الإيمان بالقدر
هو من ربوبية الله عز وجل ولهذا قال الأمام احمد رحمه الله تعالى : القدر قدرة الله.ا.هـ لأنه من قدرته ومن عمومها بلا
شك وهو أيضاً سرٌ الله تعالى المكتوم الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى . مكتوب في اللوح المحفوظ في الكتاب المكنون
الذي لا يطٌلع عليه أحد ونحن لا نعلم بما قدّره الله لنا أو علينا أو بما قدَّره الله تعالى في مخلوقاته إلا بعد وقوعه أو الخبر الصادق عنه .
❤❣❧❧❣❤
والأمة الإسلامية انقسمت في القدر إلى ثلاثة أقسام
:
القسم الأول
غلوا في إثبات القدر وسلبوا العبد قدرته واختياره وقالوا : أن العبد ليس له قدرة ولا اختيار وإنما هو مسير لا مخير
كالشجرة في مهب الريح ، ولم يفرقوا بين فعل العبد الواقع باختياره وبين فعله الواقع بغير اختياره . ولا شك أن هؤلاء
ضالون لأنه مما يعلم بالضرورة من الدين والعقل والعادة أن الإنسان يفرق بين الفعل الاختياري والفعل الإجباري
❤❣❧❧❣❤
القسم الثاني :
غلوا في إثبات قدرة العبد واختياره حتى نفوا أن يكون الله تعالى مشيئة أو اختيار أو خلق فيما يفعله العبد وزعموا أن العبد
مستقل بعمله حتى غلا طائفة منهم فقالوا أن الله تعالى لا يعلم بما يفعله العباد إلا بعد أن يقع منهم وهؤلاء أيضا غلوا
وتطرفوا تطرفا عظيماً في إثبات قدرة العبد واختياره .
❤❣❧❧❣❤
القسم الثالث :
وهم الذين آمنوا فهداهم الله لما اختلف فيه من الحق وهم أهل السنة والجماعة سلكوا في ذلك مسلكاً وسطاً قائماً على الدليل
الشرعي وعلى الدليل العقلي وقالوا إن الأفعال التي يحدثها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول
: ما يجريه الله ـ تبارك وتعالى- من فعله في مخلوقاته فهذا لا اختيار لأحد فيه كإنزال المطر وإنبات الزرع والإحياء والإماتة
والمرض والصحة وغير ذلك من الأمور الكثيرة التي تشاهد في مخلوقات الله تعالى وهذه بلا شك ليس لأحد فيه اختيار
وليس لأحد فيها مشيئة وإنما المشيئة فيها لله الواحد القهار .
القسم الثاني:
ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة فهذه الأفعال تكون باختيار فاعليها وإرادتهم لان الله تعالى جعل ذلك
إليهم قال الله تعالى :(لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ) (التكوير :28) وقال تعالى(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ) آل عمران 152)
وقال تعالى : (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) ( الكهف : 29 ) والإنسان يعرف الفرق بين ما يقع
منه باختياره وبين ما يقع منه باضطرار وإجبار فالإنسان ينزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً يعرف أنه مختار ولكنه
يسقط هاوياً من السطح يعرف أنه ليس مختاراً لذلك ويعرف الفرق بين الفعلين وأن الثاني إجبار والأول اختيار وكل إنسان
يعرف ذلك .
وكذلك الإنسان يعرف أنه إذا أصيب بمرض سلس البول فإن البول يخرج منه بغير اختياره وإذا كان سليماً من هذا المرض
فإن البول يخرج منه باختياره . ويعرف الفرق بين هذا وهذا ولا أحد ينكر الفرق بينهما . وهكذا جميع ما يقع من العبد
يعرف فيه الفرق بين ما يقع اختياراً وبين ما يقع اضطراراً وإجباراً بل إن من رحمة الله عز وجل أن من الأفعال ما هو
باختيار العبد ولكن لا يلحقه منه شيء كما في فعل الناسي والنائم ويقول الله تعالى في قصة أصحاب الكهف :(وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ) (الكهف : 18 ) وهم الذين يتقلبون ولكن الله تعالى نسب الفعل إليه لأن النائم لا اختيار له ولا يؤاخذ بفعله ، فنسب فعله إلى الله عز وجل ويقول صلى الله عليه وسلم (
من نسِيَ وهو صائمٌ ، فأكلَ أو شرِبَ ، فليُتمَّ صومَهُ . فإنَّما أطعمَهُ اللهُ وسقاهُ )صحيح مسلم
فنسب هذا الإطعام وهذا الإسقاء إلى الله عز وجل لأن الفعل وقع منه بغير ذكر فكأنه صار بغير اختياره وكلنا يعرف الفرق
بين ما يجده الإنسان من آلم بغير اختياره وما يجده من خفة في نفسه أحياناً بغير اختياره ولا يدرى ما سببه وبين أن يكون
الألم هذا ناشئاً من فعل هو الذي اكتسبه أو هذا الفرح ناشئاً من شيء هو الذي اكتسبه وهذا الأمر ولله الحمد واضح لا غبار
عليه .
ولو قلنا بقول الفريق الأول الذين غلوا في إثبات القدر لبطلت الشريعة من أصلها لأن القول بأن فعل العبد ليس له فيه
اختيار يلزم من أن لا يحمد على فعل محمود ولا يلام على فعل مذموم لأنه في الحقيقة بغير اختيار وإرادة منه وعلى هذا
فالنتيجة إذن أن الله تبارك وتعالى يكون ـ تعالى عن ذلك علواً كبيراً ـ ظالماً لمن عصى إذا عذبه وعاقبه على معصيته ،
لأنه عاقبة على أمر لا اختيار له فيه ولا إرادة وهذا بلا شك مخالف للقران صراحة يقول الله تبارك وتعالى : ( وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ) [ ق :23- 29 ] .
فبين سبحانه أن هذا العقاب منه ليس ظلماً بل هو كمال العدل لأنه قد قدم إليهم بالوعيد وبين لهم الطرق وبين لهم الحق
وبين لهم الباطل ولكنهم اختاروا لأنفسهم أن يسلكوا طريق الباطل فلم يبق لهم حجة عند الله عز و وجل ولو قلنا بهذا القول
الباطل لبطل قول الله تعالى : (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) [ النساء : 165 ] فإن الله تبارك وتعالى نفى أن يكون للناس حجة بعد إرسال الرسل لأنهم قامت عليهم الحجة بذلك فلو كان القدر حجة لهم
لكانت هذه الحجة باقية حتى بعد بعث الرسل لان قدر الله تعالى لم يزل ولا يزال موجوداً قبل إرسال الرسل وبعد إرسال
الرسل أذن فهذا القول تبطله النصوص ويبطله الواقع
م ن ق و ل
تعليق