دروس الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة
الدرس[1]
الباب الأول في أحكام الطهارة والمياه وفيه عدة مسائل
إن الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره ونعوذ بالله تعالى من شرور أعمالنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. الباب الأول في أحكام الطهارة والمياه وفيه عدة مسائل
أما بعد.
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
المسألة الأولى: في التعريف بالطهارة، وبيان أهميتها، وأقسامها:
1- أهمية الطهارة وأقسامها: الطهارة هي مفتاح الصلاة، وآكد شروطها، والشرط لابد أن يتقدم على المشروط.
(والطهارة على قسمين:
القسم الأول: طهارة معنوية وهي طهارة القلب من الشرك والمعاصي وكل ما ران عليه، وهي أهم من طهارة البدن، ولا يمكن أن تتحقق طهارة البدن مع وجود نجس الشرك كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة:) 28].
القسم الأول: (طهارة معنوية وهي طهارة القلب من الشرك والمعاصي وكل ما ران عليه،) والران :ما التصق بالقلب ومنعه من الفهم (وهي أهم من طهارة البدن، لأنها) متعلقة بالقلب متعلقة بالإيمان (ولا يمكن أن تتحقق طهارة البدن مع وجود نجس الشرك)فلو أن مشركًا اغتسل لن ينفعه غسله ولذلك يقول الفقهاء عندما يسلم الكافر يغتسل ، لأنه لما اغتسل وهو كافر، لم ينفعه غسله،فلابد من الاغتسال مرة أخرى وهو مسلم ،ولن تتحقق هذه الطهارة مع وجود نجس الشرك، كما قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ [التوبة: 28].
نوع النجاسة في الآية:
1- الجمهور ومنهم الأئمة الأربعة: أن نجاسة المشركين في الآية نجاسة معنوية وليست حسية والمراد بالنجاسة المعنوية نجاسة القلب، قلبه مشرك والنبي r ربط ثُمامة بن أُثال في المسجد ولو كان نجسًا لنجَّس المسجد بعرقه وغيره.
2-ابن حزم:أن نجاسة المشركين في الآية نجاسة حسية يقول: المشرك نفسه نجس، لو سلمت عليه بيدك وكانت يده مبلله تنتقل النجاسة إليك فلابد من غسل يدك .
يقو المصنف(القسم الثاني: المقصود في هذا الباب الطهارة الحسية، وسيأتي تفصيل القول فيها في الأسطر التالية: تعريفها: وهي في اللغة: النظافة، والنزاهة من الأقذار).
الطهارة لغةً: هي النزاهة والنظافة من الأقذار، النزاهة أي التبرؤ من القذر، فإزالة القذر، يسمون نزاهة من الأقذار.
(وفي الاصطلاح: رفع الحَدَث، وزوال الخَبَث) إذا الطهارة لغة: النظافة، والنزاهة من الأقذار، شرعًا: هي رفع الحدث وزوال الخبث، كأن الطهارة لها شقين: شق يرفع الحدث، وشق يزيل الخبث، والمراد بالخبث أي النجاسة والنجاسة، لفظ فقهي استعمل في هذا الموضع.
المراد بالحَدَثُ: هو وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها مما يشترط له الطهارة.الحدث لغًة : حدث حدوثا، أي وقع، وحديث: أي كلام، يقال: حَدُثَ ضد قَدُمَ، و الحديث ضد القديم، فحدث أي شيء جديد،فلو قلنا أن هذا الرجل أحدث أي طرأ عليه شيئًا جديدًا، أي لم يكن موجودًا من قبل ، فالأصل في المسلم أن يكون متوضئا ومتطهرًا، فعندما يخرج ريحًا كأنه طرأ عليه شيء جديد لم يكن موجودًا من قبل هذا الشيء أخرجه عن وصفه الأصلي فبذلك انتقضت الطهارة بهذا الشيء الحادث فلابد من إرجاعه إلي الأصل الطهارة ولا يكون ذلك إلا بالوضوء ،ولذلك قال النبي r: «لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن»
الحدث اصطلاحًا: هو وصف قائم بالبدن يمنع من الصلاة ونحوها، مما تشترط له الطهارة.
