مُلَخَّص مواقيت الصلاة
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله*
أولاً: ما معنى المواقيت؟
المواقيت: جمع ميقات، وهو القَدْر المحدد من الزمان لإحداث فِعْلٍ معين فيه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]. أي بوقت محدد.
ثانياً: وقت صلاة الظهر
يبدأ وقتِ الظُّهْر إذا زالتِ الشمس، ومعنى (زوال الشمس): أي مَيْلها عن كَبِد السماء (يعني وسط السماء)، وذلك أنَّ الشمس إذا طلعَتْ صار للشخص ظلٌّ جِهةَ المغرب، ثم لا يزال هذا الظلُّ ينقص كلَّما ارتفعتِ الشمس حتى يتوقَّف عن النقصان - وعندئذٍ تكون الشمسُ في كبد السماء - ثم يبدأ الظلُّ في الزيادة مِن الجهة الأُخرى، فإذا بدأ الظل في هذه الزِّيادة كان هذا هو وقتَ الزوال، وأما آخِر وقْت صلاة الظهر فيكون إذا صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه[1].
الإبراد (أي التأخير) بصلاةِ الظهر في شدة الحر إلى وقتِ الإبراد؛ (وهو الوقتُ الذي يتبيَّن فيه انكسارُ شدَّة الحر):
الأصل أنه يُستحَبُّ التعجيلُ بإتيان الصلاةِ في أوَّل وقْتها؛ لأنَّ ذلك من المسارعة إلى أمْر الله، وفي حديثِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه سأل النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصَّلاةُ على وقْتِها))[2]، وفي روايةٍ عندَ ابن حبَّان: ))الصَّلاةُ في أوَّل وقتِها))[3]، لكن في شِدَّة الحرِّ يُشْرَع الإبراد بصلاةِ الظهر (يعني تأخيرها إلى وقتِ الإبراد؛ وهو الوقتُ الذي يتبيَّن فيه انكسارُ شدَّة الحر وأن يَصير للتلُول ظِل يَمشُون فيه)، فقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا اشتدَّ الحرُّ، فأَبْرِدوا بالصلاة؛ فإنَّ شِدَّة الحرِّ مِن فيْح جهنَّم))[4].
وجمهورُ العلماء على أنّ هذا الأمر للاستحباب، ويرى بعضُهم الوجوبَ[5]، ويُستفاد مِن الحديث: أنَّه لا يُشرَع الإبرادُ في البَرْد، وكذلك إذا لم يشتدَّ الحرُّ، ويُستفاد أيضا أن الإبرادَ يكون إلى قُرْبِ وقت العصر.
قال الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا يحصُلُ لمَن يُصلِّي جماعة، ولمن يُصلِّي وحدَه، ويدخُل في ذلك النِّساء، فإنَّه يُسَنُّ لهنَّ الإبرادُ في صلاةِ الظهر في شدَّة الحر"[6].
• ولكن اعلم - رحمك الله - أن من مقاصد الشريعة: (رفع الحرج عن الناس)، فإذا زال الحرج عن الناس في شدة الحر بوجود المكيفات والمراوح كما في عصرنا، فإنه يُستحَبُّ الإتيان بالصلاةِ في أوَّل وقْتها، والله اعلم.
ثالثاً: وقت صلاة العصر
يبدأ وقتُ صلاةِ العصر عندما يكون ظِلُّ الشيءِ مثلَه (يعني بعد انتهاء وقت الظهر مباشرة)، وأمَّا بالنسبة لوقتُ انتهائِه فقد ذَهَب العلماءُ إلى تقسيم وقتِ العصر إلى خمسة أوقات: (فضيلة، واختيار، وجواز بلا كَراهة، وجواز مَع الكراهة، ووقت عُذْر).
قال النوويُّ رحمه الله نقلاً عن أصحابِ الشافعي:
"فأمَّا وقتُ الفضيلة فأوَّل وقتِها، ووقتُ الاختيار يمتدُّ إلى أن يصيرَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مِثلَيْه - (يعني مثله مرتين) -، ووقتُ الجواز إلى الاصْفِرار، ووقتُ الجواز مع الكراهة حال الاصفرار إلى الغروب، ووقتُ العُذر وهو وقتُ الظهر في حقِّ مَن يَجْمع بين الظهر والعصر لسَفَر أو مطَر، ويكون العصر في هذه الأوقاتِ الخمسة أداءً، فإنْ فاتتْ بغروب الشمسِ فهي قَضاء"[7].
ويستحب تعجيل صلاة العصر ولو مع الغَيْم (يعني ولو كان السحاب يغطي على الشمس):
ومما يدلُّ على استحبابِ المبادرة في اليوم الغَيْم ما ثبَت عن أبي المَلِيح رضي الله عنه قال: كنَّا مع بُرَيدةَ في غزوة في يوم ذي غَيْم فقال: بَكِّروا بصلاةِ العصر، فإنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن ترَك صلاةَ العصر فقدْ حَبِط عملُه))[8].
وقد اختلفتْ أقوالُ العلماءِ في تحديدِ الصلاة الوُسْطَى، وأرْجَحها أنَّها صلاةُ العصر، فقد صرَّحتْ بذلك الأحاديثُ.
رابعاً: وقت صلاة المغرب
يبدأ وقتِ صلاةِ المغرِب إذا غابتِ الشمس، وآخِرُ وقتِها إلى مغيب الشَّفَق الأحمر على أرجحِ الأقوال.
