يعلق الكثيرون على الآية الكريمة: " الرِّ*جَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ " ﴿النساء: ٣٤﴾فيقولون:
انتم فرقتم بين الرجل والمرأة في إدارة البيت وجعلتم القوامة بيد الرجل وأجحفتم في حق المرأة، وهذا ينافي المساواة بين الجنسين، كما وأن واقعنا اليوم تغير وأصبحت المرأة
في كثير من الأحيان هي سيدة البيت، بل وأحياناً تدير الرجل.
الرد على شبهة عدم مساواة المرأة بالرجل بجعل القوامة بيد الرجل:
1-قبل أن نرد على الشبهة لنتعرف على معنى القوامة..
فالقوامة معناها الإدارة والإمارة، نقول فلان قائم على الدار، أي مديرها.
ومعروف في علم الإدارة أن المدير ليس بالضرورة أفضل ممن يديرهم فالمراد بالقوامة هنا قوامة رعاية وإدارة، وليست قوامة هيمنة وتسلط.
2- إن المتبع للنظام العام للشريعة يجد أن مفهوم الإدارة نظام معتمد في جميع المشاريع، وحتى في السفر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا كان ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم ) ، ونلاحظ إن النص يقول: ( فليؤمروا أحدهم ) ، وهذا يدل على أن الأمير ليس بالضرورة أفضلهم ، إنما المهم أن يكون على مستوى تحمل المسؤولية ، فإذا كان الشارع يحرص على أن لا يسير ثلاثة في طريق إلا ويحددوا مديرهم فهو بالتأكيد أشد حرصاً على تحديد المدير في مسيرة الأسرة.
3- ولنناقش احتمالات الإدارة في البيت ، طالما إننا متفقون على أنه لا بد من وجود رئيس في المؤسسة ، فالاحتمال الأول: أن يكون الرجل هو المدير ، والثاني : المرأة ، والثالث: هما معاً ، فأما الثالث فهو مستبعد لأنه لا يصلح أن يكون للسفينة ربانان ، كما أن علم النفس يؤكد اختلال عواطف الأبناء واضطراب نفوسهم عند تنازع الوالدين على السيادة، وأما احتمال المرأة فنحن نعرف الجانب العاطفي عند المرأة ، وأن الإدارة تحتاج إلى زيادة في الحزم والعقلانية ، وهو ما يميز الرجل بالإضافة إلى الجانب المالي الملزم به ، مما يترجح معه اتجاه إعطاء الإدارة للرجل .
4- إن الدراسات الحديثة تؤكد رغبة المرأة بالعمل تحت إمرأة شخص آخر وهو ما أكدته العالمة النفسية " كليف دالسون" وتبين لها من الدراسة أن المرأة تفضل أن تكون مرؤوسة وبإشراف رئيس، وقد نقلت ذلك مجلة " مرآة اليوم" عدد رقم (101) كما أن المرأة تحب أن تشعر بأنها محمية ، وبأن هناك رجل حام ، فهما شعوران طبيعيان فيها.
5- إن تحميل المرأة مسؤولية نفقتها على نفسها وتأمين دخل لها تلبي به حاجاتها المستمرة يشكل قيداً قاسياً عليها، كما أن حرمانها من الحماية يحرمها الأمن وحرمانها من الأمن ينشىء عليها قيود الخوف والقلق وعدم الاستقرار.
ولذلك كان من مستلزمات القوامة أن يوفر الرجل للمرأة " كفاية الرزق ، ونعمة الأمن" فيحميها من ( الجوع والخوف)، فالقوامة إذن مسألة ذي شقين حق للرجل وواجب عليه ، فهي ليست امتيازاً ولا تشرفاً له بل تكليفاً يتبعه شدة محاسبة الرب جل وعلا .
6- إن القوامة التي دعى إليها الإسلام هي قوامة رحيمة تقوم على التفاهم والتشاور ، وليست قوامة تسلط وهيمنة ، أساسهاكما قال تعالى" وَعَاشِرُ*وهُنَّ بِالْمَعْرُ*وفِ ﴿النساء: ١٩﴾" كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم( وخيركم خيركم لأهله ) .
والرجل لا في كل حين وإنما عند اختلاف وجهات النظر، ولكن الأصل أن يعرف كل طرف مسؤوليته ودوره في الأسرة ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
7- نلاحظ أن النص القرآني:" الرِّ*جَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ " ﴿النساء: ٣٤﴾ولم يقل ( الرجال سادة على النساء) ، ففي القوامة معنى الإصلاح والعدل ، وليس الاستبداد والسيادة والظلم ، فهي قوامة فيما لايمس كرامة المرأة وكيانها .
ونضيف على ذلك بأن الإسلام أعطى للمرأة حق التدخل في اختيار زوجها ، ولهذا فهي
تختار القيم عليها .
