنِ النَّبي صلَّي اللهُ عليه وسلمَّ قال: ((الكيِّسُ مَنْ دَانَ نفْسَه، وعَمِلَ لما بعدَ الموْتِ، والعاجزُ مَنْ أتْبعَ نَفْسَه هواها، وتمنَّى علَى اللهِ))؛ [رواه التِّرْمِذيُّ]، ومعنى ((دانَ نَفْسَه))؛ أي: حاسبها.

    وهذه الدنيا تمُرُّ مثل رمضان وتمضي بلذائذها وشهواتها وتعبها ونَصَبِها وينسى الناسُ ذلك؛ ولكنهم يجدون ما قدَّموا مدَّخَرًا لهم إنْ خيرًا فخيرٌ وإنْ شرًّا فشرٌّ؛ فقد قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8].

    الوقفة الثانية: وقفة شكر لله تعالى على نعمة بلوغ الشهر، ثم التوفيق لاغتنامه:
    فهناك من قَصُرَ أجلُه عن بلوغ الشهر، وهناك من لم يكتب لهم تمام الشهر، وهناك من أدرك رمضان ولكنه وبال عليه؛ لكثرة تفريطه وتضييعه نعوذ بالله من الخذلان؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فقال: ((آمين آمين آمين))، فقيل له: يا رسول الله، إنك صعدت المنبر، فقلت: آمين آمين آمين! فقال: ((أتاني جبريل عليه السلام، فقال: يا محمد، رغم أنف امرئ دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له، قل: آمين، فقلت: آمين))؛ [صححه الألباني].

    الوقفة الثالثة: إنما الأعمال بالخواتيم:
    فإن المتبقي من شهر رمضان وإن كان قليلًا إلا أنه عظيم الشأن، فينبغي أن نبادر بالتوبة النصوح والاستغفار والذكر والدعاء والتضرع إلى الله تعالى والاجتهاد في أبواب الخير والطاعات؛ وقد جاء في الحديث: ((أن الله تعالى يغفر لعباده الصائمين في آخر ليلة من رمضان كما يُوفَّى العامل أجره إذا فرغ من عمله))؛ [رواه أحمد، وإسناده ضعيف].

    فإن الباقي من شهر رمضان إنما هي لحظات وساعات قليلة من أيام معدودات؛ فيحرص المؤمن أن يجتهد في هذا القليل؛ فالعبرة بخاتمة الشهر؛ لأنها آخر عمل الإنسان، وهو ما ثبت عليه واستقر عليه، ولأنها نسخ للتقصير في البداية، ولأنها هي ما يُذكر عن الإنسان بعد موته، ولأنها هي ما يلاقي بها العبد ربه سبحانه وتعالى؛ فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تُعْجَبوا بعملِ أحدٍ حتى تنظرُوا بما يُخْتَمُ لهُ، فإن العاملَ يعملُ زمانًا من دهرِهِ، أو بُرهةً من دهرهِ بعملٍ صالحٍ لو ماتَ عليه دخلَ الجنةَ، ثم يتَحوَّل فيعملُ عملًا سيئًا، وإن العبدَ ليعملُ زمانًا من دهرهِ بعمل سيِّئ لو ماتَ عليه دخلَ النارَ، ثم يتحوَّلُ فيعملُ عملًا صالحًا، وإذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيرًا استعملهُ قبلَ موتهِ فوفَّقَهُ لعملٍ صالحٍ، ثم يقبضهُ عليهِ))؛ [رواه أحمد، وصحَّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، وقال: حديث إسناده صحيح على شرط الشيخين]، فكم من مجتهد في بداية عمره ثم انتكس، فالعبرة بالخواتيم.

    وقال ابن الجوزي رحمه الله: "إن الخيل إذا شارفت نهاية المضمار بذلت قصارى جهدها لتفوز بالسباق؛ فلا تكن الخيل أفطن منك، فإنما الأعمال بالخواتيم؛ فإنك إذا لم تحسن الاستقبال، لعلك تحسن الوداع"، وقال شيخ الإسلام رحمه الله: "العبرة بكمال النهايات، لا بنقص البدايات"، وقال الحسن البصري رحمه الله: "أَحْسِن فيما بقي، يُغفرْ لك ما مضى".

    الوقفة الرابعة: ختام الشهر بكثرة الاستغفار:
    فإن الاستغفار ختام الأعمال الصالحة كلها؛ تُختم به الصلاة، والحج، وقيام الليل، وتُختم به المجالس، فإن كانت ذكرًا كانت كالطابع عليها، وإن كانت لغوًا كانت كفَّارة لها، فكذلك ينبغي أن يختم صيام رمضان بالاستغفار؛ كتب الخليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله كتابًا إلى أهل الأمصار يأمرهم فيه بختم رمضان بالاستغفار وصدقة الفطر، وقال في كتابه هذا: "قولوا كما قال أبوكم آدم عليه السلام: ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].

