الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف المرسلين، محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.
الأضحية: هي ما يذبح يوم عيد الأضحى من بهيمة الأنعام تقرّبا إلى الله تعالى.
قال النّووي رحمه الله في " المجموع " (8/382):" قيل سمّيت بذلك لأنّها تُفعل في الضّحى، وهو ارتفاع النّهار ".
وقال الحافظ (3/10):" كأنّ تسميتها اشتُقّت من اسم الوقت الذي تشرع فيه ".
ومن هذا التّعريف ندرك:
أنّ ما يُذبح في غير هذا الوقت لا يعتبر أُضحية.
وأنّ ما يذبح من غير الأنعام لا يُعتبر أُضحية.
وأنّ ما يذبح بغير نيّة التقرّب إلى الله لا يُعتبر أُضحية.
لم يرد حديث صحيح في فضلها، إلاّ حديث الترمذي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه:
أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: (( الْعَجُّ وَالثَّجُّ ))، والثّجّ هو: إراقة الدمّ.
ثمّ إنّ الأُضحية داخلة تحت عموم قوله تعالى:{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } الكوثر (2) .
ويزداد فضلها ظهورا من خلال الحِكَم العظيمة من مشروعيّتها، من ذلك:
أ*)التقرّب إلى الله بالذّبح من بهيمة الأنعام.
ب*)التصدّق على الفقراء والمحتاجين.
ت*)التودّد إلى الأصدقاء بالهديّة من لحوم الأضاحي.
ث*)الأكل منها والتّوسعة على النّفس والعيال، قال تعالى:{ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } الحج (28).
وفي صحيح مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ: أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لله تعالى )).
ج*)إظهار شعائر الله تعالى من صلاة، وتضحية، وإعلاء كلمة الله تعالى بها.
ح*)ذكر حال أئمّة الهدى من الملّة الحنيفيّة كإبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام وأتباعهما.
خ*)التشبّه بالحجّاج، والشّوق إلى ما هم فيه من الخير العميم، والأجر العظيم، وقد سنّ الله لنا أن نكبّر كما يكبّرون، فقال:{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } البقرة (203) .
وشرع لنا ترك الحلق وقصّ الأظافر لمن أراد التّضحية. كلّ ذلك للتشبّه بالحجّاج.
فإذا ثبت للأضحية هذا الفضل، فما حُكْمُ الأضحية.
اختلف العلماء في حكمها على ثلاثة أقوال:
-القول الأوّل: أنّها واجبة على القادر.
وهو قول الإمام أبي حنيفة، ورواية عن مالك وأحمد، والثّوري، والأوزاعي، وربيعة، والليث، وهو الظّاهر للأدلّة التّالية:
1- ما رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاّنَا )) [حديث حسن].
قال السّندي رحمه الله:" ليس المراد أنّ صحة الصلاة تتوقّف على الأضحية، بل هو عقوبة له بالطّرد عن مجالس الأخيار، وهذا يفيد الوجوب، والله تعالى أعلم ".
2- ما رواه أحمد وأبو داود عن مخنف بن سليم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أُضْحِيَةُ كُلَّ عَامٍ )).
[حديث حسن].
- القول الثّاني: أنّها فرض كفاية، قال الحافظ:" وفي وجه للشّافعية من فروض الكفاية ".
- القول الثّالث: للجمهور أنّها سنّـة مؤكّدة، قال ابن قدامة في "المغني"(9/345):
" روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وبلال، وأبي مسعود البدري رضي الله عنهم.
وبه قال سويد بن غفلة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود، وعطاء، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر " اهـ.
وموقف الجمهور من أدلّة الموجبين ثلاثة مواقف:
1- الموقف الأوّل: منهم من حكم على الحديثين بالضّعف.
2- الموقف الثّاني: منهم من حكم على الحديث الثّاني فحسب بالضّعف.
أمّا الأوّل فحكموا عليه بالوقف على أبي هريرة، كما قال الإمام الطّحاوي والحافظ ابن حجر، وقد عارضه غيره من الصّحابة.
روى البيهقي (9/295) عن حذيفة بن أسيد قال:" رأيت أبا بكر وعمر كانا لا يُضحّيان كراهية أن يُقتدى بهما ".
[قال في "الإرواء" (4/354): وهو صحيح].
وروى أيضا بإسناد صحيح عن أبي مسعود البدري قال:" إنّي لأدع الأضحى وإنّي لموسر، مخافة أن يرى جيراني أنّه حتم عليّ ".
