السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
من أحكام عمل المرأة وضوابطه
وميادين العمل للمرأة وثلاثة أسئلة مهمة !
_____________________________________________
كل ذلك ندلف منه إلى الموضوع الذي نود أن نعالجه..
هل يسمح الإسلام للمرأة أن تعمل..؟
وإذا سمح فبأي شروط؟
ثم إذا توافرت الشروط، فأي الميادين..؟
وهذا ما نبذل جهدنا في الإجابة عنه فيما يلي من السطور بمشيئة الله.
قبل الإجابة عن هذا السؤال وجب تذكر التكليف الملقى على المرأة والمتمثل في دورها العملي العام في هذه الحياة، وهو ما تشير إليه الآيات والأحاديث الشريفة، وكذلك وجب تذكر الفترات الأولى من الإسلام ودور المرأة فيه. ومن هنا نرى أنّ مفهوم العمل مفهوم شامل يعني مجموع النشاطات والجهود المبذولة في تحقيق هدف ما. وعليه فهل كانت المرأة معطلة لا تعمل؟ ثمَّ إذا كانت غير معطلة: هل يعني العمل تغيير المهام الملائمة والواجبات الأساسية إلى عمل آخر بغض النظر عن الدوافع؟ وإن تعاملنا مع المفهوم الرائج عن العمل تجاوزاً يمكن أن نسأل:
هل سمح الإسلام للمرأة بالعمل؟
ونقول في هذا بعون الله: إنَّ الإسلام لم يأمرها أن تعمل في ميادين الحياة العامة من أجل الكسب المادي.. لكنه كذلك لم ينهها عن العمل، ومن ثم بقي الأمر على الإباحة الأصلية، لكنه مشروط بالشروط المستمدة من النصوص ثمَّ من مقاصد الشريعة، وما أذنت به من دفع المضار وجلب المنافع.
شروط العمل للمرأة
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضرَّ على الرجل من النساء" (البخاري/كتاب النكاح). ويقول الله في كتابه: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال/25).
ونقول من وراء هذه النصوص ثمّ من وراء مقاصد الشريعة وما أذنت به من دفع المضار وجلب المنافع، وأخيراً من وراء طبيعة المرأة الخاصة وفطرتها التي امتازت بها عن الرجل:
أ- يجب ألا يكون عمل المرأة صارفاً لها عن مهمتها الأصلية..
ومهمتها الأصلية أن تكون (زوجة) وأن تكون (أمَّاً). ومن ثم فالعمل المباح (للجزء) قد لا يكون مباحاً (للكل) إذا ترتب عليه تفويت مصلحة أكبر.
وحاجة الأمّة الإسلامية إلى (الزوجة) وإلى (الأم) أكثر من حاجتها للعاملات اللاتي يمكن أن يحل محلهن في كثير من أعمال الرجال، خاصة في بلاد وفي أوقات تنتشر فيها البطالة بين الرجال.
ب- يجب ألا يكون عمل المرأة في كل الأحوال مزاحماً للرجل:
ممّا يؤدي إلى حلولها محل الرجال في أعمال قد يكون الرجل فيها أكفأ، لكنها توضع في هذه الأماكن إما (مجاملة) أو (تودداً) أو (إظهاراً) للتحضر والتمدن ومجاراة الغربيين أو المتغربين! وهو ما يؤدي في (المجموع) إلى انتشار البطالة بين الرجال، وعمل الرجل يفتح به (بيتاً) ويقيم به أسرة، وعمل المرأة نادراً ما تفتح به بيتاً أو تقيم به أسرة.. إذ ما زال الرجل هو صاحب القوامة وهو المكلف فالنادر لا حكم له.
ج- يجب ألا يعرضها العمل للفتنة أو يعرض الرجال للفتنة أيضاً:
وذلك إذا وضعت في أماكن يكون فيها (الاختلاط) بين الرجال والنساء مما يعرضها للفتنة، أو يعرِّض الرجال، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها النّاس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" (مسلم/كتاب اللباس)، كما ينبغي ألا يكون في زيها ما يشف أو يصف أو يلفت الأنظار، إذا قدر لها أن تنتقل لعمل مناسب.
مع ملاحظة.. أنّ الحياء يتأثر، وأنّ الأنظار تألف شيئاً فشيئاً ما قد يكون في البداية مثار إنكار.
