السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أحكام الأيمان
*الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى.......وبعد:
** اليمين اللغو والمنعقد:
** قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:" لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ"
قوله ( باللغو ) قال الراغب هو في الأصل ما لا يعتد به من الكلام , والمراد به في الأيمان ما يورد عن غير روية فيجري مجرى اللغاء وهو صوت العصافير ,
قوله ( عقدتم ) قرئ بتشديد القاف وتخفيفها , وأصله العقد وهو الجمع بين أطراف الشيء , ويستعمل في الأجسام ويستعار للمعاني نحو عقد البيع والمعاهدة , قال عطاء : معنى قوله عقدتم الأيمان : أكدتم .
** من حلف بملة غير الإسلام:
**عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ رَمَى مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ".....خ..ك..الايمان...6653
*شرح:
الملة: بكسر الميم وتشديد اللام الدين والشريعة , وهي نكرة في سياق الشرط فتعم جميع الملل من أهل الكتاب كاليهودية والنصرانية ومن لحق بهم من المجوسية والصابئة وأهل الأوثان والدهرية والمعطلة وعبدة الشياطين والملائكة وغيرهم .
قوله " فهو كما قال " يعني فهو كاذب لا كافر , إلا أنه لما تعمد الكذب الذي حلف عليه والتزم الملة التي حلف بها قال عليه السلام " فهو كما قال " من التزام تلك الملة إن صح قصده بكذبه إلى التزامها في تلك الحالة , لا في وقت ثان إذا كان على سبيل الخديعة للمحلوف له . قال ابن حجر : وحاصله أنه لا يصير بذلك كافرا وإنما يكون كالكافر في حال حلفه بذلك خاصة , وسيأتي أن غيره حمل الحديث على الزجر والتغليظ , وأن ظاهره غير مراد , وفيه غير ذلك من التأويلات .
قوله: " ومن حلف بغير ملة الإسلام " فوقع في رواية علي بن المبارك " من حلف على ملة غير الإسلام " وفي رواية مسلم من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا متعمدا فهو كما قال " قال ابن دقيق العيد : الحلف بالشيء حقيقة هو القسم به وإدخال بعض حروف القسم عليه كقوله والله والرحمن , وقد يطلق على التعليق بالشيء يمين كقولهم من حلف بالطلاق فالمراد تعليق الطلاق وأطلق عليه الحلف لمشابهته باليمين في اقتضاء الحث والمنع , وإذا تقرر ذلك فيحتمل أن يكون المراد المعنى الثاني لقوله " كاذبا متعمدا " والكذب يدخل القضية الإخبارية التي يقع مقتضاها تارة ولا يقع أخرى , وهذا بخلاف قولنا والله وما أشهد فليس الإخبار بها عن أمر خارجي بل هي لإنشاء القسم فتكون صورة الحلف هنا على وجهين : أحدهما أن يتعلق بالمستقبل كقوله إن فعل كذا فهو يهودي , والثاني يتعلق بالماضي كقوله إن كان فعل كذا فهو يهودي , وقد يتعلق بهذا من لم ير فيه الكفارة لكونه لم يذكر فيه كفارة بل جعل المرتب على كذبه قوله " فهو كما قال " قال ابن دقيق العيد : ولا يكفر في صورة الماضي إلا إن قصد التعظيم , وفيه خلاف عند الحنفية لكونه يتخير معنى فصار كما لو قال هو يهودي ,
ومنهم من قال : إن كان لا يعلم أنه يمين لم يكفر وإن كان يعلم أنه يكفر بالحنث به كفر لكونه رضى بالكفر حين أقدم على الفعل , وقال بعض الشافعية : ظاهر الحديث أنه يحكم عليه بالكفر إذا كان كاذبا , والتحقيق التفصيل فإن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر وإن قصد حقيقة التعليق فينظر فإن كان أراد أن يكون متصفا بذلك كفر لأن إرادة الكفر كفر وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر.
وقوله: " كاذبا متعمدا " قال عياض : تفرد بزيادتها سفيان الثوري وهي زيادة حسنة يستفاد منها أن الحالف المتعمد إن كان مطمئن القلب بالإيمان وهو كاذب في تعظيم ما لا يعتقد تعظيمه لم يكفر , وإن قاله معتقدا لليمين بتلك الملة لكونها حقا كفر , وإن قالها لمجرد التعظيم لها احتمل .
ولهذه الخصلة في حديث ثابت بن الضحاك شاهد من حديث بريدة أخرجه النسائي وصححه من طريق الحسين عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رفعه " من قال إني بريء من الإسلام فإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام سالما " يعني إذا حلف بذلك , وهو يؤيد التفصيل الماضي , وقال ابن المنذر : قوله " فهو كما قال " ليس على إطلاقه في نسبته إلى الكفر بل المراد أنه كاذب ككذب المعظم لتلك الجهة .
