السؤال:
بارك الله فيكم وفي شيخنا الجليل ونفع بكم الإسلام والمسلمين مشكلتي التي أسأل الله العظيم
أن يجعل لي منها مخرجاً بدأت عند قدومي إلي البلد الذي أقيم فيه ، وزواجي من مسلمة من
أهل السنة والجماعة تحافظ علي الصلاة وتبر أهلها و تعينهم مادياً وكنت أنوي الإقامة
الدائمة هنا ، ووعدت زوجتي بذلك حيث وجود جالية مسلمة كبيرة و احترام من الدولة
الغير مسلمة للمسلمين ورزقنا الله بابن وحيد (عمره سنتان تقريبا) أحاول بفضل الله أن
أكون أكثر التزاما و أن ينشأ ابني نشأة إسلاميه صحيحة ، وأتمنى أن يجعله الله من الداعين
إلي الله . ولكن مع مرور الوقت بدأت معاناتي حيث:- * صعوبة تأدية الصلاة في المسجد ،
وانتشار بعض البدع لدي إخواني المسلمين هنا إلا من رحم ربي ، حتى زوجتي لم تسلم من
بعضها ( و أحاول عن طريق الكتب النافعة والنصح أن أوجهها ونفسي لصحيح الدين
ومنهج السلف الصالحين وأجد صعوبة في إقناعها في كثير من الأحيان) * و كذلك صعوبة
غض البصر وقلة توافر الوسائل التي تعينني علي تنشئة ابني كما أتمني، فطرحت علي
زوجتي فكرة الانتقال لبلد مسلم ( أتحرق شوقا أن يكون هذا المكان المدينة المنورة بإذن
الله ) لكني ووجهت برفض رهيب منها حيث ذكرتني بوعدي بالعيش معها في بلدها كما أنها
تساعد أهلها ولا تستطيع العيش بعيدا عنهم أنا أعلم أني تسرعت في وعدي ونادم علي ذلك
،أنا حاليا حزين جداً علي كل يوم يمر بعيداً عن مكان يعينني علي طاعة الله ولعلمي بعظم
واجبي تجاه ابني وزوجتي لا أدري ماذا أفعل فلا أنا أطيق الحياة الدائمة هنا ولا أنا بقادر
علي فراقها وترك ابني معها و فزعي مما قد ينشأ عليه كذلك فأنا أتمني إنجاب المزيد من
الذرية بإذن الله لكني أشعر بعدم الاستقرار .
الجواب :
الحمد لله
يلزم الزوجة طاعة زوجها والانتقال معه حيث انتقل ، ما لم تكن قد اشترطت عند زواجها ألا
يخرجها من بلدها أو ألا تسافر إلى بلد معين .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإذا تزوجها وشرط لها أن لا يخرجها من دارها وبلدها فلها
شرطها ؛ لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال : ( أحق ما أوفيتم به من
الشروط ما استحللتم به الفروج ) وإن تزوجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها فلها فراقه إذا
تزوج عليها.
وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة : أحدها ما يلزم الوفاء به , وهو ما
يعود إليها نفعه وفائدته , مثل أن يشترط لها أن لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر
بها , أو لا يتزوج عليها , ولا يتسرى عليها , فهذا يلزمه الوفاء لها به , فإن لم يفعل فلها
فسخ النكاح . يروى هذا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص ,
ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم وبه قال شريح , وعمر بن عبد العزيز , وجابر
بن زيد , وطاوس , والأوزاعي , وإسحاق . وأبطل هذه الشروط الزهري , وقتادة وهشام
بن عروة ومالك , والليث , والثوري , والشافعي , وابن المنذر , وأصحاب الرأي " انتهى
من "المغني" (9/ 483).
وعليه : فإن كانت قد شرطت عليك ألا تخرج من بلدها ، أو تزوجتك على أن تقيم معها في
بلدها ، لم يلزمها الانتقال معك .
وما ذكرته من العيش في بلاد الإسلام والسنة أمر معتبر ، والمحافظة على الزوجة والولد
أمر معتبر كذلك ، وإذا لم يمكن الجمع بينهما فاجتهد في تحصين بنفسك بالعلم النافع والعمل
الصالح ، وتعرف على أهل الإسلام في هذه البلد ، وانشغل بدعوتهم إلى الله تعالى ، فلعل الله
أن يفتح على يديك ، وينشر بك السنة والخير ، فتكون نعم الوافد عليهم . وابحث عن
البرامج النافعة لتربية ولدك ومنها الاستعانة بمن يقوم على تعليمه وتحفيظه كتاب الله تعالى
، وإلحاقه بالمدارس الإسلامية والعربية إن وجدت .
وإذا أمكنك أن تقطع فترة الإقامة الطويلة ، التي قد تصيبك بالملل والضجر ، بحج أو عمرة
، فتحصل أجر هذه العبادة ، وتربح فائدة السياحة ، وقطع الملل والرتابة : فهو أمر حسن .
ومن يدري ، لعل الزوجة إذا رأت ذلك في رحلتها أن تشتاق هي الأخرى للمقام في تلك
البلاد، وبإمكانك أن تعوضها ـ إذا هي وافقتك في الانتقال ـ بأمر مادي ، يمكنها به ألا تقطع
معونتها لأهلها .
نسأل الله تعالى أن يشرح صدرك وييسر أمرك .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
تعليق