مُلَخَّص مُبطِلات الصلاة [1]
(1) الكلام عَمْدًا:
عن زَيْد بن أرقم رضي الله عنه قال: "كنَّا نتكلَّم في الصلاة؛ يُكلِّم الرَّجل منَّا صاحبَه، وهو إلى جنبه في الصَّلاة، حتَّى نزلَتْ : ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]، فأُمِرْنا بالسُّكوت، ونُهِينا عن الكلام"[2].
فهذا الحديث دليلٌ على تَحْريم الكلام في الصَّلاة، ولا خِلافَ بين أهل العلم أنَّ من تكلَّم في صلاته عامدًا عالِمًا، فسدَتْ صلاته، واختلَفوا في حُكْم الجاهل والنَّاسي، فقد ذهبَ بعضُ أهل العِلْم إلى تَسْوية الجاهل والنَّاسي بالمتعمِّد، ولكن الأرجَح التَّفرقة بين النَّاسي والجاهل وبين العامد، فالنَّاسي والجاهل لا تَبْطل صَلاته بالكلام، بخلاف العامد، والدَّليل على ذلك:
(1) قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "إنَّ الله تجاوز عن أمَّتِي الخطأَ والنِّسيان وما استُكْرِهوا عليه"[3].
(2) حديثُ معاوية بن الحكَم السُّلَمي رضي الله عنه قال: بينما أنا أُصلِّي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذْ عطس رجلٌ من القوم، فقلتُ: يرحَمُك الله، فرَماني القومُ بأبصارهم، فقلت: واثُكْل أُمّيَاه! - (يعني فقدتني أمي) - ما شأنكم تَنْظرون إلَيَّ؟ فجعَلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلمَّا رأيتُهم يُصَمِّتونني، لكنِّي سكَتُّ، فلما صلَّى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فبأبي هو وأمِّي، ما رأيتُ مُعلِّمًا قبله ولا بعده أحسنَ تعليمًا منه، فوالله ما كَهَرني - (يعني ما نَهَرَني أو زجَرَني) - ولا ضربَني ولا شتَمني، قال: "إنَّ هذه الصَّلاة لا يَصْلح فيها شيءٌ مِن كلام النَّاس، إنَّما هو التَّسبيح والتكبير وقراءة القرآن[4]".
ففي هذا الحديث دليلٌ على تَحْريم الكلام في الصلاة مطلقًا، سواء كان لحاجةٍ أو لغير حاجة، وسواء كان لإصلاحِ الصَّلاة، أو لغيرها، وأمَّا مَن ذهب إلى جواز الكلامِ للمَصْلحة مستدِلاًّ بحديث ذي اليدَيْن - (الذي سيأتي في أبواب سجود السَّهو) - فلا تقوم به الحُجَّة على ما ذهَبوا إليه، ولكن يُستفاد من حديث ذي اليدين أنَّه إذا تكلَّم وهو يظنُّ أنَّ صلاته قد انتهَتْ - أنَّ ذلك لا يُبْطل صلاتَه.
• واعلم أنه لَم يثبت دليلٌ على أنَّ خروج حرفٍ أو حرفين لِبُكاء أو نَفْخ أو نَحْوه مُبْطِل للصلاة؛ لأنَّ هذا لا يكون كلامًا، بل هو مِثْل البصاق، وقد اتَّفقوا على أنَّ البصاق لا يُبطل الصلاة، بل ثبتَ خِلافُ ذلك؛ فعَنْ عبدالله بن عمرٍو رضي الله عنهما أنَّ النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "نفَخَ في صلاة الكسوف"[5].
(2، 3) الأكل والشرب عمدًا:
قال ابن المنذر: "أجمعَ أهل العلم على أنَّ مَن أكل أو شرب في صلاة الفَرْض عامدًا - أنَّ عليه الإعادة"[6]، وكذلك في صلاة النافلة عند الجمهور؛ لأنَّ ما أبطلَ الفرض يُبْطِل النَفل.
والرَّاجح أنَّ الأكل يبطل الصَّلاة، سواء كان قليلاً أو كثيرًا، حتَّى لو كان بين أسنانِه شيءٌ فابتلعَه عمدًا، بطلَتْ صلاته، فإنِ ابتلع شيئًا مغلوبًا، أو كان ناسيًا، لَم تبطل صلاته[7]، ولذلك ينبغي أن يحرص العبد على المضمضة واستعمال السواك قبل الصلاة قدر ما يستطيع، والله المُستَعَان.
