بسم الله الرحمن الرحيم
ملاحظة :- الموضوع يقرأ علي مراحل وليس جملة واحدة وبارك الله فيكم
أما بعد:
فإن التاريخ خميرة المستقبل، ونحن أمة ذات تاريخ فذ جدير بأن نفخر به، ونستمد منه المثل العليا، ونتخذه منطلقاً للنهوض من كبوتنا، واسترداد مكانتنا، ولما أراد أعداء الإسلام محو ذاكرة الأمة، وقطع صلتها بتاريخها المجيد أوْلُوا هذه الدائرة اهتماماً كبيراً، واعتبروا التاريخ الإسلامي الرائع أحد "المنابع" التي يجب "تجفيفها"، ليحولوا بين المسلمين وبين أحد مصادر شموخهم ونهضتهم.
يقول المستشرق "شاتلي": [إذا أردتم أن تغزوا الإسلام، وتخضدوا شوكته، وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة لها، والتي كانت السبب الأول والرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم، وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم، فعليكم أن توجهوا هدمكم إلى نفوس الشباب المسلم، والأمة المسلمة بإماتة روح الاعتزاز بهم بماضيهم، وكتابهم "القرآن" وتحويلهم عن كل ذلك بواسطة نشر ثقافتهم وتاريخهم، ونشر روح الإباحية، وتوفير عوامل الهدم المعنوي] ([1]) ا هـ.
ولقد حظيت حقبة تاريخ الصحابة رضي الله عنهم بحظ وافر من التدليس والتزوير، وانطلق الكيد ضدهم أول ما انطلق من اليهود والفرس.
أما اليهود فإن التحريف مهنتهم التي يحترفونها "سجية تلك فيهم غير محدثة"، وكان من أخبثهم وشرهم في هذا الأمر رأس الفتنة وأساس البلاء، المنافق الزنديق "عبد الله بن سبأ" الملقب "بابن السوداء"، الذي أسس للرافضة دينهم، وحرَّض الرعاع والغوغاء من الأعراب وغيرهم حتى خرجوا على أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وسفكوا دمه، وفتحوا باب الشر على مصراعيه.
وأما المجوس فقد ملأ الحقد على الصحابة قلوبهم؛ لأنهم الذين كسروا ظهر الكسروية، وأطفئوا نار المجوسية، ومحوا الدولة الفارسية، ورأوا أن كيد الإسلام على الحيلة أنجع، فأظهر بعضهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع، وأشعلوا نار الفتنة، وراهنوا على تمزيق الأمة إرباً إرباً.
إن الشيعة أكذب فرقة عرفها التاريخ الإسلامي كله، وهم في الأصل أخلاط من اليهود والنصارى والمجوس والملاحدة الباطنية الذين اتخذوا "التشيع" ستاراً ليحققوا أغراضهم في تحريف الإسلام وهدمه من الداخل، وهم أكذب الفرق على خصومهم، ولذلك كان لهم "جيش" من الرواة والأخباريين الذين تولوا نشر أكاذيبهم ومفترياتهم.
ولقد تلقف هذا التاريخ المزور فئات من الأدباء والمؤرخين الذين هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، فراحوا يزيدونه تحريفاً وتدليساً باعتبارهم وكلاء عن أعداء الأمة ونوّاباً عنهم في "تجفيف" منابع الإسلام".
لقد كان أحد ملامح الصحوة الإسلامية الحديثة المطالبة بتنقيح وتصفية التاريخ الإسلامي، ليعمل عمله المرتقب في إحياء عز الإسلام، والتمكين للمسلمين، وظهرت بواكير الاستجابة في عديد من المحاولات الجادة ([2]) في هذا المضمار والتي امتازت باعتمادها، "منهج المحدثين" دون غيره ميزاناً للحكم على الروايات التاريخية سنداً ومتناً، ودافعت عن الصحابة رضي الله عنهم باعتبارهم خير أمة أُخرجت للناس، وباعتبارهم ثمرة تربية خير البشر صلى الله عليه وسلم، وأفضل أولياء الله على الإطلاق؟.
لقد راجت أكاذيب الشيعة وبخاصة بعد أن قامت لهم دولة جندت كل طاقاتها للتبشير بمذهبهم، واللعب بعواطف الشباب المسلم الغافل، فيُظهرون أنهم حماة الدين، ويستميلونهم ببعض المواقف الاستهلاكية المبهرة، ويشتغلون ما تورط فيه بعض الدعاة من التغزل في رافضة إيران، وكان من أسوأ عبارات هذا "الغزل" قول بعضهم: "إن الشيعة الإمامية الجعفرية مذهب فقهي خامس، وإنه لا توجد بيننا وبينهم خلافات في أصول الدين" وللرد على هذا التلبيس الفج، نقول:
هناك حقيقة لابد من الاعتراف بها، ألا وهي أننا نحن المسلمين المسئولون بالدرجة الأولى عن كثير من مشكلات عالمنا الإسلامي في القديم والحديث؛ إننا دائماً نسمح للخلايا الخبيثة بأن تنمو وتزدهر، حتى تتحول إلى سرطان خطير يوشك أن يهد جسدنا الإسلامي من داخله.