قال الشيخ عادل العزازي: وقد وردَتِ الأحاديثُ مُصرِّحةً باستحباب تعجيلها، فمِن ذلك:
(1) عن رافِع بن خَدِيج رضي الله عنه قال: "كُنَّا نُصلِّي مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المغرِبَ فينصرف أحدُنا، وإنَّه لَيُبصرُ مواقِعَ نَبْلِه"[9]، (يعني يبصر المكان الذي يضرب فيه بالنبلة، وذلك بسبب الضوء الموجود في السماء، دليلٌ على تعجيل المغرب).
(2) قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَزال أُمَّتي بخير - أو على الفِطرة - ما لم يُؤخِّروا المغربَ حتى تَشتبِكَ النُّجوم))[10].
خامساً: وقت صلاة العشاء
يبدأ وقتُ صلاةِ العشاء مِن غروب الشَّفَق الأحمر (يعني بعد انتهاء وقت المغرب مباشرة)، وأمَّا آخِر وقتِها فاختلَف أهلُ العلم في ذلك: فذهب بعضُهم إلى أنه يمتدُّ إلى نِصف الليل، وذهَب فريقٌ آخرُ إلى أنَّه ممتدٌّ إلى صلاةِ الفجر، والصواب - والله أعلم - ما ذَهبَ إليه الفريقُ الأول مِن أهل العلم أنَّ وقتَ العشاء ينتهي بنِصْف الليل.
ويستحب تأخيرها إلى ثلث الليل الأول، لكن بشَرْط مراعاة الجماعة، فلا ينفرد عنِ الجماعة إذا صلَّوْها في أوَّل الوقت؛ لعدمِ فوات الجماعة، ولعدمِ إضاعة الجماعات.
ويكره النوم قبلَ العِشاء ويكره السَّمَر والحديث بعدها:
فقد كان رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - "يَستحِبُّ أن يُؤخِّر العِشاءَ التي يدْعونها العَتَمة، وكان يَكْره النومَ قبْلَها والحديثَ بعدَها"[11]، ففي هذا الحديثِ ما يدلُّ على كراهيةِ النوم قبلَ العِشاء.
قال الترمذيُّ رحمه الله: "وقدْ كَرِه أكثرُ أهلِ العِلم النومَ قبل صلاةِ العشاء، ورخَّص في ذلك بعضُهم"[12].
وقال ابنُ العربي رحمه الله: "إنَّ ذلك جائزٌ لمَن عَلِم من نفسه اليقظةَ قبل خروج الوقْت بعادة، أو يكون معه مَن يُوقِظه، والعِلَّة في الكراهة قبلها لئلاَّ يذهبَ النومُ بصاحبه ويستغرقه فتفوته، أو يفوته فضلُ وقتِها المستحب، أو يترخَّص في ذلك الناسُ فيناموا عن إقامةِ جماعتها"[13].
قال الشيخ عادل العزازي: وأمَّا إذا غلبتْه عيناه وهو في المسجِد ينتظر الصلاةَ، فليس مِن هذا الباب المنهيِّ عنه؛ لحديث عائشةَ رضي الله عنها: "أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْتَمَ بالعِشاء - (يعني أخرها) -، حتى ناداه عمرُ: نام النِّساءُ والصِّبيان"[14].
قال ابنُ سيِّد الناس رحمه الله: "ولا أرى هذا مِن هذا الباب، ولا نُعاسَهم في المسجدِ وهم في انتظارِ الصلاة مِن النوم المنهي عنه، وإنَّما هو مِن السِّنَة التي هي مَبادِئ النَّوم"[15].
وأمَّا السَّمَر بعدَ العشاء، فإنَّه مكروه إلا لضرورة أو إذَا كانتِ الفائدة دِينيَّة، أو للمسافِر، أو الحديث مع أهلِه.
قال النوويُّ رحمه الله: "واتَّفق العلماءُ على كراهةِ الحديث بعدَها إلا ما كان في خيْر"[16].
وقال الشوكانيُّ رحمه الله: "وعِلَّة الكراهةِ ما يُؤدِّي إليه السَّهَر من مخافةِ غَلَبة النومِ آخِر اللَّيْل عنِ القيامِ لصلاة الصبح في جماعة، أو الإتيان بها في وقتِ الفضيلة والاختيار، أو القيام للوردِ مِن صلاةٍ أو قراءةٍ في حقِّ مَن عادته ذلك، ولا أقلَّ لِمَن أمِن ذلك مِن الكسل بالنهار عمَّا يجب مِن الحقوق فيه والطاعات"[17].
سادساً: وقت صلاة الصبح
يبدأ وقْتَ الصبح مِن طلوع الفجر الصادق، ويمتدُّ حتى طلوعِ الشمس.
ما جاء في التغليس بصلاةِ الصبح (يعني الإتيان بها مبكرا والظلام ما زال موجودا)، وما جاء في الإسفار بها (يعني تأخيرها إلى ظهور ضوء النهار):
معنى الغلس: (بقايا الظلام)، والإسفار: (ضَوْء النَّهار)، وقد وردتِ الأحاديثُ بالتغليس بصلاةِ الصُّبْح، وأخرى بالإسفارِ بها.
ولذلك يمكن أن يُقال: يجوز التغليس، ويجوز الإسفار، وإنْ كان التغليس أفضلَ؛ لمَا ثبَت في الحديثِ أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلَّى صلاةَ الصبح مرَّة بغَلَس، ثم صلَّى مرَّةً أخرى فأسْفَر بها، ثم كانتْ صلاتُه بعدَ ذلك التغليس حتى مات، لم يَعُدْ إلى أن يُسفِر[18].