8- إن النظام العالمي في الإدارة يقول: ( من ينفق يشرف )، وهذا معموله به حتى في الشركات ، فأكثر المساهمين مالاً يحق لهم الإشراف والمساءلة ، ومن أمثلة الشركات العالمية المطبقة لهذا النص شركة مايكروسوفت والتي يملكها " بلجيت" فعندما طرح اسهمها للبيع للجمهور حرص أن يبيع من اسهمها ما نسبته(49 %) وأبقى له (51 %) من الأسهم حتى يبقى هو صاحب القرار فيها والقيم عليها .
ولو طبقنا هذا على الواقع وفي الأسرة فإن الرجل يدفع المهر وينفق على زوجته وأولاده كما أنه مكلف بإطعامهم وإلباسهم وشراء الدواء لهم، لذا فإن له حق الإشراف لأنه
" من ينفق يشرف" .
9- من الطرائف في وضع الأسرة بالغرب أن الزوجين إذا دخلا في مطعم لتناول العشاء مثلاً ، فإن كل واحد منهما يحاسب عن نفسه، وذلك لأن النظام الغربي في الإدارة يختلف عن النظام الرباني في جعل الرجل مكلفاً بحماية المرأة من الجوع والخوف.
ولهذا فقد الرجل صلاحيته هناك، ففي كل اثنى عشرة ثانية تحصل حادثة ضرب من زوج لزوجته في أمريكا، ولعل هذا مؤشر على تنازع السلطات.
ومع هذا نقول لو تنازل الزوج عن تأمين حماية الجوع والخوف فلا قوامة له .
10- مهم جداً أن نتفق على أن الإسلام لم يفرق بين الرجل والمرأة من حيث الذات، وإنما راعي الفروق الفردية في المهمات، وهنا نذكر بعض النصوص في المساواة:
قال تعالى: ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَ*بُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ* أَوْ أُنثَىٰ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ) ﴿آل عمران: ١٩٥﴾.
ويقول: أيضاً ( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ* أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَ*هُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٩٧﴾ )سورة النحل .
ويقول عزوجل: ( وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ* أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرً*ا ﴿النساء: ١٢٤﴾) ، ثم أن البيان يعود فيزيد هذه الحقيقة تأكيداً ، إذ يبرزها فيما يشبه الصياغة المحددة القانونية، فيقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ* وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَ*فُوا إِنَّ أَكْرَ*مَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ* ﴿الحجرات: ١٣﴾.
11- قد يعترض قائل بأن الله تعالى قال:" الرِّ*جَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّـهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ" ﴿النساء: ٣٤﴾، فأنتم تفضلون الرجل على المرأة !
وهنا نقول: بأن الأفضلية هنا للتناسب المصلحي وليس الجنس .
فالرجل من أهم وظائفه الاجتماعية توفير المسكن والعيش الكريم، والمرأة من أهم وظائفها الاجتماعية الرضاعة والحضانة ورعاية الأطفال ، وكل واحد منهما أفضل من الآخر
بموقعه ، وهذا معنى " بما فضل الله بعضهم على بعض" فهو تفضيل بما يتناسب وقدرات الإنسان ،وإلا فنحن متفقون أن القوامة " رعاية وإدارة " وليست تفضيلاً .
12- لو أسقطنا عن الرجل قوامته وجعلناها للمرأة ، فإننا نكون قد أسقطنا عنه مسؤولية النفقة، وهنا تلزم المرأة بتأمين الحماية المستقبلية للأسرة وتوفير الأمن والطعام مما سيؤثر على أولوياتها الاجتماعية من حفظ البيت ورعاية الأبناء .
من أجل ذلك حرر الإسلام المرأة من مسؤولية العمل في الوقت الذي لم يمنعها منه،
حتى تختار ما يناسبها .
13- إن القانون الإنجليزي حتى عام 1805 كان يجيز بيع الرجل لزوجته، بما أنه قيم عليها، وبقيت عملية البيع قائمة حتى بداية القرن العشرين، كما أن البرلمان الإنجليزي في عهد هنري الثامن أصدر حظراً على المرأة يمنعها من قراءة الإنجيل .
بينما عندنا نحن حفظت النسخة الوحيدة لأفضل كتاب على وجه الأرض بيد إمرأة ألا وهي السيدة " حفصة بنت عمر " رضي الله عنها .
14- إن مما تقوله المرأة في قسم الزواج عند النصارى " وأقسم أن أكون مطيعة لزوجي" بينما عندنا في الإسلام تقول: " قبلت هذا الزوج " .
15- يجوز في الإسلام أن تكون المرأة وصية على الصغار وناقصي الأهلية ، وأن تكون وكيلة عن أي شخص حتى عن والديها أو زوجها في أعمالهم وتصريف أموالهم إذن القوامة كما ذكرنا رعاية وإدارة وليست رئاسة وتسلط .
تعليق