وقفات سريعة مع آداب وأحكام العيد كل عام أنتم بخير
لما ثبت عن ابن عمرـ رضي الله عنهما ـ: أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه (الموطأ)
ولبس أحسن الثياب بدون إسراف ولا إسبال ولا حلق للحية.
ـ أما المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب، فلا يصح أن تذهب لطاعة الله والصلاة وهي متلبسة بمعصية الله من تبرج وسفور وتطيب أمام الرجال.
ـ وكان النبي صلى الله عليه وسلملا يطعم حتى يرجع فيأكل من أضحيته.
2ـ الـتـكـبـيـر:
يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة، قال تعالى:{وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } (البقرة:203)
وصفته:
أ ـ الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً (عن سلمان رضي الله عنه بسند صحيح عند عبد الرزاق)
ب ـ الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله اكبر، الله أكبر ولله الحمد (عن ابن مسعود رضي الله عنه عند ابن أبي شيبة)
جـ ـ الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد (عند ابن أبي شيبة)
د ـ الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا
(البيهقي عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ )
3ـ الذهاب إلى مصلى العيد ماشياً إن تيسّر:
لما ثبت في سنن ابن ماجة بسند صحيح عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال:
"كان رسول الله يخرج إلى العيد ماشياً ويرجع ماشياً"
والسنة الصلاة في مصلي العيد إلا إذا كان هناك عذر من مطر مثلاً، فيصلى في المسجد لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم.
وكان النبي إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة بغير أذان ولا إقامة ولا قول: الصلاة جامعة.
4ـ الصلاة مع المسلمين واستحباب حضور الخطبة:
الذي رجحه المحققـون من العلمـاء: كشيخ الإسـلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والشوكـاني، أن صلاة العيد واجبة لقوله تعالي:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ }(الكوثر:2) ولا تسقط إلا بعذر شرعي، والنسـاء يشهـدون العيد مع المسلميـن حتى الحيِّض والعوائق ويعتزلن الحيض المصلى
لما ثبت في الصحيحين من حديث أم عطية ـ رضي الله عنها ـ:
"كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد، حتى نخرج البِكر من خدرها، حتى نخرج الحيض، فيكنّ خلف الناس، فيكبرنّ بتكبيرهم، ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته".
5ـ مخـالفة الطريـق:
ويستحب لك أن تذهب إلى مصلى العيد من طريق، وترجع من طريق آخر لفعل النبي صلى الله عليه وسلمذلك والحديث في البخاري من حديث جابر رضي الله عنه قال:
" كان النبي صلى الله عليه وسلمإذا كان يوم العيد خالف الطريق".
6ـ الـتـهـنـئـة:
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلمإذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك
(عن جبير بن نوقيل بسند حسن).
7ـ صفة الصلاة:
لم يثبت لصلاة العيد سنة قبلها ولا بعدها، وكان يبدأ بالصلاة قبل الخطبة فيصلي ركعتين: يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية سوى تكبيرة الافتتاح وتكبيرة الركوع، وفي الثانية خمس تكبيرات متوالية سوى تكبيرة القيام وتكبيرة الركوع
وكان ابن مسعود يحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلمبين التكبيرات، ويقول كما عند البيهقي بسند حسن بين كل تكبيرتين: حمد لله عز وجل وثناء على الله .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في ركعتي العيد بعد فاتحة الكتاب:{ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ } و{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ } أو{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى } و{ الْغَاشِيَةِ }
احذر هذه الأمور في العيد:
1ـ صوم يوم العيد ( أول يوم ) سواء النذر والكفارة والتطوع والقضاء:
وذلك لما ورد في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول اللهصلى الله عليه وسلمنهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر"
2ـ اللهو أيام العيد بالمحرمات:
كسماع الغناء، ومشاهدة الأفلام، واختلاط الرجال والنساء اللاتي لسن من المحارم... وغير ذلك من المنكرات.
ومما يغفل عنه البعض، ويجب التنبيه عليه أن يوم النحر(يوم العيد) أعظم وأفضل الأيام عند الله عز وجل
كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلمقال:
" إن أعظم الأيام عند الله: يوم النحر"
فلا ينبغي أن نحارب الله في هذا اليوم العظيم بالمعاصي والذنوب بدعوى أنه يوم عيد.
يقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين:
على المسلم الحرص على أداء صلاة العيد حيث تُصَلّى وحضور الخطبة والاستفادة، وعليه معرفة الحكمة من شرعية هذا العيد ( إنه يوم شكر وعمل بر، فلا يجعله يوم أشر وبطر، ولا يجعله موسم معصية وتوسع في المحرمات: كالأغاني والملاهي والمسكرات... ونحوها مما قد يكون سبباً لحبوط الأعمال الصالحة التي عملها في أيام العشر.