قال الشوكاني رحمه الله: "والحديثُ يدلُّ على استحبابِ التغليس، وأنَّه أفضلُ مِن الإسفار، ولولا ذلك لمَا لازَمه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى مات"[19].
تنبيهات وملاحظات:
(1) يُكرَه تغليبُ اسم (العَتَمة) على صلاةِ العِشاء، وإنْ كان يجوز ذلك أحيانًا بشَرْط ألا يُغلَّب.
فقد قال رسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَغلبنَّكم الأعرابُ على اسمِ صلاتِكم، ألاَ وإنَّها العِشاء، وهُم يُعْتِمون بالإبِل))[20].
ومعنى (يُعتِمون بالإبل): يَحْلِبون الناقة في هذه الساعة المتأخِّرة؛ ولذلك قال بعضُ العلماء: إنَّ العِلَّة في النهي تنزيهُ العِبادة الشرعيَّة المحبوبة عن أيِّ أمرٍ دُنيوي.
وأمَّا الدليلُ على جوازِ تسميتها (العَتَمة) أحيانًا أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((... ولو يَعلمون ما في العَتَمة والصُّبح، لأَتَوْهما ولو حبوًا))[21].
(2) مَن أدرك ركعةً قبل خروج الوقْت، فقدْ أدرك الصلاةَ لوقْتِها، وعلى مَن أدرك ذلك أن يُتِمَّ الصلاة أداءً؛ وذلك لمَا ثبَت في الحديثِ أنَّ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن أدرك ركعةً مِن الصلاة، فقدْ أدرَك الصلاة))[22].
ويُفهَم مِن الحديث أنَّه إذا أدرك أقلَّ مِن ركعة كامِلة لا يكون مدركًا للصلاة، وفي كِلا الحالين يكون آثمًا للتأخير.
(3) اعلم أنَّه لا يجوز أن تُؤخَّر الصلاة إلى آخِرِ وقتها، فقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:((تِلك صلاةُ المنافِق؛ يجْلس يرقُب الشمسَ حتى إذا كانتْ بيْن قرْني شيطان، قام فنَقَرها أربعًا لا يَذْكُر الله فيها إلا قليلاً))[23].
وقد أمَر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدمِ تأخيرها مع الأمراءِ إذا أخَّروها عن وقتِها، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كيف أنتَ إذا كانتْ عليك أمراءُ يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها؟ أو يُميتون الصلاةَ عن وقتها؟))، قال: قلتُ: فما تأمُرُني؟ قال: ((صلِّ الصلاةَ لوقتها، فإن أدركتَها معهم فصَلِّ، فإنَّها لك نافِلَة))[24].
ولكن أيُّهما تُحْسَبُ الفريضة: هل التي صلاَّها وحْدَه، أم التي صلاَّها مع الأئمَّة؟!
الصحيح مِن أقوال أهل العِلم أنَّ الصلاة التي صلاَّها أولاً هي الفريضة، والثانية هي النافِلة؛ لقوله في الحديثِ السابق: ((فإنَّها لك نافِلَةٌ))، ولغيره مِنَ الأحاديث.
(4) إذا زال العذر المانع من أداء الصلاة - كأن: (تطَهُر الحائض، أو يعقَل المجنون، أو يفيق المُغمَى عليه، أو يحتَلَم الصبي، أو يسلَم الكافر) - قبلَ أن يخرج وقتِ الصلاة بفترةٍ تَسَع لأداء ركعة منها، فإنَّه يجب عليه صلاةُ هذا الوقت، (يعني عليه قضاء هذه الصلاة التي خرج وقتها)، وأمَّا إذا زال العذر قبلَ أن يخرج وقتِ الصلاة بمقدار يسع لأقل من الرَّكْعة، فالصحيحُ أنه لا تجب عليه أداء هذه الصلاة.
(5) مَن زال عقلُه بإغماء حتى خرَج الوقتُ - أي: أُغمي عليه قبلَ دخول وقتِ الصلاة واستمرَّ به حتى خرَج وقتُها - فلا يجب عليه قضاءُ تلك الصلاة، وهو مذهبُ الأئمَّة الثلاثة، ومذهَب الإمام أحمد وجوبُ القضاء، والراجح الرأيُ الأول[25].
(6) إنَّ أخَّر الصلاة عن أوَّل وقتِها بنِيّة فِعْلها - أي: قبل خُروج الوقت - فمات قبل فِعْلها، لم يكن عاصيًا؛ لأنَّه فعَل ما يجوز له فِعْلُه، والوقت ليس مِن فِعْله فلا يأثَم به؛ قاله ابن قدامة في "المغني"[26].
(7) إذا طَرَأ عذر بعدَ دخولِ وقتِ الصلاة من حيْض أو جنون أو إغماء، ونحو ذلك، ففيه أقوالٌ لأهل العِلم:
الأول: إذا أدْرك وقتًا يَسَع لأداء ركعةً من الصلاة ثم طرأ العذر وجَبَ عليه القضاء.
الثاني: أنَّه لا يجب عليه القضاءُ إلا إذا أدْرك وقتًا يَسَع لأداء الصلاة كلها، ثم لم يُؤدِّها حتى طرَأ العذر، وهو مذهَبُ الشافعية.
الثالث: لا يَلْزمه القضاء إلا إذا بقِي من وقتِ الصلاة بمقدار فِعْل الصلاة؛ لأنَّ تأخيرَه لم يكن عن تفريطٍ ولا تعدٍّ، ولم ينقل إلينا أنَّ المرأة إذا حاضتْ في أثناء الوقت أُلْزِمت بقضاءِ الصلاة، والأصل براءةُ الذِّمَّة، وهذا اختيار ابن تيمية[27]، وهو قولُ مالك وزُفَر.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا تعليلٌ قوي جدًّا... فإنْ قضاها احتياطًا، فهو على خيرٍ، وإنْ لم يقضها فليس بآثم"[28].
