بسم الله الرحمن الرحيم
[أ] التعريف بـ(يومِ عاشوراء).
هو اليومُ العاشر من شهرِ الله المحرمِ، وقد جيءَ به على وزنِ "فاعولاء" ولم يأتِ في لغةِ العرب على وزنِهِ غير (تاسوعاء وضاروراء وساروراء ودالولاء من الضَّراء والسَّراء والدَّلال)، وهو بالمدِّ "عشوراء وعاشوراء" كتاسوعاء؛ وحكيَ قصرهما، وسمِّي عاشوراء بذلكِ لمقتضى الاشتقاق من كونِهِ العاشر، وقيل: هو معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم الفعل، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل "يوم عاشوراء" فكأنه قيل "يوم الليلة العاشرة" قاله القرطبي.
[ب] فضل (يومِ عاشوراء).
* اتَّفق أهل العلمِ على فضيلةِ الصيامِ فيه؛ لما رويَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ) وفي لفظٍ (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَه) رواه الشيخان. وكانَ رسول الله يتحرى صيامَ هذا اليوم فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إَِلا هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ) رواه الشيخان, وأما رويَ عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ: (من صام عاشوراء غفر له سنة) فلا يصحُّ، أخرجه الطبراني في (الأوسط) وإسنادهُ مسلسلٌ بالضعفاء, وقد وهمَ الإمام المنذري في تحسينه.
وقد اتفقَ أهل الحديث أنه [لَمْ يَثْبُتْ فِي فَضْل هَذَا الْيَوْمِ إِلاَّ الصِّيَامُ فَقَطْ].
[ج] تأريخ وحوادث (يومِ عاشوراء).
قد وقعَ في هذا اليومِ أخبار وتأريخ نصَّ عليها أهل العلمِ وسنوردُ بعضًا منها ونميِّز الصحيح من غيره، فمن ذلك:
أولاً: استواء سفينة نوح صلى الله عليه وسلم على الجودي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأُنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ قَدْ صَامُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (مَا هَذَا مِنْ الصَّوْمِ؟) قَالُوا َهَذَا يَوْمُ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ فَصَامَهُ نُوحٌ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى) أخرجه أحمد وقد تفرد به، ويزيد عليه كتب الإسرائليات أنه أمر الدواب والوحش بالصيام وهو باطل، وهذا خبرٌ ضعيف لا يصح.
ثانيًا: نجاة بني إسرائيل من عدوهم فرعون، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِى عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهْوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى [وقومَهُ]، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ [وقومَهُ]، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ. فَقَالَ «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ». فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه الشيخان.
ثالثًا: تعظيمُ اليهود وأهل الجاهليَّةِ لهذا اليومِ بالصيامِ والتعييد والكسوةِ فيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالتْ: (إنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) رواه الشيخان, وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ (قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ) رواه الشيخان, وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تُعظِّمُهُ وتَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا) رواه الشيخان, وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالتْ: (وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ) رواه البخاري.
رابعًا: مقتلُ الحسينُ بن عليِّ بنُ أبي طالبٍ الهاشمي، إذ قتلَ على يدِ بعضِ الخائنينَ له والمكيدين وذاك في يومِ جمعةٍ بعد العصرِ وهو ابن ستٍ وخمسينَ سنة, وقد أفصلنا القول عن هذه الحادثة وبدعها في رسالتنا "شهر الله المحرم".
[د] الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تتعلقُ بـ(يومِ عاشوراء).
* عن حفصة رضي الله عنها قالت: أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة. هذا لفظُ عمرو, ولفظ زهير: (كان النبي يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وأول اثنين من الشهر والخميس)، وهو ضعيف أخرجه النسائي وأبو داود.
* عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله : (من صام يوم عاشوراء كتب له عبادة سبعين سنة بصيامها وقيامها، وأعطى ثواب عشرة آلاف ملك وثواب سبع سماوات، ومن أفطر عنده مؤمن يوم عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد، ومن أشبع جائعا في يوم عاشوراء فكأنما أطعم جميع فقراء الأمة، ومن مسح رأس يتيم يوم عاشوراء رفعت له بكل شعرة درجة في الجنة وذكر حديثا طويلا موضوعا وفيه أن الله خلق العرش يوم عاشوراء، والكرسي يوم عاشوراء والقلم يوم عاشوراء، وخلق الجنة يوم عاشوراء، وأسكن آدم الجنة، يوم عاشوراء إلى أن قال وولد النبي يوم عاشوراء واستوى الله على العرش يوم عاشوراء ويوم القيامة يوم عاشوراء) وهو موضوع.
* قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وكل ما روى في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والإغتسال فيه, [وزدتُ: والتوسعةُ على العيالِ] فموضوع لا يصح.
[هــ] مسائل وفوائد تتعلقُ بـ(يومِ عاشوراء).
مسألة (1): ما مراحلُ التشريع في حكم صيام عاشوراء؟
الحالة الأولى: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم؛ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ-- تَعني عائشة: لما قدمَ المدينة ربيع الأول ثم جاءَ يوم عاشوراء صامه وأمر الناس بصيامه، وهذا أقربُ التأويلات- صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه الشيخان.
الحالةُ الثانية: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه, وذلكَ حينما رأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له -وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به-؛ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِه) رواه مسلم.
- والصحيحُ أن صيامُ عاشوراء صارَ حينها فرضًا ثمَّ نسخَ بفرضِ رمضان، وذلكَ لعمومِ الأدلةِ الواردة في الأمرِ بالصيام, [والأمر يفيدُ الوجوب], وهو اختيار أبي حنيفةَ شيخ الإسلام.
الحالة الثالثة: أنه لما فرض صيامُ شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وقَال: مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ) رواه الشيخان.
وأجمعَ أهل العلمِ بعدَ نسخِ وجوبهِ إلى استحبابِ صيامهِ، نقلَ ذلك النووي رحمه الله وغيره.
الحالةُ الرابعةُ: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردًا، بل يضم إليه يوما آخر مخالفة لأهل الكتاب؛ عن ابنِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنَّه قالَ حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
مسألة (2): مالصوابُ في تعيين تاسوعاء وعاشوراء؟
ذهبَ جمهور السلف والخلف إلى أنَّ تاسوعاء هو اليوم التاسع من المحرم، وأن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، والدليلُ قوله صلى الله عليه وسلم في يومِ عاشوراء: (إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) رواه مسلم, وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمُ عَاشِرٍ) أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، وقيل: إن عاشوراء هو التاسع من المحرمِ روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنه كما قوله للحكمِ بن الأعرجِ: (إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا) رواه مسلم، ورجَّحه ابن حزم الظاهري, وهو قول ضعيف يردُّه ما سَبَقَ تصريحًا ومفهومًا.
مسألة (3): أيها أفضل يوم عرفة أو يوم عاشوراء؟
الصوابُ أن يوم عرفةَ أفضل، لما وردَ فيه من تكفير للذنوب السنةَ الماضية والباقية، ولكونِهِ من أعظم الأيام عندَ الله وأحبها إليه، ولتعلقه بأعظم فريضةٍ من فرائض الدين [فريضة الحج].
قال ابن حجر: قيل في الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل.
مسألة (4): ما حُكْمُ صيامِ التاسع قبل العاشر؟
اتَّفق أهل العلمِ على استحباب صومِ التاسعِ لترغيبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصيامَ فيه حيثُ قال (إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ), قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِل حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وعليه فمن جمعَ التاسعَ مع العاشر كانَ أحسن ممن أفرد يومَ العاشر بالصيام, لذا حكمَ الإمام أبو حنيفة وأحمد وغيرهم بكراهةِ الإفراد.
مسألة (5): ما حِكَمُ صيامِ التاسع قبل العاشر؟
1) أنَّ المرادَ مخالفةُ اليهودِ والنصارى في اقتصارهم على العاشر، ففي (المصنف) عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ: (خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِر)، ولم يصحَّ في علةِ الصيامِ حديث مرفوع صحيح.
2) أنَّ المرادَ بهِ وصل يومِ عاشوراء بصوم.
3) الاِحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلاَل وَوُقُوعِ غَلَطٍ من أنْ يَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرَ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ, وأول الحكِم أحسنها وأولاها وأقربها.
