السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة
تلخيص فقه الفرائض
(المستوى الأول)
مقدمة:
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً ، وبعد :
قال شيخنا المبارك :(أبو عبد الله مصطفى بن العدوي - حفظه الله -) في تفسيره على سوررة النساء:
"لقد تكفل الله سبحانه وتعالى بقسمة التركات بنفسه، وما ذلك إلا لأنالإنسان شحيح بطبعه، فعندما تكون القسمة من الله تعالى يكون هناك الرضاالتام، وعلم المواريث له أحكام عدة تحتاج إلى تفهم وإلى تدبر، لذا يجبتعلم علم الفرائض؛ حتى لا تضيع الحقوق، والوجوب على العموم لا على الأعيان، فإذا تعلمه البعض سقط عن الآخرين."
وقال في موضع آخر في السورة ذاتها:
" آيات الفرائض أو علم الفرائض علم دقيق،
وقد رُوي عن ابن مسعود أنه قال: مَن لم يعرف أحكام الفرائض والحج والطلاق فبِمَ يَفْضُل أهلَ البادية؟!،
يعني: إذا كنت لا تعرف أحكام الحج، ولا الطلاق، ولا الفرائض، فبأي شيءتتميز عن أهل البادية؟!
أي: أن الوعظ أو القصص لا يُعدُّ علماً بالنسبةلعلم الحج، والفرائض التي هي المواريث، وأحكام الطلاق، فأحكام الطلاقوالمواريث والحج أحكامٌ تحتاج إلى ذكاء، وإلى استنباطات، وإلى معرفةٍبالنصوص الواردة فيها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم،وكيف تُوَجَّه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وقد رُوي في أثرٍ فيه كلام: ( تعلموا الفرائض فإنها نصف العلم ).اهـ
ولقد اهتم الصحابة رضي الله عنهم بإسناد الفصل في هذا العلم إلى زيد بن ثابت الذي كانبارعا بالحساب ،وهذاأمر وإن لم يذكره به أحد ، إلا أن الأعمال التي أسندت إليه والتي تحتاجإلى براعة في الحساب تدل على ذلك ، من ذلك تفوقه في علم الفرائض - المواريث - وهو علم يستند على الحساب ، وإسناد رسول الله صلى الله عليهوسلم قسمة الغنائم إليه أكثر من مرة ، ومساعدته عمر بن الخطاب في تدوينالدواوين ، وقيامه بأمانة بيتا مال المسلمين في عهد عثمان ،
و لن نطيل في ذكر أقوال العلماء في الثناء على علم زيدبن ثابت رضي الله عنه بعد أن أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : « أفرض أمتي زيد بن ثابت » .
فإذا وقفت أخي الكريم على مدى أهمية هذا العلم الشريف فابدأ معي الآن ...
الخطوة الأولى (من مفاتيح التعلم):
أولا: قبل كل شيء اجعل علمك خالصا لوجه الكريم سبحانه والذي بيده مفاتيح العقول والقلوب وسترى كيف تهل عليك النجاحات وكيف ستتفوق بإذن الله .
ثانيا: لا يتاح للمرء أن ينجح في أمر حتى يحبه فاسأل نفسك هل تحب هذا العلم؟
ثالثا: تذكر أنه يجب عليك كمسلم أن تتعامل مع هذه الأحكام على أنها ذاتك وهويتك فهل أنت كذلك.؟
أخيرا العلوم يا أخي لا تهضم إلا إذا جعلتها هدفا لك .
