السؤال:
في مسجد الحيّ عندنا يقوم بعض الناس بصلاة ركعتين نافلة بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب ، والبعض الآخر لا يصلي ، ويعترض على من يصلي ، ويُثار الجدل تبعاً لذلك ، فما القول الصحيح في هذه المسألة ، لقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليها ، فما دليل من يصلي هاتين الركعتين ، وقرأت أيضاً أن هناك أحاديث بهذا الخصوص ولكنها منسوخة ، فأرجو التوضيح ، مع ذكر القول الراجح بالدليل ؟
الجواب :
في مسجد الحيّ عندنا يقوم بعض الناس بصلاة ركعتين نافلة بين الأذان والإقامة في صلاة المغرب ، والبعض الآخر لا يصلي ، ويعترض على من يصلي ، ويُثار الجدل تبعاً لذلك ، فما القول الصحيح في هذه المسألة ، لقد سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليها ، فما دليل من يصلي هاتين الركعتين ، وقرأت أيضاً أن هناك أحاديث بهذا الخصوص ولكنها منسوخة ، فأرجو التوضيح ، مع ذكر القول الراجح بالدليل ؟
الجواب :
الحمد لله
اختلف الفقهاء في حكم صلاة ركعتين بين أذان المغرب والإقامة ، وذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : الاستحباب ، وإليه ذهب الشافعية وابن حزم الظاهري ، واستدلوا على ذلك بأدلة :
1- عن عبد الله المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ . - قَالَ فِي الثَّالِثَةِ -: لِمَنْ شَاءَ ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً )
رواه البخاري (1183) وبوب عليه الإمام البخاري رحمه الله بقوله : باب الصلاة قبل المغرب . وفي لفظ رواية أبي داود للحديث نفسه : ( صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ) رقم (1281)
وقوله في هذا الحديث : قَوْله : ( كَرَاهِيَة أَنْ يَتَّخِذَهَا اَلنَّاسُ سُنَّةً ) ، قال المحب الطبري رحمه الله في شرحه :
" لَمْ يُرِدْ نَفْي اِسْتِحْبَابهَا ،لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا لَا يُسْتَحَبُّ , بَلْ هَذَا اَلْحَدِيث مِنْ أَقْوَى اَلْأَدِلَّةِ عَلَى اِسْتِحْبَابِهَا , وَمَعْنَى قَوْلِهِ " سُنَّة " أَيْ شَرِيعَة وَطَرِيقَة لَازِمَة , وَكَأَنَّ اَلْمُرَادَ اِنْحِطَاط مَرْتَبَتهَا عَنْ رَوَاتِب اَلْفَرَائِض .. " انتهى من " فتح الباري " لابن حجر (3/60)
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( لَقَدْ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِي عِنْدَ الْمَغْرِبِ )
رواه البخاري (503)
3- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( كُنَّا بِالْمَدِينَةِ ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا )
رواه مسلم (837)
4- وعن زر بن حبيش قال :
كان عبد الرحمن بن عوف ، وأبي بن كعب يصليان الركعتين قبل المغرب .
رواه عبد الرزاق في " المصنف " (2/433)
وثمة آثار أخرى عن أبي أمامة وغيره في " السنن الكبرى " للبيهقي (2/476)
لذلك قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :
" ما أكثر ما جاء فيه من الحديث " انتهى من " مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله " (ص/96)
وبالاستحباب تفتي " اللجنة الدائمة " (7/251-253)
القول الثاني : لا تشرع الركعتان قبل المغرب ، وهو المعتمد في مذهب الحنفية ، أي أنها غير مستحبة عندهم ، بل خلاف الأولى ، وشدد المالكية في المعتمد من مذهبهم حتى قالوا بالكراهة .
وأدلة هذا القول ما يأتي :
1. عَنْ طَاوُوسٍ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ : ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا ، وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ) رواه أبو داود (1284)
2. عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال : لم يصل أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، الركعتين قبل المغرب . رواه عبد الرزاق في " المصنف " (2/434) عن الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم به .
وثمة آثار أخرى يستدل به أصحاب هذا القول ، يمكن مراجعتها في مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ، وفي كتاب " قيام الليل " لمحمد بن نصر المروزي (71-77) حيث توسع في نقل آثار المثبتين والنافين .
يقول ابن الهمام الحنفي رحمه الله :
" إذ قد صح حديث ابن عمر عندنا عارض ما صح في البخاري , ثم يترجح هو بأن عمل أكابر الصحابة كان على وفقه ، كأبي بكر وعمر ، حتى نهى إبراهيم النخعي عنهما...بل لو كان حسنا – يعني درجة ثبوت حديث ابن عمر - فالحسن يرتفع إلى الصحة بقرينة أخرى ـ كما قلنا ـ من عمل أكابر الصحابة على وفق ما قلناه ، وتركهم لمقتضى ذلك الحديث , وكذا أكثر السلف , ومنهم مالك نجم الحديث .