إن حُسن النية، وترك حبل التسامح إلى مداه، والظن الحسن الذي يصل إلى حدّ الغفلة.. كل هذه الخصائص –التي يتحلى بها السذج منا- كثيراً ما أعطت الفرص الذهبية لأعداء الإسلام كي يهددوا حصوننا من داخلها.
وأكبر غفلة نقع فيها حين نتغاضى عن المقاييس الواضحة، والموازيين الفاصلة التي تكشف الدين من الهوى، وتميز الخبيث من الطيب، وتُظهر الحق من الباطل والهدى من الضلال([3]).
إن موقف بعض المسلمين من أهل الرفض يجسد هذه الغفلة التي أشرنا إليها، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قبل الساعة سنوات خدّاعة، يُصدَّق فيها الكاذب ويكذّب فيها الصادق، ويُخوَّن فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، وينطق فيها الرويبضة" قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: "السفيه يتكلم في أمر العامة".
وما أصدق هذا الحديث على واقعنا بعامة، وعلى موقفنا من الرافضة بخاصة، الأمر الذي يعكس شدة غربة الإسلام في هذا الزمان وتفشي الجهل، وقلة العلم.
إن مقولة: "إن الشيعة الإمامية مذهب فقهي خامس" أحد الشعارات الكاذبة المضلة التي تفتن الناس عن دينهم، وتسهل الطريق للغزو الرافضي الفكري، وهي أحد "الأفكار الملغمة" التي تهدف إلى نسف "منهج النبوة" وتدمير"ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم" كي يبنى على أنقاضها أساطير الرافضة وخرافاتهم، من وراء ستار "التقريب" الذي هو عين"التخريب" لعقائد المسلمين، فالتقريب في اصطلاحهم له معنى واحد لا ثاني له، ألا وهو : تقريب أهل السنة إلى عقيدة الشيعة، وإذابتهم فيهم، فهو وسيلة إلى "تصدير" دين الرافضة ليس إلا ([4]).
وقائل هذه العبارة([5])، والمروج لها إما أنه جاهل ساذج، وإما أنه خائن مضل.
أما جهله:
1ـ فبأصول دينه الذي ينتمي إليه إن كان منتسباً إلى أهل السنة والجماعة.
2ـ وجهله بدين، الرافضة الذي يقوم على أصول تخالف دين الإسلام قطعاً؛ فالمذهب الشيعي ليس مذهباً خامساً، ولكنه يكاد يكون ديناً آخر غير دين الإسلام.
3ـ جهله بوقائع التاريخ التي تدين الرافضة بالغدر والخيانة العظمى لأمة المسلمين، بطعنهم في ظهورهم، وممالأة أعدائهم، فحسن الظن بالشيعة تأباه حتى نظرية الاحتمالات، وإن تاريخهم المشين عاجز عن أن يقدم مثالاً واحداً لم يقفوا فيه ضد المسلمين في صف أعدائهم من اليهود والنصارى، والمنافقين واسألوا تاريخ ينبئكم:
ـ من الذي تآمر مع التتار حتى استولوا على بغداد، وقتلوا الخليفة المستعصم، وقتلوا معه – غدراً وفي ساعة واحدة- مائتي وألف شخصية من العلماء والوجهاء القضاة، واستمرت المذابح فيها نيِّفاً وثلاثين يوماً، قتل فيها حوالي ثمانمائة ألف مسلم ومسلمة؟.
ـ ومن الذي تسبب في انحسار المد الإسلامي العثماني في أرجاء أوربا، وطعن الخليفة العثماني في ظهره بزحفه على عاصمة الخلافة؛ بينما كان يتغلغل بجيوشه في أحشاء النمسا إلى أن دخل قلب "فيينا" وكادت أوربا تدخل في حظيرة الإسلام لولا اضطرار الجيش العثماني إلى الانسحاب والرجوع إلى الرافضة لدحرهم ودفعهم([6]) ؟.
ـ ومن الذي تحالف مع ملك المجر ضد الدولة العثمانية المسلمة؟ ومن الذي سلّم أرض المسلمين في باكستان الشرقية لقمة سائغة للهندوس حتى يقيموا عليها الدولة المسخ" بنجلاديش" .