وهذه قصة في البدء لأحد إخواننا في ملتقى أهل الحديث (حفظهم الله)
يروي فيها كيف كان وإلى أين وصل؟
قال:
أيها الإخوةالمواريث علم سهل المراس، قيل فيه: (علم ليلة) وقيل فيه: (علم الشهر وحسرةالدهر) ولكن الكثير من طلاب العلوم الشرعية يقفون دونه هيبة لا لصعوبته؛بل لتصورهم أنه صعب المراس،حتى تركه كثير من أهل العلم وطلابه، وكنت ممنهذا شأنه؛ لتخوفي من الرياضيات وتصوري أن علم المواريث يعتمد في كثير منمسائله على الرياضيات، فبان لي غير ذلك، ذلك أنني قرأت على العلماء فيعلوم العربية والعلوم الشرعية ما يسر الله لي أن أقرأ ،ولم أقتحم السدالمنيع حسب تصوري المسمى (مواريث)
وقد حضرت دروسا لعلماء أجلاء في المواريث دون جدوى وكان شيخي السيدالعلامة قاسم بن إبراهيم البحر يجرني إلى حلقته في المواريث؛ لما يعلم مننظرتي لهذا العلم ويقول: ياولدي لو أتيتني بعد العشاء وجلست معي صابرا علىنفسك إلى أذان الفجر لخرجت من عندي متقنا لما في الرحبية، لكنني كنت أهابهذا العلم أيما هيبة لا سيما وقد رأيت بعض الشيوخ يدرس الفقه وما أن يصلإلى كتاب الفرائض حتى يعتمد على أحد طلابه في الإجابة ولو بصيغة النقاشوعندما كنت في كلية الشريعة في المرحلة الجامعية قُقرِّتْ علينا الفرائضوأُلزمنا بحفظ الرحبية والآيات القرآنية المتعلقة بالمواريث، ولكن الرياحلم تأت على ما تشتهي السفن لم تأت الأسئلة دائما من الحفظ، فرسبت مرتين فيالفرائض ولا فخر مع أنني حفظت الرحبية حفظا متقنا مع حفظي للآبياتالقرآنية.
وخرجت إلى أحدى القرى مرة وأنا في الطريق سألني سائل بمسألة فقهية فأجبتهثم سألني آخر بأخرى فأجبته، وفصلت له القول ويسرته -وما أن إلا همزة وصلبينه وبين كلام السادة العلماء-
فجاءني من آخر الباص شيخ كبير ،يتكأ علىعصاه ،يكاد أن يقع على الناس، هم يسندونه وهو يستند على أكتافهم! فقال: ياولدي ماتت ابنتي، فقلت: رحم الله ابنتك ياعم، فقال: وتركت مالا ولها.... فقاطعته قبل أن تتم قائلا: لا علم لي بهذا الفن، لا أستطيع أن أفتيك! لكنني أسقِط في يدي،
وتغيرت نظرة الناس في الفور تجاهي، لو كنت في وسط منطلاب العلم إذ ذاك لما حصل ما حصل لكنني بين عوام بدأ بعضهم يراجعني فيإجاباتي السابقة، كنت مصدوما لا من خذلاني أمام الناس بل من معرفتي بنفسيومعرفة أن هذا العلم سيكون عائقا لي عن التدريس في الفقه أو الإجابة عنأسئلة السائلين،
ففكرت في نفسي وعزمت على تعلم هذا العلم وتصارع عزميوخوفي ولكن عزمي غلب خوفي، وكنت قد أبقيت مادة المواريث لأتخرج من كليةالشريعة بعد اجتيازها وقد عُينت مدرسا في القرية التي لا زلت في طريقيإليها فما أن وصلت القرية حتى وجدت فيها معهدا شرعيا يدرس العلوم الشرعيةوبينهم أحد زملائي طلاب العلم وهو من المتبحرين الراسخين في هذا العلمفقلت له يا شيخ لا بد أن تقرأني المواريث، فاشترط علي درسا في أصول الفقهفبدأنا على بركة الله، وهو يقول لي ستدرس هذا العلم،
