الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا أجمعين ، وبعد ،،،
فسيظلنا يوم من أعظم الأيام عند الله ، وهو عاشوراء ، وكنت جمعت فيه بعض الوقفات التربوية ، فرأيت من المناسب أن أجمع معها الأحكام الفقهية ، والمسائل الهامة عن هذا اليوم العظيم تحقيقاً لمنزلته عند الله
سائلا الله أن يجعلها في ميزان حسناتي وحسنات والدي يرحمه الله ، وأن ينفع بها ، فإلي المسائل :
المسألة الأولى : التسمية
عاشوراء وتاسوعاء : اسمان ممدودان ، وحُكي قصرهما ، والأفصح والأشهر المد .
المسألة الثانية : تعيين عاشوراء وتاسوعاء
عاشورا : هو اليوم العاشر من المحرم .
وتاسوعاء : هو التاسع منه ، وعلى هذا جماهير أهل العلم .
ونسب إلى ابن عباس بأنه يرى أن عاشوراء : هو اليوم التاسع من محرم فقد ثبت في صحيح مسلم أن الحكم بن الأعرج قال : " انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه فقلت : أخبرني عن يوم عاشوراء ، قال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما ، قلت أهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال نعم " .
ولأن العرب تسمى اليوم الخامس من أيام ورد الإبل رِبعاً بكسر الراء وكذا تسمي باقي الأيام على هذه النسبة فيكون التاسع على هذا عِشراً بكسر العين .
ويحتمل أنه ليس مراد ابن عباس رضي الله عنهما أن عاشوراء هي تاسوعاء ، وإنما مراده الإخبار بصيام التاسع والعاشر ، فذكر التاسع لأنه لم يكن معروفاً عندهم ، ولم يذكر العاشر لأنه كان معروفاً عندهم ، بدليل حديثه الصحيح الآخر مرفوعاً : " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع فمات النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك " .
والصحيح قول الجمهور من أن تاسوعاء : هو التاسع ، وعاشواء : هو اليوم العاشر .
المسألة الثالثة : تأريخ يوم عاشوراء
يوم عاشوراء يوم عظيم لأمة الإسلام التي اتحدت في عقيدتها وعبوديتها لله من غير تحريف المحرفين ، ويأتي تاريخه مما يلي :
1ـ هو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى عليه السلام من الغرق :
فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن هذا اليوم الذي يصومونه فقالوا : هذا اليوم الذي نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون فصامه موسى شكراً فنحن نصومه .
2ـ كان أهل الجاهلية يصومون هذا اليوم :
فقد ثبت في الصحيح من طريق عائشة رضي الله عنها أن أهل الجاهلية كانوا يصومون عاشوراء .
واختلف في سبب صوم وتعظيم أهل الجاهلية له :
فقيل : إن ذلك من بقايا دين إبراهيم عليه السلام ، وعلى هذا يكون مما اتفق عليه الأنبياء عليهم السلام ، ولا مانع من ذلك وإن كان موسى عليه السلام في القرون الأخيرة ويكون سبب ابتداء الصيام ليس في عهد موسى وإنما تجدد لموسى عليه السلام نعمة النجاة من الغرق ، والله أعلم .
وقيل : كما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله (11 / 149) : " ثم وجدت في بعض الأخبار أنهم كانوا أصابهم قحط ثم رفع عنهم فصاموه شكراً " أ.هـ .
وقيل : كما ذكره ابن حجر (6/282) : " ثم رأيت في المجلس الثالث من جالس الباغندي الكبير عن عكرمة أنه سئل عن ذلك فقال : أذنبت قريش ذنبا في الجاهلية فعظم في صدورهم فقيل لهم : صوموا عاشوراء يكفر ذلك ، هذا أو معناه .أ.هـ .
3ـ كان أهل الجاهلية يعظمون الكعبة :
فقد ثبت في الصحيح من طريق عائشة رضي الله عنها أنه يوم تستر فيه الكعبة ، أي : يوضع عليها الستور والكسوة احتفاء بذلك اليوم .
وذكر الواقدي بإسناده عن أبي جعفر الباقر أن الأمر استمر على ذلك في زمانهم ، وقد تغير ذلك بعد فصارت تكسى في يوم النحر ، وصاروا يعمدون إليه في ذي القعدة فيعلقون كسوته إلى نحو نصفه ، ثم صاروا يقطعونها فيصير البيت كهيئة المحرم ، فإذا حل الناس يوم النحر كسوه الكسوة الجديدة .
4ـ هو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى نوحاً من الغرق :
فقد جاء في مسند أحمد من طريق أبي هريرة قال : مر النبي صلى الله عليه وسلم بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء ، فقال : ما هذا من الصوم ؟ قالوا : هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني إسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون ، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوح وموسى شكراً لله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم فأمر أصحابه بالصوم ، وفيه جهالة كما ذكره الهيثمي في المجمع .
وهنا تنبيه :
ينفي بعض المستشرقين صيام قريش لعاشوراء ، ويرون ذلك محاولة لإرجاع عقيدة عاشورءا اليهودية الأصل إلى الحنيفية ملة إبراهيم !! .
بينما يقال في ذلك :
ما كان موسى عليه السلام إلا حنيفياً على ملة إبراهيم عليه السلام ، وقد ثبت في السنة صيام قريش لعاشوراء وكسوتهم فيها الكعبة ويبعد أن يكون هذا مما أخذته قريش عن اليهود لأن قريشاً كانت تفعل ذلك في العاشر من محرم ، أي على الأصل ، بينما اليهود حرفت التاريخ الشهري إلى التقويم الشمسي فأصبح عاشوراء في ربيع الأول ، ولو كانت قريشاً أخذته عن اليهود لجعلته في نفس يومهم ، والله أعلم .
تعليق