الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيعيش العالم في عصر السرعة في كل شيء، كل شيء يجري من حولنا على عجلٍ، وكثير من الأمور تسير على عجل، ولقد جُبل الإنسان على العجلة وعلى حب الاستعجال، وقد تكون هذه العجلة محمودة وقد تكون مذمومة، أما الاستعجال المذموم في حياة المسلم، فصورُه كثيرة كاستعجاله المحرمات في الدنيا، وقد ادُّخِرت له في الآخرة إن صبر عنها في الدنيا، واستعجاله في الدعاء والصلاة، وفي اتخاذ القرارات وأشياء كثيرة، واليوم نتحدث عن بعض صور العجلة المذمومة في أداء الصلاة.
فالصلاة عمود الدين وأول ما سيحاسب عليه العبد يوم القيامة، فإذا صلَحت صلَح سائر العمل، وإذا فسدت فسد سائر العمل، ومع ذلك فبعض الناس لا زال لا يتقن صلاته ولا يعطيها أي اهتمام، فهي عنده مجرد حركات يؤديها، ولا يسأل عن صحة ما أداه.
فمن العجلة المذمومة فيما يتعلق بالصلاة ونهى عنها النبي: إسراع الخطى عند الذهاب إلى المسجد لإدراك الصلاة، ولا سيما إذا كان الإمام قبيل الركوع أو ركع، فترى المتأخر يهرول ليدرك الركعة، وهذا الإسراع وإن كان ظاهره فيه حرص على الصلاة، فإنه منهي عنه؛ لأنه سيخل بالخشوع أثناء الصلاة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا))؛ رواه البخاري ومسلم.
والخطأ الثاني هو العجلة الزائدة في قراءة الفاتحة والسورة وأذكار الصلاة، وإنما السنة أن تقرأ الفاتحة آية آية؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فعن أم سلمة رضي الله عنها أنها سُئلت عن قراءة رسول الله، فقالت: يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً، وفي رواية: كان إذا قرأ قَطَعَ قِرَاءَتَهُ آيَةً آيَةً، يقول: بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ثم يقف، ثم يقول: الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ثم يقف، ثم يقول: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثم يقف، ثم يقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّيْنِ، وهكذا إلى آخر السورة، وكذلك كانت قراءته كلها يقف على رؤوس الآي، ولا يصلها بما بعدها؛ رواه أبو داود.
ولا يُقصَدُ بالوقوف الوقوفُ الطويل، إنما هي لحظة تفصل الآية عن الأخرى، والقراءة آيةً آيةً سنة تركها كثير من الناس، فتسمعهم يقرؤون الفاتحة في الصلاة بِنَفَسٍ واحدٍ، لا يقفون على رؤوس الآي.
والعجلة الثالثة في الصلاة هو عدم إتمام الركوع والسجود، روى أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَامَ، قَالَ: (ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، فَرَجَعَ الرَّجُلُ فَصَلَّى كَمَا كَانَ صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَ هَذَا عَلِّمْنِي، قَالَ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا)؛ متفق عليه.
ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «لَا تُجْزِئُ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ»؛ رواه أبو داود.
وعندما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَوْ مَاتَ هَذَا عَلَى حَالِهِ هَذِهِ، مَاتَ عَلَى غَيْرِ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»؛ رواه الطبراني.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إِنَّ الرجلَ لِيصلِّي سِتِّينَ سَنَةً، وما تقبلُ لهُ صلاةً، ولعلَّهُ يُتِمُّ الركوعَ، ولا يُتِمُّ السُّجُودَ، ويُتِمُّ السُّجُودَ ولا يُتِمُّ الركوعَ)؛ السلسلة الصحيحة (2535).
وعندما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم من صلاته، نادى رجلًا في آخر الصفوف لم يُحسن صلاته وأنكر عليه قائلًا: (يَا فُلَانُ، أَلَا تُحْسِنُ صَلَاتَكَ، أَلَا يَنْظُرُ الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّى كَيْفَ يُصَلِّي، فَإِنَّمَا يُصَلِّي لِنَفْسِهِ)؛ رواه مسلم.
وربما كان هذا لأنه قد يرحل إلى بلاد بعيدة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يُسأل عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم كونه صحابيًّا، ولذلك حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على تعليم أصحابه؛ لأنهم قدوات للأجيال التي من بعدهم.
ولذلك تأتي أهمية التبكير إلى أول الصلاة لتُدركها كاملة مع الإمام؛ لأن بعض مَن تَفوتهم الصلاة إذا سلَّم الإمام، قاموا ليُتموا صلاتهم، فأسرعوا فيها، وأخلُّوا بأركانها، فتَبطُل صلاتهم من حيث لا يشعرون.
والعجلة الرابعة في الصلاة مسابقة الإمام في الركوع والسجود، فبعض الناس يسابق الإمام ويكاد يركع أو يسجد قبله، وهذه عجلة مخلة ورد النهي الشديد عنها، فقد روى البخاري في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل صورته صورة حمار)؛ متفق عليه.
ومن العجلة التي يقع بها بعض المصلين أيضًا هو قيام المسبوق لقضاء ما فاته قبل تسليم الإمام، أو قبل انتهاء الإمام من السلام، وهذا خطأ، والصواب ألا يستعجل، بل ينتظر حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية، عندها يقوم المسبوق ليقضي ما بقي عليه، ويلحق بهذا الأمر أو هذه المخالفة، مخالفة أخرى وهي موافقة الإمام، فبعض المصلين هداهم الله يوافق إمامه؛ أي يرفع ويركع ويسجد معه، وهذا أيضًا خطأ، فإن الإمام ما جعل إلا ليُؤتَمَّ به، ولا يكون ذلك إلا بمتابعته لا بمسابقته ولا بموافقته.
فاتَّقوا الله في صلاتكم، واعلموا أن للصلاة من مكانة عظيمة في هذا الدين، فهي عمود الدين وثاني أركانه بعد الشهادتين، وآخر ما يذهب من هذا الدين، وآخر وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة، وهي قرة عين رسول الله ومفزعه عند الشدائد، فبادروا في أداءها في وقتها ومع الجماعة، واحذروا الاستعجال في أداءها والإخلال في أركانها، فإن أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق نفسه، أتعرفون كيف يسرق نفسه؟ فقد روى أبو قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها)؛ رواه أحمد، فلا تضيعوا صلاتكم وتسرقوا حسناتكم.
جعَلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
د.محمد بن ابراهيم النعيم
شبكة الالوكة
تعليق