وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. حياكم الله تعالى وزادكم حرصا .. لعل هذه الفتوى تفيدكم / أيهما أَوْلى وأفضل : الاشتغال بإجابة الأذان أم تعجيل الإفطار ؟ يقال : إنه يجب الاستماع للأذان . لكن ما هو حكم من يفطر عند سماع أذان المغرب ؟ هل يعفى بسبب تناوله طعام الإفطار ؟ وما هو حكم نفس الأمر عند التسحر عند أذان الفجر ؟
الحمد لله اختلف العلماء في حكم إجابة المؤذن ومتابعته في كلمات الأذان والصحيح - هو قول جمهور العلماء - : أن متابعته مستحبة غير واجبة . وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة . قال النووي رحمه الله في "المجموع" (3/127) : " مذهبنا أن المتابعة سنة ليست بواجبة ، وبه قال جمهور العلماء ، وحكى الطحاوي خلافا لبعض السلف في إيجابها " انتهى . وفي "المغني" (1/256) عن الإمام أحمد أنه قال : " وإن لم يقل كقوله فلا بأس " انتهى بتصرف. ويدل على ذلك " قول النبي عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث ومن معه : ( إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم ). فهذا يدل على أن المتابعة لا تجب ، ووجه الدلالة : أن المقام مقام تعليم ، وتدعو الحاجة إلى بيان كل ما يحتاج إليه ، وهؤلاء وَفْدٌ قد لا يكون عندهم علم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في متابعة الأذان ، فلما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التنبيه على ذلك مع دعاء الحاجة إليه ، وكون هؤلاء وفدًا لبثوا عنده عشرين يوما ثم غادروا - يدل على أن الإجابة ليست بواجبة ، وهذا هو الأقرب والأرجح " انتهى من الشرح الممتع (2/75) . وروى مالك في "الموطأ" (1/103) عن ابن شهاب عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنه أخبره : ( أنهم كانوا في زمان عمر بن الخطاب يُصَلُّون يوم الجمعة حتى يخرج عمر ، فإذا خرج عمر وجلس على المنبر وأذن المؤذنون قال ثعلبة : جلسنا نتحدث . فإذا سكت المؤذنون وقام عمر يخطب أنصتنا فلم يتكلم منا أحد . قال ابن شهاب : " فخروج الإمام يقطع الصلاة وكلامه يقطع الكلام " . قال الشيخ الألباني رحمه الله في "تمام المنة" (340) : " في هذا الأثر دليل على عدم وجوب إجابة المؤذن ، لجريان العمل في عهد عمر على التحدث في أثناء الأذان ، وسكوت عمر عليه ، وكثيرا ما سئلت عن الدليل الصارف للأمر بإجابة المؤذن عن الوجوب ؟ فأجبت بهذا " انتهى . بناء على ما سبق ، فلا إثم على من ترك إجابة المؤذن ولم يتابعه ، سواء كان تركه لانشغاله بطعام أو غيره ، غير أنه يفوته بذلك الأجر العظيم عند الله تعالى . فقد روى مسلم (385) عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . فَقَالَ أَحَدُكُمْ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . ثُمَّ قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . قَالَ : أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ . قَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ . قَالَ : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ . ثُمَّ قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . قَالَ : اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ . ثُمَّ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) وليس هناك تعارض بين تعجيل الفطر والترديد خلف المؤذن ، فيستطيع الصائم أن يبادر بالفطر بعد غروب الشمس مباشرة ، وفي الوقت نفسه يردد خلف المؤذن ، فيكون قد جمع بين الفضيلتين : فضيلة المبادرة بالفطر ، وفضيلة الترديد خلف المؤذن . ولم يزل الناس قديماً وحديثاً يتكلمون على طعامهم ، ولا يرون الطعام شاغلاً لهم عن الكلام ، مع التنبيه أن تعجيل الفطر يحصل بأي شيء يأكله الصائم ولو كان شيئاً يسيراً ، كتمرة أو شربة ماء ، وليس معناه أن يأكل حتى يشبع . وكذلك يقال أيضاً إذا أذن الفجر وهو يأكل السحور ، فيمكن الجمع بين الأمرين بلا مشقة ظاهرة . غير أنه إذا كان المؤذن يؤذن للفجر بعد دخول الوقت ، فيجب الكف عن الأكل والشرب عند سماع أذانه . وانظر جواب السؤال رقم (66202) . والله أعلم .
تعليق