الزاد لمن أراد الاستعداد لعشر ذي الحجة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ...
فإن من فضل الله سبحانه على عباده أن هيأ لهم المواسم العظيمة والأيام الفاضلة ، لتكون مغنما للطائعين
وميدانا لتنافس المتنافسين ، ومن هذه الأيام الفاضلة : العشر الأول من شهر ذي الحجة ، التي شهد لها
الرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها أفضل أيام الدنيا ، وأنها من الأشهر الحرم التي ذكرها الله سبحانه بقوله
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} التوبة36 .
وقد صح في البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم :
ثلاث متواليات – ذو القعدة وذو الحجة والمحرم – ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان »
وخير الأشهر الحرم شهر ذي الحجة لوقوع الأيام الفاضلة فيه ، ففيه الأيام العشر
وفيه أعمال الحج ، وفيه يوم عرفة ، وفيه يوم النحر .
لذا حرصنا على ذكر بعض الأحكام المختصة بهذا الشهر – بشيء من الاختصار – كما وردت في السنة الصحيحة .
سبب التسمية
ذو الحجة سمي بذلك لأن الناس يوقعون أعمال الحج فيه ، ويجمع على ذوات الحجة3
وكان اسمه في الجاهلية : برك - بضم الباء وفتح الراء .
فضل شهر ذي الحجة
1 - قال تعالى {وَالْفَجْرِ ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ } ، صح عن ابن عباس رضي الله عنهم وجمهور المفسرين على
أن المراد بالليالي العشر : عشر ذي الحجة ، كما أخرج الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي
عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه قال : والفجر : فجر النهار ، وليال عشر : عشر الأضحى .
2 - عن ابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «ما من عمل أزكى عند الله
عز وجل ولا أعظم أجرا من خير يعمله في عشر الأضحى ، قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال :
ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء» . فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادا شديدا ، حتى ما يكاد يقدر عليه . أخرجه الدارمي وحسنه الألباني.
3 - عن جابر رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« أفضل أيام الدنيا العشر - يعني عشر ذي الحجة - قيل : لا مثلهن في سبيل الله ؟ قال :
ولا مثلهن في سبيل الله إلا رجل عفر وجهه بالتراب » أخرجه البزار وأبو يعلي وصححه الألباني .
4 - عن ابن عمر رضي الله عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر
فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد » أخرجه أحمد
الأحاديث والآثار الضعيفة الواردة في فضل عشر ذي الحجة
1 - « ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة ، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة
وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر » أخرجه الترمذي وابن ماجه وضعفه الألباني .
2 - « ما من أيام أفضل عند الله ولا العمل فيهن أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام - يعني من العشر
فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير وذكر الله ، والعمل فيهن يضاعف بسبعمائة ضعف» أخرجه البيهقي وضعفه الألباني .
3 - « صوم أيام العشر من ذي الحجة : كل يوم كفارة شهر وصوم يوم التروية كفارة سنة وصوم يوم عرفة كفارة سنتين »
ضعفه ابن الجوزي في الموضوعات .
4 - روي عن حفصة قالت : أربع لم يكن يدعهن النبي صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء ، والعشر
وثلاثة أيام من كل شهر ، والركعتين قبل الغداة . أخرجه أحمد والنسائي وضعفه الألباني .
5 - روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان يقال في أيام العشر : لكل يوم ألف يوم ، ويوم عرفة :
عشرة أيام يوم ، يعني في الفضل . أخرجه البيهقي وضعفه الألباني .
أيهما أفضل:
عشر ذي الحجة أم العشر الأواخر من رمضان ؟
اختلف العلماء في ذلك :
1 - فمنهم من فضل أيام العشر ولياليها على أيام العشر الأواخر من رمضان ولياليها ، وهو قول ابن رجب .
2 - ومنهم من فضل أيام العشر الأول من ذي الحجة على أيام العشر الأخير من رمضان ، أما الليالي
فليالي العشر الأخير من رمضان أفضل من أيام عشر ذي الحجة . وذهب إليه ابن تيمية وابن القيم وابن كثير .
3 - وقال بعض العلماء بالتسوية ، فأيام العشر من ذي الحجة وليالي العشر الأخير من رمضان سواء في الفضل
واختار هذا القول ابن حبان .
