بما إن ابن تيمية في الحزن مدعية والفرح منسية كما يقولون أشير فقط إلى ما نُسب إلى شيخ الإسلام في قضية التحريق وتحريره.
فالنص الذي نقلوه عن الشيخ هو:
"فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان وزجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع".
قلت وهذا اقتطاع لكلام الشيخ وتصحيف له ثم سوء فهم.
ونص الشيخ في موضعين..
الأول قال فيه: وإن مثل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر ولهم تركها، والصبر أفضل وهذا حيث لا يكون في التمثيل السائغ لهم دعاء إلى الإيمان وحرز لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد.
والموضع الثاني: وإن مثل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر، ولهم تركها، الصبر أفضل، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد ولا نكال لهم عن نظيرها، فأما إن كان في التمثيل السائغ لهم دعاء إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع، ولم تكن القصة في أحد كذلك؛ فلهذا كان الصبر أفضل.
فكلام الشيخ أن المثلة لا تجوز إلا إن كانت قصاصًا، يعاقب المقتول فيه بمثل ما فعل.
ثم يرجح الشيخ أن الصبر أفضل.
ثم يستثني الشيخ: إن كان في القصاص بالمثل ردع وزجر= فإنه يكون حينها أفضل من ترك القصاص بالمثل.
فلم يُجز الشيخ المثلة مطلقًا، ولا هو أجاز المثلة لمجرد الزجر والردع.
وإنما كل كلامه في مسألة واحدة وهي: إذا كانت المثلة سائغة وقصاصاً ممن فعل مثلها= هل تكون أفضل أم تركها أفضل؟
فيرجح أن تركها أفضل، إلا إن كانت زاجرة رادعة= ففعلها أفضل.
تبقى بعد ذلك مسألة واحدة وهي: هل يجيز الشيخ المثلة بالتحريق ولو كان المقتول فعلها أهو عنده من التمثيل غير السائغ؟
الجواب:
ليس عن الشيخ نصوص واضحة في هذا، وأقرب نص في هذا قوله: ((وهذه حجة من رأى من الفقهاء أنه لا قود إلا بالسيف في العنق قال: لأن القتل بغير السيف وفي غير العنق لا نعلم فيه المماثلة بل قد يكون التحريق والتغريق والتوسيط ونحو ذلك أشد إيلاما؛ لكن الذين قالوا: يفعل به مثل ما فعل قولهم أقرب إلى العدل؛ فإنه مع تحري التسوية بين الفعلين يكون العبد قد فعل ما يقدر عليه من العدل وما حصل من تفاوت الألم خارج عن قدرته. وأما إذا قطع يديه ورجليه ثم وسطه فقوبل ذلك بضرب عنقه بالسيف؛ أو رض رأسه بين حجرين فضرب بالسيف فهنا قد تيقنا عدم المعادلة والمماثلة. وكنا قد فعلنا ما تيقنا انتفاء المماثلة فيه وأنه يتعذر معه وجودها بخلاف الأول فإن المماثلة قد تقع؛ إذ التفاوت فيه غير متيقن. وكذلك القصاص في الضربة واللطمة ونحو ذلك عدل عنه طائفة من الفقهاء إلى التعزير؛ لعدم إمكان المماثلة فيه. والذي عليه الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة وهو منصوص أحمد: ما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثبوت القصاص به؛ لأن ذلك أقرب إلى العدل والمماثلة. فإنا إذا تحرينا أن نفعل به من جنس فعله ونقربالقدر من القدر كان هذا أمثل من أن نأتي بجنس من العقوبة تخالف عقوبته جنسا وقدرا وصفة)).
وقوله هذا قد يُفهم منه جواز ذلك قصاصًا ممن فعل مثله ما دام ضبط المماثلة ممكن. ويشكل على هذا الفهم نقله عن أحمد، ومنصوص أحمد هو حرمة التحريق مطلقًا كما هو قول أكثر العلماء، فاستحضاره هنا يمنع عود الكلام على التحريق، ومثله نصه الذي يتكلم عن التحريق والمعاقبة بالمثل ثم يستثني المحرم لذاته، وأكثر العلماء على أن التحريق محرم لذاته، وليس عندي ترجيح في هذا لمراده. فلا يمكن استحضار نص ظاهر لابن تيمية في هذه المسألة أصلا، كما أنه لا يثبت فيها شيء عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ورد عن علي، وكل المنقول عن أبي بكر أو خالد رضي الله عنهما= كذب.
