أحكام السلام
تأليف: الشيخ / عبد السلام بن برجس آل عبد الكريم
الحمد لله ، وصلي الله وسلم علي رسول الله .
أما بعد :
فهذه مسائل تتعلق بأحكام السلام ، كتبتها علي وجه الاختصار ، تذكرة للغافل ، وتعليماً للمبتدى .
المؤلف
من يبدأ بالسلام ؟
سنة لم يرعها كثير من الناس ، حتى أوشكت على الاندراس . وكان الأجدر بالمسلمين المحافظة عليها تعظيماً للسنة وإحياءً لها .
وإذا كان البعض يعجب باليهود الغربيين ، لما يرى من تقيدهم بما وضعه أربابهم من أنظمة اجتماعية ، وغيرها فإن المسلمين قد ضبطوا بآدابٍ اجتماعية وغيرها ، وهي أتم وأكمل علي وجه ، مما سواها ، إلا أن العيب فيمن تحملها إذ لم يعمل بها بل استنكف عنها ، ورغب إلي غيرها .
وما هذه السنة – سنة من يبدأ بالسلام – إلا دليل صدق وشاهد عدل علي ما يحظى به المسلمون من آدابٍ عالية ، في دقائق الأمور ، بَلْهَ جليلها .
وقد أخرج الترمذي ( 5/62 ) والبخاري في (( الأدب المفرد )) ( 2/460) من حديث فضالة بن عبيد أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) قال :
(( يسلم الفارس على الماشي . والماشي علي القائم .. )) الحديث ([1])
قال الحافظ وإذا حمل القائم علي المستقر كان أعم من أن يكون جالساً ، أو واقفاً ، أو متكئاً ، أو مضطجعاً . ا هـ ([2])
ويسلم القليل علي الكثير :
والحكمة في ذلك : أن للجماعة فضلاً مطرداً في الشرع ، فناسب أن يبدؤا بالسلام .
أو أن الجماعة لو ابتدؤا لخيف علي الواحد الزهو ، فاحتيط له ([3])
ويسلم الصغير علي الكبير
والحكمة في ذلك مراعاة السن فإنها معتبرة في أمور كثيرة في الشرع .
وإذا عرف هذا الأدب النبوي ، وتبينت حكمه فإن هناك صوراً مشكلة ، أو قد تشكل ، أو لم ينص عليها هذا المقام :
منها : إذا تلاقي مارات : راكبان ، أو ماشيان ، فأيهما يبدأ بالسلام ؟
الصحيح : استواؤهما ، فمن بدأ فهو أفضل . لما روى البخاري في ((الأدب المفرد )) ( 2/458 ) عقيب حديث أبي هريرة (( يسلم الراكب علي الماشي ... )) عن أبي جريج قال : فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول : (( المشاشيان إذا اجتمعا فأيهما بدأ بالسلام فهو أفضل)) ([4])
ومنها إذا تعارض الصغر المعنوي ، والحسي ، كأن يكون الأصغر أعلم مثلاً .
فالذي يظهر اعتبار السن ، لأنه الظاهر كما تقدم الحقيقة علي المجاز ([5])
ومنها إذا التقي الكبير والصغير .
فإن كان أحدهما راكباً ، والآخر ماشياً : يبدأ الراكب .
وإن كانا راكبين ، أو ماشيين : بدأ الصغير . قاله ابن رشد ([6])
ومنها : إذا كان المشاة كثير ، والقعود قليلاً فيرجح جانب الماشي ، فيبدأ بالسلام .
وقال في (( الإقناع )) : أما إذا وردوا علي قاعدٍ أو قعودٍ فإن الوارد يبدأ مطلقاً . ا هـ . ([7])
قال النووي في (( الأذكار )):
وهذا الأدب هو فيما إذا تلاقي الاثنان في طريق ، أما إذا ورد علي قعود أو قاعدٍ فإن الوارد يبدأ بالسلام علي كل حال ، سواء كان صغيراً أو كبيراً ، قليلاً أو كثيراً . ا هـ ([8])
وإذا خالف أحد هذا الأدب فسلم الماشي علي الراكب ، والكبير علي الصغير ، والكثير علي القليل : فلهم أجر إفشاء السلام إن شاء الله ، إلا أن العمل بهذا الحديث أولى طلباً للكمال ، وتحصيلاً للسنة .