وما زاده ابن حبان على ما في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما ، لا يعارض ما أرسله النخعي من أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما ، لجواز كون ما صلاه قضاء عن شيء فاته ، وهو الثابت .
روى الطبراني في مسند الشاميين عن جابر قال : ( سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل المغرب ؟ فقلن : لا , غير أم سلمة قالت : صلاها عندي مرة ، فسألته ما هذه الصلاة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : نسيت الركعتين قبل العصر فصليتهما الآن )
والذي يظهر أن مثير سؤالهم ظهور الرواية بهما مع عدم معهوديتهم في ذلك الصدر , فأجاب نساؤه اللاتي يعلمن من عمله ما لا يعلمه غيرهن بالنفي عنه ، وأجاب ابن عمر بنفيه عن الصحابة أيضا .
وما قيل : المثبت أولى من النافي فيترجح حديث أنس على حديث ابن عمر : ليس بشيء,...فإنه لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر ، بل ولا على أحد ممن يواظب الفرائض خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم , بل ولا على من لم يواظب ، بل يحضرها خلفه أحيانا .
ثم الثابت بعد هذا هو نفي المندوبية , أما ثبوت الكراهة فلا ، إلا أن يدل دليل آخر , وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا من القنية استثناء القليل ، والركعتان لا تزيد على القليل إذا تجوز فيهما " انتهى من " فتح القدير " (1/445-446)
ويقول الحطاب المالكي رحمه الله :
" اختلف فيمن كان في المسجد منتظراً للصلاة ، هل له أن يتنفل فيما بين الأذان والإقامة – والسياق عن أذان المغرب -؟
فقيل : له ذلك ، على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك .
وقيل : ليس له ذلك ، وهو مذهب مالك على ما رواه ابن القاسم عنه في هذه الرواية .
وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر " انتهى من " مواهب الجليل " (1/418)
القول الثالث : الجواز ، وهو معتمد مذهب الحنابلة .
ودليله عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : ( كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا ؟ قَالَ : كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا ، وَلَمْ يَنْهَنَا )
رواه مسلم (836)
يقول المرداوي رحمه الله :
" تباح صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب على الصحيح من المذهب ، نص عليه – يعني الإمام أحمد -، وعليه جمهور الأصحاب ، وجزم به في المغني , والشرح , وهو من المفردات . وقيل : يكره . قال ابن عقيل : لا يركع قبل المغرب شيئا .
وعنه : يسن فعلهما ، جزم به ناظم المفردات ، وهي من المفردات أيضا " انتهى من " الإنصاف " (1/422)، والقول بالإباحة هو المعتمد في " شرح منتهى الإرادات " (1/244) والقول الراجح في المسألة : هو القول الأول باستحباب الصلاة بين أذان المغرب وإقامتها ؛ لقوة أدلتهم وصراحتها وكثرتها ، وأما أدلة نفي الاستحباب فمرجوحة ؛ لأن مَن عَلِم حجةٌ عَلى مَن لم يعلم .
يقول ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله :
" هما سنة غير مؤكدة على الصحيح – وذكر الأدلة السابقة ثم قال : - وقول ابن عمر : ( ما رأيت أحدا يصليهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) نفي غير محصور ، وزعم أنه محصور عجيب ، إذ من المعلوم أن كثيرا من الأزمنة في عهده صلى الله عليه وسلم لم يحضره ابن عمر ، ولا أحاط بما وقع فيه ، على أنه لو فرض الحصر فالمثبت معه زيادة علم فليقدم وبفرض التساقط يبقى معنا : ( صلوا قبل المغرب ركعتين ) إذ لا معارض له ، والخبر الصحيح السابق : ( بين كل أذانين - أي أذان وإقامة – صلاة )، إذ هو يشملهما نصا ، ومن ثَمَّ أخذوا منه ندب ركعتين قبل العشاء " انتهى باختصار من " تحفة المحتاج " (2/223)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
والصلاة بعد أذان المغرب وقبل الإقامة سنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب ثم قال في الثالثة لمن شاء رواه البخاري .
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن للمغرب بادروا بصلاة ركعتين قبل الإقامة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهدهم ولا ينهاهم عن ذلك بل قد أمر بذلك كما في الحديث المذكور آنفا ." انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (7/161) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" .. صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب أي بين الأذان والإقامة سنة ، لكنها ليست راتبة، فلا ينبغي المحافظة عليها دائماً " انتهى من "فتاوى ابن عثمين" (14/272) .