3- الموقف الثّالث: قالوا: إنّها سنّة مؤكّدة وذلك لأجل هذين الأثرين، وتصحيحا للحديثين الواردين.
ونظّروا لذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ))، وقوله: (( الوِتْرُ حَقٌّ )).
وقاسوا على قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا ))، فكما أنّ أكل البصل والثوم غير محرّم، فالأضحية ليست واجبة.
الجواب عن اعتراض الجمهور:
1- أمّا تضعيفهم فمقابل بتصحيح غيرهم، فقد قال الحاكم عن الحديث الأول:" صحيح على شرط الشّيخين " ووافقه الذّهبي، والصّواب أنّ الحديث حسن، كما في "إرواء الغليل".
2- حتّى لو قيل: إنّه موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه، فليس هناك إجماعٌ من الصّحابة، فتبقى الحجّة قائمةً بالحديثين.
3- أمّا التّنظير على أكل البصل والثّوم فحجّة لمن قال بالوجوب، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، فكما يجب ترك البصل لحضور الجماعة، كذلك يجب العزم على الأضحية لحضور مصلّى العيد.
ثمّ إنّ الأدلّة الخارجيّة قامت على إباحة أكل البصل والثّوم، ولو لم ترد لكان الظّاهر هو تحريمهما لهذا الحديث.
قال ابن حبيب المالكيّ رحمه الله:" إن وجد الفقير من يُسلفه فليستلف ويشتر بها الاُضحية ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:" إن كان له وفاء فاستدان ما يُضَحّي به فحسنٌ، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك ". [" المجموع " (26/305)].
نعم، يجوز ذلك، بشرط أن يكون غيرَ مطالَبٍ بالوفاء عاجلا.
[" مجموع الفتاوى " (26/305)].
-أوّلا: يجب عليه أن يستحضر النيّة، فلا يُضحّي لأجل التّباهي أمام النّاس، ولا لأجل الأولاد.
فمن العيب أن يقول المضحّي: اللهمّ هذا منك ولك، وهو غير مخلص في قوله ذلك.
- ثانيا: من أراد التّضحية ودخل عليه هلال ذي الحِجَّة حَرُم عليه أن يقلع شيئاً من أظفاره، أو يحلق شيئاً من شعره [شعر رأسه أو إِبِطِه أو عانته].
ودليل ذلك ما رواه مسلم عن أمّ سلمة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّمقال: (( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ )) .
والحكمة في ذلك - والله أعلم - التشبّه بالمُحرِم كما سبقت الإشارة إليه.
لا يجوز الاشتراك في الأُضحية إن كانت من الضّأن، وإنّما يصحّ الاشتراك في الإبل والبقر.
ذلك لأنّ الأُضحية عبادة وقُربة إلى الله، فلا يجوز وقوعها إلاّ على الوجه الذي شرعه الله زمنا وعددا وكيفية.
قال أهل العلم: يشترك سبعة من البيوت في البقر والإبل؛ للحديث الذي رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: ( نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ).
أمّا الشّاة فلا تُجزئ إلاّ عن بيت واحد للحديث السّابق ذكره: (( إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أُضْحِيَةٌ كُلََّ عَامٍ )).
[معنى أهل بيت واحد: أهل الرّجل الذين هم تحت كفالته ونفقته، ولو كانوا مائة نفس].
يشترط في الأضحية شروط في الجنس، والسنّ، والوصف.
1-أمّا الشّروط التي يجب توفرّها في الجنس: أن تكون من الأنعام، قال تعالى:{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } الحج (28).
والأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم. ( والغنم يشمل الضّأن والمعز ).
وأفضلها الغنم، فالبقر، فالإبل [هذا لغير الحاجّ المتمتّع والقارن].
قال النّووي رحمه الله:
" وأجمع العلماء على أنه لا تجزي الضحية بغير الإبل والبقر والغنم, إلاّ ما حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبي عن واحد، وبه قال داود في بقرة الوحش، والله أعلم "اهـ.
2-أمّا الشّروط التي يجب توفّرها في السنّ: فلا يقبل من الإبل والبقر والماعز إلاّ الثّـني.
لما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُواجَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ )).
قال النّووي:" قال العلماء: المسنة هي: الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنّه لا يجوز الجَذَع من غير الضأن في حال من الأحوال، وهذا مجمع عليه على ما نقله القاضي عياض "اهـ.[1]
الثّني من الإبل: هو ما أكمل خمس سنوات، ودخل في السّادسة.
