هل يجوز الإحتفال بأعياد الميلاد ؟
العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائد : إما بعود السنة، أو بعود الأسبوع، أو الشهر، أو نحو ذلك . ( اقتضاء الصراط : 233) ط . دار العقيدة
عيد الميلاد : هو كلمة تعنى زيادة سنة فى عمر أحد الناس فيحتفل ابتهاجاً بذلك .
-لا يشك أحد علم أسس و مبادىء الإسلام أن هذا الأمر فيه محاذير يمنع من أجلها , و هى :
أولاً : إن الأعياد , و إن كانت ظاهرها للناس إنها تدخل فى العادات إلا أن هذا الظن ليس بصحيح , لأن الأعياد مرتبطة بالدين بشكل وثيق .
عن أنس قال قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ( ما هذان اليومان قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر ) (رواه أبو داوود (959) , و غيره , و صحح إسناده الحافظ (الفتح : 2/513) , و صححه الألبانى فى صحيح أبى داوود ) .
قال الشيخ ابن عثيمين (القول المفيد :1/382) : كل شيء يتخذ عيدا يتكرر كل أسبوع، أو كل عام وليس مشروعا، فهو من البدع... وليس في الإسلام شيء من الأعياد إلا الأعياد الشرعية الثلاثة: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وهو يوم الجمعة. وليس هذا من باب العادات لأنه يتكرر، ولهذا لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم فوجد للأنصار عيدين يحتفلون بهما , قال ( إن الله أبدلكما بخير منهما عيد الأضحى ، وعيد الفطر ) مع أن هذا من الأمور العادية عندهم .اهــ
ثانياً: أصل تلك الإحتفالات مأخوذ من الكفار فهو تقليد لهم و قد نهينا و زجرنا عن تقليدهم .
عن ابن عمر رضى الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم ) (رواه أبو داوود (3512) , و صححه ابن حبان (بلوغ المرام :ص576) , و صحح إسناده العراقى (المغنى:843) و حسن إسناده ابن حجر (الفتح : 10/282) )
قال شيخ الإسلام (اقتضاء الصراط :98 ) : وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه
بهم . اهـــ
مسألة : هل التحريم مرتبط بتواجد نية المشابهة ؟
قال شيخ الإسلام (اقتضاء الصراط :99 ) : قوله صلى الله عليه وسلم : ( غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود ) دليل على أن التشبه بهم يحصل بغير قصد منا، ولا فعل بل بمجرد ترك تغيير ما خلق فينا وهذا أبلغ من الموافقة الفعلية الاتفاقية . اهـــ
فائدة :
قال الشيخ ابن عثيمين ( مجموع الفتاوى :12/سؤال 177) : وإذا قيل " تَشَبُّهٌ بالكفار " فلا يعني ذلك أن لا نستعمل شيئاً من صنائعهم : فإن ذلك لا يقوله أحد ، وقد كان الناس في عهد النبي صلي الله عليه وسلم وبعده يلبسون ما يصنعه الكفار من اللباس ، ويستعملون ما يصنعونه من الأواني , والتشبه بالكفار هو التشبه بلباسهم ، وحلاهم ، وعاداتهم الخاصة ، وليس معناه أن لا نركب ما يركبون ، أو لا نلبس ما يلبسون ، لكن إذا كانوا يركبون على صفة معينة خاصة بهم فلا نركب على هذه الصفة ، وإذا كانوا يفصلون الثياب على صفة معينة خاصة بهم فلا نفصل على هذا التفصيل ، وإن كنا نركب مثل السيارة التي يركبونها ، ونفصل من نوع النسيج الذي يفصلون به .