والله أعلم .
اختلف الفقهاء في حكم صلاة ركعتين بين أذان المغرب والإقامة ، وذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول : الاستحباب ، وإليه ذهب الشافعية وابن حزم الظاهري ، واستدلوا على ذلك بأدلة :
1- عن عبد الله المزني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صَلُّوا قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ . - قَالَ فِي الثَّالِثَةِ -: لِمَنْ شَاءَ ، كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً )
رواه البخاري (1183) وبوب عليه الإمام البخاري رحمه الله بقوله : باب الصلاة قبل المغرب . وفي لفظ رواية أبي داود للحديث نفسه : ( صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ) رقم (1281)
وقوله في هذا الحديث : قَوْله : ( كَرَاهِيَة أَنْ يَتَّخِذَهَا اَلنَّاسُ سُنَّةً ) ، قال المحب الطبري رحمه الله في شرحه :
" لَمْ يُرِدْ نَفْي اِسْتِحْبَابهَا ،لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَأْمُرَ بِمَا لَا يُسْتَحَبُّ , بَلْ هَذَا اَلْحَدِيث مِنْ أَقْوَى اَلْأَدِلَّةِ عَلَى اِسْتِحْبَابِهَا , وَمَعْنَى قَوْلِهِ " سُنَّة " أَيْ شَرِيعَة وَطَرِيقَة لَازِمَة , وَكَأَنَّ اَلْمُرَادَ اِنْحِطَاط مَرْتَبَتهَا عَنْ رَوَاتِب اَلْفَرَائِض .. " انتهى من " فتح الباري " لابن حجر (3/60)
2- عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( لَقَدْ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِي عِنْدَ الْمَغْرِبِ )
رواه البخاري (503)
3- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : ( كُنَّا بِالْمَدِينَةِ ، فَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ ابْتَدَرُوا السَّوَارِيَ ، فَيَرْكَعُونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسِبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهِمَا )
رواه مسلم (837)
4- وعن زر بن حبيش قال :
كان عبد الرحمن بن عوف ، وأبي بن كعب يصليان الركعتين قبل المغرب .
رواه عبد الرزاق في " المصنف " (2/433)
وثمة آثار أخرى عن أبي أمامة وغيره في " السنن الكبرى " للبيهقي (2/476)
لذلك قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله :
" ما أكثر ما جاء فيه من الحديث " انتهى من " مسائل أحمد بن حنبل رواية ابنه عبد الله " (ص/96)
وبالاستحباب تفتي " اللجنة الدائمة " (7/251-253)
القول الثاني : لا تشرع الركعتان قبل المغرب ، وهو المعتمد في مذهب الحنفية ، أي أنها غير مستحبة عندهم ، بل خلاف الأولى ، وشدد المالكية في المعتمد من مذهبهم حتى قالوا بالكراهة .
وأدلة هذا القول ما يأتي :
1. عَنْ طَاوُوسٍ قَالَ : سُئِلَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ : ( مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا ، وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ ) رواه أبو داود (1284)
2. عن إبراهيم النخعي رحمه الله قال : لم يصل أبو بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، الركعتين قبل المغرب . رواه عبد الرزاق في " المصنف " (2/434) عن الثوري ، عن منصور ، عن إبراهيم به .
وثمة آثار أخرى يستدل به أصحاب هذا القول ، يمكن مراجعتها في مصنفي عبد الرزاق وابن أبي شيبة ، وفي كتاب " قيام الليل " لمحمد بن نصر المروزي (71-77) حيث توسع في نقل آثار المثبتين والنافين .
يقول ابن الهمام الحنفي رحمه الله :
" إذ قد صح حديث ابن عمر عندنا عارض ما صح في البخاري , ثم يترجح هو بأن عمل أكابر الصحابة كان على وفقه ، كأبي بكر وعمر ، حتى نهى إبراهيم النخعي عنهما...بل لو كان حسنا – يعني درجة ثبوت حديث ابن عمر - فالحسن يرتفع إلى الصحة بقرينة أخرى ـ كما قلنا ـ من عمل أكابر الصحابة على وفق ما قلناه ، وتركهم لمقتضى ذلك الحديث , وكذا أكثر السلف , ومنهم مالك نجم الحديث .
وما زاده ابن حبان على ما في الصحيحين من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاهما ، لا يعارض ما أرسله النخعي من أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلهما ، لجواز كون ما صلاه قضاء عن شيء فاته ، وهو الثابت .