د- يجب ألا يصادم العمل الفطرة الطبيعية:
وواضح أن التكوين العضوي (البيولوجي) والنفسي (السيكولوجي) في المرأة مغاير للرجل، فوضع الرجل مكان المرأة مصادم للفطرة، ووضع المرأة مكان الرجل كذلك مصادم للفطرة.
فكما أن الرجل لا يصلح (للرضاعة)، و(الحضانة) ولا يصلح (للحمل ولا للوضع).. فكذلك المرأة لا تصلح في أعمال تتطلب (قوة جسدية) أو(خشونة) أو يكون فيها مساس بحياء المرأة أياً كان المساس.. والأمثلة كثيرة لا تحتاج إلى تعداد!
مجالات العمل للمرأة
v ليس من الضرورة أن تعمل المرأة مهندسة معمارية أو مدنية
(بل يجب أن لا تعمل...) فتصعد (السقالة) وتختلط بالعمال، وتعطي لهم الأوامر وتتولَّى الإشراف.. لأنَّها فضلاً عن أنّها قد لا تستطيع، فإنّها إن استطاعت أرهقت نفسها، وزاحمت الرجال أماكنهم المناسبة، وما يترتب على ذلك من أضرار البطالة وما تجره من أضرار (الاختلاط) وسائر الأضرار الاجتماعية والاقتصادية.
وقس على هذا اللون:
* أعمال المناجم.
* أعمال الحفر والتنقيب
* لن هذه الاعمال تتطلب الخلوة بالرجل المفضية الى الوقوع في الحرام و الاختلاط.
v يجب أن لا تعمل (سكرتيرة) خاصة أو عامة..
ونقصد بالخاصة الأعمال الخاصة: التي يديرها أفراد أو شركات، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" (رواه مسلم). وعن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما". (رواه الترمذي).
ومهما قيل من نجاح المرأة في هذا المجال أكثر من نجاح الرجل، فنحسب أنّ هذه (دعاية) مدروسة ومسمومة لإشاعة هذا اللون من العمل؛ ليشيع نوع أو أنواع من (الخلوات) "جمع خلوة" قد لا يتحقق في غيره، وليتحقق فيه مزيد من التعرف الذي يأتي معه (الإعجاب) المتبادل الذي كثيراً ما يجري التنفيس عنه في مجالات ليست بالحلال، كما أنّه كثيراً ما يترتب عليه (تصدع) البناء الأسري وإصابة العلاقات الزوجية بالملل والفتور، والبعد والنفور، بالإضافة إلى ما تمليه علينا التجربة العالمية الإنسانية في هذا المجال، وخاصة في مجتمعات مفتوحة لا تعرف الحلال والحرام، بل يشرع فيها زواج الرجل من الرجل وممارسة الجنس بأبشع أشكاله البهيمية. ممَّا تتعرَّض له المرأة العاملة في هذه المجالات.
طالعتنا الصحف في الآونة الأخيرة بتصريحات لبعض الجهات حول استحداث وظائف جديدة ثم لم تكن موجودة سابقاً منها على سبيل المثال لا الحصر:
- توظيف نساء في وزارة الخارجية.
- توظيف نساء في الفنادق لخدمة النساء.
- وزارة الصحة والهلال الأحمر السعودي يدرسان إمكانية وجود ممرضات ومساعدات صحيات على متن عربات الإسعاف (جريدة اليوم 10 فبراير العدد 11197) لكن مصدر بالوزارة اعتبر القيام بتلك الخطوة يعني أن العاملة الصحية سيرافقها محرم أثناء أدائها لعملها إضافة إلى احتمال أن يستدعي هذا النوع من العمل التوجه إلى مناطق نائية.
وأكدت مصادر الهلال الأحمر أن المسألة تجري دراستها منذ فترة على أساس أن الحياة الاجتماعية تستدعي وجود ممرضات ومساعدات في حالات الولادة أو الحوادث التي تصاب فيها مستبعداً المصدر الاستعانة بممرضات غير مسلمات كحل بديل باعتبار الفكرة ربما تكون غير مقبولة أحياناً.