3ـ الإســراف والتبذيـر:
نعلم أن أيام العيد أيام أكل وشرب
كما جاء في الحديث الذي أخرجه أبو داود بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلمقال:
" يوم عرفة، ويوم النحر، وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب"
(صحيح سنن أبي داود:2114)
لكن الأكل والشرب يكون بلا إسراف أو تبذير، كما قال الرب الجليلسبحانه وتعالى
{وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } (الأعراف:31)
فالإسراف والتبذير لا مصلحة فيه ولا فائدة منه
4ـ ولا يجوز الذهاب إلى المقابر يوم العيد:
فإنه يوم فرح وسرور وأكل وشرب وذكر الله تعالي .
لا تنس أخي... أن تحرص على أعمال البر والخير: من صلة الأرحام، وزيارة الأقارب، وترك التباغض والحسد والكراهية، وتطهير القلب منها، والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال السرور عليهم.
وتتمة للفـائدة هنـاك أحـاديث غير صحيحة منتشرة بين العـوام
ينبغي التنبيه عليها منها:ـ
1. " من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة: ليلة التروية، وليلة عرفة، وليلة النحر، وليلة الفطر" "لا يصح"( فيض القدير: 6/39).
2. " من أحيا ليلة الفطر وليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب".
"حديث مضطرب الإسناد وفيه متهم بالوضع"( فيض القدير: 6/39)
3. " من قام ليلتي العيدين محتسباً لله، لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"
"إسناده ضعيف"( تخريج الأحياء 1/557 محقق دار الحديث )
وقال الألباني:"موضوع" ( ضعيف ابن ماجة صـ 138)
4. " من السُّنة اثنتا عشرة ركعة بعد عيد الفطر، وست ركعات بعد عيد الأضحى"
"لا أصل له"( الفوائد المجموعة صـ 52)
5. " من صلى ليلة النحر ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب خمس عشرة مرة، وقل هو الله أحد خمس عشرة مرة، وقل أعوذ برب الفلق خمسة عشرة مرة، وقل أعوذ برب الناس خمس عشرة مرة، فإذا سلم قرأ آية الكرسي ثلاث مرات، ويستغفر الله خمس عشرة مرة، جعل الله اسمه في أصحاب الجنة وغفر له ذنوب السر والعلانية وكتب له بكل آية قرأها حجة وعمرة وكأنما أعتق ستين من ولد إسماعيل، فإن مات بينه وبين الجمعة الأخرى مات شهيداً) "موضوع"
( تنزيه الشريعة 2/96- الآثار المرفوعة ص 89)
مما يفعل أيضاً في هذه الأيام العشر:
ذبـح الأضـحـيـة وتـوزيـعـهــا([1])
وأخرج الإمام أحمد والترمذي عن عبد الله بن عمرـ رضي الله عنهما ـ أنه قال:
قام النبي صلى الله عليه وسلمبالمدينة عشر سنين يضحي.
وأخرج البخاري ومسلم:" أن النبي صلى الله عليه وسلم ضحي بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمي وكبر ووضع رجله على صفاحهما"
فالأضحية سنة مؤكدة عن أهل كل بيت مسلم قدر أهله عليها، والقول بسنيتها واستحبابها هو قول جمهور العلماء ـ رحمهم الله ـ، وسلوك سبيل الاحتياط أن لا يدعها المسلم مع القدرة عليها لما فيها من تعظيم الله وذكره وبراءة الذمة.
ولذلك قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ كما في زاد المعاد:
وكان صلى الله عليه وسلملا يدع الأضحية، وكان يضحي بكبشين وكان ينحرهما بعد صلاة العيد وأخبر أن من ذبح قبل الصلاة فليس من النسك في شيء وإنما هو لحم قدمه لأهله ـ كما ورد ذلك عنه في الصحيحين فقد أخرج عند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلمقال:
" من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها، ومن لم يذبح فليذبح"
وأيام الذبح: يوم النحر وثلاثة أيام بعده كما قال بذلك بعض أهل العلم ودليلهم:ـ
ما أخرجه الإمام أحمد وصححه الألباني عن النبي صلى الله عليه وسلم
"كل أيام التشريق ذبح".
وهناك فريق من أهل العلم ذهبوا إلى أن أيام الذبح هي: يوم النحر، ويومين بعده (وهو الأحوط)
ـ وكـان من هديه صلى الله عليه وسلماختيار الأضحية واستحسانها وسلامتها من العيوب.