(8) قال ابن قدامة رحمه الله: "ومَن صلَّى قبل الوقْتِ لم تَجُزْ صلاته في قولِ أكثر أهلِ العِلم، سواء فعَلَه عمدًا أو خطأ، كلَّ الصلاة أو بعضَها"[29].
(9) لا يجوز للإنسانِ أن يُصلِّي الفَرْض إلا إذا تيقَّن أو غلَب على ظنِّه دخولُ الوقت، وأمَّا لو شكَّ في دخوله فلا يُصلِّي، وإنما يَعرِف دخولَ الوقت باجتهاده - إنْ كان له معرفة بذلك - أو بَخبَرِ مَن يَثِق بقوله، سواء كان رجلاً أو امرأة.
(10) إذا عَلِم باجتهاد منه أنَّ وقت الصلاة قد حان فصلَّى، ثم تبيَّن له أنه خطأ، فعليه إعادةُ الصلاة، وتكون صلاتُه التي صلاَّها نفلاً.
(11) لا يَكْفي الاعتماد بدُخول وقتِ الصلاة مجرَّدُ سماع صوْت الأذان مِن مِذياع، حتى يتيقَّن أنه أذان البلد المُقيم فيه؛ لأنَّه ربما كان الأذان منقولاً من بلدٍ آخر، أو كان الأذانُ صادرًا مِن تسجيل، أو نحو ذلك.
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
* مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
[1] أي مضافًا إليه الظل الذي يكون عندَ الزوال، وهذا الظلُّ يختلف بحسبِ اختلاف البلاد ففي بلاد المناطِق الاستوائية تكون الشمسُ عموديةً تمامًا فوقَ الشخص، فلا يكون هناك زيادةٌ عندَ الاستواء، بل يكون الظِّلُّ أسفلَ الشخص، وفي بلادٍ أخرى حيث تكون هناك زاوية ميْل للشمس، يكون هناك ظِلٌّ للشخْص - نحو شِبر أو أكثر أو أقلّ - عندَ الاستواء، فهذه الزيادة تُحسَب عند آخر الوقت، فيكون آخِر وقت الظهر: أن يكون الظلُّ مِثلَ الشخص مضافًا إليه هذه الزِّيادة.
[2] البخاري (527)، ومسلم (85)، والترمذي (173)، والنسائي (1/ 292).
[3] صحيح: رواه ابن خزيمة (327)، وابن حبان (1475).
[4] البخاري (533)، ومسلم (615)، وأبو داود (402)، والترمذي (157)، والنسائي (1/ 248)، وابن ماجه (678).
[5] انظر فتح الباري (2/ 16).
[6] "الشرح الممتع" (2/ 99)، وهو المشهورُ عن الإمامِ أحمد - كما قال الحافظ في "الفتح" بعدَ أن نقَل الخِلافَ (2/ 16 ).
[7] نقلاً من "نيل الأوطار" (1/ 288)، وانظر "مجموع النووي" (3/ 27).
[8] البخاري (553)، والنسائي (1/ 236)، وابن ماجه (694)، وأحمد (5/ 345، 357).
[9] البخاري (559)، ومسلم (637)، وأبو داود (416)، وابن ماجه (687)
[10] صحيح: رواه أبو داود (418)، وأحمد (4/ 174)، والبيهقي (1/ 370)
[11] البخاري (599)، ومسلم (647)
[12] سنن الترمذي (1/ 314).
[13] نقلاً من نيل الأوطار (1/ 416).
[14] البخاري (566)، (569)، ومسلم (638)، والنسائي (1/ 239).
[15] نقلاً من "نيل الأوطار" (1/ 416).
[16] "شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 146).
[17] "نيل الأوطار" (1/ 417).
[18] حسن: رواه أبو داود (394)، وابن خزيمة (352)، وابن حبان (1449).
[19] "نيل الأوطار" (1/ 421).
[20] مسلم (644)، وأبو داود (4984)، وابن ماجه (704)، والنسائي (1/ 270).
[21] البخاري (615)، ومسلم (437)، والترمذي (225)، والنسائي (1/ 269).
[22] البخاري (580)، ومسلم (607)، وأبو داود (1121)، والترمذي (524)، النسائي (1/ 274)، وابن ماجه (1122).
[23] صحيح: وقد تقدَّم تخريجه (ص163).
[24] مسلم (648)، وأبو داود (431)، والترمذي (176)، والنسائي (2/ 75).
[25] انظر "الشرح الممتع" (2/ 16).
[26] انظر في ذلك "الاختيارات الفقهية" (ص: 67).
[27] "الاختيارات الفقهية" (ص: 66).
[28] "الشرح الممتع" (2/ 127- 128).
[29] "المغني" (1/ 395).
رامي حنفي محمود
شبكة الالوكة
من المختصر البسيط لكتاب تمام المنة
في فقه الكتاب وصحيح السنة
لفضيلة الشيخ عادل العزازي أثابه الله*
أولاً: ما معنى المواقيت؟
المواقيت: جمع ميقات، وهو القَدْر المحدد من الزمان لإحداث فِعْلٍ معين فيه؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103]. أي بوقت محدد.