(وصف) أي شيء غير ظاهر فيقال:هذا الرجل مُحدِث ، وتسمى البدعة محدثة ، كأن السنة هي الأصل وهو أحدث شيئًا جديدًا في السنة، ولذلك قال النبي rلعائشة:« لو حِدثان قومك لهدمت الكعبة وبنيتُها على قواعد إبراهيم»(حِدثان قومك) أي مؤمنين جدد، فالحدث يستعمل في هذا المعنى، ويقال البدعة حدث، أي كأنها أحدث شيئًا جديدًا في السنة لم يكن موجودًا من قبل.
(قائم بالبدن،) قائم أي ملتصق بالبدن،(يمنع من الصلاة ونحوها)، أي مما يشترط له الطهارة كالوضوء،و الطواف، ومس المصحف، وبعض أهل العلم اشترط بعض الاشتراطات الأخرى ولكن هذه هي المقصودة، هو الطواف ومس المصحف على أرجح الأقوال.
أنواع الحدث( وهو نوعان: حدث أكبر، أو حدث أصغر وهو الذي يقوم بأعضاء الوضوء كالخارج من السبيلين من بول وغائط، ويرتفع هذا بالوضوء)، هذا أول نوع من أنواع الحدث، حدث أصغر، صغير اصطلاح فقهي، مناسبة لأن الوضوء يرفعه،( وحدث أكبر؛ وهو الذي يقوم بالبدن كله، كالجنابة، وهذا يرتفع بالغسل، وعلى هذا فطهارة الحدث: كبرى؛ وهي الغسل، وصغرى، وهي الوضوء،)، في مقابلها طهارة كبرى وطهارة صغرى، (وبدل منهما عند تعذرهما وهو التيمم)، يرفع الحدث الأكبر والأصغر.
(والمراد بارتفاع الحدث: إزالة الوصف المانع من الصلاة باستعمال الماء في جميع البدن، إذا كان الحدث أكبر، أو حدثاً أصغر يكفي مروره على أعضاء الوضوء بنية).
يجمل الكلام هنا لكن الكلام له تفصيل، يغسل أعضاء الوضوء بنية ارتفاع الحدث، يرتفع الحدث.
(وإن فُقد الماء أو عُجز عنه استعمل أو اُستعمِل ما ينوب عنه، وهو التراب)أي في التيمم وإن شاء الله أبواب التيمم سنفصل في هذه المسألة.
(على الصفة المأمور بها شرعاً.) وسيأتي ذكرها إن شاء الله في باب التيمم (والمراد بزوال الخَبَث: أي: زوال النجاسة من البدن والثوب والمكان).هذا المقصود من زوال النجاسة من ثلاث أشياء، مطلوب من المسلم قبل أن يدخل في الصلاة أن يرفع النجاسة من ثلاثة أشياء: من الثوب، ومن البدن، ومن البقعة.
البقعة: يعرفها الفقهاء :المواطن التي يوضع عليها أعضاء السجود، فعند السجود يسجد الإنسان على سبع أعضاء ، (الجبهة، والأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين،) على سبع أماكن في الأرض فلابد للسبع أماكن من الطهارة، الطهارة أي عدم وجود النجاسة فيها، .
والبقعة: اصطلاح خاص بالفقهاء أنها بقعة الصلاة، وليس المراد بالبقعة الأرض، بقعة الصلاة، فمن الممكن أن يصلي الإنسان على سجادة طرفها متنجس، لكن لا يسجد على نجاسة، لكن طرف السجادة متنجس، فهذه لا تدخل في هذه المسألة، .
(فالطهارة الحسية على نوعين: طهارة حدث وتختص بالبدن، وطهارة خبث، وتكون في البدن، والثوب، والمكان.
والحدث على نوعين: حدث أصغر، وهو ما يجب به الوضوء، وحدث أكبر، وهو ما يجب به الغسل).
هذه خلاصة هذه المسألة أن الطهارة نوعين: رفع حدث، وزوال خبث، ورفع الحدث بنوعين: حدث أكبر وحدث أصغر، وزوال الخبث أي النجاسة في ثلاثة أماكن في الثوب والبدن والمكان.
(والخَبَثُ على ثلاثة أنواع: خبث يجب غسله ، وخبث يجب نضحه، وخبث يجب مسحه)
أولاً الخبث الذي يجب غسله:أي على ثلاثة أنواع من جهة التطهير مايجب غسله أي بالماء، مثل، البول، و الغائط، و الدم، وما ورد به الدليل على الغسل بالماء، و لعاب الكلب، قال النبي r: «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع» .