والثّني من البقر والمعز: هو ما أكمل سنتين ودخل في الثّالثة.
أمّا الضّـأن[الكبش والنّعجة] فيجزئ فيها الجَذَع: وهو ما استكمل سنةً على الصّحيح.
وهذا قول أئمّة اللّغة، وجمهور الفقهاء. قال النّووي رحمه الله:
" والجذع من الضأن: ما له سنة تامة، هذا هو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم. وقيل: ما له ستة أشهر، وقيل: سبعة، وقيل: ثمانية، وقيل: ابن عشرة ..".
[انظر" فتح الباري (10/12)، و" المجموع " للنّووي (13/118)].
نعم، قال بعض أهل العلم: إنّ الضّأن إذا كان أقلّ من سنة، وكان يشبه ابن السّنة التّامّة، فيجزئ إن شاء الله.
3-أمّا الأمور التي ينبغي توفّرها في الوصف: فهي تدور بين الاستحباب والوجوب.
فنذكر ما هو على سبيل الأفضليّة، ثمّ العيوب التي تردّ بها الأضحية.
- أفضل الأضاحي الضّأن ( والكبش أفضل من النّعجة ).
ويستحبّ أن يكون سمينا عظيما
قال الله عزّ وجلّ:{ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقوَى القُلُوبِ } الحج (32) ، قال ابن عبّاس رضي الله عنه:" تعظيمها: استسمانها واستحسانها ".
لذلك قالت عائشة:" كَانَ رَسُولُ اللهِصلّى الله عليه وسلّميُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ".
أقرنين :لهما قرون.
أملحين: الأملح هو الأبيض الذي يخالطه سواد في عينيه وسواد في قوائمه.
وفي صحيح البخاري عن أَبِي أُمَامَةَ بن سهل-وهو غير أبي أمامة المعروف - قَالَ:" كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ ".
لا تجزئ التّضحية بالعوراء الواضح عَوَرُها، ولا العمياء، ولا العرجاء الواضح عرجها، ولا المريضة الواضح مرضها، ولا المكسور عظمها.
والأحاديث الصّحيحة كثيرة في بيان ذلك، ومن أشهرها:
ما رواه الإمام مالك في " الموطأ " عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنََّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ: مَاذَا يُـتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا ؟ فأشار بيده وقال: ((أَرْبَعًا: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي ))[2].
ويلحق بـهذه الأربع ما كان مثلها أو أولى منها بعدم الإجزاء، فلا يُضَحَّى بها وهي:
العمياء.
والمبشومة - وهي التي انتفخ بطنها ولم تستطع إخراج ما في بطنها ( حتى تُـثْـلِط ) أي: حتّى تخرج فضلاتها.
تنبيهات:
1- غير هذه العيوب كالمقطوعة الأُذُن، ومشقوقة الأُذن طولا، الّتي لم يَرِد ذكرُها في هذا الحديث عدّه العلماء عيبا مخلاّ بشروط الكمال، لا بشروط الصحّة، والله أعلم.
2- قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( البيّن ) دليل على أنّه يُعفى عن اليسير من العيوب.
3- لا يضرّ أن تكون الأُضحية مكسورة القرن، فقد روى التّرمذي أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه سُئِلَ عن ذلك فقال:" لاَ يَضُرُّكَ ".
4- لا يضرّ أن يكون الكبش موجوءاً، أي: منـزوع الخصيتين، فقد ( ضَحَّى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّمبِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ ).
[رواه ابن ماجه بسند صحيح عن عائشة].
5- لا يجوز المبالغة في تـتبّع العيوب، بل يُقتصر على ما ذكرته النّصوص.
روى الإمام البيهقي بسند صحيح أنّ عبد الله بن الزّبير سئل عن ناقة عوراء فقال: " إن كان أصابها بعد ما اشتريتموها فامضوها، وإن كان أصابها قبل فابدلوها ".
وهو قول عطاء، والإمام مالك، وغيرهم.
اعلم أنّه يحرُم على المسلم أن يبيع شيئا من أُضحيته، وهو مذهب عطاء، والنّخعي، والإمام مالك، وإسحاق، والشّافعيّة.
ويدلّ على ذلك أمران:
-الأوّل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:(( مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَتِهِ فَلاَ أُضْحِيَةَ لَهُ )).
[رواه الحاكم وقال:" صحيح الإسناد "].