وقال أيضاً (مجموع الفتاوى :12/سؤال 198) : مقياس التشبه أن يفعل المتشبه ما يختص به المتشبه به ، فالتشبه بالكفار أن يفعل المسلم شيئاً من خصائصهم ، أما ما أنتشر بين المسلمين وصار لا يتميز به الكفار فإنه لا يكون تشبهاً ، فلا يكون حراماً من أجل أنه تشبه إلا أن يكون محرماً من جهة أخرى ، وهذا الذي قلناه هو مقتضى مدلول هذه الكلمة .. وفي الفتح ص 307 ج 10 : وإن قلنا النهي عنها ( أي عن المياثر الأرجوان ) من أجل التشبه بالأعاجم فهو لمصلحة دينية ، لكن كان ذلك شعارهم حينئذ هم كفار ثم لما لم يصير الآن يختص بشعارهم زال ذلك المعنى فتزول الكراهة ، والله أعلم . اهـ
قلت : و الأعياد المحدثة التى أتت ديار المسلمين تعتبر من الخصائص التى تميز النصاري و غيرهم من الأمم الكافرة , و مع ذلك لم تعم البلوى بحدث مثل عيد الميلاد على المسلمين ككل , و إن عمت فلا تجوز فى مثل ذلك الحدث لما سبق فى أول البحث .
مسألة : هل يجوز الإحتفال بالمولد النبوى و الموالد الأخرى ؟
المولد النبوى : هو إحتفال يقام كل عام فى يوم يعتقد من يحتفلون فيه بأنه يوم ميلاده صلى الله عليه وسلم لشكر الله على بعثه إلينا.
أولاً : لم يُحتفل بميلاده صلى الله عليه و سلم فى حياته ولا احتفل به القرون المفضلة , و هى الصحابة و التابعين و تابعيهم بل جاء الإحتفال بعدهم بأمد , و هذا أمر يقره الجميع من أجازه , ومن منع منه .
ثانياً : لم يثبت تاريخ ميلاده صلى الله عليه و سلم من حيث الشهر بل قال البعض أنه ولد فى رمضان(البداية و النهاية : 2/320) و الذى ثبت اليوم و هو الإثنين.
عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين فقال ( فيه ولدت وفيه أنزل علي (أى الوحى) ) ( رواه مسلم (1978) )
-و عدم ثبوت ميلاده صلى الله عليه و سلم يؤكد عدم احتفال الصحابة به , و أن هذا الأمر ليس من الدين , و لا يجوز للنبى صلى الله عليه و سلم أن يخفى هذا الأمر إن كان واجباً أو مستحباً
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) [ المائدة : 67]
قال الحافظ ابن كثير فى تفسيره (3/150) : يقول تعالى مخاطبًا عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم باسم الرسالة، وآمرًا له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به، وقد امتثل صلوات الله وسلامه عليه ذلك، وقام به أتم القيام .
-عن عائشة رضي الله عنها قالت من حدثك أن محمدا صلى الله عليه وسلم كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب والله يقول{ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك } رواه البخارى مختصرا (فى رواية) و مسلم مطولاً . اهـــ
-عن أبي ذر قال :( تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما طائر يقلب جناحيه في الهواء ، إلا وهو يذكرنا منه علما قال : فقال : صلى الله عليه وسلم : ما بقي شيء يقرب من الجنة ، ويباعد من النار ، إلا وقد بين لكم ) . ( رواه الطبرانى فى الكبير (1624) , وقال الهيثمى فى المجمع (8/264) رجال الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عبد الله بن يزيد المقري وهو ثقة , و رواه غيره , و صححه الألبانى فى السلسلة الصحيحة (4/416) )
اعتراض :
لعل النبى صلى الله عليه و سلم يستحى من أمرنا بهذا لأن ذلك خاص به .
الجواب :
1- حب النبي صلى الله عليه و سلم من الدين فحبه إيمان و بغضه كفر و عمل موجبات ذلك من توقيره و توقيره من الدين , و لم يُخفى النبى صلى الله عليه و سلم أمر من الدين علينا .
قال تعالى : ( فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ([ الأعراف : 157 ]
وقال تعالى ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) [ الفتح : 8-9 ]
قال شيخ الإسلام فى الصارم المسلول ( والتعزير : اسم جامع لنصره ، وتأييده ، ومنعه من كل ما يؤذيه .