ثانيا : الخبث الذي يجب نضحه: النضح أي الرش، بعض أهل العلم بداية النضح، الرش، بن الأثير قال: النضح هو الرش، في نيل الأوطار تجد فيه تفصيل أكثر ويقول: هو صب الماء: كمرحلة ما بين المسح والغسل، الغسل هو جريان الماء على العضو، أي أنني أصب الماء حتى يخرج الماء كما لو أحضرت قطعة قماش ووضعت عليها ماء فتغلل الماء، بداخل قطعة القماش ، ثم خرج فيسمي غسل، لكن النضح غمر قطعة القماش بالماء لكن لا تخرج الماء ، والرش منها، أي يمكن أن نأخذ قدرا معينا من الماء ويرشهم ،مثل ورد في السنة أن بعض النجاسات تنضح، مثل بول الغلام، وبول الجارية يغسل ينضح، يعني لو أن، حديث أم قيس، جاءت إلى النبي r بابن لها لم يأكل الطعام، الذي يأكله الطفل في هذه المرحلة، فالنبي r أجلسه على حجره r وهذا من رحمة النبي r وتواضعه، ، فبال الصبي على حجر النبي r، من رحمة النبي r وتواضعه وحسن خلقه، دعا بماء فنضح البول، وقال: «بول الغلام ينضح وبول الجارية يغسل» الغلام الطفل الصغير، الذي لم يأكل الطعام،ينضح بوله، يحضر قليلا من الماء ويرشه أو يمسحه أو يغمره بالماء، مرحلة ما قبل الغسل يعني، إنما بول الجارية هي الطفلة التي في نفس سنه يغسل ، حكمة ، تعبدية، إلا أن بعض الفقهاء استنبطوا منها بعض الأدلة أو حاولوا يستنبطوا بعض الحكم منها، ستأتي إن شاء الله في موضعها، ومن النجاسات التي تنضح:، المذي، سهل بن حنيف لما أتى إلى النبي r وكان يغتسل من المذي، النبي r قال: «انضحه» كان يغتسل قال: «إنما يكفيك الوضوء»، قال يا رسول إنه يصيب ثوبي، أي من كثرة المذي يصيب ثوبه، قال: «إنما يكفيك أن تنضحه بالماء»، رواه أبو داود.
ثالثا الخبث الذي يجب مسحه: مثل الاستجمار، فالاستجمار مسح.
مالفرق بين النضح والمسح ؟
النضح: يكون أزيد من المسح، المسح بالماء، والنضح يغمره بالماء أو بمعنى الرش، والمسح ممكن يكون بالحجارة، مثل مسح موضع الاستجمار، فإذا غسلته بالماء، كان استنجاءًا ،وإذا مسحته كان استجمارًا،و النبي r في الحديث عن جابر «نهى عن يتمسح بعظم أو بعرة»، وكذلك ورد المسح في حديث النعلين كما في حديث رواه الإمام أحمد على أبي سعيد الخدري أن النبي r، قال: « إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذراً أوأذى فليمسحهوليصل فيهما» وقد كان الصحابة يصلون بالنعال، وكانت أرض المسجد حصباء، فهذه نجاسة مخففة يعفى عن اليسير فعندما يحكها في الأرض لن تزول بالكلية سيزول جزء ويبقى جزء منها، فالأثر لا يزيله إلا الماء، فالعلماء يقولون : هذا تسامح من الشرع إذا فيه نجاسات معفو عنها وهي خبث يجب مسحه، مثل النعل، ومثل المرأة، حديث في أبي داوود جاءت امرأة وكانت هذه المرأة أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وجاءت إلى أم سلمة، وقالت إن ذيلي طويل، أو إني امرأة طويلة قال النبي r: «ما أسفل الكعبين من الإزار فهو في النار» فقالت أم سلمة: إذن تنكشف أقدامهن، قال: «يرخين شبرا» قالت: تنكشف أقدامهن، قال: «يرخين ذراعا ولا يذدن عن ذلك»، خمسين سم أو ما يقرب من ذلك، فقالت: إني أسير على القذر فقالت أم سلمة، قال النبي r: «يطهره ما بعده» يعني لما هذا القذر يمر على التراب، التراب طهور، فيمر عليه يطهره هذا التراب، فهذا أيضًا تسامح من الشرع، إذا ذيل المرأة والاستجمار والنعل، أمور تمسح بها النجاسة، إذا النجاسة أنواع: منها ما يجب غسلها ومنها ما يجب نضحها، ومنها مايجب مسحها .