ثانياً: وقت صلاة الظهر
يبدأ وقتِ الظُّهْر إذا زالتِ الشمس، ومعنى (زوال الشمس): أي مَيْلها عن كَبِد السماء (يعني وسط السماء)، وذلك أنَّ الشمس إذا طلعَتْ صار للشخص ظلٌّ جِهةَ المغرب، ثم لا يزال هذا الظلُّ ينقص كلَّما ارتفعتِ الشمس حتى يتوقَّف عن النقصان - وعندئذٍ تكون الشمسُ في كبد السماء - ثم يبدأ الظلُّ في الزيادة مِن الجهة الأُخرى، فإذا بدأ الظل في هذه الزِّيادة كان هذا هو وقتَ الزوال، وأما آخِر وقْت صلاة الظهر فيكون إذا صار ظلُّ كلِّ شيء مثلَه[1].
الإبراد (أي التأخير) بصلاةِ الظهر في شدة الحر إلى وقتِ الإبراد؛ (وهو الوقتُ الذي يتبيَّن فيه انكسارُ شدَّة الحر):
الأصل أنه يُستحَبُّ التعجيلُ بإتيان الصلاةِ في أوَّل وقْتها؛ لأنَّ ذلك من المسارعة إلى أمْر الله، وفي حديثِ ابن مسعودٍ رضي الله عنه أنَّه سأل النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: أيُّ الأعمال أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصَّلاةُ على وقْتِها))[2]، وفي روايةٍ عندَ ابن حبَّان: ))الصَّلاةُ في أوَّل وقتِها))[3]، لكن في شِدَّة الحرِّ يُشْرَع الإبراد بصلاةِ الظهر (يعني تأخيرها إلى وقتِ الإبراد؛ وهو الوقتُ الذي يتبيَّن فيه انكسارُ شدَّة الحر وأن يَصير للتلُول ظِل يَمشُون فيه)، فقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا اشتدَّ الحرُّ، فأَبْرِدوا بالصلاة؛ فإنَّ شِدَّة الحرِّ مِن فيْح جهنَّم))[4].
وجمهورُ العلماء على أنّ هذا الأمر للاستحباب، ويرى بعضُهم الوجوبَ[5]، ويُستفاد مِن الحديث: أنَّه لا يُشرَع الإبرادُ في البَرْد، وكذلك إذا لم يشتدَّ الحرُّ، ويُستفاد أيضا أن الإبرادَ يكون إلى قُرْبِ وقت العصر.
قال الشيخُ ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا يحصُلُ لمَن يُصلِّي جماعة، ولمن يُصلِّي وحدَه، ويدخُل في ذلك النِّساء، فإنَّه يُسَنُّ لهنَّ الإبرادُ في صلاةِ الظهر في شدَّة الحر"[6].
• ولكن اعلم - رحمك الله - أن من مقاصد الشريعة: (رفع الحرج عن الناس)، فإذا زال الحرج عن الناس في شدة الحر بوجود المكيفات والمراوح كما في عصرنا، فإنه يُستحَبُّ الإتيان بالصلاةِ في أوَّل وقْتها، والله اعلم.
ثالثاً: وقت صلاة العصر
يبدأ وقتُ صلاةِ العصر عندما يكون ظِلُّ الشيءِ مثلَه (يعني بعد انتهاء وقت الظهر مباشرة)، وأمَّا بالنسبة لوقتُ انتهائِه فقد ذَهَب العلماءُ إلى تقسيم وقتِ العصر إلى خمسة أوقات: (فضيلة، واختيار، وجواز بلا كَراهة، وجواز مَع الكراهة، ووقت عُذْر).
قال النوويُّ رحمه الله نقلاً عن أصحابِ الشافعي:
"فأمَّا وقتُ الفضيلة فأوَّل وقتِها، ووقتُ الاختيار يمتدُّ إلى أن يصيرَ ظلُّ كلِّ شيءٍ مِثلَيْه - (يعني مثله مرتين) -، ووقتُ الجواز إلى الاصْفِرار، ووقتُ الجواز مع الكراهة حال الاصفرار إلى الغروب، ووقتُ العُذر وهو وقتُ الظهر في حقِّ مَن يَجْمع بين الظهر والعصر لسَفَر أو مطَر، ويكون العصر في هذه الأوقاتِ الخمسة أداءً، فإنْ فاتتْ بغروب الشمسِ فهي قَضاء"[7].
ويستحب تعجيل صلاة العصر ولو مع الغَيْم (يعني ولو كان السحاب يغطي على الشمس):
ومما يدلُّ على استحبابِ المبادرة في اليوم الغَيْم ما ثبَت عن أبي المَلِيح رضي الله عنه قال: كنَّا مع بُرَيدةَ في غزوة في يوم ذي غَيْم فقال: بَكِّروا بصلاةِ العصر، فإنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن ترَك صلاةَ العصر فقدْ حَبِط عملُه))[8].
وقد اختلفتْ أقوالُ العلماءِ في تحديدِ الصلاة الوُسْطَى، وأرْجَحها أنَّها صلاةُ العصر، فقد صرَّحتْ بذلك الأحاديثُ.
رابعاً: وقت صلاة المغرب
يبدأ وقتِ صلاةِ المغرِب إذا غابتِ الشمس، وآخِرُ وقتِها إلى مغيب الشَّفَق الأحمر على أرجحِ الأقوال.
قال الشيخ عادل العزازي: وقد وردَتِ الأحاديثُ مُصرِّحةً باستحباب تعجيلها، فمِن ذلك:
(1) عن رافِع بن خَدِيج رضي الله عنه قال: "كُنَّا نُصلِّي مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المغرِبَ فينصرف أحدُنا، وإنَّه لَيُبصرُ مواقِعَ نَبْلِه"[9]، (يعني يبصر المكان الذي يضرب فيه بالنبلة، وذلك بسبب الضوء الموجود في السماء، دليلٌ على تعجيل المغرب).
