أنا أعاني من وسواس شديد، فتأتيني وساوس بالمن على الله بالأعمال، ووساوس في حسد الناس، ووساوس في أشياء خيالية تضايقني جدا.. أرشدوني ماذا أفعل؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين، وبعد.
ويتضح من شكواك أنك تعانين من اضطراب الوسواس القهري من نوع الوساوس الدينية، وأنا أقدر تماما شعورك بالقلق الناتج عن هذه الأفكار؛ لأنه من الواضح أنك متدينة، وإلا لما سببت لك هذه الأفكار كل هذا القلق، وأمتدح فيك نفسك الوثابة للبحث عن الخلاص من هذه الوساوس، وذلك أمر لا يصنعه الكثيرون.
أود أولا أن أعطيك فكرة عن طبيعة الوسواس القهري؛ حتى تستطيعي التعامل معه، الوسواس القهري ينشأ عن خلل في الموصلات العصبية في جزء من المخ، هذا الخلل يجعل الأفكار التي من الممكن أن ترد على خاطر المريض، وتمر مرورا سريعا في الظروف العادية (أيا كان منشؤها سواء من الشيطان أو من النفس) تظل تتكرر في ذهن مريض الوسواس، وتلح عليه إلحاحا شديدا، وتكون هذه الفكرة تتعلق غالبا بشيء مهم جدا عند المريض، مما يسبب له كربا شديدا، ولذلك نجد أن الوساوس الدينية هي أكثر الوساوس لدى المتدينين، كما في حالتك، لأنه أهم شيء عندهم، بينما أوضحت الدراسات أن الوساوس الدينية لا توجد في غير البلاد الإسلامية، وإنما تكثر عندهم الوساوس المتعلقة بالنظافة.
ولذلك لما اشتكى بعض الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما يشبه الوسواس القهري في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة من أنهم يجدون في أنفسهم ما يتعاظم أن يتكلموا به، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "ذلك صريح الإيمان؟ " لأن الوسواس القهري لا يأتي إلا في أهم شيء عند المريض.
غالب مرضى الوسواس القهري يحاولون بشدة مقاومة الفكرة الوسواسية على أمل إيقافها، ولكن هذه المحاولات تبوء بالفشل، وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه مريض الوسواس؛ لأن طبيعة الفكرة الوسواسية أنها كلما قاومتيها أكثر كلما زاد إلحاحها، وكلما تجاهلتيها وانشغلت عنها كلما تضاءلت واختفت..
ولكن ما الذي يجعل المريض بالوساوس الدينية يقاوم الفكرة؟
أعتقد أنه الخوف من أن تكون هذه الفكرة نابعة منه، لأن معنى ذلك أنه لم يعد متدينا، وكذلك الخوف من عقاب الله عز وجل، وأن يؤاخذك لأنك مثلا حسدت أحدا أو مننت على الله، فاسمحي لي أسألك: هل أنت فعلا تحسدين أو تمنين على الله؟ أم أنك فقط تخافين من أن تكوني كذلك؟ أعتقد أنك فقط تخافين أن تكوني كذلك، ولكنك تتعاملين مع الفكرة على أنها ما دامت موجودة في ذهنك إذا فأنت فعلا حسدت أو مننت على الله، وهذا غير صحيح، لأن الفكرة الوسواسية لن تعدو كونها فكرة فقط موجودة في ذهنك، وليس لها وجود في الواقع، بالإضافة إلى أنك لست مسؤولة عنها؛ لأنها -كما بينت لك- ناتجة عن خلل بيولوجي ليس لك أدنى مسؤولية عنه.
أما بالنسبة إلى الخوف من عقاب الله عز وجل فيجيبك عن ذلك النبي صلي الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال"إن الله تعالى رفع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تكلم" وروى ابن ماجة في سننه من حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ولا شك أن الوسواس القهري فيه إكراه.
بعد هذا البيان أنصحك بالخطوات التالية:
1- لا تقاومي الفكرة إطلاقا، ولكن تعاملي معها كما تتعاملين إذا كان بجانبك ضوضاء وأنت تذاكرين، ألست تتشاغلين عن الانتباه بالمذاكرة حتى كأنها ليست موجودة؟ إذا كنت لا تستطيعين أن تتشاغلي عن الضوضاء فمرني نفسك أن تقرئي كتابا في وجود ضوضاء، وحاولي التركيز مع الكتاب، ثم تعاملي مع الفكرة مثل تعاملك مع الضوضاء.
2- من الممكن أن تدربي نفسك -كلما استطعت- على أن تستدعي الفكرة التي تؤرقك بإرادتك، ثم تحاولين التشاغل عنها حتى تختفي، ثم تعيدين استرجاعها، ثم تتشاغلين عنها حتى تختفي، فائدة هذا التدريب أنه يكسبك مهارة التحكم في الفكرة عندما تأتيك قهرا، كما أنه يطمئنك أن الفكرة تحت سيطرتك الكاملة، وأن وجودها في ذهنك ليس كارثة، وأؤكد عليك تشاغلي عنها لا أن تقوميها، كما أؤكد أيضا أنك كلما تدربت أكثر كلما كان تحكمك في الفكرة أسرع. وأود أخبرك أن الأمر يحتاج منك إلى صبر، وعدم استعجال النتائج، كما أنصحك في النهاية بالاستعانة، بعد الله عز وجل، بالأدوية المضادة للوسواس، وهي كثيرة وفعالة وآمنة. وتمنياتنا لك بالشفاء إن شاء الله تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله.
