السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الطريق إلى التمكين تلخيص لفصل منهج الحركة من كتاب واقعنا المعاصر |
|
تغيير حال هذه الأمة ، وإرجاعها إلى حقيقة الإسلام ، أمر لا يتم بالسهولة التي يتصورها كثير من الناس ، إنما يحتاج – بحسب السنة الجارية – إلى وقت أطول بكثير ، وجهد أكبر بكثير ، مما تم في هذه اللحظة في جميع الميادين . فيحتاج إلى : أولاً : " تبيين الحقائق المجهولة من هذا الدين " . ثانياً : " تربية الناس على ما تقتضيه هذه الحقائق من سلوك واقعي في واقع الحياة " . وهنا قد يقول قائل : هل من المعقول أن ننتظر حتى تتربى الأمة كلها على الإسلام ؟ وكيف نربى والحكومات المعادية للإسلام تنقض علينا كل فترة من الزمن ، كلما ربينا جيلاً من الشباب أخذوه ، فعذبوه وقتلوه وقضوا عليه ؟ فأما بالنسبة للسؤال الأول فنقول : لم يقل أحد قط إنه ينبغي الانتظار حتى تتربى الأمة كلها ، فهذا أمر – بالفعل – لا يتحقق أبداً في واقع الأرض . ومجتمع الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن كله على القمة السابقة التي كان عليها أصحابه رضى الله عنهم ، الذين رباهم على عينه ، وتعهدهم برعايته . بل هؤلاء أنفسهم لم يكونوا على مستوى واحد من العظمة والارتفاع ، وقرن الرسول صلى الله عليه وسلم هو خير القرون على الإطلاق ؛ فما بالك بقرننا الحاضر ! إنما المقصود أن تتربى القاعدة التي تحمل البناء ، بالحجم المعقول ، وبأقرب شئ إلى المواصفات المطلوبة لهذا العمل الخطير . وأما بالنسبة للسؤال الثاني فنقول : نعم نحنُ معكم إنهم بالفعل يعوقون الحركة عن الإنطلاق ، أما القضاء على الحركة فهم أنفسهم لا يزعمون ذلك وإن تمنوه إنما الذي يحدث دائماً – بقدر من الله ، وحسب سننه – أنه بعد كل مذبحة بشعة يقومون بها يأتي مد جديد من الشباب ، وتتسع القاعدة على الدوام – برغم كل التعذيب الوحشي ، وكل التقتيل والتشريد . ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً ) [سورة الفتح 48/23] فربما يقول أحد أحبتنا : لقد ربينا بما فيه الكفاية ، وآن الأوان أن "نعمل". وهذه المقولة – على قصرها – تشتمل على قضيتين خطيرتين من قضايا العمل الإسلامي ، تحتاج كل منهما إلى بيان : الأولى : هل ربينا حقاً بما فيه الكفاية ؟ وما المعيار الذي نقيس به ما تم من التربية حتى اليوم ، لنعرف إن كان كافياً أم إنه يحتاج إلى مزيد ؟ والثانية : ما نوع "العمل" المقصود ، الذي يفكر فيه المتعجلون ؟ نجيبُ أولاً عن السؤال الثاني لأنه محدد في أذهان أصحابه بخلاف الأولى فما تزال تحتاج إلى تحديد فنقول : هناك نوعان رئيسيان من التفكير ، ونوعان من العمل ، يفكر فيهما من يطرح هذا السؤال بحسب كونهم من الشباب ومن الشيوخ ، بالإضافة إلى لون ثالث . فأما الشباب – الذين تملؤهم الحماسة وتدفعهم إلى التعجل – فتفكيرهم هو : وجوب الوصول إلى الحكم بالقوة ، وتربية الأمة من موقع السلطة لا من موقع الدعوة ، لأن التربية من موقع الدعوة أمر يطول به الزمن ويطول به الطريق ، بسبب وقوف الأعداء بالمرصاد ، وتعويقهم المستمر للحركة الإسلامية ، وتشتيتها كلما أرادت أن تتجمع . وأما الشيوخ – الذين أجهدهم المشوار الطويل ، والضربات المتوالية على الطريق – فتفكيرهم هو الدعوة السلمية التي لا تصطدم مع السلطة أبداً ، والتي تتخذ جناحاً من أجنحتها الدخول في البرلمانات والانتخابات ، ومحاولة التأثير على مجرى السياسة من داخله ، أو على الأقل إعلان صوت الإسلام من داخل الأجهزة السياسية التي تسيطر اليوم على حياة الناس ، حتى يكون لهذا الصوت وقع في حس الناس . ونحن نفترض – بادئ ذي بدء – الإخلاص الكامل في كل من الفريقين ( والفريق الثالث كذلك الذي سنتكلم عنه فيما بعد) . ولكن الإخلاص وحده لا يكفي ؛ بل لابد معه من البصيرة ، لأن عدم البصيرة حري أن يفسد ثمرة الإخلاص ! نفترض جدلاً أن مجموعة من الشباب المتحمس قد أحكمت التدبير ، فقامت "بانقلاب" وأقامت حكومة إسلامية في أي بقعة من العالم الإسلام . فمن يُسندها ؟! ولنأخذ مصر مثلاً : " فالقاعدة الإسلامية" في مصر هي أوسع قاعدة حتى الآن في العالم الإسلامي كله ، فهل تكفي هذه القاعدة لسند الحكم الإسلامي ، وحمايته من العدوان الصليبي الصهيوني المتوقع في جميع الأحوال ؟ ولنفترض أن أمريكا لم تتدخل بعدوان مباشر ، وإنما فقط مُنع القمح عن الشعب المصري ! هل يصبر الشعب المصري – في حالته الراهنة – على الجوع من أجل إقامة الحكم الإسلامي ؟ أم تسير المظاهرات – بقيادة الشيوعيين والعلمانيين والملحدين ، ومن ورائها " الجماهير " الجائعة – تقول : نريد الخبز والحرية ؟! فلنكن واقعيين .. ولنقل إن "القاعدة الإسلامية" لم تزل بعد أصغر من حجم العمل المطلوب! وقبل أن تقوم القاعدة بالصورة الصحيحة ، فكل محاولة للصدام مع السلطة للوصول إلى الحكم عبث غير مبنى على بصيرة ولا تدبر .. وقمته هو ما حدث في مذبحة حماة . . نموذجاً بارزاً ينبغي أن تتدبره الحركة الإسلامية جيداً لتعرف كل أبعاده ، ولا تقع في مثله مرة أخرى مهما كانت الأسباب . فإن قال المتعجلون من الشباب : كيف نقعد " بلا عمل " حتى تتكون مثل تلك القاعدة ؟ فنقول : إن القاعدة تتكون ببطء نعم ، ولكنها تتسع على الدوام ، ولا تتوقف على النمو ، وينضم لها على الدوام شباب جديد ، يعلم سلفاً عقبات الطريق ، وعذابات الطريق ، فيوطن نفسه على ملاقاة الموت ، واحتمال العذاب ، ويطن نفسه كذلك على المشوار الطويل . وذات يوم – لا يعلمه إلا الله سبحانه – ستنضح القاعدة وتتسع ، وتصبح بندقة صعبة الكسر وعندئذ – بسنة من سنن الله الجارية – سيدخل الناس فيها أفواجاً ، وسيجد العدو نفسه لا أمام جماعة منعزلة يحصدها حصداً وهو مطمئن ، إنما أمام أمة قد اجتمعت على إرادة موحدة ؛ فيجرى قدر الله بما تفرح به قلوب المؤمنين . أما القول بأن الشباب سيقعد "بلا عمل" حتى تتكون تلك القاعدة . فتقول لهم : من إذن الذي سيبنى القاعدة ؟! إن لم يكن هؤلاء الشباب أنفسهم ؟! وكيف يكونون بلا عمل إذا كانوا منهمكين في البناء ؟! إنما تصدر هذه القولة نتيجة أمرين معاً : 1 - عدم إدراك الأبعاد الحقيقية المطلوبة لعملية التربية . 2 - الاعتقاد – من ثم – بأن التربية قد تمت ، وأننا ينبغي إذن أن ننقل إلى الخطوة التالية ، وهي ملاقاة الأعداء . ولنتذكر بادئ ذي بدء أن شيوخ اليوم هم أنفسهم بقية شباب الجيل الأول المتعجل ! الذي كان يعتقد أن " العمل " قد وجب – وأنها ضربة قوية أو مجموعة ضربات ، فيخر الطغاة هداً ، ويحكم الإسلام ! وقد تخلى من أولئك الشباب من قبل من تخلى ، ولكن هؤلاء الشيوخ هم الذين بقوا ولم يتخلوا نعم ، لم يتخلوا . ولكنهم يعتقدون أن الدعوة قد وصلت إلى طريق مسدود ، وأنه يجب – من ثم – تغيير الطريق ! والسبب في هذه الرؤية من جانبهم واضح . فقد كانوا تربوا على أنهم هم الذين سيضربون الضربة الأولى ، أو مجموعة الضربات ، ثم تنجلي الضربة عن هزيمة العدو ، وانتصار الإسلام . في سنوات معدودات. وقد وجدوا أنهم هم الذين يضربون المرة بعد المرة على امتداد السنوات ، وأن الأعداء هم الذين يكسبون الجولة ، بينما لا يصنعون هم شيئاً إلا تلقى الضربات. ومن ثم فإن الطريق – كما تصوروه – يبدو مسدوداً بالفعل ، ولا يؤذن بانفتاح قريب ؛ فلابد – في حسهم – من البحث عن طريق غير مسدود . والطريق الذي يظنونه موصلاً هو : دخول البرلمانات والانتخابات، وإعلان صوت الإسلام من هناك ، مادام لا يُسْمَح بإعلانه من غير هذا الطريق . وكما ناقشنا الشباب المتعجل ، الذي يدعو إلى حمل السلاح وملاقاة العدو ، ورأينا – على ضوء الواقع ، وعلى ضوء ما حدث في حماة – أن الصدام مع السلطة قبل تكوّن " القاعدة المسلمة " ذات الحجم المعقول ، عبث لا يجنى منع العمل الإسلامي إلا ما جناه في حماة . كذلك نناقش الشيوخ المتعجلين ، الذين يظنون أنهم يحركون العمل الإسلامي بولوج هذا الطريق غير المسدود ، ويصلون عن طريقه إلى تحقيق الأمل المنشود . نقول لهم نفس الشيء ، إن استخدام هذا الطريق عبث لا يؤدى إلى نتيجة قبل تكوّن " القاعدة المسلمة" ذات الحجم المعقول ! ولنفرض جدلاً أننا توصلنا إلى تشكيل برلمان مسلم مائة في المائة ، كل أعضائه يطالبون بتحكيم شريعة الله ! فماذا يستطيع هذا البرلمان أن يصنع بدون " القاعدة المسلمة " التي تسند قيام الحكم الإسلامي ، ثم تسند استمراره في الوجود بعد قيامه ؟! انقلاب عسكري يحل البرلمان ، ويقبض على أعضائه فيودعهم السجون والمعتقلات ، وينتهي كل شئ في لحظات !! إنه تفكير ساذج رغم كل ما يقدم له من المبررات ، وفوق ذلك فهو يحتوى على مزالق خطيرة تصيب الدعوة في الصميم ألا وهي: |
تعليق