ـ وكـان من هديـه صلى الله عليه وسلمأن يضحـي بالمُصلَّى، (ولا حرج أن يُضَحِّي الإنسـان في أي مكـان)، وأمر الناس إذا ذبحوا أن يحسنوا الذبح.
ـ وكان من هديه صلى الله عليه وسلمأن الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته ولو كثر عددهم.
ما يُجْتَنَب لمن أراد الأضحية:
وإذا أراد أحدٌ أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة، فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته.
وذلك لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أن النبي صلى الله عليه وسلمقال:
" إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئاً. "
وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا أثم عليه فيما أخذه قبل النية .
وهذا الحكم خاص بمن يضحي، أما المضَحّي عنه فلا يتعلق به.
وإذا أخذ من يريـد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته، فعليه أن يتـوب إلى الله تعالي ولا يعود ولا كفارة عليه ولا يمنعه ذلك عن الأضحية .
وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه بعذر فلا شيء عليه، مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه، أو أن ينزل الشعر في عينيه فيزيله أو يحتاج إلى قَصِّه لمداواة جرح... أو نحوه. (ابن عثيمين)
وقال ابن جبرين ـ رحمه الله ـ:
ولا بأس بغسل الرأس ودعكه ولو سقط منه شيء من الشعر.
نـداء:
يا مَن طلع فجر شيبه بعد بلوغ الأربعين، ويا من مضى عليه بعد ذلك عشر سنين حتى بلغ الخمسين، يا مَن هو في معترك المنايا ما بين الستين والسبعين، ماذا تنتظر بعد هذا الخبر إلا أن يأتيك اليقين، يا مَن ذنوبه أغرقته، أما تستحي من الكرام الكاتبين، أم أنت ممن يكذب يوم الدين .
يا مِن ظُلْمة قلبه كالليل إذا يسرى، أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين، هيا تعرض لنفحات مولاك في هذا العشر. فإن لله نفحات يصيب بها من يشاء، فمن أصابته سعد بها آخر الدهر.
عباد الله ... هذه الأيام مطايا فأين العدة قبل المنايا ؟ أين العزائم؟ أرضيتم بالدنايا، قضية الزمان ليست كالقضايا، فراعي فيها السلامة .
يا مريض القلب... قف بباب الطبيب، لُذْ بالجناب ذليلاً وقف على الباب طويلاً، واتخذ في هذا العشر سبيلاً، واجعل جناب التوبة مقيلاً. واجتهد في الخير تجد ثواباً جزيلاً.
قل في الأسحـار أنا تـائب
ناد في الدجى قد قدم الغائب
واعلم أخي...
إن هذه المنح والعطايا والعبادات رزق يرزقه الله لمن يشاء من عباده، وهم الذين طهرت قلوبهم على الإيمان بالله، واستقامت أبدانهم على متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبوا طاعة الله فأكرمهم الله تعالي بفضله.
وهناك صنف من الناس أهانهم الله بعدله:{وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ }(الحج:18)
فأُحذِّر نفسي وإياكم أن نكون من هذا الصنف.
اللهم أكْرِمنا ولا تهنَّا.. وأعطنا ولا تحرمنا.. وانصرنا ولا تنصر علينا.. واهدنا ويسِّر الهُدى إلينا
واغفر لنا ولآبائنا وللمسلمين أجمعين..
وبلغنا هذه الأيام المباركة لأعوام عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن سالمين غانمين، واجعلنا فيها من الطائعين .. وأسألُ الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
اللهم إن الفضل منك ابتداءً والحمد لك انتهاءً على ما وفقتنا وهديتنا.. أنت ولينا في الدنيا والآخرة. أحينا طيبين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين،
واغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين أجمعين.
وبعد...
فهذا آخر ما تيسر جمعه في هذه الرسالة
نسأل الله أن يكتب لها القبول، وأن يتقبلها منا بقبول حسن، كما أسأله سبحانه أن ينفع بها مؤلفها وقارئها ومن أعان علي إخراجها ونشرها......إنه ولي ذلك والقادر عليه.
هذا وما كان فيها من صواب فمن الله وحده، وما كان من سهو أو خطأ أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وهذا بشأن أي عمل بشري يعتريه الخطأ والصواب، فإن كان صواباً فادع لي بالقبول والتوفيق، وإن كان ثمّ خطأ فاستغفر لي
وإن وجدت العيب فسد الخللا
جلّ من لا عيب فيه وعلا
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم .........
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك
تعليق