وقد نشرت مجلة "معهد الإدارة" مقالاً لإحدى الكاتبات تشير إلى أنَّ عمل هؤلاء المدربات بالبرمجه والحاسب وشؤن المؤظفين سيكون في أقسام خاصة بالسيدات، لتطمئن إلى عدم اختلاط المرأة، فإنه يخشى مع كثرة الخريجات، ومع الدعوات المسمومة بفتح مجال العمل للمرأة، أن نجد الفتاة السعودية في يوم قريب تجلس سكرتيرة لمدير، أو تعمل في مجال آخر تختلط فيه مع الرجال.
v ليس من الضرورة على الإطلاق أن تعمل مذيعة للإذاعة والتلفزيون:
فالعبرة هنا بإيصال الكلمة إلى المستمع أو المشاهد، وما عدا ذلك من أساليب الدعاية المادية، حيث نرى أن المرأة استعملت كوسيلة دعائية يتاجر من خلالها بخدعة المستمع أو المشاهد، وهذه من المبادئ الرأسمالية. مما يوضح كل هذه الأمور التي نقوم بتقليدها دون استخلاص تجربة من سبقنا؛ لاعتمادها الأول على (صوتها) وفي الثاني على (صورتها) مع أن (صوتها)، ولسنا نزعم أن صوت المرأة عورة، ولكن مع ما يجري في الإذاعة من مقابلات وضحكات يصير كذلك، وغالباً ما يصحبه (اللين) أو (الخضوع) بالقول.. فيطمع الذي في قلبه مرض.
ومع الصورة يصير الأمر أشد، مع ما تعمد إليه الكثيرات في هذا المجال من تغيير خلق الله عن طريق ما عمت به البلوى من (موضات) المكياج وغيره.
وإذا كان عملها كمذيعة في هذا الميدان محل نظر فما بعد ذلك أشد وأنكى.. التمثيل، والغناء، والرقص، وطريق الشيطان منزلق.. لا يكاد يلمس القدم أوله حتى يتزحلق إلى آخره أو قريباً من آخره!
{عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ}.
إذن فما ميدان عمل المرأة؟
أولها: ما كان خاصاً بالنساء وبعيداً عن الاختلاط.
كالتدريس للبنات في المراحل المختلفة، والعمل الإداري في هذه المجالات النسائية، وكالتطبيب للنساء في التخصصات المختلفة، وكالتمريض للنساء (لا للرجال) في المجالات المختلفة، مع إحسان فصل الأقسام بعضها عن بعض، وتشغيل الأطباء والممرضين من الرجال في أقسام الرجال، والانتهاء من المنكر القائم الذي يتيح الاختلاط داخل العنابر، وداخل الغرف بين العاملين والعاملات، وبين المرضى والعاملات! والأسواق والمصارف الخاصة بالنساء.
وآخرها: ما حكمت به الضرورة.
مثل ميادين القتال.. إذا احتجنا للنساء لعلاج الجرحى من المقاتلين، لتخصيص الرجال للقتال.. والضرورة تقدَّر بقدرها، كما ذهب إلى ذلك العلماء.
شهدت نسيبة بنت كعب مع زوجها وابنتها أُحداً، وشهدت أيضاً الحديبية ويوم حُنين ويوم اليمامة، وشهدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما اليرموك مع زوجها الزبير، وشهدت أم سُلَيم حنيناً مع زوجها أبي طلحة، وابنها أنس بن مالك، وحمل عبادة بن الصامت زوجه أم حرام معه لما غزا قبرص في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.. ويتجاهل الكثيرون أن هاتيك النسوة المسلمات، وعلى رأسهن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قد شاركت في الأحداث المهمة في عصرهن، وخُضنَ المعارك، ومع ذلك كله فلم تكن إحداهن تكلم الرجال إلا من راء حجاب.
ونحن إذا ألقينا نظرة على الأمم التي سبقتنا في ترك الحرية للمرأة أن تعمل، سواء في أمريكا أو أوربا أو بعض البلاد الشرقية؛ نجد أنّ المرأة أتعس مخلوق، فهي تمارس الأعمال الشاقة وتزاحم الرجال في كسب الرزق، وأهملت بيتها، وتأكل طعامها من الأسواق، ففقدت أنوثتها وتبدد حلم السعادة الذي كانت تحلم به لو خرجت إلى مجالات العمل، وتفككت أواصر الأسرة وأهملت تربية الأبناء، وشاع الانحلال وانتشرت البطالة بين الرجال، وصارت الأصوات ترتفع من النساء قبل الرجال بأنّ لا صلاح إلا بعودة المرأة إلى بيتها. وصارت بعض الدول الإسلامية التي سبقت في هذا المضمار تشجع المرأة على أن تأخذ إجازة بنصف المرتب حتى تخلي مكانها لشاب عاطل وتتفرغ لرعاية أبنائها وإصلاح بيتها.