-الثّاني: أنّه يحرم إعطاء شيء من الأُضحية أُجرةً للجزّار الّذي يُسْتأجر للذّبح، بل يُعطَى أُجرته مالاً، ثمّ يُعطى منها هديّة.
فقد روى الشّيخان عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ لاَ أُعْطِيَ الجَازِرَ مِنْهَا شَيْئاً ".
فإذا لم يجز إعطاء الجازر أجرته منها، فلا يجوز بيعها من باب أولى.
1- اختيار آلة حادّة، حتّى لا يُعذّب الحيوان: فإنّ الله قال:{ وَأَحسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحسِنِينَ } البقرة (195) .
وفي الحديث الّذي رواه مسلم عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه أنّ النبيّصلّى الله عليه وسلّمقال:
(( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلِْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلِْيُرحْ ذَبِيحَـتَـهُ )).
2- من الرّفق بالحيوان أن لا يشحذ السّكين أمام الأُضحية، ولا يذبحها بحضرة أضحية أخرى، ولا يجرّها بعنف للذّبح.
فقد " مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّمبِرَجُلٍ يَشْحَذُ سِكِّينَهُ أَمَامَ الأُضْحِيَةِ، فَقَالَ: (( أَفَلاَ قَبْلَ هَذَا ؟ أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَـَتيْنِ، هَلاَّحَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا ؟)).
3- وتوضع الأُضحية على جانبها الأيسر، ويضع الذّابح قدمه اليمنى على جانبها الأيمن.
4- يوجّه وجه الأُضحية إلى القبلة، كما يشير إليه حديث جابر رضي الله عنه عند أبي داود حين قال:" كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَتَهُ وَجَّهَهَا ..." أي: إلى القبلة.
5- ذكر اسم الله:
فيقول عند الذّبح :" بسم الله، والله أكبر، اللهمّ هذا منك ولك، اللهمّ تقبّل منّي ".
وقد اختلف العلماء اختلافا كبيرا في حكم من ترك التّسمية على خمسة أقوال، لذلك على المسلم أن يُراعي ذكرَ اسم الله خروجا من خلاف العلماء.
6- ولا يجوز أن يشرع في سلخها وكسر عظمها قبل خروج روحها، قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:
" لاَ تَعْجَلُوا الأَنْفُسَ حَتَّى تُزْهَقَ " [انظر " فتح الباري "(9/526)].
7- لا بدّ من مراعاة وقت الذّبح: وهو بعد صلاة العيد يوم الأضحى إلى آخر يوم من أيّام التشريق.
وأيّام التشريق: ثلاثة بعد يوم العيد، فتكون أيّام الذّبح أربعة، ويجزئ الذّبح ليلا، والذبح في النهار أفضل، وأفضله يوم العيد، ثم ما بعده على التّوالي.
ولا تصحّ الأضحية قبل وقتها، ولا تصحّ أيضا بعده، إلاّ من عذر.
ومن ذبح قبل الصّلاة فعليه الإعادة، لما رواه البخاري ومسلم عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِنَّ أَوَّلَ قَالَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا: أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنْ النُّسْكِ فِي شَيْء ٍ)).
8- ومن السنّة أن لا يأكل المضحي شيئا يوم النحر حتى يضحي فيأكل من أضحيته ، فقد روى الدّارمي عن أَبِي موسى الأشعريّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّىالله عليه وسلّم كان يفعل.
جاء في صحيح مسلم عن سلمةَ بنِ الأكْوَع رضي الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (( كُلُوا، وَأَطْعِمُوا، وَادَّخِرُوا )).
وفي رواية أبي داود: (( وَاتَّجِرُوا)) أي:اطلبوا الأجر.
من أجل ذلك استحبّ العلماء أن تقسّم الاضحية ثلاثة أثلاث: ثلث يأكل منه أهل البيت، وثلث يُتَصدّق به، وثلث يطعم به الأضياف والجيران.
من لم يستطع الأُضحية لفقر أو عجز، فلا يحزن، لأنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم ضحّى عمّن لم يضحّ من أمّته ممّن شهد لله تعالى بالتّوحيد، ولنبيّه صلّى الله عليه وسلّم بالتّبليغ.
فهذه بعض أحكام الأضحية التي ينبغي لكلّ مسلم معرفتها تحقيقا للرّكن الثّاني لقبول العمل، ألا وهو متابعة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في عبادة الله وحده.
1-التّعريف بالأضحية.