وعلى كل حال فالجميع متفق على فضل أيام العشر من ذي الحجة، وأنها أيام مباركة يتضاعف فيها العمل الصالح.
الأعمال التي يستحب فعلها في العشر
1- الإكثار من الأعمال الصالحة : يستحب في هذه الأيام الفاضلة : الإكثار من أي عمل صالح يقرب إلى
الله سبحانه وتعالى ، لأن هذه الأيام - كما في حديث ابن عباس - أيام فاضلة تضاعف فيها الأجور ، فمن
لم يمكنه الحج أو الصوم في هذه الأيام فعليه أن يشغل أوقاته بكل ما يقرب إلى الله سبحانه من الطاعات :
من قيام الليل ، والإكثار من الدعاء والصدقة ، وصلة الأرحام ، وبر الوالدين ، والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، وغيرها من الأعمال الصالحة .
وهذا كله من فضل الله سبحانه ومنته على عباده ، أن يسر لعباده مواسم الخير حيث تتضاعف فيها الأجور .
2- أداء الحج والعمرة: من أفضل الأعمال في هذه الأيام : أداء الحج والعمرة ، فإنها من الأعمال الصالحة
التي تدخل في عموم حديث ابن عباس السابق ، الذي فيه الحث على العمل الصالح في أيام العشر ، فمن
استطاع أن يحج إلى بيت الله الحرام في هذه الأيام فليفعل ، وسينال بإذن الله فضل الحج الوارد في الحديث
المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ، والحج المبرور
ليس له جزاء إلا الجنة » . والحديث المتفق عليه أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
« من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه »
3- الإكثار من الذكر: يستحب في هذه الأيام الفاضلة الإكثار من الذكر ، من التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح
والدليل على ذلك : قوله تعالى [ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ ]الحج : 28
قال ابن عباس : المراد بالآية عشر ذي الحجة .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر
فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد » أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر
وثبت عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم أنهما كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر
يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما . أخرجه البخاري تعليقا مجزوما به .
والمراد بالأثر أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده ، وليس المراد التكبير الجماعي بصوت
واحد فإن هذا أمر غير مشروع ، ولم تأت به السنة .
والتكبير نوعان: التكبير المطلق ، أي في كل مكان : في البيت ، والسوق ، والطريق، أما التكبير المقيد
فهو الذي يكون أدبار الصلوات المكتوبة ، ويبدأ من صلاة فجر يوم عرفة ، وينتهي بصلاة العصر من
آخر أيام التشريق ، وهو قول جمهور الصحابة والتابعين .
قال ابن تيمية : أصح الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء من الصحابة والأئمة :
أن يكبر من فجر يوم عرفة ، إلى آخر أيام التشريق ، عقب كل صلاة .
4- الصيام: يستحب صوم أيام العشر ما عدا العاشر لأنه يوم عيد ، ويوم العيد لا يجوز صيامه لما ثبت
عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت « كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة»
رواه أبو داود وصححه الألباني .
وأفضل هذه الأيام التي ينبغي صيامها لغير الحاج : يوم التاسع من ذي الحجة وهو يوم عرفة ..
فقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة ؟ فقال : « يكفر السنة الماضية والباقية » أخرجه مسلم .
وسئل ابن عمر عن صوم يوم عرفة بعرفة ؟ فقال : حججت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلم يصمه ، ومع
أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه، ومع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به ولا أنهى عنه
. أخرجه الترمذي وصححه الألباني.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق ، عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب »
أخرجه أبو داود وصححه الألباني . والمقصود الحاج دون غيره .
5- التقرب إلى الله بذبح الأضاحي: من الأعمال الصالحة في هذه العشر أن يتقرب المسلم إلى ربه بذبح الأضاحي
والأضاحي من شعائر الله، ويشملها قول الله تعالى{ وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ } الحج36
فهي من شعائر الله ، ومن يعظم شعائر الله فقد حقق التقوى ، كما قال سبحانه
{ ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج32 .
وقد جاء في فضل الأضحية أحاديث كثيرة لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ويمكن مراجعة أسانيدها
في سلسلة الأحاديث الضعيفة وضعيف الترغيب والترهيب للألباني.