والتوقير : اسم جامع لكل ما فيه سكينة ، وطمأنينة ، من الإجلال والإكرام ، وأن يعامَل من التشريف ،والتكريم ، والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حدِّ الوقار ) اهـ
فبين سبحانه و تعالى أن توقير رسوله صلى الله عليه و سلم من الدين حيث أنه أمر بتوقيره , و إن صح إحتفالكم فهو يدخل فى توقيره , لكن يعكر عليه أن الصحابة الذين هم أول الناس خطاباًًً بتلك الآية لم يكن من توقيرهم له صلى الله عليه و سلم أن يحتفلوا بمولده صلى الله عليه و سلم مع وجودهم معه مدة كبيرة .
2- أمر مثل هذا لن يقصر النبى صلى الله عليه و سلم بتبليغه بدعوى الإستحياء .
عن أنس رضي الله عنه دعا رجل بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال لم أعنك قال (سموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي ) ( رواه البخاري (1978) , و مسلم ( 3974)
قال ابن بطال (شرح البخارى: 17/430) :وقد أمر الله عباده المؤمنين أن لا يجعلوا دعاء الرسول بينهم كدعاء بعضهم بعضًا، وأن لا يرفعوا أصواتهم فوق صوته، ولايجهروا له بالقول، وهذا كله حض على توقره وإجلاله وتخصيصه بكنيته لا يدعى بها غيره من إجلاله وتوقره. اهـ
قلت : فلو كان الإحتفال فيه شىء من التوقير لننبه عليه .
3- إن سلمنا و قلنا إن النبى صلى الله عليه و سلم استحى من ذلك , فيجب أن يعلم أن الله سبحانه و تعالى سيبين ذلك الأمر .
قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ) [ الأحزاب : 53 ] .
ثالثاً : الأحتفال بأعياد الميلاد هو من خصائص الكفار و التشبه بهم فى مثل ذلك محرم بالكتاب و السنة و الإجماع . ( راجع تلك الأدلة فى كتاب إقتضاء الصراط المستقيم )
رابعاً : إن هذا الأمر لم يأمر به الله و لا رسوله صلى الله عليه و سلم و هو متعلق بالدين كما سبق , من حيث المحتفلين به فيكون بذلك بدعة للقاعدة العامة و هى قوله صلى الله عليه و سلم (كل محدثة بدعة) أى كل أمر محدث و كان له مقتضى و لم يفعل , و قوله ( من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أى أمر الدين , و لا يشك أحد من الذين يعلمون ذلك الحدث أن هذا الأمر يعتبره أصحابه دين أو من الدين .
فإن قيل لا تأتى لنا بعمومات و أتنا بدليل خاص على بدعية الإحتفال و إلا فهو مشروع .
فأقول (محمد) : هذا الكلام بحد ذاته بدعة , فالنصوص تنقسم لقسمين :
1- نصوص خاصة يذكر فيها الحكم بعينه .
2- نصوص عامة يدخل فيها كل الأحكام التى تنطوى تحت ذلك النص العام و لم يأت دليل خاص يخصص شىء منها .
و هذا الأخير هو محل الإعتراض و يكفى فى الإجابة أن يؤتى بدليل له .
عن أبى هريرة قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ( ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة { فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } ( رواه البخارى (2198) , و مسلم (1647) ) .
فاستدل صلى الله عليه و سلم عند عدم وجود النص الخاص بالنص العام .
خامساً : إن سلمنا بجواز المولد من الناحية الشرعية , فلا يقال فى واقعنا الحالى بالجواز لأن الحكم على الشىء فرع عن تصوره , و من الجهل كما سبق (فى المعازف) أن يحكم على أمر ما دون الحكم على مآل إليه فى الواقع , و على ذللك فإن الموالد فيها الأمور المقطوع بحرمتها التى يقول بإنكارها القاصى و الدانى بل أكثر من ذلك حيث يوجد به الشرك الأكبر و الأصغر من دعاء الأولياء و الطلب منهم و الإستغاثة بهم و تلك المهلكات , و غيرها .
و موالد الأولياء لها نفس الحكم بل أولى بالبدعية وبباقى البنود و هى المعنية أكثر بالمخالفات فى البند الخامس .