قال النّووي رحمه الله في " المجموع " (8/382):" قيل سمّيت بذلك لأنّها تُفعل في الضّحى، وهو ارتفاع النّهار ".
وقال الحافظ (3/10):" كأنّ تسميتها اشتُقّت من اسم الوقت الذي تشرع فيه ".
ومن هذا التّعريف ندرك:
أنّ ما يُذبح في غير هذا الوقت لا يعتبر أُضحية.
وأنّ ما يذبح من غير الأنعام لا يُعتبر أُضحية.
وأنّ ما يذبح بغير نيّة التقرّب إلى الله لا يُعتبر أُضحية.
2-هل ورد شيء في فضل الأضحية ؟
أَنَّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ: أَيُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ ؟ قَالَ: (( الْعَجُّ وَالثَّجُّ ))، والثّجّ هو: إراقة الدمّ.
ثمّ إنّ الأُضحية داخلة تحت عموم قوله تعالى:{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } الكوثر (2) .
ويزداد فضلها ظهورا من خلال الحِكَم العظيمة من مشروعيّتها، من ذلك:
أ*)التقرّب إلى الله بالذّبح من بهيمة الأنعام.
ب*)التصدّق على الفقراء والمحتاجين.
ت*)التودّد إلى الأصدقاء بالهديّة من لحوم الأضاحي.
ث*)الأكل منها والتّوسعة على النّفس والعيال، قال تعالى:{ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } الحج (28).
وفي صحيح مسلم عَنْ نُبَيْشَةَ الْهُذَلِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: (( أَيَّامُ التَّشْرِيقِ: أَيَّامُ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَذِكْرٍ لله تعالى )).
ج*)إظهار شعائر الله تعالى من صلاة، وتضحية، وإعلاء كلمة الله تعالى بها.
ح*)ذكر حال أئمّة الهدى من الملّة الحنيفيّة كإبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام وأتباعهما.
خ*)التشبّه بالحجّاج، والشّوق إلى ما هم فيه من الخير العميم، والأجر العظيم، وقد سنّ الله لنا أن نكبّر كما يكبّرون، فقال:{ وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } البقرة (203) .
وشرع لنا ترك الحلق وقصّ الأظافر لمن أراد التّضحية. كلّ ذلك للتشبّه بالحجّاج.
فإذا ثبت للأضحية هذا الفضل، فما حُكْمُ الأضحية.
3-حكم الأضحية.
-القول الأوّل: أنّها واجبة على القادر.
وهو قول الإمام أبي حنيفة، ورواية عن مالك وأحمد، والثّوري، والأوزاعي، وربيعة، والليث، وهو الظّاهر للأدلّة التّالية:
1- ما رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ، فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاّنَا )) [حديث حسن].
قال السّندي رحمه الله:" ليس المراد أنّ صحة الصلاة تتوقّف على الأضحية، بل هو عقوبة له بالطّرد عن مجالس الأخيار، وهذا يفيد الوجوب، والله تعالى أعلم ".
2- ما رواه أحمد وأبو داود عن مخنف بن سليم أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أُضْحِيَةُ كُلَّ عَامٍ )).
[حديث حسن].
- القول الثّاني: أنّها فرض كفاية، قال الحافظ:" وفي وجه للشّافعية من فروض الكفاية ".
- القول الثّالث: للجمهور أنّها سنّـة مؤكّدة، قال ابن قدامة في "المغني"(9/345):
" روي ذلك عن أبي بكر، وعمر، وبلال، وأبي مسعود البدري رضي الله عنهم.
وبه قال سويد بن غفلة، وسعيد بن المسيب، وعلقمة، والأسود، وعطاء، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وابن المنذر " اهـ.
وموقف الجمهور من أدلّة الموجبين ثلاثة مواقف:
1- الموقف الأوّل: منهم من حكم على الحديثين بالضّعف.
2- الموقف الثّاني: منهم من حكم على الحديث الثّاني فحسب بالضّعف.
أمّا الأوّل فحكموا عليه بالوقف على أبي هريرة، كما قال الإمام الطّحاوي والحافظ ابن حجر، وقد عارضه غيره من الصّحابة.
روى البيهقي (9/295) عن حذيفة بن أسيد قال:" رأيت أبا بكر وعمر كانا لا يُضحّيان كراهية أن يُقتدى بهما ".
[قال في "الإرواء" (4/354): وهو صحيح].