وما هي إلا أيام حتى بدأت أحل المسائل بنهم وأدَرِّس هذا العلم فعلا، ونزلت لأقدم الاختبار فيالجامعة وكانت درجتي في المواريث 55 من مئة، وهذا يعني أنني راسب؛ لأندرجة النجاح 56 بالمئة، وأعدت الاختبار وأخذت مئة من مئة، ودرست على الشيخبعد ذلك عدة كتب وكنت آتي بكتب المذاهب وأقرأ عليه في كل مذهب من المذاهبالأربعة وهو يشرح لي حتى تمكنت بفضل الله من هذا العلم -ولو في تلك الحقبةمن عمري- وأجازني الشيخ سعيد الوصابي الزبيدي الذي وجدته أمامي في القريةوأشرت إليه أولا، أجازني بتدريس هذا العلم عامة وبشرح الرحبية والسبط،
ثمطلبت علو السند من شيخي العلامة السيد قاسم بن إبراهيم البحر وكنت قد حضرتكثيرا من هذا العلم ولكنه كان إذ حضرت لديه ينفخ في قربة مخرقة الأطراف،ففرح بما رآه من تغير حالي وخط لي بقلمة إجازة أخرى،
والحري بالذكر أن منمشايخ شيخي البحر الشيخ محمد عزي الأهدل مفتي زبيد، وكان شيخنا قد تتلمذعليه وعلى والده رحمه الله قبل أكثر من أربعين سنة، وقد قصدتها فاستجزتمشايخها وكان من بينهم فصار جدي سندا والدا،
ثم دَّرست الرحبية وبعض شروحهامرارا كما درست المباحث المرضية للفوزان-حفظه الله- وحققت كتاب الفتحةالأنسية بشرح التحفة القدسية لشيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري رحمهالله ،ولا زلت أقارن بين نسخه الخطية وهو آخر عملي في الكتاب إلا بعضالقضايا الفنية، أسأل الله أن يريه النور عما قريب إن لم يكن بدعوتي هذهفبدعوة أخ صادق من القراء الكرام ، وأرجو أن تكون قصتي محفزا ودافعا لمنيعاني ما كنت عانيته، كما أسأله سبحانه الإخلاص في القول والعمل، وأنيجنبني والقراء الكرام الزلل والخلل، في القول والمعتقد والعمل، والله وليالتوفيق.اهـ
ما رأيك الآن ...
هل أعدت الاتصال بنفسك؟ ...
أظنك قد تجهزت للتعلم،
فلنبدأ إذن..
فإن سألت عن المنهج الأسلم لتعلم المواريث
فعليك أن تتبع الخطوات الذهبية وهي عشر للمبتدئ لضبط علم المواريث وهي :
الدرس الأول : الحقوق المتعلقة بالتركة
الدرس الثاني : الإرث : تعريفه ،أسبابه ،أركانه وشروطه
الدرس الثالث :طرق الإرث وأنواع الورثة
الدرس الرابع : الفروض وأصحابها وأدلتها
الدرس الخامس : التعصيب وأنواعه
الدرس السادس : مفهوم الحجب وأقسامه
الدرس السابع:تأصيل الفريضة
الدرس الثامن : العول
الدرسالتاسع : تصحيح الفريضة
الدرس العاشر :تقسيم حظوظ الورثة
بالإضافة إلى ما تقدم، فإن من أول ما يجب أن تقوم به :
أولا: حفظ الآيات المتعلقة بالمواريث.
ثانيا: فهم وتدبر الآيات المتعلقة بالمواريث فهما دقيقا.
ثالثا: حفظ متن الرحبية حفظا جيدا.
رابعا: فهم متن الرحبية فهما جيدا..
لأن البداية بالنظم قبل الفهم مضيعة للوقت وهدر للجهذ في مادة المواريث خصوصا بخلاف باقي العلوم.
وفوق كل ذلك لابد من شيخ تأخذ عنه فإن الأخذ عنهم مظنة التوفيق من الله تعالى.
وما أبرع الشيخ العلامة ابن عثيمين في ملخصه الميسر
(تلخيص فقه الفرائض)
وقبل أن أبدأ، أحب أن أن أشير إلى أن انطلاقي في هذه السلسلة المباركة بإذن الله إنما هو من قبيل التعلم لا التعليم ولما كنت في مقام النقل فإني أسأل الله تعالى أن ييسر لنا البلاغ عنه وعن أهل السنة رحمهم الله تعالى
وإلى لقاء قريب بإذن الله فلا تنسونا من صالح دعائكم
(أبو أنس)
عفا الله عنه وعنكم
آمين
تعليق