مسألة (6): مالعمل إذا اشتبه أول الشهر؟
رأى جماعةٌ من أهل العلم إذا اشتبه هلال المحرم أن يصامَ ثلاثة أيام لتأكُّدِ وقوع العاشرِ فيه، ولكن أرى أن هذا الاشتباه قد زالَ في حالِ رؤيةِ الناس لهلال المحرم من جميع الدول، ويستحيل خفاء الهلال عليهم جميعًا.
مسألة (7) هل يشرعُ الجمعُ بين نيةِ قضاء رمضان ونيةِ صومِ عاشوراء؟
الصحيحُ عدمُ جوازِ الجمعِ، بل يجبُ الاكتفاء بأحدهما, لأنَّ قاعدةَ الفقه لا تجمعُ في النوايا بين فرضٍ ونفلٍ مقيد، ففرقٌ بين نيةٍ يحرم قطعها وهو القضاء، وفرق بينَ نيةٍ يجوزُ قطعها وهو صيام عاشوراء، لأن الأول فرض والآخر نفل.
مسألة (8): هل يشرعُ صيامُ يومٍ بعدَ عاشوراء؟
الصحيحُ عدمُ ثبوتِ حديثٍ في ذلك، وما رويَ عندَ (أحمد): صوموا يومًا قبله أو بعده. فلا يصحُّ مطلقًا، هذا هو المذهبُ الذي عليه الدليل.
مسألة (9): ما الحكمُ إذا وافق عاشوراء يوم السبت؟
الصحيحُ أنه يشرعُ صيام عاشوراء إذا وافق يومَ السبتِ، لضعفِ حيث (إن الله افترضَ عليكم..) وعلى فرضِ صحَّتِهِ فإن الحديثَ منسوخٌ، وهذا تقريرُ جهابذةِ الحديثِ ومحقِّقيه قديمًا وحديثًا.
مسألة (10): ما حكم من فاته صيام عاشوراء؟
الصحيحُ أنَّه لا يشرع قضاؤه؛ لأنه فضلٌ فاتَ محلُّه ولا تُبرؤه القضاء بحال، كحالِ "صلاة الخسوف والكسوف" فإنهما لا يقضيان حين فواتهما.
مسألة (11): ما المرادُ بقول صلى الله عليه وسلم (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ)؟
المرادُ تكفيرُ جميع الصغائرِ, فإن لم يكن له صغائر رجيَ له تخفيفُ الكبائر, فإن لم يكن رفعت له الدرجات، وعلى هذا تحملُ جميع الأحاديث الورادة في تكفير الذنوب، فإن الكبائر لا تميتها غير التوبة لله عزوجل.
مسألة (12): هل يشترطُ تبييتُ نيةِ صومِ التاسعِ والعاشر؟
الصوابُ اشتراطُ ذلك، لأنَّ القاعدةَ في نيةِ صومِ النافلةِ أنَّه إن كانَ نفلاً مطلقًا لم يشترطُ فيه تبييت النيةِ، ودليلُ ذلكَ أن النبيَّ نوى الصيامَ في نحر الظهيرة، إما إن كانَ نفلاً مقيدًا كيومِ عرفةِ ويوميْ الاثنين والخميس وجبَ التبييت، فإن صامَ بلا نيةٍ فالصومُ باطل
-----
منقول
[أ] التعريف بـ(يومِ عاشوراء).
هو اليومُ العاشر من شهرِ الله المحرمِ، وقد جيءَ به على وزنِ "فاعولاء" ولم يأتِ في لغةِ العرب على وزنِهِ غير (تاسوعاء وضاروراء وساروراء ودالولاء من الضَّراء والسَّراء والدَّلال)، وهو بالمدِّ "عشوراء وعاشوراء" كتاسوعاء؛ وحكيَ قصرهما، وسمِّي عاشوراء بذلكِ لمقتضى الاشتقاق من كونِهِ العاشر، وقيل: هو معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم الفعل، واليوم مضاف إليها، فإذا قيل "يوم عاشوراء" فكأنه قيل "يوم الليلة العاشرة" قاله القرطبي.
