الضوابط الشرعية لإنشاء الصحف الإلكترونية
الجواب :
الحمد لله :
إنشاء " الصحف الإلكترونية " المنضبطة بالضوابط الشرعية من الأمور التي تمس الحاجة إليها في هذا الزمان ، نظرا لكثرة الصحف التي تنشر الغثاء في الأمة ، وتعمل على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين .
ولا بد لمن أراد إنشاء صحيفة الكترونية من التقيد بجملة من الضوابط الشرعية ، والتي من أهمها :
أولاً : المصداقية في نقل الأخبار ، وتحري الصحيح منها ، عملاً بقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات/6] .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " والتثبت في سماع الأخبار ، وتمحيصها ونقلها وإذاعتها ، والبناء عليها ، أصل كبير نافع ".انتهى من " الفتاوى السعدية" صـ66.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) ، رواه مسلم (6) .
قال المناوي رحمه الله تعالى:"أي إذا لم يتثبت ؛ لأنه يسمع عادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع لا محالة يكذب " . انتهى "فيض القدير" (5/2) .
وقال النووي: " فيه الزجر عن التحديث بكل ما سمع الإنسان ، فانه يسمع في العادة الصدق والكذب ، فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن ". انتهى ، "شرح النووي على صحيح مسلم" (1 / 75).
ومما يؤسف له أن أغلب وكالات الإنباء في العالم الإسلامي تجمع في أخبارها بين الغث والسمين ، دون تمحيص ولا تثبت .
وقد أخبر النبي أنه رأى فيمن يعذبون يوم القيامة رجلاً مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، ثم يُشَدُّ أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيَشُقُّ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ، فلما سأل عنه ، قيل له: ( هذا الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ ، فَيَكْذِبُ الْكَذْبَةَ تَبْلُغُ الْآفَاقَ ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ). رواه البخاري (6096).
وهذا الحديث قد ينطبق على بعض مراسلي وكالات الأنباء، فإن بعضهم يزيد مع الخبر الصادق مائة كذبة ، فما هي إلا لحظات حتى يصبح الخبر في مشارق الأرض ومغاربها .
ثانياً : ليس كل خبر صحيح ينشر ، فكثير من الأخبار لا يصح نشرها على عامة الناس ، قال تعالى مبينا خطأ هذا المسلك: ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ، وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: " هذا تأديب من الله لعباده عن فعلهم هذا غير اللائق ، وأنه ينبغي لهم إذا جاءهم أمر من الأمور المهمة والمصالح العامة مما يتعلق بالأمن وسرور المؤمنين ، أو بالخوف الذي فيه مصيبة عليهم أن يتثبتوا ، ولا يستعجلوا بإشاعة ذلك الخبر ، بل يردونه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ، أهلِ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة ، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها .
فإن رأوا في إذاعته مصلحة ونشاطا للمؤمنين وسرورا لهم وتحرزا من أعدائهم فعلوا ذلك ، وإن رأوا أنه ليس فيه مصلحة أو فيه مصلحة ولكن مضرته تزيد على مصلحته ، لم يذيعوه ، ولهذا قال : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) أي: يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة وعلومهم الرشيدة ". انتهى " تفسير السعدي" (1/190).
ثالثاً : تجنب نشر أخبار الفضائح ، فمنهج الشريعة قائم على الستر على المسلمين ، لا نشر أخطائهم وفظائعهم والتشهير بها على الملأ.
وفي الحديث الصحيح : (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه البخاري (2262) ، ومسلم (4677) .
ومثل ذلك يقال في أخبار الفواحش والمنكرات والجرائم .
فما الفائدة التي سيجنيها المسلم من اطلاعه على أخبار الجرائم ، وحوادث القتل والنهب والخطف ، والفضائح الأخلاقية والاعتداء على الأعراض والحرمات !!
بل إن كثرة نشر مثل هذه الأخبار مدعاة لتطبيعها في نفوس الناس وإلفهم لها ، وزوال النفرة عنها من نفوسهم ، بسبب كثرة تردادها على أسماعهم ، فضلا عما في ذلك من نشر معايب المسلمين على الملأ .
قال الحافظ ابن رجب: " قال بعض الوزراء الصالحين لبعض من يأمرُ بالمعروف : اجتهد أن تستُرَ العُصَاةَ ، فإنَّ ظهورَ معاصيهم عيبٌ في أهل الإسلام ". انتهى ، جامع العلوم والحكم (1/340).
رابعاً : تجنب نشر ما لا ينفع الأمة من الأخبار التافهة كأخبار الساقطين والساقطات من الممثلين والممثلات ، ونحوها من التوافه التي لا تنفع المسلم في دينه ولا دنياه.
والأولى التركيز على أخبار العالم الإسلامي مما يهم المسلمين معرفته .
خامساً : عدم نشر صور النساء بأي حال من الأحوال.
سادساً : أن تكون المقالات المنشورة في الصحيفة هادفة ، تركز على علاج مشاكل الأمة في جانب التوحيد ، أو الأخلاق والسلوك ، أو المشاكل الاجتماعية العامة ... وغيرها .
سابعاً : تجنب الأخبار التي تثير النعرات والعصبيات بين الشعوب والدول .
والله أعلم
الاسلام سؤال وجواب
تعليق