و إليك بعض فتاوى العلماء حول المولد
فتاوى بعض شيوخ الأزهر فى حكم الإسلام فى الموالد
سئل شيخ الأزهر محمود شلتوت ما يلى :
ما حكم الدين فى إقامة الموالد للمشايخ , ووضع الشمع و القناديل على مقاماتهم ؟
فأجاب :
وفقنا الله و إياكم لما يحبه و يرضاه , و نفع الناس بقول الحق , الحمد لله وحده , و الصلاة و السلام على خاتم رسله , محمد و على آله و صحبه .
الموالد : هى هذه الحفلات الصاخبة , أو المجتمعات السوقية العامة , التى ابتدعها المسلمون فى عهودهم المتأخرة باسم تكريم الأولياء , و إعلاء قدرهم و مكانتهم عن طريق تقديم القرابين , و ذبح النذور , و إقامة حلقات الذكر , و عن طريق الخطب , و القصص , و المناقب , و الأناشيد التى تصور حياة الولى , و تصف تنقله فى معارج الولاية , و ما يتحدث به الناس عنه , و يضاف إليه من كشف و خوارق و كرامات .
تقام تلك الحفلات لأولياء المدن , و لكثير من أولياء القرى , و قد تقام حفلة الميلاد فى السنة الواحدة للولى الواحد مرتين فأكثر, و لهذه الموالد عشاق يضعونها فى مضاف الشئون الدينية التى يتقربون بها إلى الله عن طريق الولى , فيحفظون تواريخها , و يهيئون طوال العام لها , حتى إذا ما حل وقتها تراهم يحزمون أمتعتهم , و يرتحلون بقضهم و قضيضهم , برجالهم و نسائهم , بشيوخهم و شبابهم , و يلقون بأحمالهم كما يقولون تاركين بيوتهم و مصالحهم فى قراهم و مزارعهم , مدة تتراوح بين أسبوع أو أسبوعين .
و المشايخ الأولياء من جهة تعلق الناس بهم و العناية بموالدهم على قيم مختلفة و درجات متفاوتة ؛ فمنهم من يعظم عند الناس جاهه , ويمتد فى نظرهم سلطانه , و يتسع صدره لكل لون من ألوان الحياة و لكل رغبة من رغبات الطوائف , حتى لقد ترى حفلات المقامرين و المقامرات , بجانب حفلات المدمنين و المدمنات , و بجانبها حفلات الذاكرين و الذاكرات , و الخليعين و الخليعات , و الراقصين و الراقصات , و ويجوس خلال الجميع المتسولون و المتسولات , و النشالون و النشالات , و كل ذلك يصنع فى الموالد , عليه تقام , و إليها يهرع الناس باسم الولاية و تكريم المشايخ .
و مهما قال عشاق الموالد , و المتكسبون بها و مروجوها من أن فيها ذكر الله و المواعظ , و فيها الصدقات و إطعام الفقراء فإن بعض ما تراه فيها و يراه كل الناس من ألوان الفسوق و أنواع المخازى , و صور التهتك , و الإسراف فى المال ما يحتم على الرجال الشئون الإجتماعية , وقادة الإصلاح الخلقى و الدينى , المبادرة بالعمل على إبطالها و منعها , ووضع حد لمخازيها, و تطهير البلاد من وصمتها , و لقد صارت بحق لسكوت العلماء عنها , و مشاركة رجال الحكم فيها مباءة عامة تنتهك فيها الحرمات و تراق فى جوانبها دماء الأعراض , و تمسخ فيها وجوه العبادة , و تستباح البدع و المنكرات , و لا يقف فيها أرباب الدعارة عند مظهر أو مظهرين من مظاهر الدعارة العامة , و إنما يبتكرون و يبتدعون ما شاء لهم الهوى من صور الدعارة المقوصة للخلق و الفضيلة .
و من أشد ما يؤلم المؤمن , أن تري كثيراً من تلك المناظر الداعرة تطوق فى المدن معاهد العلم و الدين و مساجد العبادة و التقوى عل مسمع و مرأى من رجال الحكم و رجال الدين أرباب الدعوة و الإرشاد .