المسألة الثانية: الماء الذي تحصل به الطهارة:
الطهارة تحتاج إلى شيء يتطهر به، يزال به النجس ويرفع به الحدث وهو الماء، والماء الذي تحصل به الطهارة هو الماء الطَّهُور، وهو: الطاهر في ذاته المطهر لغيره، وهو الباقي على أصل خلقته، أي: على صفته التي خلق عليها، سواء كان نازلاً من السماء: كالمطر وذوب الثلوج والبَرَد، أو جارياً في الأرض: كماء الأنهار والعيون والآبار والبحار.
لقوله تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) [الأنفال: 11]. ولقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) [الفرقان: 48].
ولقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) (1).
ولقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن ماء البحر: (هو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتته) (2).
ولا تحصل الطهارة بماء غير الماء كالخل والبنزين والعصير والليمون، وما شابه
ذلك؛ لقوله تعالى: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) [المائدة: 6] فلو كانت الطهارة تحصل بماء غير الماء لنقل عادم الماء إليه، ولم ينقل إلى التراب.
الطهارة قوامها الماء، لكن الماء في العرف و العقل مقسم، فليس كل ماء يصح للتطهر به، كماء المجاري لا يصح التطهر به وكذلك ماء الورد وهناك مياه يصح التطهر بها وهو الماء المطلق مثل ماء المطر، فما هي القواعد التي تضبط هذه المسائل؟
يقول المصنف: (الطهارة تحتاج إلى شيء يُتطهر به، يزال به النجس ويرفع به الحدث وهو الماء، والماء الذي تحصل به الطهارة هو الماء الطَّهُور).
كلمة طهور، فعول متعدي، أي طاهر في نفسه ومطهر لغيره، فطَهور بالفتح هو الفعل،مثل الوضوء والغسل، وطُهور بالضم هو المادة التي يُتَطهر بها وهي الماء.
(وهو الماء الطَّهُور): الطهور فعول متعدي، طاهر مطهر، فمادام أن هناك إذا يوجد طاهر، فهذا تقسيم عقلي، الطهور والطاهر، فقط.
شرعًا: هذه القسمة غير موجودة، ماذا نعني بالطاهر؟ إذا أحضرت لي ماء ماء طاهر نقول لا نسميه طاهر ، يُسمى مائع طاهر، اللبن كذلك مائع طاهر، الماء الذي خالطه طاهر كالحبر ماء مائع لا يُسمى فالماء إما طهور يصح التوضؤ به ، إما لا يصح التوضؤ به ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ [النساء: 43].
فكلمة ماء نكرة في سياق النفي تدل على العموم أي ماء ﴿ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ فإن كان هذا ماء يصح التطهر به، إن لم يكن ماء لا يصح التطهر به، ما هي القسمة العقلية للطاهر؟، قلنا طهور فعول فلابد من فاعل وهو الطاهر، من أين جاءت هذه القسمة العقلية ؟، فأنا لن أسميه ماء أسميه باسمه، مرق خل شربه فكل شيء يُسمى باسمه لا يُسمى باسم الماء، نقول ماء طاهر نقول نعم لكن الفقهاء أحيانًا في مسائل ويقولون: هذا هو الماء الطاهر الماء المستعمل يسمونه ماء طاهر.
تعريف الماء الطهور:(وهو الطاهر في ذاته المطهر لغيره)، الطهور، طاهر مطهر،فعول أي متعدي فعول أي (طاهر في ذاته المطهر لغيره، وهو الباقي على أصل خلقته)، كيف أعرفه ؟ الله عز وجل خلقه هكذا أصل الخلقة ماء البحر غير ماء المطر فهذا ماء عذب، وهذا ماء مالح، ماء النهر عذب، ماء البحر مالح وهذا ينفع الوضوء به وهذا ينفع الوضوء به لأن ذلك أصل خلقته.