[ب] فضل (يومِ عاشوراء).
* اتَّفق أهل العلمِ على فضيلةِ الصيامِ فيه؛ لما رويَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ: (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ) وفي لفظٍ (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَه) رواه الشيخان. وكانَ رسول الله يتحرى صيامَ هذا اليوم فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قال: (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إَِلا هَذَا الْيَوْمَ: يَوْمَ عَاشُورَاءَ) رواه الشيخان, وأما رويَ عن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ: (من صام عاشوراء غفر له سنة) فلا يصحُّ، أخرجه الطبراني في (الأوسط) وإسنادهُ مسلسلٌ بالضعفاء, وقد وهمَ الإمام المنذري في تحسينه.
وقد اتفقَ أهل الحديث أنه [لَمْ يَثْبُتْ فِي فَضْل هَذَا الْيَوْمِ إِلاَّ الصِّيَامُ فَقَطْ].
[ج] تأريخ وحوادث (يومِ عاشوراء).
قد وقعَ في هذا اليومِ أخبار وتأريخ نصَّ عليها أهل العلمِ وسنوردُ بعضًا منها ونميِّز الصحيح من غيره، فمن ذلك:
أولاً: استواء سفينة نوح صلى الله عليه وسلم على الجودي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ (مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأُنَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ قَدْ صَامُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ (مَا هَذَا مِنْ الصَّوْمِ؟) قَالُوا َهَذَا يَوْمُ اسْتَوَتْ فِيهِ السَّفِينَةُ عَلَى الْجُودِيِّ فَصَامَهُ نُوحٌ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى) أخرجه أحمد وقد تفرد به، ويزيد عليه كتب الإسرائليات أنه أمر الدواب والوحش بالصيام وهو باطل، وهذا خبرٌ ضعيف لا يصح.
ثانيًا: نجاة بني إسرائيل من عدوهم فرعون، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ( لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَجَدَهُمْ يَصُومُونَ يَوْمًا، يَعْنِى عَاشُورَاءَ، فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وَهْوَ يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى [وقومَهُ]، وَأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ [وقومَهُ]، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ. فَقَالَ «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ». فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه الشيخان.
ثالثًا: تعظيمُ اليهود وأهل الجاهليَّةِ لهذا اليومِ بالصيامِ والتعييد والكسوةِ فيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالتْ: (إنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) رواه الشيخان, وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ (قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ) رواه الشيخان, وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تُعظِّمُهُ وتَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا) رواه الشيخان, وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قالتْ: (وَكَانَ يَوْمًا تُسْتَرُ فِيهِ الْكَعْبَةُ) رواه البخاري.
رابعًا: مقتلُ الحسينُ بن عليِّ بنُ أبي طالبٍ الهاشمي، إذ قتلَ على يدِ بعضِ الخائنينَ له والمكيدين وذاك في يومِ جمعةٍ بعد العصرِ وهو ابن ستٍ وخمسينَ سنة, وقد أفصلنا القول عن هذه الحادثة وبدعها في رسالتنا "شهر الله المحرم".
[د] الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي تتعلقُ بـ(يومِ عاشوراء).
* عن حفصة رضي الله عنها قالت: أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم : صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة. هذا لفظُ عمرو, ولفظ زهير: (كان النبي يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر وأول اثنين من الشهر والخميس)، وهو ضعيف أخرجه النسائي وأبو داود.
* عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال رسول الله : (من صام يوم عاشوراء كتب له عبادة سبعين سنة بصيامها وقيامها، وأعطى ثواب عشرة آلاف ملك وثواب سبع سماوات، ومن أفطر عنده مؤمن يوم عاشوراء فكأنما أفطر عنده جميع أمة محمد، ومن أشبع جائعا في يوم عاشوراء فكأنما أطعم جميع فقراء الأمة، ومن مسح رأس يتيم يوم عاشوراء رفعت له بكل شعرة درجة في الجنة وذكر حديثا طويلا موضوعا وفيه أن الله خلق العرش يوم عاشوراء، والكرسي يوم عاشوراء والقلم يوم عاشوراء، وخلق الجنة يوم عاشوراء، وأسكن آدم الجنة، يوم عاشوراء إلى أن قال وولد النبي يوم عاشوراء واستوى الله على العرش يوم عاشوراء ويوم القيامة يوم عاشوراء) وهو موضوع.
* قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: وكل ما روى في فضل الاكتحال في يوم عاشوراء والاختضاب والإغتسال فيه, [وزدتُ: والتوسعةُ على العيالِ] فموضوع لا يصح.
[هــ] مسائل وفوائد تتعلقُ بـ(يومِ عاشوراء).
مسألة (1): ما مراحلُ التشريع في حكم صيام عاشوراء؟
الحالة الأولى: أن النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يصومه بمكة ولا يأمر الناس بالصوم؛ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ، فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ-- تَعني عائشة: لما قدمَ المدينة ربيع الأول ثم جاءَ يوم عاشوراء صامه وأمر الناس بصيامه، وهذا أقربُ التأويلات- صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ) رواه الشيخان.
الحالةُ الثانية: أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة صامه وأمر الناس بصيامه, وذلكَ حينما رأى صيام أهل الكتاب له وتعظيمهم له -وكان يحب موافقتهم فيما لم يؤمر به-؛ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي تَصُومُونَهُ؟ فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ بِصِيَامِه) رواه مسلم.
- والصحيحُ أن صيامُ عاشوراء صارَ حينها فرضًا ثمَّ نسخَ بفرضِ رمضان، وذلكَ لعمومِ الأدلةِ الواردة في الأمرِ بالصيام, [والأمر يفيدُ الوجوب], وهو اختيار أبي حنيفةَ شيخ الإسلام.
الحالة الثالثة: أنه لما فرض صيامُ شهر رمضان ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة بصيام عاشوراء وتأكيده فيه، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تَرَكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وقَال: مَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَهُ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَلْيَتْرُكْهُ) رواه الشيخان.
وأجمعَ أهل العلمِ بعدَ نسخِ وجوبهِ إلى استحبابِ صيامهِ، نقلَ ذلك النووي رحمه الله وغيره.
الحالةُ الرابعةُ: أن النبي صلى الله عليه وسلم عزم في آخر عمره على أن لا يصومه مفردًا، بل يضم إليه يوما آخر مخالفة لأهل الكتاب؛ عن ابنِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنَّه قالَ حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : (فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم .
مسألة (2): مالصوابُ في تعيين تاسوعاء وعاشوراء؟
ذهبَ جمهور السلف والخلف إلى أنَّ تاسوعاء هو اليوم التاسع من المحرم، وأن عاشوراء هو اليوم العاشر من المحرم، والدليلُ قوله صلى الله عليه وسلم في يومِ عاشوراء: (إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ) رواه مسلم, وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: (أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمُ عَاشِرٍ) أخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح، وقيل: إن عاشوراء هو التاسع من المحرمِ روي عن ابن عباسٍ رضي الله عنه كما قوله للحكمِ بن الأعرجِ: (إِذَا رَأَيْتَ هِلَالَ الْمُحَرَّمِ فَاعْدُدْ وَأَصْبِحْ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا) رواه مسلم، ورجَّحه ابن حزم الظاهري, وهو قول ضعيف يردُّه ما سَبَقَ تصريحًا ومفهومًا.
مسألة (3): أيها أفضل يوم عرفة أو يوم عاشوراء؟
الصوابُ أن يوم عرفةَ أفضل، لما وردَ فيه من تكفير للذنوب السنةَ الماضية والباقية، ولكونِهِ من أعظم الأيام عندَ الله وأحبها إليه، ولتعلقه بأعظم فريضةٍ من فرائض الدين [فريضة الحج].
قال ابن حجر: قيل في الحكمة في ذلك أن يوم عاشوراء منسوب إلى موسى عليه السلام ويوم عرفة منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلذلك كان أفضل.
مسألة (4): ما حُكْمُ صيامِ التاسع قبل العاشر؟
اتَّفق أهل العلمِ على استحباب صومِ التاسعِ لترغيبِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم الصيامَ فيه حيثُ قال (إِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ), قَال ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِل حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم , وعليه فمن جمعَ التاسعَ مع العاشر كانَ أحسن ممن أفرد يومَ العاشر بالصيام, لذا حكمَ الإمام أبو حنيفة وأحمد وغيرهم بكراهةِ الإفراد.