أما وضع الشمع و القناديل على مقامات الأولياء و كسوتها , فينبغى أن يعرف أولاً أن الدين الحق لا يعرف شيئاً يقال له مقامات أولياء سوى ما يكون للمؤمنين المتقين عند ربهم من درجات , و إنما يعرف كما يعرف الناس أن لهم قبوراً , و أن قبورهم كقبور سائر موتى المسلمين يحرم تشييدها و زخرفتها , و إقامة المقاصير (جمع مقصورة) عليها , و تحرم الصلاة فيها و إليها و عندها , و بناء المساجد من أجلها , و الطواف بها , و مناجاة من فيها و التمسح بجدرانها و تقبيلها و التعلق بها , و يحرم وضع أستار و عمائم عليها , يحرم إيقاد شموع , أو ثريات حولها , و كل ذلك مما نرى و يتهافت الناس عليه و يتسابقون فى فعله على أنه قربة لله , أو تكريم للولى خروج عن حدود الدين , ورجوع إلى ما كان عليه أهل الجاهلية الأولى , و ارتكاب لما حرمه الله و رسوله فى العقيدة و العمل , و إضاعة للأموال فى غير فائدة , بل فى سبيل الشيطان , و سبيل للتغرير بأرباب العقول الضعيفة , واحتيال على سلب الأموال بالباطل . اهـــ (الفتاوى :193-195) .
قال شيخ الأزهر عبد المجيد سليم : عمل الموالد بالصفة التى يعملها العامة الآن لم يفعله أحد من السلف الصالح و لو كان ذلك من القُرب لفعلوه . اهـــ (فتاوى كبار علماء الأزهر : 69)
-و على ذلك فالموالد غير مشروعة لما سبق و لأن الأصل فى العبادات المنع و معنى هذه القاعدة هو أن من فعل شىء ما و زعم أنها عباده فعليه بالدليل و لأنه مثبت لعباده و العبادة لا تقام إلا بدليل من الشرع أما من أنكر عليه ليس عليه ان يأتى بدليل إلا أن يأتى بالأدلة العامة كما فعل النبى صلى الله عليه و سلم عند عدم وجود الدليل الخاص و حينئذ فيقول المنكر قول رسول الله صلى الله عليه و سلم (كل محدثة بدعة ) فيكون الرد من المثبت للعبادة هو أشياء لا تسمى دليلاً فتثبت البدعية و تنتفى المشروعية .
والحقيقة التى يغفل عنها كثير من الناس أن العبادات كلها من صلاة و صيام و حج و زكاة تنزوي تحت ستار واحد ألا وهو النص و الدليل من القرآن و السنة , فمثلاً الصيام أمر مستحب للرجل و المرأة فعله ,عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله عز وجل الصوم لي وأنا أجزي )(البخاري (6938) , و مسلم (1946) ) و رغم ذلك فليس الأمر على إطلاقه فنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن تخصيص يوم الجمعة بصيام من بين الأيام .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده ) ( البخاري (1849) , و مسلم (1929) )
فالصيام مشروع و فى بعض المواطن غير مشروع بل معصية , و مناط ذلك كله على الدليل فلا يعبد الله إلا بما شرع .
وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما أنا لكم بمنزلة الوالد أعلمكم ) (أبو داوود (7) و غيره و حسنه الألبانى فى صحيح الجامع (2346) )
فشرع الله هو ما آتى به الرسول صلى الله عليه و سلم ليتعلمه المؤمنين كالوالد الذى يعلم أولاده لحرصه عليهم من عاقبة الجهل , و لم يترك شىء من أمر الدين حتى علمه الصحابة رضوان الله عليهم .
عن عياض بن حمار المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته ( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا ) (رواه مسلم (5109) )
فما تعلمه من الله علمه لنا , و لم يترك شيئا إلا بلغه , فما بلَّغه فهو دينا و ما لم يبلِّغه فليس دين ,و هو محدثة بدعة .
اسأل الله ألا يكلنا إلى أنفسنا .
و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .
(منقول : أعده مشرف الفقه في مجالس الطريق إلى الجنة)
و الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات .
(منقول : أعده مشرف الفقه في مجالس الطريق إلى الجنة)
تعليق