(2) قال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَزال أُمَّتي بخير - أو على الفِطرة - ما لم يُؤخِّروا المغربَ حتى تَشتبِكَ النُّجوم))[10].
خامساً: وقت صلاة العشاء
يبدأ وقتُ صلاةِ العشاء مِن غروب الشَّفَق الأحمر (يعني بعد انتهاء وقت المغرب مباشرة)، وأمَّا آخِر وقتِها فاختلَف أهلُ العلم في ذلك: فذهب بعضُهم إلى أنه يمتدُّ إلى نِصف الليل، وذهَب فريقٌ آخرُ إلى أنَّه ممتدٌّ إلى صلاةِ الفجر، والصواب - والله أعلم - ما ذَهبَ إليه الفريقُ الأول مِن أهل العلم أنَّ وقتَ العشاء ينتهي بنِصْف الليل.
ويستحب تأخيرها إلى ثلث الليل الأول، لكن بشَرْط مراعاة الجماعة، فلا ينفرد عنِ الجماعة إذا صلَّوْها في أوَّل الوقت؛ لعدمِ فوات الجماعة، ولعدمِ إضاعة الجماعات.
ويكره النوم قبلَ العِشاء ويكره السَّمَر والحديث بعدها:
فقد كان رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - "يَستحِبُّ أن يُؤخِّر العِشاءَ التي يدْعونها العَتَمة، وكان يَكْره النومَ قبْلَها والحديثَ بعدَها"[11]، ففي هذا الحديثِ ما يدلُّ على كراهيةِ النوم قبلَ العِشاء.
قال الترمذيُّ رحمه الله: "وقدْ كَرِه أكثرُ أهلِ العِلم النومَ قبل صلاةِ العشاء، ورخَّص في ذلك بعضُهم"[12].
وقال ابنُ العربي رحمه الله: "إنَّ ذلك جائزٌ لمَن عَلِم من نفسه اليقظةَ قبل خروج الوقْت بعادة، أو يكون معه مَن يُوقِظه، والعِلَّة في الكراهة قبلها لئلاَّ يذهبَ النومُ بصاحبه ويستغرقه فتفوته، أو يفوته فضلُ وقتِها المستحب، أو يترخَّص في ذلك الناسُ فيناموا عن إقامةِ جماعتها"[13].
قال الشيخ عادل العزازي: وأمَّا إذا غلبتْه عيناه وهو في المسجِد ينتظر الصلاةَ، فليس مِن هذا الباب المنهيِّ عنه؛ لحديث عائشةَ رضي الله عنها: "أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعْتَمَ بالعِشاء - (يعني أخرها) -، حتى ناداه عمرُ: نام النِّساءُ والصِّبيان"[14].
قال ابنُ سيِّد الناس رحمه الله: "ولا أرى هذا مِن هذا الباب، ولا نُعاسَهم في المسجدِ وهم في انتظارِ الصلاة مِن النوم المنهي عنه، وإنَّما هو مِن السِّنَة التي هي مَبادِئ النَّوم"[15].
وأمَّا السَّمَر بعدَ العشاء، فإنَّه مكروه إلا لضرورة أو إذَا كانتِ الفائدة دِينيَّة، أو للمسافِر، أو الحديث مع أهلِه.
قال النوويُّ رحمه الله: "واتَّفق العلماءُ على كراهةِ الحديث بعدَها إلا ما كان في خيْر"[16].
وقال الشوكانيُّ رحمه الله: "وعِلَّة الكراهةِ ما يُؤدِّي إليه السَّهَر من مخافةِ غَلَبة النومِ آخِر اللَّيْل عنِ القيامِ لصلاة الصبح في جماعة، أو الإتيان بها في وقتِ الفضيلة والاختيار، أو القيام للوردِ مِن صلاةٍ أو قراءةٍ في حقِّ مَن عادته ذلك، ولا أقلَّ لِمَن أمِن ذلك مِن الكسل بالنهار عمَّا يجب مِن الحقوق فيه والطاعات"[17].
سادساً: وقت صلاة الصبح
يبدأ وقْتَ الصبح مِن طلوع الفجر الصادق، ويمتدُّ حتى طلوعِ الشمس.
ما جاء في التغليس بصلاةِ الصبح (يعني الإتيان بها مبكرا والظلام ما زال موجودا)، وما جاء في الإسفار بها (يعني تأخيرها إلى ظهور ضوء النهار):
معنى الغلس: (بقايا الظلام)، والإسفار: (ضَوْء النَّهار)، وقد وردتِ الأحاديثُ بالتغليس بصلاةِ الصُّبْح، وأخرى بالإسفارِ بها.
ولذلك يمكن أن يُقال: يجوز التغليس، ويجوز الإسفار، وإنْ كان التغليس أفضلَ؛ لمَا ثبَت في الحديثِ أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلَّى صلاةَ الصبح مرَّة بغَلَس، ثم صلَّى مرَّةً أخرى فأسْفَر بها، ثم كانتْ صلاتُه بعدَ ذلك التغليس حتى مات، لم يَعُدْ إلى أن يُسفِر[18].
قال الشوكاني رحمه الله: "والحديثُ يدلُّ على استحبابِ التغليس، وأنَّه أفضلُ مِن الإسفار، ولولا ذلك لمَا لازَمه النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى مات"[19].