إنه دحض للمحاولات الواهية المبنية على العاطفة والرغبة الشخصية المنحرفة، مثل محاولة الترويح والإدعاء بأنّ نصف المجتمع معطل وما أشبه ذلك من ادعاءات كاذبة.
ودحض هذه المفتريات لا يكون بألفاظ عاطفية، وإنما من خلال دراسة علمية جادة تتفهم إمكانياتنا البشرية المعطلة من خلال هذه الظواهر:
1/ شباب يتسكع في الشوارع.
2/ إهدار للوقت بين العاملين.
3/ المبالغة والإسراف في استجلاب العمالة كمصدر للمفاخرة، مما يترتب عليه رفع مستوى الخدمات في البلد كمياً، وبالتالي زيادة الطلب في عمالة أخرى.
4/ البطالة المقنَّعة بين الموظفين من عدم الحرص على الوقت وأداء العمل في وقته.
5/ عدم إتاحة الفرصة وتربية أبناء المدارس على الاعتماد على ذواتهم بعد الله، والاستفادة من العمل خارج أوقات دراستهم؛ لسد الحاجة في الأعمال البسيطة ولإتاحة فرصة تربوية جادة لهم.
إن محاولة التقليد لمجتمعات يظن أنها متقدمة يجب أن لا يبرر هدم المجتمع بالقضاء على دعائمه الأساسية الذي يكون للمرأة الدور الكبير فيه، وذلك بأثرها على الرجال وعلى الأطفال، بل على الأسرة بأكملها، وأن التدليل على ذلك أمر يسير؛ وذلك لكثرة الدراسات التي أوضحت وضع الأسرة في الغرب والمجتمعات الأخرى من إجرام وانحراف وتشرد وقتل وأنانية، إلى ذلك من الأمور، التي كان من أهم أسبابها تخلي المرأة عن دورها الذي يجب أن تؤديه في مجتمعها.
إن الدور الذي تقوم به المرأة هو عمل في غاية الأهمية، بل إنه إذا قيس بالأعمال الأخرى حسب أهميته وجد في المقدمة، بل هو الأصل والأساس.. ألم يكن ذلك عملاً؟ إنَّ إحصائيات الإجرام والمشكلات السلوكية كالانتحار والسرقة والقتل..إلخ تؤكد أن تخلي المرأة عن دورها هو العامل الأول في مثل هذه الجرائم.
وهنالك العديد من الدراسات والبحوث التي يجب أن تدرسها بعين العبرة والعظة، والتي ستجعلنا (بأمر الله) نتجنَّب كثير من السلبيات التي يحاولون الآن تجنبها بأغلى ثمن.
ثم ونحن أمّة إسلامية وجب أن نحكِّم معيار الله سبحانه وتعالى فينا، حيث إنّه لا خيرة لنا فيما اختاره الله ورسوله.. هذا إذا أردنا أن نبني مجتمعاً إنسانياً راقياً. وحتى نكون قدوة لغيرنا علينا أن ندرك أهمية هذا الدين القويم، مطيعين لمبادئه وتعاليمه بكل فخر واعتزاز، وحتى تجد المجتمعات الضالة القدوة والحل.
هذه تجارب الأمم قبلنا، فهل لنا أن نأخذ منها العظة والعبرة ونرسم لأنفسنا ولأجيالنا المقبلة الطريق الآمن؛ حتى لا يتعرض مجتمعنا الإسلامي إلى هزات وتغيرات؟ ولا ينبغي أن نندفع مع العواطف إلى التقليد دون روية أو تفكير.
ولا يمكن أن تستقيم أحوال المجتمع بتخلي المرأة عن القيم والآداب والمثل العليا التي حباها بها الإسلام من التصون والعفاف والمروءة والحياء وعدم الابتذال.
____________________________________________
د. محمد بن أحمد الصالح
تعليق