*قال ابن المنذر : اختلف فيمن قال أكفر بالله ونحو ذلك إن فعلت ثم فعل فقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء وقتادة وجمهور فقهاء الأمصار : لا كفارة عليه ولا يكون كافرا إلا إن أضمر ذلك بقلبه . وقال الأوزاعي والثوري والحنفية وأحمد وإسحاق : هو يمين , وعليه الكفارة . قال ابن المنذر : والأول أصح لقوله " من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله " ولم يذكر كفارة , زاد غيره : ولذا قال " من حلف بملة غيره الإسلام فهو كما قال " فأراد التغليظ في ذلك حتى لا يجترئ أحد عليه....( ذكره ابن حجر فى الفتح)
*قال النووى فى شرح مسلم:
ثم إن كان الحالف به معظما لما حلف به مجلا له كان كافرا , وإن لم يكن معظما بل كان قلبه مطمئنا بالإيمان فهو كاذب في حلفه بما لا يحلف به , ومعاملته إياه معاملة ما يحلف به , ولا يكون كافرا خارجا عن ملة الإسلام , ويجوز أن يطلق عليه اسم الكفر , ويراد به كفر الإحسان , وكفر نعمة الله تعالى فإنها تقتضي أن لا يحلف هذا الحلف القبيح .
** كفارة الحلف بغير الله:
* عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ"...خ...ك..نفشير القران...4860
* وعند النسائي وابن ماجه وصححه ابن حبان من حديث سعد بن أبي وقاص ما يشبه أن يكون سببا لحديث الباب , فأخرجوا من طريق مصعب بن سعد عن أبيه قال " كنا حديث عهد بجاهلية , فحلفت باللات والعزى , فقال لي أصحابي : بئس ما قلت , فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له " الحديث. وقى رواية من حديث أبي هريرة أخرجه النسائي بسند قوي قال " كنا حديثي عهد بالجاهلية , فحلفت باللات والعزى , فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قل لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد , وهو على كل شيء قدير , وانفث عن شمالك وتعوذ بالله ثم لا تعد ".... ويحتمل الاكتفاء بلا إله إلا الله لأنها كلمة التوحيد , والزيادة المذكورة في حديث سعد تأكيد .
* قال الخطابي : اليمين إنما تكون بالمعبود المعظم , فإذا حلف باللات ونحوها فقد ضاهى الكفار , فأمر أن يتدارك بكلمة التوحيد . وقال ابن العربي : من حلف بها جادا فهو كافر , ومن قالها جاهلا أو ذاهلا يقول لا اله إلا الله يكفر الله عنه ويرد قلبه عن السهو إلى الذكر ولسانه إلى الحق وينفي عنه ما جرى به من اللغو .
وعن المهلب : أمره صلى الله عليه وسلم للحالف باللات والعزى بقوله لا إله إلا الله خشية أن يستديم حاله على ما قال فيخشى عليه من حبوط عمله فيما نطق به من كلمة الكفر بعد الإيمان , قال : ومثله قوله " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " فنفى عنه الإيمان في حالة الزنا خاصة انتهى . وقال في موضع آخر ليس في هذا الحديث إطلاق الحلف بغير الله , وإنما فيه تعليم من نسي أو جهل فحلف بذلك أن يبادر إلى ما يكفر عنه ما وقع فيه . وحاصله أنه أرشد من تلفظ بشيء مما لا ينبغي له التلفظ به أن يبادر إلى ما يرفع الحرج عن القائل أن لو قال ذلك قاصدا إلى معني ما قال ,
قوله : ( ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق ) قال الخطابي : أي بالمال الذي كان يريد أن يقامر به , وقيل بصدقة ما لتكفر عنه القول الذي جرى على لسانه .
قال النووي : وهذا هو الصواب , وعليه يدل ما في رواية مسلم " فليتصدق بشيء ومناسبة الأمر بالصدقة لمن قال أقامرك من حيث أنه أراد إخراج المال في الباطل , فأمر بإخراجه في الحق . " وأشار بذلك إلى أن القمار من جملة اللهو , ومن دعا إليه دعا إلى المعصية , فلذلك أمر بالتصدق ليكفر عنه تلك المعصية , لأن من دعا إلى معصية وقع بدعائه إليها في معصية . والقمار حرام باتفاق , فالدعاء إلى فعله حرام . ....( ذكره ابن حجر فى الفتح).
** وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين **
جمعه ورتبه وكتبه الفقير
د/ السيد العربى بن كمال
تعليق