تنبيهات وملاحظات:
(1) يُكرَه تغليبُ اسم (العَتَمة) على صلاةِ العِشاء، وإنْ كان يجوز ذلك أحيانًا بشَرْط ألا يُغلَّب.
فقد قال رسولَ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لا تَغلبنَّكم الأعرابُ على اسمِ صلاتِكم، ألاَ وإنَّها العِشاء، وهُم يُعْتِمون بالإبِل))[20].
ومعنى (يُعتِمون بالإبل): يَحْلِبون الناقة في هذه الساعة المتأخِّرة؛ ولذلك قال بعضُ العلماء: إنَّ العِلَّة في النهي تنزيهُ العِبادة الشرعيَّة المحبوبة عن أيِّ أمرٍ دُنيوي.
وأمَّا الدليلُ على جوازِ تسميتها (العَتَمة) أحيانًا أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((... ولو يَعلمون ما في العَتَمة والصُّبح، لأَتَوْهما ولو حبوًا))[21].
(2) مَن أدرك ركعةً قبل خروج الوقْت، فقدْ أدرك الصلاةَ لوقْتِها، وعلى مَن أدرك ذلك أن يُتِمَّ الصلاة أداءً؛ وذلك لمَا ثبَت في الحديثِ أنَّ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن أدرك ركعةً مِن الصلاة، فقدْ أدرَك الصلاة))[22].
ويُفهَم مِن الحديث أنَّه إذا أدرك أقلَّ مِن ركعة كامِلة لا يكون مدركًا للصلاة، وفي كِلا الحالين يكون آثمًا للتأخير.
(3) اعلم أنَّه لا يجوز أن تُؤخَّر الصلاة إلى آخِرِ وقتها، فقد قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:((تِلك صلاةُ المنافِق؛ يجْلس يرقُب الشمسَ حتى إذا كانتْ بيْن قرْني شيطان، قام فنَقَرها أربعًا لا يَذْكُر الله فيها إلا قليلاً))[23].
وقد أمَر النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعدمِ تأخيرها مع الأمراءِ إذا أخَّروها عن وقتِها، فعن أبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قال لي رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((كيف أنتَ إذا كانتْ عليك أمراءُ يُؤخِّرون الصلاةَ عن وقتها؟ أو يُميتون الصلاةَ عن وقتها؟))، قال: قلتُ: فما تأمُرُني؟ قال: ((صلِّ الصلاةَ لوقتها، فإن أدركتَها معهم فصَلِّ، فإنَّها لك نافِلَة))[24].
ولكن أيُّهما تُحْسَبُ الفريضة: هل التي صلاَّها وحْدَه، أم التي صلاَّها مع الأئمَّة؟!
الصحيح مِن أقوال أهل العِلم أنَّ الصلاة التي صلاَّها أولاً هي الفريضة، والثانية هي النافِلة؛ لقوله في الحديثِ السابق: ((فإنَّها لك نافِلَةٌ))، ولغيره مِنَ الأحاديث.
(4) إذا زال العذر المانع من أداء الصلاة - كأن: (تطَهُر الحائض، أو يعقَل المجنون، أو يفيق المُغمَى عليه، أو يحتَلَم الصبي، أو يسلَم الكافر) - قبلَ أن يخرج وقتِ الصلاة بفترةٍ تَسَع لأداء ركعة منها، فإنَّه يجب عليه صلاةُ هذا الوقت، (يعني عليه قضاء هذه الصلاة التي خرج وقتها)، وأمَّا إذا زال العذر قبلَ أن يخرج وقتِ الصلاة بمقدار يسع لأقل من الرَّكْعة، فالصحيحُ أنه لا تجب عليه أداء هذه الصلاة.
(5) مَن زال عقلُه بإغماء حتى خرَج الوقتُ - أي: أُغمي عليه قبلَ دخول وقتِ الصلاة واستمرَّ به حتى خرَج وقتُها - فلا يجب عليه قضاءُ تلك الصلاة، وهو مذهبُ الأئمَّة الثلاثة، ومذهَب الإمام أحمد وجوبُ القضاء، والراجح الرأيُ الأول[25].
(6) إنَّ أخَّر الصلاة عن أوَّل وقتِها بنِيّة فِعْلها - أي: قبل خُروج الوقت - فمات قبل فِعْلها، لم يكن عاصيًا؛ لأنَّه فعَل ما يجوز له فِعْلُه، والوقت ليس مِن فِعْله فلا يأثَم به؛ قاله ابن قدامة في "المغني"[26].
(7) إذا طَرَأ عذر بعدَ دخولِ وقتِ الصلاة من حيْض أو جنون أو إغماء، ونحو ذلك، ففيه أقوالٌ لأهل العِلم:
الأول: إذا أدْرك وقتًا يَسَع لأداء ركعةً من الصلاة ثم طرأ العذر وجَبَ عليه القضاء.
الثاني: أنَّه لا يجب عليه القضاءُ إلا إذا أدْرك وقتًا يَسَع لأداء الصلاة كلها، ثم لم يُؤدِّها حتى طرَأ العذر، وهو مذهَبُ الشافعية.
الثالث: لا يَلْزمه القضاء إلا إذا بقِي من وقتِ الصلاة بمقدار فِعْل الصلاة؛ لأنَّ تأخيرَه لم يكن عن تفريطٍ ولا تعدٍّ، ولم ينقل إلينا أنَّ المرأة إذا حاضتْ في أثناء الوقت أُلْزِمت بقضاءِ الصلاة، والأصل براءةُ الذِّمَّة، وهذا اختيار ابن تيمية[27]، وهو قولُ مالك وزُفَر.