قاعدة: (كل ما خلق كما هو يجوز الوضوء به ) (وهو الباقي على أصل خلقته أي: على صفته التي خلق عليها، سواء كان نازلاً من السماء: كالمطر وذوب الثلوج) لماذا لم يقل الثلوج؟ لأننا لا نستطيع التوضؤ به فلابد من ذوبان الثلج كي أستطيع التوضؤ به فذوب الثلوج مقصودة عندما وضعها الفقهاء ، لأن الثلج لا يجري علي العضو وشرط في العضو الغسل والمراد بالغسل: جريان الماء على العضو، (والبَرَد)، البرد نوع من أنواع الثلج لكنه متكتل كتل ثلج مع بعضها ، (أو جارياً في الأرض: كماء الأنهار والعيون والآبار والبحار).
أصل كل الماء ماء واحد وهو ماء المطر سواء كان في الأنهار والعيون والآبار (لقوله تعالى: ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ﴾ [الأنفال: 11]. اللام هنا لام سببية،من أجل أن تتطهرون بهذا الماء، (ولقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الفرقان: 48]. رحمة الله U بالعباد يرزقهم هذا الماء الطهور من أجل أن يتوضئون به، ويتطهرون به رحمة الله U بالناس أنه أمرهم بالطهارة وجعل لهم الماء وأنزله من السماء من أجل أن يتطهرون به، ولا يلزم أن ينزل عليك النبي r قال: «اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر» فالماء يمكن أن ينزل في أثيوبيا وأنت تتوضأ به دون عناء، كذلك الزراعة تحتاج الماء الله U لم يحرمك أيضا من الماء أنزل ماء لك ولكن من رحمة الله U بالعباد أن الماء الذي في السعودية يشربونه من هنا ، فهناك أنهار جوفية فيه تجري تحت الأرض وكذلك تجري من تحت البحار، ويُقال أن بمصر نهر جوفي في الصحراء الغربية يصل إلى السعودية ،ولذلك النبي r يقول: «الناس شركاء في ثلاثة في الماء، والكلأ، والنار» وهذه من رحمة الله بالعباد.
(ولقول النبيr: «اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد») البرد: الماء الناتج من ذوبان الثلوج، «اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» حديث صحيح أخرجه مسلم والبخاري ،.
? في الحديث إعجاز علمي: في علم الفيزياء ما يسمى بالتوتر السطحي، فهذا التوتر السطحي قوة جذب الماء فالتقسيم الفيزيائي المادة السائلة، والمادة الصلبة والمادة الغازية النبي r قال: «اللهم اغسلني بالماء» فالماء سائل، ثم لم يكف الماء قال«والثلج» ثم لم يكف الثلج والثلج صلب لكن صلابته ليست قوية بدرجة، لأنه يمكن أن يذوب والصلب أقوى جذبا من السائل لأن توتره السطحي أقوى، لم يكف الثلج قال والبرد فهو أقوي من الثلج والبرد عبارة عن جبال من الثلج مربوطة في بعضها البعض فهذا دليل تدرج النبي r بالماء والثلج والبرد وهذا التدرج تدرج منطقي على أصول الفيزيائيين من التوتر السطحي، اعجازات علمية رغم أننا نأخذ السنة هكذا كما أمرنا النبي r، وكما أمرنا الله U ولو لم نكتشف فيها إعجاز.
كذلك حديث الذبابة قبل ثمان وأربعين عاما كانوا يطرحون عليه «إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فلينطله _يغمسه _ثم ليخرجه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء» ثم ضعفه أحد العلمانيين و بعد الاكتشافات الحديثة والأوروبيين من اكتشفوها أن في أحد جناحي الذبابة داء جرثومة، وفي الآخر مضاد لهذه الجرثومة فتجد الذبابة أحيانا عندما تقف وتدعك أرجلها بكلتا جناحيها أي أنها تعالج نفسها فعندما تنتقل هذه الجرثومة في مكان تقوم غسلها بالجناح الآخر وتتقي بالذي فيه الداء فلما يغمسها الإنسان ينزل الداء السم وينزل معه مضاده يقتله، وقالوا سبحان الله النبي r هذا إعجاز وخرس هذا الأفاك الذي كذب على النبي r وقال النبي r هذا الحديث ضعيف، والآن يجعلوها من الأحاديث الأوائل في الأحاديث الإعجازية وأن النبي r ما كان ينطق عن الهوى.