وغني عن البيان أن ذلك تحرير لمذهب الشيخ، ولا علاقة له بتحرير حكم ما فُعل أمس؛ فإن الاشتغال بشرعنة أفعال المجرمين الذين لا يتقون الله ويوظفون الشرع لأهوائهم لا ينبغي أن يكون وظيفة لطلاب الآخرة؛ فإن هؤلاء فوق إجرامهم: من أهل الأهواء الذين لا يحققون دينًا وإنما مثلهم كمثل من يختطف خلافًا من هنا أو هناك ليشرعن له ما فعل لا أنه حقق ونظر وهدى فهو صاحب ديانة يسير وفق ما اهتدى، وكنت أقول لبعضهم: أروني مرة رجحتم قولًا فقهيًا يجعل ممارسة لكم حرامًا؟
إنما مثلكم كمثل أهل الأهواء من المفتين للسلطان.
والذي ينبغي أن يسأله الناس: ليس هل يستحق هذا الطيار تلك العقوبة أم لا، وهل ثبت بالبينة أنه حرق أناسًا أم لا؟
وهل أولياء الدم يطلبون القصاص منه بالمثل أم لا؟
وهل المماثلة هنا تكون بالتحريق أم بقاذفة من جنس ما تقذفه الطائرات؟
وهل سيكون في هذا ردع بالفعل أم لا؟
وإنما ليسألوا أنفسهم: هل سبق وصوتوا لمرسي أو لدستور أو تمنوا ترشيح حازم أو طالبوا بعدم حل مجلس الشعب أو بعودة مرسي لشرعيته أو حتى أجازوا المشاركة السياسية أو رأوا حركة حماس أهل جهاد؟
فإن فعلوا أيا من ذلك أو ما يشبهه فهم عند هؤلاء المجرمين: مرتدون يجب عليهم أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر والردة ويتوبوا منها وإلا جاز تحريقهم بالنار؛ لأنهم من المفسدين في الأرض وفي التحريق الشائع لهم ردع وزجر وهو من الجهاد وإقامة الحدود.
المصدر
صيد الفوائد
فالنص الذي نقلوه عن الشيخ هو:
"فأما إذا كان في التمثيل الشائع دعاء لهم إلى الإيمان وزجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع".
قلت وهذا اقتطاع لكلام الشيخ وتصحيف له ثم سوء فهم.
ونص الشيخ في موضعين..
الأول قال فيه: وإن مثل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر ولهم تركها، والصبر أفضل وهذا حيث لا يكون في التمثيل السائغ لهم دعاء إلى الإيمان وحرز لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد.
والموضع الثاني: وإن مثل الكفار بالمسلمين فالمثلة حق لهم، فلهم فعلها للاستيفاء وأخذ الثأر، ولهم تركها، الصبر أفضل، وهذا حيث لا يكون في التمثيل بهم زيادة في الجهاد ولا نكال لهم عن نظيرها، فأما إن كان في التمثيل السائغ لهم دعاء إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان فإنه هنا من إقامة الحدود والجهاد المشروع، ولم تكن القصة في أحد كذلك؛ فلهذا كان الصبر أفضل.
فكلام الشيخ أن المثلة لا تجوز إلا إن كانت قصاصًا، يعاقب المقتول فيه بمثل ما فعل.
ثم يرجح الشيخ أن الصبر أفضل.
ثم يستثني الشيخ: إن كان في القصاص بالمثل ردع وزجر= فإنه يكون حينها أفضل من ترك القصاص بالمثل.
فلم يُجز الشيخ المثلة مطلقًا، ولا هو أجاز المثلة لمجرد الزجر والردع.
وإنما كل كلامه في مسألة واحدة وهي: إذا كانت المثلة سائغة وقصاصاً ممن فعل مثلها= هل تكون أفضل أم تركها أفضل؟
فيرجح أن تركها أفضل، إلا إن كانت زاجرة رادعة= ففعلها أفضل.