قال ابن عثيمين رحمه الله: "وهذا تعليلٌ قوي جدًّا... فإنْ قضاها احتياطًا، فهو على خيرٍ، وإنْ لم يقضها فليس بآثم"[28].
(8) قال ابن قدامة رحمه الله: "ومَن صلَّى قبل الوقْتِ لم تَجُزْ صلاته في قولِ أكثر أهلِ العِلم، سواء فعَلَه عمدًا أو خطأ، كلَّ الصلاة أو بعضَها"[29].
(9) لا يجوز للإنسانِ أن يُصلِّي الفَرْض إلا إذا تيقَّن أو غلَب على ظنِّه دخولُ الوقت، وأمَّا لو شكَّ في دخوله فلا يُصلِّي، وإنما يَعرِف دخولَ الوقت باجتهاده - إنْ كان له معرفة بذلك - أو بَخبَرِ مَن يَثِق بقوله، سواء كان رجلاً أو امرأة.
(10) إذا عَلِم باجتهاد منه أنَّ وقت الصلاة قد حان فصلَّى، ثم تبيَّن له أنه خطأ، فعليه إعادةُ الصلاة، وتكون صلاتُه التي صلاَّها نفلاً.
(11) لا يَكْفي الاعتماد بدُخول وقتِ الصلاة مجرَّدُ سماع صوْت الأذان مِن مِذياع، حتى يتيقَّن أنه أذان البلد المُقيم فيه؛ لأنَّه ربما كان الأذان منقولاً من بلدٍ آخر، أو كان الأذانُ صادرًا مِن تسجيل، أو نحو ذلك.
"التلخيص على مسؤولية الكاتب"
* مُختَصَرَة من كتاب (تمام المِنّة في فِقه الكتاب وصحيح السُنّة) لفضيلة الشيخ عادل العزّازي أثابه الله لمن أراد الرجوع للأدلة والترجيح، وأما الكلام الذي تحته خط أثناء الشرح من توضيحٍ أو تعليقٍ أو إضافةٍ أو غير ذلك فهو من كلامي (أبو أحمد المصري)، وقد تمَّ مراجعة المُلَخَّص من أحد تلاميذ الشيخ عادل.
[1] أي مضافًا إليه الظل الذي يكون عندَ الزوال، وهذا الظلُّ يختلف بحسبِ اختلاف البلاد ففي بلاد المناطِق الاستوائية تكون الشمسُ عموديةً تمامًا فوقَ الشخص، فلا يكون هناك زيادةٌ عندَ الاستواء، بل يكون الظِّلُّ أسفلَ الشخص، وفي بلادٍ أخرى حيث تكون هناك زاوية ميْل للشمس، يكون هناك ظِلٌّ للشخْص - نحو شِبر أو أكثر أو أقلّ - عندَ الاستواء، فهذه الزيادة تُحسَب عند آخر الوقت، فيكون آخِر وقت الظهر: أن يكون الظلُّ مِثلَ الشخص مضافًا إليه هذه الزِّيادة.
[2] البخاري (527)، ومسلم (85)، والترمذي (173)، والنسائي (1/ 292).
[3] صحيح: رواه ابن خزيمة (327)، وابن حبان (1475).
[4] البخاري (533)، ومسلم (615)، وأبو داود (402)، والترمذي (157)، والنسائي (1/ 248)، وابن ماجه (678).
[5] انظر فتح الباري (2/ 16).
[6] "الشرح الممتع" (2/ 99)، وهو المشهورُ عن الإمامِ أحمد - كما قال الحافظ في "الفتح" بعدَ أن نقَل الخِلافَ (2/ 16 ).
[7] نقلاً من "نيل الأوطار" (1/ 288)، وانظر "مجموع النووي" (3/ 27).
[8] البخاري (553)، والنسائي (1/ 236)، وابن ماجه (694)، وأحمد (5/ 345، 357).
[9] البخاري (559)، ومسلم (637)، وأبو داود (416)، وابن ماجه (687)
[10] صحيح: رواه أبو داود (418)، وأحمد (4/ 174)، والبيهقي (1/ 370)
[11] البخاري (599)، ومسلم (647)
[12] سنن الترمذي (1/ 314).
[13] نقلاً من نيل الأوطار (1/ 416).
[14] البخاري (566)، (569)، ومسلم (638)، والنسائي (1/ 239).
[15] نقلاً من "نيل الأوطار" (1/ 416).
[16] "شرح صحيح مسلم" للنووي (5/ 146).
[17] "نيل الأوطار" (1/ 417).
[18] حسن: رواه أبو داود (394)، وابن خزيمة (352)، وابن حبان (1449).
[19] "نيل الأوطار" (1/ 421).
[20] مسلم (644)، وأبو داود (4984)، وابن ماجه (704)، والنسائي (1/ 270).
[21] البخاري (615)، ومسلم (437)، والترمذي (225)، والنسائي (1/ 269).
[22] البخاري (580)، ومسلم (607)، وأبو داود (1121)، والترمذي (524)، النسائي (1/ 274)، وابن ماجه (1122).
[23] صحيح: وقد تقدَّم تخريجه (ص163).
[24] مسلم (648)، وأبو داود (431)، والترمذي (176)، والنسائي (2/ 75).
[25] انظر "الشرح الممتع" (2/ 16).
[26] انظر في ذلك "الاختيارات الفقهية" (ص: 67).
[27] "الاختيارات الفقهية" (ص: 66).
[28] "الشرح الممتع" (2/ 127- 128).
[29] "المغني" (1/ 395).
رامي حنفي محمود
شبكة الالوكة
تعليق