فالحديث صحيح بالقواعد وإن لم يكتشف العلم صحته وإن لم يكتشف العلم الحكمة أو العلة من هذه المسألة.
(ولقوله r عن ماء البحر: «هو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتته»).
كانوا الصحابة يركبون البحر و معهم أواني يشربون منها ويقولون يا رسول الله لو توضئنا منها لعطشنا، وكانوا في البحر فقال النبي rهو الطهور ماؤه، الحِلُّ ميتته» فماء البحر طهور وميتة البحر حلال، و كان فيه خلاف قديم عند الصحابة عن ابن عمر، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وسعيد بن المسيب و حكى الخلاف ابن عبد البر ومال إليه ولكن على الراجح بعد ذلك من أقوال أهل العلم واجتمعت كلمة العلماء على أن الماء البحر يجوز الوضوء منه.
قاعدة:(ولا تحصل الطهارة بمائع غير الماء)هذه قاعدة أي ضابط. (ولا تحصل الطهارة بمائع غير الماءكالخل) لا يصح وضوءه، (والبنزين) كذلك (والعصير والليمون) وغير ذلك مما ذكره المؤلف أن هذه الأشياء كلها نسميها طاهرة وليست طهور، فالبنزين طاهر، الليمون والعصير طاهر ، فالحكم العقلي طاهر إنما الماء لا اسميه ماء طاهر إنما اسمه مائع طاهر إذا فيه موائع طاهرة.
(وما شابه ذلك؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا﴾ [المائدة: 6] فالله U جعل إن لم يجد الماء فعليه بالصعيد الطيب.
(فلو كانت الطهارة تحصل بمائع غير الماء لنقل عادم الماء إليهولم ينقل إلى التراب) يريد أن يقول : لو كان هناك شيء غير الماء تطهر لكان الله U قال: فلم تجدوا ماء فبهذا الذي يطهر فقوله الله U ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ معنى ذلك إما ماء وإما تراب فلا بديل عن الماء إلا بالتراب.
النوع الثاني من الماء:الماء إذا خالطته نجاسة فغيَّرت أحد أوصافه الثلاثة -ريحه، أو طعمه، أو لونه- فهو نجس بالإجماع لا يجوز استعماله، فلا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث -سواء كان كثيراً أو قليلاً- أما إن خالطته النجاسة ولم تغير أحد أوصافه: فإن كان كثيراً لم ينجس وتحصل الطهارة به، وأما إن كان قليلاً فينجس، ولا تحصل الطهارة به. وحدُّ الماء الكثير ما بلغ قُلتين فأكثر، والقليل ما دون ذلك.والدليل على ذلك وحديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) ، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث).
هذا النوع الثاني من الماء قلنا إن الماء طهور و نجس (الماء إذا خالطته نجاسة فغيَّرت أحد أوصافه الثلاثة) الماء له ثلاثة أوصاف، لا لونه، ولا طعم له ، ولا رائحة له، وهذا من رحمة اللهU مثل الهواء ،لأن كل الناس مشتركون فيه فالماء كذلك لا له لون، ولا طعم، ولا رائحة، هو في الحقيقة له لون شفاف، وله طعم هو طعم الماء تعرف أنه عند الشرب، وله رائحة الماء فكل هذه الأشياء يعتبرها العلماء صفر لأن لا يشترك مع الماء في شيء من هذه الأوصاف شيء اعتبرها غير موجودة مثل الهواء ،الهواء له لون هو الشفاف، وله رائحة الهواء لما تشمها تعرف أنه هواء، وله طعم طعم الهواء ففي الحقيقة له طعم، ولون، ورائحة، فعندما نقول أن الماء ليس له طعم أي ليس له طعم غير الماء فيقول: الماء له أوصاف ثلاثة لا لون له، ولا طعم له، ولا رائحة له، هذا مجاز، لكن لو رأيت الماء تعرف أنه ماء ، كيف عرفت؟من أوصافه التي رأيته بها، فهذه الأوصاف لو تغيرت خرج عن وصف الماء فهو نجس بالإجماع مثاله كوب ماء ووضعت عليها نقط من البول تغير لونه صار أصفر فهذا نجس بالإجماع لأنه تغير لونه، (لا يجوز استعماله، فلا يرفع الحدث، ولا يزيل الخبث) بل هو خبث في نفسه خبث لو وقع على ثوبك تغسله ،فأصبح نجسا( سواء كان كثيراً أو قليلاً - أما إن خالطته النجاسة ولم تغير أحد أوصافه: فإن كان كثيراً لم ينجس وتحصل الطهارة به، وأما إن كان قليلاً فينجس، ولا تحصل الطهارة به)
[ا لماءُ]
1- قليل متغير بالنجاسة 2- قليل غير متغير بالنجاسة
فالماء قسمين: كثير وقليل، والكثير قسمين، كثير متغير بالنجاسة، وكثير غير متغير بالنجاسة، والقليل قسمين: قليل متغير بالنجاسة، وقليل غير متغير بالنجاسة.