مسألة (5): ما حِكَمُ صيامِ التاسع قبل العاشر؟
1) أنَّ المرادَ مخالفةُ اليهودِ والنصارى في اقتصارهم على العاشر، ففي (المصنف) عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُول فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ: (خَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِر)، ولم يصحَّ في علةِ الصيامِ حديث مرفوع صحيح.
2) أنَّ المرادَ بهِ وصل يومِ عاشوراء بصوم.
3) الاِحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلاَل وَوُقُوعِ غَلَطٍ من أنْ يَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرَ فِي نَفْسِ الأَْمْرِ, وأول الحكِم أحسنها وأولاها وأقربها.
مسألة (6): مالعمل إذا اشتبه أول الشهر؟
رأى جماعةٌ من أهل العلم إذا اشتبه هلال المحرم أن يصامَ ثلاثة أيام لتأكُّدِ وقوع العاشرِ فيه، ولكن أرى أن هذا الاشتباه قد زالَ في حالِ رؤيةِ الناس لهلال المحرم من جميع الدول، ويستحيل خفاء الهلال عليهم جميعًا.
مسألة (7) هل يشرعُ الجمعُ بين نيةِ قضاء رمضان ونيةِ صومِ عاشوراء؟
الصحيحُ عدمُ جوازِ الجمعِ، بل يجبُ الاكتفاء بأحدهما, لأنَّ قاعدةَ الفقه لا تجمعُ في النوايا بين فرضٍ ونفلٍ مقيد، ففرقٌ بين نيةٍ يحرم قطعها وهو القضاء، وفرق بينَ نيةٍ يجوزُ قطعها وهو صيام عاشوراء، لأن الأول فرض والآخر نفل.
مسألة (8): هل يشرعُ صيامُ يومٍ بعدَ عاشوراء؟
الصحيحُ عدمُ ثبوتِ حديثٍ في ذلك، وما رويَ عندَ (أحمد): صوموا يومًا قبله أو بعده. فلا يصحُّ مطلقًا، هذا هو المذهبُ الذي عليه الدليل.
مسألة (9): ما الحكمُ إذا وافق عاشوراء يوم السبت؟
الصحيحُ أنه يشرعُ صيام عاشوراء إذا وافق يومَ السبتِ، لضعفِ حيث (إن الله افترضَ عليكم..) وعلى فرضِ صحَّتِهِ فإن الحديثَ منسوخٌ، وهذا تقريرُ جهابذةِ الحديثِ ومحقِّقيه قديمًا وحديثًا.
مسألة (10): ما حكم من فاته صيام عاشوراء؟
الصحيحُ أنَّه لا يشرع قضاؤه؛ لأنه فضلٌ فاتَ محلُّه ولا تُبرؤه القضاء بحال، كحالِ "صلاة الخسوف والكسوف" فإنهما لا يقضيان حين فواتهما.
مسألة (11): ما المرادُ بقول صلى الله عليه وسلم (يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ)؟
المرادُ تكفيرُ جميع الصغائرِ, فإن لم يكن له صغائر رجيَ له تخفيفُ الكبائر, فإن لم يكن رفعت له الدرجات، وعلى هذا تحملُ جميع الأحاديث الورادة في تكفير الذنوب، فإن الكبائر لا تميتها غير التوبة لله عزوجل.
مسألة (12): هل يشترطُ تبييتُ نيةِ صومِ التاسعِ والعاشر؟
الصوابُ اشتراطُ ذلك، لأنَّ القاعدةَ في نيةِ صومِ النافلةِ أنَّه إن كانَ نفلاً مطلقًا لم يشترطُ فيه تبييت النيةِ، ودليلُ ذلكَ أن النبيَّ نوى الصيامَ في نحر الظهيرة، إما إن كانَ نفلاً مقيدًا كيومِ عرفةِ ويوميْ الاثنين والخميس وجبَ التبييت، فإن صامَ بلا نيةٍ فالصومُ باطل
-----
منقول
تعليق