روى الطبراني في مسند الشاميين عن جابر قال : ( سألنا نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيتن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الركعتين قبل المغرب ؟ فقلن : لا , غير أم سلمة قالت : صلاها عندي مرة ، فسألته ما هذه الصلاة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : نسيت الركعتين قبل العصر فصليتهما الآن )
والذي يظهر أن مثير سؤالهم ظهور الرواية بهما مع عدم معهوديتهم في ذلك الصدر , فأجاب نساؤه اللاتي يعلمن من عمله ما لا يعلمه غيرهن بالنفي عنه ، وأجاب ابن عمر بنفيه عن الصحابة أيضا .
وما قيل : المثبت أولى من النافي فيترجح حديث أنس على حديث ابن عمر : ليس بشيء,...فإنه لو كان الحال على ما في رواية أنس لم يخف على ابن عمر ، بل ولا على أحد ممن يواظب الفرائض خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم , بل ولا على من لم يواظب ، بل يحضرها خلفه أحيانا .
ثم الثابت بعد هذا هو نفي المندوبية , أما ثبوت الكراهة فلا ، إلا أن يدل دليل آخر , وما ذكر من استلزام تأخير المغرب فقد قدمنا من القنية استثناء القليل ، والركعتان لا تزيد على القليل إذا تجوز فيهما " انتهى من " فتح القدير " (1/445-446)
ويقول الحطاب المالكي رحمه الله :
" اختلف فيمن كان في المسجد منتظراً للصلاة ، هل له أن يتنفل فيما بين الأذان والإقامة – والسياق عن أذان المغرب -؟
فقيل : له ذلك ، على ما حكاه مالك في هذه الرواية عن بعض من أدرك .
وقيل : ليس له ذلك ، وهو مذهب مالك على ما رواه ابن القاسم عنه في هذه الرواية .
وما ذهب إليه مالك من كراهة ذلك أظهر " انتهى من " مواهب الجليل " (1/418)
القول الثالث : الجواز ، وهو معتمد مذهب الحنابلة .
ودليله عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : ( كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، فَقُلْتُ لَهُ : أَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا ؟ قَالَ : كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا ، وَلَمْ يَنْهَنَا )
رواه مسلم (836)
يقول المرداوي رحمه الله :
" تباح صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب على الصحيح من المذهب ، نص عليه – يعني الإمام أحمد -، وعليه جمهور الأصحاب ، وجزم به في المغني , والشرح , وهو من المفردات . وقيل : يكره . قال ابن عقيل : لا يركع قبل المغرب شيئا .
وعنه : يسن فعلهما ، جزم به ناظم المفردات ، وهي من المفردات أيضا " انتهى من " الإنصاف " (1/422)، والقول بالإباحة هو المعتمد في " شرح منتهى الإرادات " (1/244) والقول الراجح في المسألة : هو القول الأول باستحباب الصلاة بين أذان المغرب وإقامتها ؛ لقوة أدلتهم وصراحتها وكثرتها ، وأما أدلة نفي الاستحباب فمرجوحة ؛ لأن مَن عَلِم حجةٌ عَلى مَن لم يعلم .
يقول ابن حجر الهيتمي الشافعي رحمه الله :
" هما سنة غير مؤكدة على الصحيح – وذكر الأدلة السابقة ثم قال : - وقول ابن عمر : ( ما رأيت أحدا يصليهما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) نفي غير محصور ، وزعم أنه محصور عجيب ، إذ من المعلوم أن كثيرا من الأزمنة في عهده صلى الله عليه وسلم لم يحضره ابن عمر ، ولا أحاط بما وقع فيه ، على أنه لو فرض الحصر فالمثبت معه زيادة علم فليقدم وبفرض التساقط يبقى معنا : ( صلوا قبل المغرب ركعتين ) إذ لا معارض له ، والخبر الصحيح السابق : ( بين كل أذانين - أي أذان وإقامة – صلاة )، إذ هو يشملهما نصا ، ومن ثَمَّ أخذوا منه ندب ركعتين قبل العشاء " انتهى باختصار من " تحفة المحتاج " (2/223)
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
والصلاة بعد أذان المغرب وقبل الإقامة سنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب ثم قال في الثالثة لمن شاء رواه البخاري .
وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أذن للمغرب بادروا بصلاة ركعتين قبل الإقامة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يشاهدهم ولا ينهاهم عن ذلك بل قد أمر بذلك كما في الحديث المذكور آنفا ." انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (7/161) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" .. صلاة ركعتين قبل صلاة المغرب أي بين الأذان والإقامة سنة ، لكنها ليست راتبة، فلا ينبغي المحافظة عليها دائماً " انتهى من "فتاوى ابن عثمين" (14/272) .
والله أعلم .
تعليق