    الوقفة الخامسة: عليك بالدعاء بقبول الأعمال:
    فإن المؤمن مع شدة إقباله على الطاعات، والتقرب إلى الله بأنواع القربات؛ إلا أنه مشفق على نفسه أشد الإشفاق، يخشى أن يُحرم من القبول؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عن هذِهِ الآيةِ: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ [المؤمنون: 60]، قالت عائشةُ: أَهُمُ الَّذينَ يشربونَ الخمرَ ويسرِقونَ؟ قالَ: ((لا يا بنتَ الصِّدِّيقِ، ولَكِنَّهمُ الَّذينَ يصومونَ ويصلُّونَ ويتصدَّقونَ، وَهُم يخافونَ ألَّا تُقبَلَ منهُم أُولَئِكَ الَّذينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ))؛ [رواه الترمذي، وصححه الألباني].

    الوقفة السادسة: احذر من الانقطاع عن العمل:
    فإن الرجوع عن العمل الصالح هو مما استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ((وأعوذ بك من الحور بعد الكور))، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا ﴾ [النحل: 92].

    والعبادات وأبواب الخير لم تقتصر على شهر رمضان فحسب؛ بل إن هذا كله إنما هو استجابة لأمر الله تعالى: ﴿ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ﴾ [الحجر: 99]، فلا منتهى للعبادة والتقرب إلى الله إلا بالموت. وقال الله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾ [هود: 112].

    نسأل الله العظيم أن يختم لنا شهر رمضان برضوانه، وأن يتقبَّل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا.

    الخطبة الثانية
    وقفات مع أحكام زكاة الفطر:
    أيها المسلمون عباد الله، فإن من الأعمال التي شرعت في آخر هذا الشهر هو إخراج زكاة الفطر، وتسمى أيضًا صدقة الفطر؛ كما في الصحيحين عَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ"، وفي رواية: "أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ".

    وَفي الصحيحين عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: ((كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ))، وفي رواية: ((كُنَّا نُخْرِجُ يَوْمَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ واَلْأَقِطَ وَالتَّمْرَ)).

    وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، فَمَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنَ الصَّدَقَات"؛ [رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه].

    ومن خلال هذه الأحاديث نقف مع حضراتكم هذه الوقفات التي تتضمن بعضًا من مسائل زكاة الفطر:
    المسألة الأولى: حكمها وشروطها والحكمة منها:
    أما حكمها: فإنها واجبة على كل مسلم؛ فهي فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ، ولا تجب إلا بشرطين:
    1- الإسلام، فلا تجب على الكافر.

    2- وجود ما يفضل عن قوته، وقوت عياله، وحوائجه الأصلية في يوم العيد وليلته.

    والحكمة من وجوب زكاة الفطر:
    1- تطهير الصائم مما عسى أن يكون قد وقع فيه في صيامه، من اللغو والرفث.

    2- إغناء الفقراء والمساكين عن السؤال في يوم العيد، وإدخال السرور عليهم؛ ليكون العيد يوم فرح وسرور لجميع فئات المجتمع.

    3- وفيها إظهار شكر نعمة الله على العبد بإتمام صيام شهر رمضان وقيامه، وفعل ما تيسَّر من الأعمال الصالحة في هذا الشهر المبارك.

    المسألة الثانية: أن صدقة الفطر متعلقة بالأبدان؛ فهي تجب عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سواءٌ كانوا أغنياء أو فقراء عندهم قوت فاضل عن قوت عيالهم ليوم العيد وليلته؛ فيُخْرِجُها الرجلُ عن نفسه وعمن تجب عليه نفقتهم من الزوجات والأولاد والأقارب صغارًا كانوا أو كبارًا، ولا يجب إخراجها عن الجنين الذي في بطن أمه؛ وإن أخرج عنه فهو خير.

    المسألة الثالثة: أنها محددة ومقدَّرة شرعًا من حيث الأصناف والمقادير؛ وهو صاعٌ من غالب قوت البلد، وهو مقدار أربع حفنات؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ))، وقول أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه: ((كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ))؛ وعلى ذلك فلا يجوز إخراجها نقودًا خروجًا من الخلاف، وعملًا بالأحوط للعبادة.

    فلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُ قِيمَةِ الطَّعَامِ نَقْدًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ خِلَافُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِعَمَلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ؛ قَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ: "وَلِأَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ عِبَادَةٌ مَفْرُوضَةٌ مِنْ جِنْسٍ مُعَيَّنٍ، فَلَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهَا مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ الْمُعَيَّنِ، كَمَا لَا يُجْزِئُ إِخْرَاجُهَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ، وَلِأَنَّ إِخْرَاجَ الْقِيمَةِ يُخْرِجُ الْفِطْرَةَ عَنْ كَوْنِهَا شَعِيرَةً ظَاهِرَةً، إِلَى كَوْنِهَا صَدَقَةً خَفِيَّةً؛ فَإِنَّ إِخْرَاجَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ يَجْعَلُهَا ظَاهِرَةً بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، مَعْلُومَةً لِلصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ، يُشَاهِدُونَ كَيْلَهَا وَتَوْزِيعَهَا، وَيَتَعَارَفُونَهَا بَيْنَهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمَ يُخْرِجُهَا الْإِنْسَانُ خُفْيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآخِذِ".

    المسألة الرابعة: أن الشرع جعل لها وقتًا محددًا لإخراجها:
    فأفضل أوقاتها من بعد غروب الشَّمس من آخِرِ يوم من رمضان، إلى حين خروج الإمام لصلاة العيد، والأفضل أن تؤدَّى صباحَ العيد قبلَ الصلاة؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: "أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلَى الصَّلَاةِ".

    ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين؛ لما في صحيح البخاري عن نافع قال: "كان ابن عمر يعطي عن الصغير والكبير، حتى وإن كان يعطي عن بنيّ، وكان يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يُعطُون قبلَ الفِطر بيوم أو يومين".

    ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، فإن أخَّرها عن الصلاة بلا عذر لم تقبل؛ لأنه خلاف ما أمر الله به فتكون صدقة من الصدقات؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن أدَّاها قبلَ الصلاة، فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أدَّاها بعدَ الصلاة، فهي صدقة من الصدقات)).

    المسألة الخامسة: مصارف زكاة الفطر:
    تُدفَع زكاة الفطر للفقراء والمساكين، وقيل: تدفع للمصارف الثمانية للزكاة.

    ولا يجوز دفع الزكاة لمن تلزمه نفقتهم؛ كالوالد والأم والابن والزوجة، وتجوز فيمن لا تلزمه نفقتهم؛ كالأخت والأخ إن كانوا فقراء.

    ويجوز دفع زكوات عديدة لشخص واحد.

    كما يجوز توكيل الغير لإيصال زكاته؛ (مثل: صاحب المحل، أو غيره) لكن يُشترط أن تصل إلى يد الفقير في الوقت المحدد شرعًا، وليس كما يظن الناس أنها إن وصلت إلى من وكَّلَ بها فقد برئت ذمته.

    ونختم الخطبة: عن بعض آداب ومستحبات يوم العيد:
    1- الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة؛ فقد صحَّ في الموطأ وغيره: "أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى"؛ قال النووي رحمه الله: "ولأنَّه يومُ عيدٍ يجتمع فيه الكافَّةُ للصَّلاةِ؛ فسُنَّ فيه الغُسلُ لحُضورِها كالجمعة".

    2- الأكل قبل الخروج في الفطر وبعد الصلاة في الأضحى؛ ففي صحيح البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا"؛ قال العلماء: "إنما استحب الأكل قبل الخروج مبالغة في النهي عن الصوم في ذلك اليوم وإيذانًا بالإفطار وانتهاء الصيام".

    وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل حتى يرجع من الصلاة فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية.

    3- التكبير يوم العيد؛ وهو من السنن العظيمة في يوم العيد؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 185]، وعن الوليد بن مسلم قال: سألت الأوزاعي ومالك بن أنس عن إظهار التكبير في العيدين، قالا: "نعم كان عبدالله بن عمر يظهره في يوم الفطر حتى يخرج الإمام".

    ووقت التكبير في عيد الفطر يبتدئ من ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد.

    وأما صفة التكبير؛ فقد ورد في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه: "أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".

    4- ومن آداب العيد أيضًا: التهنئة؛ عن جبير بن نفير، قال: "كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبَّل الله منا ومنك".

    5- التجمل للعيدين ولُبس أحسن الثياب؛ ففي صحيح البخاري عن عبدالله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ))؛ فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمُّل للعيد لكنه أنكر عليه شراء هذه الجبة؛ لأنها من حرير.

    6- الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من طريق آخر؛ ففي صحيح البخاري عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ".

    وقيل: إن الحكمة من ذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة.

    وقيل: لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين.

    وقيل: لإظهار ذكر الله تعالى.

    وقيل: لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه.

    وقيل: ليقضي حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج أو ليزور أقاربه، وليصل رحمه.

    وقيل: وهو الأصح إنه لذلك كله ولغيره من الحكم التي لا يخلو فعله عنها.

    نسأل الله العظيم أن يختم لنا شهر رمضان برضوانه، وأن يتقَبَّل منا صيامنا وقيامنا وسائر أعمالنا.


    رمضان صالح العجرمي

    شبكة الالوكة
يعمل...
X