الماء الكثير المتغير بالنجاسة:(نجس) ، مثاله: ماء المجاري ماء كثير ولكن كله نجس متغير أحد أوصافه الثلاث أوصاف واللون، والطعم والرائحة بالنجاسة، هذا نجس بالإجماع.ماء كثير ولم يغيره النجاسة: (طاهر) مثاله بال في بحر،لم تغير ماء البحر .
القسمة الثانية: ماء قليل تغير بالنجاسة: (نجس )من باب أولى.
ماء قليل وقعت فيه نجاسة ولم تغيره: خلاف بين أهل العلم (والراجح أنه طهور ).
(أما إن خالطته النجاسة ولم تغير أحد أوصافه: فإن كان كثيراً لم ينجس وتحصل الطهارة به، وأما إن كان قليلاً ينجس، ولا تحصل الطهارة به) الفيصل الماء القليل الذي وقعت فيه النجاسة ولم تغيره، يقول هنا أنه نجس و قلنا : الراجح أنه طاهر كما هو فكل القسمة على قسمتين: ماء كثير أو قليل وقعت فيه نجاسة وغيرته فهو نجس لم تغيره فهو طاهر .
يقول (وحدُّ الماء الكثير ما بلغ قُلتين فأكثر)، القلة سموها قلة لأنها تقلي الأيدي أي تحمل ، لكن القلة التي كانت عندهم لم تكن مثل قلتنا قلتنا كانت زير كبير اسمها قلة حدها: (وحدُّ الماء الكثير ما بلغ قُلتين فأكثر) في الهامش يقول: القلة هي الجرة، جمعهِا قُلل وقِلال. وهي تساوي ما يقارب 93.075 صاعاً يعني = 160.5 لتر من الماء، والقلتان خمس قرب تقريبا.
وفي الحقيقة أن تقسيم القلة اختلف الفقهاء في تفسيرها في الصورة المعاصرة فالقلتين 93.075 صاع وهو يفسرها 160 لتر لكن هذا تفسير معجم الفقهاء، المعاصر الشيخ ابن منيع قطع الشريط 204 لتر، وقال آخر هي حوالي 307 لتر، والكردي قال 217 لتر فالعلماء اختلفوا في تحديد القلتين ، أقل واحد قال 160 وأكثر واحد قال 307 تفسيرهم يقول هنا 93 صاع، صاع القمح اثنين كيلو ومائة وخمسة وسبعين جرام
93.75 × 2.175 = 200 لتر تقريبا، خمس متر مكعب تقريبا ، فيه تقسيمة ثانية عند الفقهاء ستجد في منار السبيل يقول خمسمائة رطل عراقي، والرطل تسعين مثقال فالرطل تسعين مثقال، والمثقال حوالي أربعة وربع جرام، 4.25× 90 × 500= 200 فالقلتين يساوي لتر تقريبًا.
(والدليل على ذلك حديث أبي سعيد ألخدري t قال: قال رسول الله r: «إن الماء طهور لا ينجسه شيء»، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»).
يستدل به على مذهب القلتين وقول النبي r «إن الماء طهور لا ينجسه شيء» منطوق، والمنطوق هل يخصص بالمفهوم ام لا؟ خلاف بين الأصوليين، هذا المفهوم هنا لا يخصص المنطوق العام «أن الماء طهور لا ينجسه شيء»، الراجح هو أن الماء القليل إن لم يتغير فهو طهور كأصله.
واسأل الله U أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم، والحمد لله رب العالمين.
انتهى الدرس الأول
أم محمد الظن
ملتقى أهل الحديث
تعليق