4ـ جهله بالواقع الأليم لأهل السنة المحاصرين المستضعفين في داخل الدولة الرافضة الإيرانية، وما يعانونه من تفرقة عنصرية، واضطهاد، وتشريد، وقهر، وتعذيب وتصفية جسدية، ويكفي أن طهران العاصمة لم يُسمح فيها ببناء مسجد واحد لأهل السنة حتى اليوم على الرغم من أنها تضم على مرأى ومسمع ورضاً من الحكومة الإيرانية اثنتي عشرة كنيسة، وأربعة معابد يهودية، وعدداً من معابد المجوس عبدة النار.
5ـ جهله بالوقائع المعاصرة التي أسقطت أقنعة النفاق والدجل والتقية عن وجوه الرافضة، والتي أثبتت أنهم شوكة في ظهر الأمة المحمدية، وما حدث منهم في أفغانستان ليس ببعيد، وكذا تحالفهم غير المقدس مع حزب البعث النصيري في سوريا.
أمّا إن كان قائل هذه العبارة يدري كل هذا وهو يتشدق بهذه الفرية، فالمصيبة أعظم، ولا يبقى إلا أنه غاشُّ لأهل الإسلام؛ إذ يتغاضى عن هذه الحقائق الصارخة، ويكذب على المسلمين حين يزعم أن الخلاف مع الرافضة كالخلاف بين الحنبلي، والشافعي، والمالكي والحنفي؛ فهذه المذاهب- وإن اختلفت في الفروع الفقهية العلمية- لكنها تقف جميعاً في مسائل العقيدة والتوحيد تحت مظلة واحدة هي "السنة والجماعة"، وهذا المفتري يحاول دمجها مع الرافضة- وهم فرقة نارية- في الفرقة الناجية، ويجتهد في ستر عورات مذهبهم الشاذ، الذي يشذ عن الفرقة الناجية حتى في أصول الدين، ومن أمثلة ذلك:
1ـ طعنهم في القرآن الكريم؛ حيث تصرح بعض كتبهم المعتمدة بأنه حُرِّف وبُدِّل وذهب أكثره ]وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ[ [التوبة:107]. وحين كانت الأندلس تحت سلطان الإسلام كان الإمام محمد بن حزم – رحمه الله- يناظر قساوستهم في نصوص كتبهم، ويقيم لهم الحجج على تحريفها بل ضياع أصولها، فكان القساوسة يحتجون عليه بأن الشيعة قرروا أن القرآن المجيد أيضاً محرف، فأجابهم ابن حزم بأن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن ولا على المسلمين؛ لأن الشيعة غير مسلمين.
2ـ رفض حجية السنة النبوية الشريفة؛ لأن رواتها من الصحابة – في نظرهم- كفرة زنادقة مرتدون عن الإسلام، وأعلام الأمة وأئمتها كذلك، فمِن ثمّ لا يعترفون بصحيح البخاري ولا صحيح مسلم، ولا كتب السُّنن، والمسانيد، وكذا يرفضون حجية الإجماع بدعوى أن الأمة يجوز أن تجتمع على ضلالة، وأنها معصومة بقول الإمام.
3ـ غلوهم في أئمتهم إلى حد رفعهم فوق مقام الأنبياء عليهم السلام؛ بل إضفاء صفات الربوبية عليهم، كقول الخميني مثلاً: "إن للإمام مقاماً محموداً وخلافة تكوينية تخضع لولايتها جميع ذرات هذا الكون، وأن الأئمة علموا ما كان وما يكون، ولا يخفي عليهم شيء، وأنهم منـزهون عن السهو والخطأ، وأن لهم حرية التصرف والاختيار في تحليل شيء أو تحريمه" ويجوزِّون الاستغاثة بغير الله مطلقاً كقولهم:" يا مهدي! أدركني، يا زَهْرا ! نستعين بكِ"، ويهجرون المساجد، ويعمرون المشاهد، ويعبدون قبور الأئمة، فيذبحون عندها، وينذرون لها، ويحلفون بها، ويستغيثون بهم في طلب الحاجات وكشف الكربات، ويسجدون إلى قبورهم، ويستقبلونها في صلاتهم، وهذا الخميني يقول في بعض كتبه: "طلب الحاجة من الحجر أو الصخر ليس شركاً، وإن يكن عملاً باطلاً" ا هـ.
