ما حكم من يسرق مقالات وكتب وجهود غيره فينسبها لنفسه ؟
الجواب :
الحمد لله
من ينسب أعمال غيره لنفسه ولا يحيل على مصدرها :
فإنه قد وقع في محذير كثيرة ، وينبغي أن يتنبه لنفسه ولا يستمر في هذه الطريق
التي تحرمه من الأجور ، ومن هذه المحاذير :
أولاً :منافاة العمل للإخلاص
والمسلم مأمور بالإخلاص في جميع طاعاته وعباداته ،
قال الله تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ) ،
وما يفعله مَن يسطو على جهود غيره لينشرها باسمه يتنافى عمله هذا مع الإخلاص ؛
لأنه يريد الذِّكر والشهرة والتكثر بما ليس من فعله ،
ولو أراد وجه الله وثواب الآخرة لعلم أن الله تعالى لا يقبل عملاً يدَّعيه لنفسه وهو ليس له ،
ولكفَّ عن فعله هذا ونسب العمل لصاحبه ،
ولو فعل هذا فإنه يأخذ الأجر في التعليم والدلالة على الخير كاملاً غير منقوص ،
والله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا طيِّباً .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّباً ) .
- الكذب في نسبة ما ليس له
عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً ،
فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ إِنْ تَشَبَّعْتُ مِنْ زَوْجِي غَيْرَ الَّذِي يُعْطِينِي ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله –
وأما حكم التثنية في قوله ( ثَوْبَيْ زُور ) : فللإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى ؛
لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ ، وعلى غيره بما لم يُعطِ ،
وكذلك شاهد الزور ، يظلم نفسه ، ويظلم المشهود عليه .
وقال الشيخ محمد جمال الدين القاسمي – رحمه الله - :
لا خفاء أن مِن المدارك المهمة في باب التصنيف :
عزوَ الفوائد والمسائل والنكت إلى أربابها تبرؤا من انتحال ما ليس له ،
وترفعاً عن أن يكون كلابس ثوبي زور ،
لهذا ترى جميع مسائل هذا الكتاب معزوة إلى أصحابها بحروفها
وهذه قاعدتنا فيما جمعناه ونجمعه .
" قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث "
- السرقة
قال الأستاذ عصام هادي – وفقه الله - :
لما كثر اللغط حول ما يفعله بعض إخواننا من نقل لكلام
دون أن يعزو ذلك إليهم : سألت شيخنا هل هذه سرقة أم لا ؟ .
فقال شيخنا : نعم هو سرقة ، ولا يجوز شرعاً ؛ لأنه تشبّع بما لم يعط ،
وفيه تدليس وإيهام أن هذا الكلام أو التحقيق من كيس علمه .
- نزع البركة وعدم شكر النعمة
قال النووي – رحمه الله – معلقاً على حديث ( الدِّين النَّصيحة ) - :
ومن النصيحة : أن تضاف الفائدة التي تُستغرب إلى قائلها ،
فمن فعل ذلك بورك له في علمه وحاله ،
ومن أوهم ذلك وأوهم فيما يأخذه من كلام غيره أنه له :
فهو جدير أن لا ينتفع بعلمه ، ولا يبارك له في حال ،
ولم يزل أهل العلم والفضل على إضافة الفوائد إلى قائلها ،
نسأل الله تعالى التوفيق لذلك دائماً .
" بستان العارفين "
ثانياً :
ذكر الأستاذ محمد رشيد رضا جنايات وذنوب كثيرة
يتلبس بها من يسرق جهود غيره وينسبها لنفسه ،
وجعل هذه السرقة شرّاً من سرقة المال ، حيث قال – رحمه الله - :
" تكرر منا الانتقاد على الجرائد التي تنقل كلام غيرها ولا تعزوه إلى صاحبه ،
وقد يكون هذا من البعض عن عمد فيكون سرقة شرًّا من سرقة الأموال والعروض ؛
لأن في سرقة دينار من رجل ذنبًا واحدًا ،
وفي سرقة الكلام عدة ذنوب :
أحدها : التعدي على حقوق الناس وانتحالها لنفسه ، وهو المراد بتسميتها سرقة .
وثانيها : الخيانة في العلم ، وهو لا ينجح إلا بالأمانة ,
وهي نسبة كل قول إلى قائله وكل رأي إلى صاحبه .
وثالثها : الكذب ، وهو ظاهر .
ورابعها : التبجح والافتخار بالباطل ،
وقد ورد في الحديث الصحيح ( المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور ) .
خامسها : الغش ؛ فإن من الناس مَن إذا علم أن هذا القول لفلان يأخذ به ويقلده ،
لأن التقليد مبني على الثقة , فإذا نسب القول إلى غير صاحبه يتركه
من لو علم صاحبه لأخذ به وانتفع لثقته به دون من نسب إليه ,
ويأخذ به من يثق بالمنتحل على أنه له وما هو له .
سادسها : الجناية على التاريخ الذي يبين مراتب الناس وأقدارهم في العلم .
ولا شك أن المحدثين يعتبرون هؤلاء المنتحلين من الوضاع الكاذبين
حتى لا يثقون برواية لهم وكذلك يجب .
" مجلة المنار "
والخلاصة :
قد رأيت أخي السائل ما يجني به المنتحل لجهود غيره
من جنايات ومساوئ وما يستحقه من صفات وأحكام ،
فالمرجو من الكتَّاب – في المواقع الإلكترونية وغيرها – أن يكفوا عن هذا العبث ،
وأن يصدقوا مع أنفسهم ، وأن يلتزموا بالأمانة ،
فعسى الله أن يكتب لهم الأجور كاملة يوم القيامة إن هم فعلوا ذلك .
الإسلام سؤال وجواب
منقول من ملتقى السنة
تعليق