قال النووي في (( شرح مسلم )) ([9]) :
وهذا الذي جاء به الحديث ... كله للاستحباب ، فلو عكسوا ، جاز وكان خلاف الأفضل . ا هـ .
قال ابن عبد القوي الحنبلي في منظومته :
وإن سلم المأمور بالرد منهم فقد حصل المسنون ، إذا هو مبتدي
وقد استشكل ابن مفلح هذا البيت ، في (( الآداب )) ([10])
وأجاب السفاريني في ((شرح المنظومة )) ([11]) بأن مراد الناظيم : حصل المسنون في الابتداء فقط .
وعلي هذا فإنه لم يحز كمال السنة في البداءة بمن ذكر في الحديث ، فلا . والله أعلم .
وجوب رد السلام
سُئل الإمام أحمد – رحمه الله تعالي – عن رجل مَر بجماعة ، فسلم عليهم ، فلم يردوا عليه السلام ، فقال : (( يُسرع في خطاهُ ، لا تلحقه اللعنة مع القوم )) ([12])
قال ابن عبد البر في (( التمهيد )) :
الحجة في فرض رد السلام ، قول الله تعالي : ( إِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا )
قال : والرد واجب عند جميعهم . ا هـ . ([13])
قال القرطبي : أجمع العلماء علي أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها ، ورده فريضة . ا هـ ([14])
وقد سبقه إلي نقل الإجماع : ابن عبد البر ، وابن حزم .
ونقله – أيضاً – شيخ الإسلام ابن تيمية ([15])
قل : ابن كثير – رحمه الله تعالي – علي قول الحسن البصري : (( السلام تطوع ، والرد فريضة )) .
وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة : أن الرد واجب علي من سلم عليه . فيأثم إن لم يفعل ، لأنه خالف أمر الله تعالي . هـ ([16])
فترك رد السلام منكر شنيع ، بلي به كثير من الناس في هذه الأزمان ، دافعهم إليه الكبر ، والعُجْبُ ، فإليهم جميعاً نقول : رويداً من أنتم ؟ وممن أنتم ؟
( قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ* من أى شيء خلقه *من نطفة خلقه فقدره ) .
أأنتم أعظم قدراً وأعلي مكاناً ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقد رد السلام ، علي الصغير والكبير ، والحر والعبد . وسلم عليهم ، فليكن لكم في رسول الله أسوة حسنة . نسأل الله التوفيق والهداية للجميع .
تنبيه : إذا قام الإنسان من المجلس ، وسلم وجب الرد عليه ، خلاقاً لبعض العلماء .
قال المستظهري من الشافعية :
السلام سنة عند الانصراف فيكون الجواب واجبا
قال النووي : هذا هو الصواب . ا هـ ([17])
كيفية الرد
إذا كان السلام علي جماعة
أخرج أبو داود في سننه ( 5/387 ) من طريق سعيد بن خالد الخزاعي ، قال : حدثني عبد الله بن الفضل ([18]) حدثنا عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب t – قال أبو داود : رفعه الحسن بن علي ([19]) – قال :
(( يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم ))
قال الحافظ في (( الفتح )) ( 11/7 ) :
وفي سنده ضعف . لكن له شاهد من حديث الحسن بن علي عند الطبراني ، وفي سنده مقال ، وآخر مرسل في (( الموطأ )) عن زيد بن أسلم . ا هـ .
وقول الحافظ (( سنده ضعيف )) لأن فيه علتين :
الأولي : سعيد بن خالد ، فإنه ليس بالقوي ([20]) وقد ضعفه جماعة منهم أبو ذرعة ، وأبو حاتم ، ويعقوب بن شيبة . وجعلوا حديثه هذا منكراً ، لأنه انفرد فيه بهذا الإسناد ([21])
قال ابن حبان :
لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد ([22])
والعلة الثانية : الانقطاع بين عبد الله بن الفضل وعبيد الله بن أبي رافع . قال ابن عبد البر : عبد الله ابن الفضل لم يسمع من عبيد الله بن أبي رافع ، بينهما الأعرج في غير ما حديث . ا هـ .