(4، 5) مَن تَرك شرطاً أو رُكناً أو واجباً:
فأما الشُّروط (كالطهارة واستقبال القبلة وغير ذلك) فمتَى أخَلَّ بأحدها، لم تَصِحَّ صلاتُه كما تقدم في تعريف معنى الشرط، وأما بُطلان الصلاة بسبب تَرْك الرُكن عَمْداً: فالدَّليل على ذلك حديثُ المُسِيءِ صلاتَه، لأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال للأعرابِيِّ - لَمَّا ترك الاطمئنان، وهو ركن من أركان الصلاة -: "ارجِعْ فصَلِّ؛ فإنك لم تُصلِّ"، فهذا يدلُّ على أنَّه لو تركَ رُكنًا عمدًا بطلَتْ صلاتُه في الحال، "وأمَّا إنْ ترَكَ الرُكن سهوًا: فإنه إنْ تذَكَّرهُ وهو في الصلاة: فإنه يعود ليأتي به (فمثلاً: لو أنَّه نَسِيَ الركوع، ونزل إلى السجود مباشرة، فإنْ تذكَّرَ قبل أن يصل إلى الركوع الذي في الركعة التالية، فإنه يعود ليأتي بالركوع المَنْسِي، ثم يُكمِل باقي الصلاة بدءاً مِن هذا الركوع، وأما إن كان قد وصل إلى مَوْضِع الركوع الذي في الركعة التالية فإنه يعتبر الركعة التي نَسِيَ ركوعها لاغية، وعليه أن يأتي بركعة أخرى مكانها، ثم يسجد للسهو).
وأما إن لَم يذكُرْ هذا الركن حتَّى فرغَ من الصلاة، فإنْ طالَ الفَصْل (كأن يَمرُّ أكثر من خمس دقائق تقريباً): فإنه يُعيد الصَّلاة مِن أوَّلِها، وإن لم يَطُل الفصل فإنه يبني عليها (يعني يُكَبِّر، ثم يأتي بركعة مكان الركعة التي نَسِيَ رُكنُها، ثم يسجد للسهو)، ويُرْجَع في طول الفصل وقِصَره إلى العادة والعُرْف"[8].
والحُكم في الواجبات أنه إنْ ترَكَها عمدًا، بطلَتْ صلاته كذلك، وأمَّا إنْ ترَكَها سهوًا، سجد للسَّهو، ولا يَلْزمه الإتيانُ بها[9].
(6) العمل الكثير عمدًا:
والمقصود به أعمالٌ ليست من جِنْس الصَّلاة.
قال النوويُّ رحمه الله: "إنَّ الفعل الذي ليس من جِنْس الصَّلاة إن كان كثيرًا، أبطَلَها بلا خلاف، وإن كان قليلاً، لَم يُبطِلْها بلا خلاف، وهذا هو الضَّابط.. . قال: والجُمْهور أنَّ الرُّجوع فيه إلى العادة؛ فلا يضرُّ ما يعدُّه الناس قليلاً كالإشارة بِرَدِّ السَّلام، وخَلْع النَّعل، ورَفْع العمامة ووَضْعها، وَلِبْس ثَوْبٍ خفيف ونَزْعه، وحَمْل صغير وَوَضْعِه، ودَفْع مارٍّ، ودَلْك البُصاق في ثوبه، وأشباه ذلك"[10]، ثُمَّ ذكرَ مثالاً للعمل الكثير، وهو الخطوات المُتَتالية، بخلافِ ما إذا خطا خُطْوة، ثم وقف، ثم أخرى، ثم وقَف.
قال الشيخ عادل العزازي تعليقاً على هذا الكلام: (ليس في الخُطوات المتتالية دليلٌ على بطلان الصَّلاة).. إلى أن قال: (فالأَوْلى أن يُقال: كلُّ عملٍ يَنْشغل به - أي: المُصَلِّي - ولَم يُبِحْه له الشَّرع في الصلاة، يكون مُبطِلاً لِصَلاته، وأمَّا ما أذِنَ له فيه الشَّرع، أو كان فيه إصلاحًا للصَّلاة، فلا يُعَدُّ مبطلاً).
(7) الضحك في الصَّلاة:
قال ابن المنذر: "الإِجْماع على بُطْلان الصَّلاة بالضَّحِك"[11].. وقال أكثرُ أهل العلم: لا بأسَ بالتبَسُّم؛ أيْ: إنَّ التبسُّم لا يُبْطِل الصلاة.
قال الشيخ عادل العزازي: (وليس معنى ذلك إباحةَ التبسُّم في الصلاة؛ لأنَّ ذلك يُنافي حال الخشوع والإقبال على صلاته، لكنَّه لو تبسَّم، فلا تَبْطل صلاته).
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
[1] مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري).
[2] البخاري (1200، 4534)، ومسلم (539)، وأبو داود (949)، والترمذي (405).
[3] صحيح: رواه ابن ماجَهْ (2045)، والحاكم (198) من حديث ابن عبَّاس، وصحَّحه على شرطهما، ووافقَه الذهبي، وله شواهِدُ من حديث ابن عمر، وعُقْبة بن عامر، وأبي الدَّرداء، وثوبان.
[4] مسلم (537)، ورواه أبو داود (930)، والنَّسائي (3/ 14)، وأحمد (5/ 447).
[5] حسَنٌ: رواه أحمد (2/ 188)، وأبو داود (1194)، والنَّسائي (3/ 57).
[6] "الإجماع" (ص 8).
[7] راجع في ذلك "المجموع" (4/ 89 - 90).
[8] انظر: المغني" (2/ 4).
[9] وسيأتي تفصيلُ ذلك في أبواب سجود السهو..
[10] "المجموع" للنووي (4/ 92 - 93).
[11] نقلاً من كتاب "المجموع" للنووي (4/ 89).
رامي حنفي محمود
شبكة الالوكة
تعليق