وروى أيضا بإسناد صحيح عن أبي مسعود البدري قال:" إنّي لأدع الأضحى وإنّي لموسر، مخافة أن يرى جيراني أنّه حتم عليّ ".
3- الموقف الثّالث: قالوا: إنّها سنّة مؤكّدة وذلك لأجل هذين الأثرين، وتصحيحا للحديثين الواردين.
ونظّروا لذلك بقوله صلّى الله عليه وسلّم: (( غُسْلُ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ ))، وقوله: (( الوِتْرُ حَقٌّ )).
وقاسوا على قوله صلّى الله عليه وسلّم: (( مَنْ أَكَلَ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ فَلاَ يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنَا ))، فكما أنّ أكل البصل والثوم غير محرّم، فالأضحية ليست واجبة.
الجواب عن اعتراض الجمهور:
1- أمّا تضعيفهم فمقابل بتصحيح غيرهم، فقد قال الحاكم عن الحديث الأول:" صحيح على شرط الشّيخين " ووافقه الذّهبي، والصّواب أنّ الحديث حسن، كما في "إرواء الغليل".
2- حتّى لو قيل: إنّه موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه، فليس هناك إجماعٌ من الصّحابة، فتبقى الحجّة قائمةً بالحديثين.
3- أمّا التّنظير على أكل البصل والثّوم فحجّة لمن قال بالوجوب، لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب، فكما يجب ترك البصل لحضور الجماعة، كذلك يجب العزم على الأضحية لحضور مصلّى العيد.
ثمّ إنّ الأدلّة الخارجيّة قامت على إباحة أكل البصل والثّوم، ولو لم ترد لكان الظّاهر هو تحريمهما لهذا الحديث.
4-هل يستدين الرّجل ليُضَحّي ؟
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:" إن كان له وفاء فاستدان ما يُضَحّي به فحسنٌ، ولا يجب عليه أن يفعل ذلك ". [" المجموع " (26/305)].
5-هل يُضَحّي الذي عليه دَين ؟
[" مجموع الفتاوى " (26/305)].
6-ماذا على من أراد أن يُضَحّي ؟
فمن العيب أن يقول المضحّي: اللهمّ هذا منك ولك، وهو غير مخلص في قوله ذلك.
- ثانيا: من أراد التّضحية ودخل عليه هلال ذي الحِجَّة حَرُم عليه أن يقلع شيئاً من أظفاره، أو يحلق شيئاً من شعره [شعر رأسه أو إِبِطِه أو عانته].
ودليل ذلك ما رواه مسلم عن أمّ سلمة أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّمقال: (( مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ )) .
والحكمة في ذلك - والله أعلم - التشبّه بالمُحرِم كما سبقت الإشارة إليه.
7-هل يجوز الاشتراك في الأُضحية ؟
ذلك لأنّ الأُضحية عبادة وقُربة إلى الله، فلا يجوز وقوعها إلاّ على الوجه الذي شرعه الله زمنا وعددا وكيفية.
قال أهل العلم: يشترك سبعة من البيوت في البقر والإبل؛ للحديث الذي رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: ( نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ).
أمّا الشّاة فلا تُجزئ إلاّ عن بيت واحد للحديث السّابق ذكره: (( إِنَّ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ أُضْحِيَةٌ كُلََّ عَامٍ )).
[معنى أهل بيت واحد: أهل الرّجل الذين هم تحت كفالته ونفقته، ولو كانوا مائة نفس].
8- ما هي شروط الأضحية ؟
1-أمّا الشّروط التي يجب توفرّها في الجنس: أن تكون من الأنعام، قال تعالى:{ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } الحج (28).
والأنعام هي: الإبل، والبقر، والغنم. ( والغنم يشمل الضّأن والمعز ).
وأفضلها الغنم، فالبقر، فالإبل [هذا لغير الحاجّ المتمتّع والقارن].
قال النّووي رحمه الله:
" وأجمع العلماء على أنه لا تجزي الضحية بغير الإبل والبقر والغنم, إلاّ ما حكاه ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه قال: تجوز التضحية ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبي عن واحد، وبه قال داود في بقرة الوحش، والله أعلم "اهـ.
2-أمّا الشّروط التي يجب توفّرها في السنّ: فلا يقبل من الإبل والبقر والماعز إلاّ الثّـني.
لما رواه مسلم عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُواجَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ )).