وقد رواه المحاملي في (( أماليه )) ([23]) عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع .
قال الدراقطني في (( العلل )) ( 4/22 ) :
والصواب قول من لم يذكر الأعرج فيه والحديث غير ثابت . ا هـ .
لكن للحديث شواهد – كما قال ابن حجر – وقد قال عبد البر عن حديث علي : (( هو حديث حسن )) ، وقد حسنه من المعاصرين المحدث شيخ الإسلام الألباني ([24]) والله تعالي أعلم بالصواب .
قال ابن مفلح – رحمه الله - :
ويجزئ سلام واحدٍ من جماعة ورد أحدهم ([25])
قال ابن عبد البر :
قال مالك والشافعي ، وأصحابهما ، وهو قول أهل المدينة : إذا سلم رجل علي جماعةٍ من الرجال فرد عليه واحد منهم .
وشبهه الشافعي – رحمه الله – بصلاة الجماعة ، والتفقه في دين الله ، وغسل الموتى ، ودفنهم ، وبالسفر إلي أرض العدو لقتالهم . قال هذه كلها فروض علي الكفاية ، وإذا قام منها بشيء بعض القوم ، أجزأ عن غيرهم . ا هـ . ([26])
وقد خالف في ذلك الحنفية . قال أبو يوسف لا يجزئ إلا أن يردوا جميعاً .
قال أبو جعفر الطحاوي :
ولا نعلم في هذا الباب شيئاً روي عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث مالك عن زيد بن اسلم ، وشيء روي فيه عن أبي النضر مولي عمر بن عبيد الله ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلموكلا الوجهين لا يحتج به ... ا هـ ([27]) .
إرسال السلام وتبليغه
كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين عنه . ويتحمل – صلى الله عليه وسلم – السلام لمن يبلغه إليه .
فمن الأول ما رواه مسلم في صحيحه ( 3/1506 ) عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – أن فتىً من أسلم قال : يا رسول الله ، إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز . قال : ائت فلاناً فإنه قد كان تجهز فمرض . فأتاه فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ويقول : أعطني الذي تجهزت به . قال : يا فلانة أعطيه الذي تجهزت به . ولا تحبسي عنه شيئاً ، فوا الله لا تحبسي منه شيئاً فيبارك لك فيه .
ففي هذا الحديث مشروعية إرسال السلام إلي الغائب ، وعليه العمل عند المسلمين .
من ذلك ما رواه أبو داود عن ابن عباس قال :
أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج ، فقالت أمرأة لزوجها : أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلمفقال : ما عندي ما أحجك عليه قالت أحجني علي جملك فلان . قال ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله ، وأنها سألتني الحج معك ، قالت أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ما عندي ما أحجك عليه قالت أحجني علي جملك فلان .
فقلت ذاك حبيس في سبيل الله فقال : (( أما إنك لو أحججتها عليه كان ذلك في سبيل الله ))
قال : وإنها أمرتني أن أسألك ما يعدل حجةً معك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أقرأها السلام ورحمة الله وبركاته ، وأخبرها أنها تعدل حجة معي )) يعني عمرةً في رمضان ([28]) .
ولا يختص إرسال السلام إلي غائب عند الحاجة إليه ، بل هو عام عند الحاجة ، وغيرها كما وردت بذلك النصوص والآثار ، وسيأتي بعضها .
أما الهدي الثاني وهو تحمل النبي صلى الله عليه وسلم لمن يبلغه إليه ، فمنه ما في الصحيحين ([29]) عن أبي هريرة – رضى الله عنه – قال : أتي جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله هذه خديجة قد أتت معها إناء فيه إدام أو طعام ، أو شراب ، فإذا هي أتتك فاقر أ عليها السلام من ربها ، ومني ، وبشرها ببيت في الجنة من قصبٍ لا صخب فيه ولا نصب .
