كتاب وسنة بفهم سلف الأمة !
1- المراد بالسلف :
وهو لا يخفى عند الفضلاء انه يطلق على أمرين :
الأول :
الفترة الزمنية التي وجد فيها سلف الأمة زمناً وهي عند أكثرهم القرون الثلاثة المفضلة التي ورد الثناء عليها في حديث " خير الناس قرني ..." ومنهم من حصره في الصحابة والتابعين ومنهم من حصره في الصحابة .
وحقيقة : السلف أصالة وحقيقة هم الصحابة رضي الله عنهم ، وأما التابعون ومن تبعهم فهم سلف بالنسبة والإضافة ، والنيابة عن الصحابة.
الثاني :
السلف منهجا لا زمنا وهو مستمر إلى قيام الساعة ويراد به من سار على منهج أولئك المذكورين في الإطلاق الأول ويطلق عند ذلك على متبعهم سلفي .
2 - المراد بالفهم هنا :
والذي يظهر أن مراد من قال بوجوب الأخذ بفهم السلف أرد أصول الفهم والاستنباط وتحديد مصادر التلقي والعمل عند تعدد المصادر وما يتبع ذلك مما يندرج في علم اصول الفقه وعلوم التفسير والحديث ويدخل في ذلك حسن القصد في طلب الحق والبعد عن الهوى .
أي أن الفهم هنا هو المنهج والطريقة
وليس المراد بالفهم هنا مخرجات الأدلة من الأحكام بمعنى أن من فسر القرء مثلا بالطهر ومن فسره بالحيض كلاهما يسير على فهم السلف أي الطريقة في الاستنباط وذلك كالاعتماد على لغة العرب في الفهم مع النصوص الأخرى والقرائن الحالية واللفظية والسياق والسباق وما شابه ذلك مما هو معلوم عند العلماء ولا يقال إن تفسير القرء بالطهر هو منهج السلف دون تفسيره بالحيض او تفسيره بالحيض هو منهج السلف دون تفسيره بالطهر .
ويضاف لما ذكر : مخرجات الفهم في أبواب العقيدة لكونها مما اتفق عليها بينهم وهي من القطعيات وهي ما نص عليها العلماء في كتب العقيدة حينما قالوا : إن أصول السنة التمسك بما كان عليه الصحابة والتابعون ....
والمقصود بفهم السلف هو الفهم المشترك بينهم جميعا او بين جمهورهم وهو غالبا لا يوجد فيه شذوذ عند الصحابة وإنما يحصل الخلاف في مخرجات الفهم لا أصول الفهم مما سبق ذكره ولذا فإن فهم أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد كلها على منهج السلف مع ما علم من الاختلافات الكثيرة بينهم في مسائل الفقه وكلهم متفقون على أنهم جميعا على فهم السلف بينما هم جميعا يذمون من خالف ذلك كمن اشتغل بعلم الكلام وقدم العقل على النقل وأعرض عن منهج السلف في الفهم والاستنباط .
والذي يؤيد الدعوة إلى هذا المنهج والالتزام به امور :
1 - أن السلف وعلى رأسهم اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الأمة بالكتاب والسنة الذين هما مصدر هذه الشريعة وعنهما تتفرع بقية المصادر ، وهذا الأمر لا ينازع فيه أحد فهم الأعلم بالكتاب والسنة بالإجماع .
2 - أن السلف أكثر الأمة معرفة بلغة العرب وفقه معانيها التي هي أساس الفهم والاستنباط من الوحي الذي نزل بلسان العرب فهم أهل اللغة وهي سليقة لهم لم يخالطها لحن أو عجمة .
3 - أنهم أقوى الأمة إيمانا وأصدقهم مع الله وقد علم من نصوص كثيرة أن الإيمان والصدق والإخلاص والتقوى أسباب التوفيق والهداية للحق قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا وَإِذًا لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًاوَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا )النساء وقد علم بالقطع واليقين أنهم أكثر تقوى وصلاحا وإيمانا وعبادة .
4 - أن السلف أكثر الأمة تمسكا بحبل الله واعتصاما به واتباعا لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وقد قال تعالى : ( وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )آل عمران (101)
5 - أن علوم السلف علوم صافية لم يشبها ما يكدرها من العلوم الفاسدة التي دخلت على الأمة فيما بعد من الجدل المذموم والكلام والمنطق فهي علوم كالمنبع الصافي الذي لم تكدره الدلاء والخطأ والضلال إنما وقع في الأمة بعد دخول هذه العلوم ومزاحمتها للوحي .
6 - أن السلف أحسن الناس قصدا وأبعدهم عن الهوى وشهوات النفس وهذا من أعظم الأسباب للوصول إلى الحق والهداية للطريق المستقيم .
7 - أن السلف لم يكونوا يسكتون عن الأقوال الباطلة والآراء الشاذة المستنكرة المخالفة للكتاب والسنة وهذا ما يجعلهم ينقحون الشريعة من كل قول باطل ويجعلهم يسيرون على مسلك واحد متفقين غير متنازعين .
8 - أن السلف كانوا رجاعين للحق فمتى أنكر عليهم قول خالف النص أو ذكروا به اتعظوا ورجعوا ولم يكونوا يصرون على الخطأ ويتمسكون بهوى النفس .
9 - أن السلف كانوا يعتمدون منهج الشورى والسؤال فيما بينهم ولا يصدرون في كثير من الأمور لا سيما العامة إلا بعد تشاور وسؤال واجتماع على القول مما يقلل احتمال الخطأ ويجمع الكلمة ويقرب إلى أصابة مراد الشارع وهذا المسلك المسمى بالاجتهاد الجماعي أدعى وأقرب للوصول إلى الحق لاجتماع العقول والعلوم عليه .
10 - تورع السلف عن القول في دين الله بما لا يعلمون فهم إن علموا تكلموا وإلا لزموا الصمت خوفا من القول على الله بغير علم فلا استحسانات عقلية لديهم عارية عن النص مما يقلل الخطأ عندهم خلافا لمن جاء بعدهم .
11 - أن السلف كانوا يشتغلون بما ينفع من العلوم دون غيرها وهذا مما يجمع القلب ويوفق للحق ويصفي الذهن .
12 - أن السلف تدربوا على طرق الفهم والاستنباط بمدرسة النبوة في السفر والحضر بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بجميع الطرق التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي عليها أصحابه مما أوجد عندهم ملكة فقهية تعينهم على إصابة الحق في فهم النصوص .
13 - أن عصر السلف لا يمكن أن يخلو من الحق إما عند إجماعهم قولا واحدا او أحد أقوالهم عند الاختلاف فالخروج عن أقوالهم جميعا يستلزم ان يكون هذا القول غير موجود في عصرهم وهو باطل .
14 - أخيراً أنه مع كل ما سبق فإن اتباعهم سيكون لمجموعهم أو لجمهورهم وهو أدعى لموافقة الحق والقطع أو غلبة الظن بإصابتهم
د. بدر بن إبراهيم المهوس:: عضو هيئة التدريس بقسم أصول الفقه ::
تعليق