قال النّووي:" قال العلماء: المسنة هي: الثنية من كل شيء من الإبل والبقر والغنم فما فوقها، وهذا تصريح بأنّه لا يجوز الجَذَع من غير الضأن في حال من الأحوال، وهذا مجمع عليه على ما نقله القاضي عياض "اهـ.[1]
الثّني من الإبل: هو ما أكمل خمس سنوات، ودخل في السّادسة.
والثّني من البقر والمعز: هو ما أكمل سنتين ودخل في الثّالثة.
أمّا الضّـأن[الكبش والنّعجة] فيجزئ فيها الجَذَع: وهو ما استكمل سنةً على الصّحيح.
وهذا قول أئمّة اللّغة، وجمهور الفقهاء. قال النّووي رحمه الله:
" والجذع من الضأن: ما له سنة تامة، هذا هو الأصح عند أصحابنا، وهو الأشهر عند أهل اللغة وغيرهم. وقيل: ما له ستة أشهر، وقيل: سبعة، وقيل: ثمانية، وقيل: ابن عشرة ..".
[انظر" فتح الباري (10/12)، و" المجموع " للنّووي (13/118)].
نعم، قال بعض أهل العلم: إنّ الضّأن إذا كان أقلّ من سنة، وكان يشبه ابن السّنة التّامّة، فيجزئ إن شاء الله.
3-أمّا الأمور التي ينبغي توفّرها في الوصف: فهي تدور بين الاستحباب والوجوب.
فنذكر ما هو على سبيل الأفضليّة، ثمّ العيوب التي تردّ بها الأضحية.
9-ما أفضل الأضاحي ؟
ويستحبّ أن يكون سمينا عظيما
قال الله عزّ وجلّ:{ وَمَن يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقوَى القُلُوبِ } الحج (32) ، قال ابن عبّاس رضي الله عنه:" تعظيمها: استسمانها واستحسانها ".
لذلك قالت عائشة:" كَانَ رَسُولُ اللهِصلّى الله عليه وسلّميُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ".
أقرنين :لهما قرون.
أملحين: الأملح هو الأبيض الذي يخالطه سواد في عينيه وسواد في قوائمه.
وفي صحيح البخاري عن أَبِي أُمَامَةَ بن سهل-وهو غير أبي أمامة المعروف - قَالَ:" كُنَّا نُسَمِّنُ الْأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ ".
10- ما هي العيوب التي تردّ بها الأضحية ؟
والأحاديث الصّحيحة كثيرة في بيان ذلك، ومن أشهرها:
ما رواه الإمام مالك في " الموطأ " عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنََّ النَّبِيَّ صلّى الله عليه وسلّم سُئِلَ: مَاذَا يُـتَّقَى مِنْ الضَّحَايَا ؟ فأشار بيده وقال: ((أَرْبَعًا: الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي ))[2].
ويلحق بـهذه الأربع ما كان مثلها أو أولى منها بعدم الإجزاء، فلا يُضَحَّى بها وهي:
العمياء.
والمبشومة - وهي التي انتفخ بطنها ولم تستطع إخراج ما في بطنها ( حتى تُـثْـلِط ) أي: حتّى تخرج فضلاتها.
تنبيهات:
1- غير هذه العيوب كالمقطوعة الأُذُن، ومشقوقة الأُذن طولا، الّتي لم يَرِد ذكرُها في هذا الحديث عدّه العلماء عيبا مخلاّ بشروط الكمال، لا بشروط الصحّة، والله أعلم.
2- قوله صلّى الله عليه وسلّم: ( البيّن ) دليل على أنّه يُعفى عن اليسير من العيوب.
3- لا يضرّ أن تكون الأُضحية مكسورة القرن، فقد روى التّرمذي أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه سُئِلَ عن ذلك فقال:" لاَ يَضُرُّكَ ".
4- لا يضرّ أن يكون الكبش موجوءاً، أي: منـزوع الخصيتين، فقد ( ضَحَّى النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّمبِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ ).
[رواه ابن ماجه بسند صحيح عن عائشة].
5- لا يجوز المبالغة في تـتبّع العيوب، بل يُقتصر على ما ذكرته النّصوص.
11-ما حكم الأُضحية التي لحقها عيب بعد شرائها ؟
وهو قول عطاء، والإمام مالك، وغيرهم.
12- ما حكم بيع شيء من الأُضحية ؟
ويدلّ على ذلك أمران:
-الأوّل: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم:(( مَنْ بَاعَ جِلْدَ أُضْحِيَتِهِ فَلاَ أُضْحِيَةَ لَهُ )).