وفي الصحيحين ([30]) – أيضاً – عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً : (( يا عائش : هذا جبريل يقرئك السلام )) فقلت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته ، ترى ما لا أرى . تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهذا لفظ البخاري ، وليس في رواية مسلم : (( وبركاته )) .
قال النووي في شرح مسلم ( 15/211 )
وفيه استحباب بعث السلام ويجب علي الرسول تبليغه . ا هـ .
قال العلامة ابن مفلح – رحمه الله – في ( الآداب 1/419 ) :
وهذا ينبغي أن يجب إذا تحمله لأنه مأمور بأداء الأمانة ، وإلا فلا يجب . ا هـ .
قال الحافظ ابن حجر في ( الفتح 11/38 ) :
والتحقيق أن الرسول إنِ ألتزمه أشبه الأمانة ، وإلا فوديعة ، والودائع إذا لم تقبل لم يلزمه شيء . ا هـ .
فعلي هذا إذا حمل اشخص سلاماً ، فلا يخلوا من أحد أمرين :
الأول : أن يحمل سلاماً ، فلا يتحمله إما بقوله : لا أتحمل سلامك . وإما بقوله إن شاء الله قاصداً التعليق لا التحقيق .وما شابه ذلك .
الثاني : أن لتزم ما حمله . وذلك بقوله : سأبلغ سلامك ، أو سأبلغه إن شاء الله . قاصداً التحقيق وما شابه ذلك .
فالأول : لا يجب عليه تبليغ السلام .
والثاني : يجب لأنه تحمل أمانة ، فأوجب علي نفسه تبليغها والدليل علي ذلك عموم ([31]) الآيات والأحاديث الدالة علي وجوب حفظ الأمانة وتأديتها والله أعلم .
كيفية رد السلام المبلغ إذا بلغك شخص سلا م شخصٍ عليك ، وجب أن ترد عليه السلام ، فإذا قال لك : فلان يقرأ عليك السلام . أو فلان يسلم عليك قلت : وعليه السلام ، وإن زدت : ورحمة الله وبركاته ، فحسن .
وذلك لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوماً : (( يا عائش : هذا جبريل يقرئك السلام )) فقالت : وعليه السلام ، ورحمة الله وبركاته . هذا لفظ البخاري .
لأن رد السلام واجب كما هو متقرر ، فيستوي فيه المشافهة ، والإبلاغ .
قال النووي في شرح مسلم ( 15/211 ) علي حديث عائشة :
قال أصحابنا هذا الرد واجب علي الفور . وكذا لو بلغه سلام في ورقة من غائب لزمه أن يرد السلام عليه باللفظ علي الفور إذا قرأه . ا هـ .
وهل يرد السلام علي المرسلل أيضاً ، فيقول عليه وعليك السلام ؟
في حديث عائشة أنها ردت علي جبريل فقط .
فدل ذلك علي أن الواجب رد السلام علي المرسِل
وقد وردت أحاديث في رد السلام علي المرسل والمرسَل وأمثلها ما رواه النسائي في (( عمل اليوم والليلة )) ص 301 من طرف جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس ، قال : جاء جبريل إلي النبي صلى الله عليه وسلم وعنده خديجة ، وقال إن الله يقرئ خديجة السلام . فقالت إن الله هو السلام وعلي جبريل السلام وعليك السلام ورحمة الله وبركاته .
قال الحاكم في (( المستدرك )) ( 3/186 ) :
حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه . ا هـ ([32])
قال ابن مفلح في (( الآداب ( 1/419 ) :
ويستحب أن يسلم علي الرسول . قيل لأحمد : إن فلاناً يقرئك السلام . قال : عليك وعليه السلام . وقال في نوضع آخر : وعليك وعليه السلام . ا هـ .
وقال النووي في الأذكار ص 212
ويستحب أن يرد علي المبلغ أيضاَ ، فيقول : وعليك وعليه السلام . ا . هـ .
يتبع
>>>>>>
تعليق