الأحكام المهمة لمن يريد أن يضحي
• يجب على من يريد الأضحية أن يمتنع عن الأخذ من شعره وظفره وبشرته ، من أول يوم من أيام ذي الحجة
إلى أن يذبح أضحيته ، لما أخرج مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
« إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره » وفي لفظ :
« من كان له ذبح يذبحه ، فإذا هل هلال ذي الحجة ، فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي »
ومعنى البشرة في الحديث : ظاهر الجلد ، كمن ينتف جلد رجله إذا كان يابسا أو ميتا .
وهذا الأمر للوجوب في أصح أقوال العلماء ، لأن الأصل في الأمر الوجوب ، والأصل في النهي التحريم
ما لم يصرفه صارف ولا صارف للوجوب أو التحريم .
قال ابن القيم : ومن هديه صلى الله عليه وسلم أن من أراد التضحية ودخل يوم العشر ، فلا يأخذ من شعر
ه وبشره شيئا ، ثبت النهي عن ذلك في صحيح مسلم ، وجزم بوجوبه ابن حزم والشوكاني والشنقيطي .
• أن من أخذ من شعره أو ظفره أو بشرته أثناء العشر ناسيا فلا شيء عنه ، لأن الناسي معذور ، وقد قال سبحانه
[رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ] وصح في صحيح مسلم في الحديث القدسي أن الله قال : « قد فعلت »
وصح في سنن ابن ماجه عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
« إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه » وصححه الألباني .
• من تعمد الأخذ من شعره أو ظفره أثناء العشر فهو آثم ، لعدم امتثاله الأمر النبوي ، لكن لو فعل عامدا
فأضحيته باقية وليس عليه كفارة ، لكن عليه التوبة والاستغفار ، قال المرداوي : لو خالف وفعل فليس عليه
إلا التوبة ، ولا فدية عليه إجماعا .
• من احتاج إلى الأخذ من ظفره لانكساره أو جرحه فلا حرج عليه ، ولا كفارة ، وأضحيته باقية
بخلاف ما يظنه البعض من بطلان أضحيته ، فهذا مما لا دليل عليه .
• يجوز لمن أراد الأضحية أن يغسل شعر رأسه أثناء العشر ، وأن يحكه ويمشطه ، ولا شيء عليه ولا كفارة
حتى وإن سقط شيء من شعره ، لأنه غير متعمد .
• أن الإمساك عن الأخذ من الشعر والظفر والبشرة خاص بالمضحي فقط ، أما أهل بيته من الزوجة والأولاد
فلا يشملهم الحكم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بمن يضحي فقط دون أهله وأولاده .
فمفهومه عدم دخول الحكم فيمن يضحى عنه من أهل البيت ، ثم يقال : بأن النبي صلى الله عليه وسلم
لم ينقل عنه أنه كان يأمر أهل بيته بالإمساك عن الأخذ من الظفر أو الشعر أو البشرة ولو كان واجبا عليهم لأمرهم به .
• أن الإمساك إنما يكون عن الأخذ من الشعر والظفر والبشرة فقط ، وعلى هذا فيجوز أثناء العشر الاغتسال
والتطيب والجماع ، بخلاف ما يظنه بعض العامة أنه لا يجوز ذلك ، ويسمون المضحي محرما ، وهذه تسمية
خاطئة ، وهي التي أوقعت بعض الناس في هذا الفهم الخاطئ .
وبين الشيخ ابن عثيمين العلة بقوله : والحكمة من ذلك أن الله سبحانه وتعالى برحمته لما خص الحجاج بالهدي
وجعل لنسك الحج محرمات ومحظورات ، وهذه المحظورات إذا تركها الإنسان لله أثيب عليها ، والذين لم يحرموا
بحج ولا عمرة شرع لهم أن يضحوا في مقابل الهدي ، و شرع لهم أن يتجنبوا الأخذ من الشعور والأظفار والبشرة
لأن المحرم لا يأخذ من شعره شيئا ، يعني لا يترفه : فهؤلاء أيضا مثله ، وهذا من عدل الله عز وجل وحكمته ، كما
أن المؤذن يثاب على الأذان ، وغير المؤذن يثاب على المتابعة ، فشرع له أن يتابع .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى ، والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
منقول من موقع سلسلة العلامتين ابن باز والألباني
تعليق