[رواه الحاكم وقال:" صحيح الإسناد "].
-الثّاني: أنّه يحرم إعطاء شيء من الأُضحية أُجرةً للجزّار الّذي يُسْتأجر للذّبح، بل يُعطَى أُجرته مالاً، ثمّ يُعطى منها هديّة.
فقد روى الشّيخان عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم أَنْ لاَ أُعْطِيَ الجَازِرَ مِنْهَا شَيْئاً ".
فإذا لم يجز إعطاء الجازر أجرته منها، فلا يجوز بيعها من باب أولى.
13- ما هي آداب الذّبـح ؟
وفي الحديث الّذي رواه مسلم عن شدّاد بن أوس رضي الله عنه أنّ النبيّصلّى الله عليه وسلّمقال:
(( إِنَّ اللهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا القِتْلَةَ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلِْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلِْيُرحْ ذَبِيحَـتَـهُ )).
2- من الرّفق بالحيوان أن لا يشحذ السّكين أمام الأُضحية، ولا يذبحها بحضرة أضحية أخرى، ولا يجرّها بعنف للذّبح.
فقد " مَرَّ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّمبِرَجُلٍ يَشْحَذُ سِكِّينَهُ أَمَامَ الأُضْحِيَةِ، فَقَالَ: (( أَفَلاَ قَبْلَ هَذَا ؟ أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَـَتيْنِ، هَلاَّحَدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا ؟)).
3- وتوضع الأُضحية على جانبها الأيسر، ويضع الذّابح قدمه اليمنى على جانبها الأيمن.
4- يوجّه وجه الأُضحية إلى القبلة، كما يشير إليه حديث جابر رضي الله عنه عند أبي داود حين قال:" كَانَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم إِذَا أَرَادَ أَنْ يَذْبَحَ ذَبِيحَتَهُ وَجَّهَهَا ..." أي: إلى القبلة.
5- ذكر اسم الله:
فيقول عند الذّبح :" بسم الله، والله أكبر، اللهمّ هذا منك ولك، اللهمّ تقبّل منّي ".
وقد اختلف العلماء اختلافا كبيرا في حكم من ترك التّسمية على خمسة أقوال، لذلك على المسلم أن يُراعي ذكرَ اسم الله خروجا من خلاف العلماء.
6- ولا يجوز أن يشرع في سلخها وكسر عظمها قبل خروج روحها، قال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:
" لاَ تَعْجَلُوا الأَنْفُسَ حَتَّى تُزْهَقَ " [انظر " فتح الباري "(9/526)].
7- لا بدّ من مراعاة وقت الذّبح: وهو بعد صلاة العيد يوم الأضحى إلى آخر يوم من أيّام التشريق.
وأيّام التشريق: ثلاثة بعد يوم العيد، فتكون أيّام الذّبح أربعة، ويجزئ الذّبح ليلا، والذبح في النهار أفضل، وأفضله يوم العيد، ثم ما بعده على التّوالي.
ولا تصحّ الأضحية قبل وقتها، ولا تصحّ أيضا بعده، إلاّ من عذر.
ومن ذبح قبل الصّلاة فعليه الإعادة، لما رواه البخاري ومسلم عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلّى الله عليه وسلّم:
(( إِنَّ أَوَّلَ قَالَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا هَذَا: أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لِأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنْ النُّسْكِ فِي شَيْء ٍ)).
8- ومن السنّة أن لا يأكل المضحي شيئا يوم النحر حتى يضحي فيأكل من أضحيته ، فقد روى الدّارمي عن أَبِي موسى الأشعريّ رضي الله عنه أنّ النبيّ صلّىالله عليه وسلّم كان يفعل.
14-كيف تُقسَم الأُضحية ؟
وفي رواية أبي داود: (( وَاتَّجِرُوا)) أي:اطلبوا الأجر.
من أجل ذلك استحبّ العلماء أن تقسّم الاضحية ثلاثة أثلاث: ثلث يأكل منه أهل البيت، وثلث يُتَصدّق به، وثلث يطعم به الأضياف والجيران.
بشرى.
هذا آخر ما أردنا بيانه من أحكام الأضحية، وتقبّل الله من الجميع.
[انظر تفصيل هذه الأحكام في الرّسالة النافعة:" أحكام الأضحية " للشّيخ أبي سعيد بلعيد حفظه الله، ووفّقه لما يحبّه ويرضاه].
تعليق