تبقى بعد ذلك مسألة واحدة وهي: هل يجيز الشيخ المثلة بالتحريق ولو كان المقتول فعلها أهو عنده من التمثيل غير السائغ؟
الجواب:
ليس عن الشيخ نصوص واضحة في هذا، وأقرب نص في هذا قوله: ((وهذه حجة من رأى من الفقهاء أنه لا قود إلا بالسيف في العنق قال: لأن القتل بغير السيف وفي غير العنق لا نعلم فيه المماثلة بل قد يكون التحريق والتغريق والتوسيط ونحو ذلك أشد إيلاما؛ لكن الذين قالوا: يفعل به مثل ما فعل قولهم أقرب إلى العدل؛ فإنه مع تحري التسوية بين الفعلين يكون العبد قد فعل ما يقدر عليه من العدل وما حصل من تفاوت الألم خارج عن قدرته. وأما إذا قطع يديه ورجليه ثم وسطه فقوبل ذلك بضرب عنقه بالسيف؛ أو رض رأسه بين حجرين فضرب بالسيف فهنا قد تيقنا عدم المعادلة والمماثلة. وكنا قد فعلنا ما تيقنا انتفاء المماثلة فيه وأنه يتعذر معه وجودها بخلاف الأول فإن المماثلة قد تقع؛ إذ التفاوت فيه غير متيقن. وكذلك القصاص في الضربة واللطمة ونحو ذلك عدل عنه طائفة من الفقهاء إلى التعزير؛ لعدم إمكان المماثلة فيه. والذي عليه الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة وهو منصوص أحمد: ما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثبوت القصاص به؛ لأن ذلك أقرب إلى العدل والمماثلة. فإنا إذا تحرينا أن نفعل به من جنس فعله ونقربالقدر من القدر كان هذا أمثل من أن نأتي بجنس من العقوبة تخالف عقوبته جنسا وقدرا وصفة)).
وقوله هذا قد يُفهم منه جواز ذلك قصاصًا ممن فعل مثله ما دام ضبط المماثلة ممكن. ويشكل على هذا الفهم نقله عن أحمد، ومنصوص أحمد هو حرمة التحريق مطلقًا كما هو قول أكثر العلماء، فاستحضاره هنا يمنع عود الكلام على التحريق، ومثله نصه الذي يتكلم عن التحريق والمعاقبة بالمثل ثم يستثني المحرم لذاته، وأكثر العلماء على أن التحريق محرم لذاته، وليس عندي ترجيح في هذا لمراده. فلا يمكن استحضار نص ظاهر لابن تيمية في هذه المسألة أصلا، كما أنه لا يثبت فيها شيء عن صحابة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما ورد عن علي، وكل المنقول عن أبي بكر أو خالد رضي الله عنهما= كذب.
وغني عن البيان أن ذلك تحرير لمذهب الشيخ، ولا علاقة له بتحرير حكم ما فُعل أمس؛ فإن الاشتغال بشرعنة أفعال المجرمين الذين لا يتقون الله ويوظفون الشرع لأهوائهم لا ينبغي أن يكون وظيفة لطلاب الآخرة؛ فإن هؤلاء فوق إجرامهم: من أهل الأهواء الذين لا يحققون دينًا وإنما مثلهم كمثل من يختطف خلافًا من هنا أو هناك ليشرعن له ما فعل لا أنه حقق ونظر وهدى فهو صاحب ديانة يسير وفق ما اهتدى، وكنت أقول لبعضهم: أروني مرة رجحتم قولًا فقهيًا يجعل ممارسة لكم حرامًا؟
إنما مثلكم كمثل أهل الأهواء من المفتين للسلطان.
والذي ينبغي أن يسأله الناس: ليس هل يستحق هذا الطيار تلك العقوبة أم لا، وهل ثبت بالبينة أنه حرق أناسًا أم لا؟
وهل أولياء الدم يطلبون القصاص منه بالمثل أم لا؟
وهل المماثلة هنا تكون بالتحريق أم بقاذفة من جنس ما تقذفه الطائرات؟
وهل سيكون في هذا ردع بالفعل أم لا؟
وإنما ليسألوا أنفسهم: هل سبق وصوتوا لمرسي أو لدستور أو تمنوا ترشيح حازم أو طالبوا بعدم حل مجلس الشعب أو بعودة مرسي لشرعيته أو حتى أجازوا المشاركة السياسية أو رأوا حركة حماس أهل جهاد؟
فإن فعلوا أيا من ذلك أو ما يشبهه فهم عند هؤلاء المجرمين: مرتدون يجب عليهم أن يشهدوا على أنفسهم بالكفر والردة ويتوبوا منها وإلا جاز تحريقهم بالنار؛ لأنهم من المفسدين في الأرض وفي التحريق الشائع لهم ردع وزجر وهو من الجهاد وإقامة الحدود.
المصدر
صيد الفوائد
تعليق