د. أيمن الحسيني عبد المقصود
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام علي أشرف المرسلين، وبعد.
ويتضح من شكواك أنك تعانين من اضطراب الوسواس القهري من نوع الوساوس الدينية، وأنا أقدر تماما شعورك بالقلق الناتج عن هذه الأفكار؛ لأنه من الواضح أنك متدينة، وإلا لما سببت لك هذه الأفكار كل هذا القلق، وأمتدح فيك نفسك الوثابة للبحث عن الخلاص من هذه الوساوس، وذلك أمر لا يصنعه الكثيرون.
أود أولا أن أعطيك فكرة عن طبيعة الوسواس القهري؛ حتى تستطيعي التعامل معه، الوسواس القهري ينشأ عن خلل في الموصلات العصبية في جزء من المخ، هذا الخلل يجعل الأفكار التي من الممكن أن ترد على خاطر المريض، وتمر مرورا سريعا في الظروف العادية (أيا كان منشؤها سواء من الشيطان أو من النفس) تظل تتكرر في ذهن مريض الوسواس، وتلح عليه إلحاحا شديدا، وتكون هذه الفكرة تتعلق غالبا بشيء مهم جدا عند المريض، مما يسبب له كربا شديدا، ولذلك نجد أن الوساوس الدينية هي أكثر الوساوس لدى المتدينين، كما في حالتك، لأنه أهم شيء عندهم، بينما أوضحت الدراسات أن الوساوس الدينية لا توجد في غير البلاد الإسلامية، وإنما تكثر عندهم الوساوس المتعلقة بالنظافة.
ولذلك لما اشتكى بعض الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما يشبه الوسواس القهري في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة من أنهم يجدون في أنفسهم ما يتعاظم أن يتكلموا به، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم "ذلك صريح الإيمان؟ " لأن الوسواس القهري لا يأتي إلا في أهم شيء عند المريض.
غالب مرضى الوسواس القهري يحاولون بشدة مقاومة الفكرة الوسواسية على أمل إيقافها، ولكن هذه المحاولات تبوء بالفشل، وهذا هو الخطأ الذي يقع فيه مريض الوسواس؛ لأن طبيعة الفكرة الوسواسية أنها كلما قاومتيها أكثر كلما زاد إلحاحها، وكلما تجاهلتيها وانشغلت عنها كلما تضاءلت واختفت..
ولكن ما الذي يجعل المريض بالوساوس الدينية يقاوم الفكرة؟
أعتقد أنه الخوف من أن تكون هذه الفكرة نابعة منه، لأن معنى ذلك أنه لم يعد متدينا، وكذلك الخوف من عقاب الله عز وجل، وأن يؤاخذك لأنك مثلا حسدت أحدا أو مننت على الله، فاسمحي لي أسألك: هل أنت فعلا تحسدين أو تمنين على الله؟ أم أنك فقط تخافين من أن تكوني كذلك؟ أعتقد أنك فقط تخافين أن تكوني كذلك، ولكنك تتعاملين مع الفكرة على أنها ما دامت موجودة في ذهنك إذا فأنت فعلا حسدت أو مننت على الله، وهذا غير صحيح، لأن الفكرة الوسواسية لن تعدو كونها فكرة فقط موجودة في ذهنك، وليس لها وجود في الواقع، بالإضافة إلى أنك لست مسؤولة عنها؛ لأنها -كما بينت لك- ناتجة عن خلل بيولوجي ليس لك أدنى مسؤولية عنه.
أما بالنسبة إلى الخوف من عقاب الله عز وجل فيجيبك عن ذلك النبي صلي الله عليه وسلم، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال"إن الله تعالى رفع عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تكلم" وروى ابن ماجة في سننه من حديث عبد الله بن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ولا شك أن الوسواس القهري فيه إكراه.
بعد هذا البيان أنصحك بالخطوات التالية:
1- لا تقاومي الفكرة إطلاقا، ولكن تعاملي معها كما تتعاملين إذا كان بجانبك ضوضاء وأنت تذاكرين، ألست تتشاغلين عن الانتباه بالمذاكرة حتى كأنها ليست موجودة؟ إذا كنت لا تستطيعين أن تتشاغلي عن الضوضاء فمرني نفسك أن تقرئي كتابا في وجود ضوضاء، وحاولي التركيز مع الكتاب، ثم تعاملي مع الفكرة مثل تعاملك مع الضوضاء.
2- من الممكن أن تدربي نفسك -كلما استطعت- على أن تستدعي الفكرة التي تؤرقك بإرادتك، ثم تحاولين التشاغل عنها حتى تختفي، ثم تعيدين استرجاعها، ثم تتشاغلين عنها حتى تختفي، فائدة هذا التدريب أنه يكسبك مهارة التحكم في الفكرة عندما تأتيك قهرا، كما أنه يطمئنك أن الفكرة تحت سيطرتك الكاملة، وأن وجودها في ذهنك ليس كارثة، وأؤكد عليك تشاغلي عنها لا أن تقوميها، كما أؤكد أيضا أنك كلما تدربت أكثر كلما كان تحكمك في الفكرة أسرع. وأود أخبرك أن الأمر يحتاج منك إلى صبر، وعدم استعجال النتائج، كما أنصحك في النهاية بالاستعانة، بعد الله عز وجل، بالأدوية المضادة للوسواس، وهي كثيرة وفعالة وآمنة. وتمنياتنا لك بالشفاء إن شاء الله تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله.
د. أيمن الحسيني عبد المقصود
تعليق