4ـ حقدهم على خير من طلعت عليهم الشمس بعد الأنبياء أفضل أولياء الله على الإطلاق، أبي بكر وعمر، وعثمان، وسائر العشرة المبشرين بالجنة، والمهاجرين والأنصار، وسائر الصحابة الكرام الذين هم خير أمة أُخرجت للناس، وادعاؤهم أنهم ارتدوا عن الإسلام عدا خمسة منهم، وتطاولهم بالسب واللعن لهم، وتفضيل ذلك على التسبيح والتهليل والتكبير، ووصفهم بالكفر والزندقة والنفاق والكذب، لا يستثنون السابقين الأولين، ولا أصحاب بدر، وبيعة الرضوان، ولا المهاجرين والأنصار ممن عاشوا بعد وفاة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، والتفنن في اختلاق الأكاذيب التي تشوه سيرتهم، وتبدل مناقبهم مثالب ]وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ[ [الشعراء:227].
قال الإمام أبو زرعة الرازي – رحمه الله تعالى-: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول حق، وما جاء به حق، وإنّما أدّى إلينا ذلك كله أصحابه، وهؤلاء الزنادقة يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة" ا هـ.
فتبّاً لوحدة تقوم على حساب أعراض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسحقاً لتقريب يبعدنا عن موالاتهم والتقرب إلى الله بحبهم.
فيا قوم: كيف تؤمنون بأن الفرقة الناجية هي التي وصفها صلى الله عليه وسلم بقوله: "هي من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي"، وبقوله صلى عليه وسلم " فعليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي" ثم تلتمسون النجاة في موالاة ومحالفة من يحرِّفون دينه صلى الله عليه وسلم، ويرفضون سُنَّته، ويلعنون أصحابه، ويكفرونهم، ويسمون كلابهم بأسمائهم؟ وكيف تلتمسون التمكين للإسلام في الأرض، وهو مرهون باتباع منهاج النبوة كما قال صلى الله عليه وسلم: "... ثم تكون خلافة على منهاج النبوة" وما أبعد الفرق بين منهاج النبوة ودين الشيعة الإمامية الذين زين لهم سوء عملهم فرأوه حسناً؟!!.
5ـ عقائدهم الفاسدة في الإمامة، والبَدَاء، والرجعة، والجفْر والغيبة، والعصمة، والتقية...الخ، وقد نصت عليها مفصلة كتبهم "المقدسة".
فهل بعد هذا لا يجرؤ عاقل منصف فضلاً عن سني موحّد أن يكذب على الله، ويضلل الناس بدعوى أن الشيعة الإمامية مذهب "فقهي" خامس" وأنهم لا يخالفوننا في أصول الدين ]سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ[ [النور:16].
ولا زال أهل العلم في كل عصر يفضحون عقائدهم، ويكشفون زيفهم، ويدحضون باطلهم، وهذا الإمام أبو يعلى –رحمه الله- يقول مبيناً عدم جدوي مناظرتهم لاختلاف معنا في الأصول ومصادر التلقي: "... ولو ذهب ذاهب إلى ترك مناظرة الروافض ومكالمتهم لكان قد ذهب مذهباً ليس ببعيد، وذلك أن المتناظرين إنما يتناظرون ويُردَّان إلى أصل قد اتُّفِق عليه، والأصول التي ترجع إليها الأمة فيما اختلفت فيه إنما هي الكتاب والسُّنة وإجماع الأمة وحجج العقول، وهذه الأصول الأربعة لا يمكن الرجوع إليها على قول الرافضة" ا هـ.
ولما سئل علامة الشام بهجت البيطار عن جواز التعامل مع الشيعة قال رحمه الله: "يجوز التعامل معهم سياسة واقتصاداً أسوة بالدول والشعوب التي تعاهدت مع اختلاف في الأوطان والأديان، وبالله المستعان" ا هـ.
وقال الشيخ: "محمد رشيد رضا" رحمه الله: "هذا القول –بأن الخلاف بين السنة والشيعة في آراء لا تمس العقائد- إنما يضر أهل السنة فقط؛ لأن ذلك معناه أن أهل السنة موافقون للشيعة في شذوذهم الذي يهدم الدين والعقيدة، ولا يعتبرون ذلك الشذوذ ماسّاً بالعقيدة" ا هـ.
وهذا العلامة القرآني محمد الأمين الشنقيطي، وقد أتاه وفد من آيات الرافضة للمناظرة والتقريب، فبادأهم بقوله رحمه الله : لو كنا نتفق على أصول واحدة لناظرتهم، ولكن لنا أصول، ولكم أصول وبصورة أوضح: (لنا دين، ولكم دين) وفوق هذا كله أنتم أهل كذب ونفاق" فلله دره من عالم بصير، وفقيه نحرير! وأنّى لأهل السنة أن يجتمعوا مع قوم يتعبدون بمخالفتهم كما يُتعبّد بمخالفة المشركين؟!.
وأنّى لأهل السنة أن يتحاوروا مع قوم يجعلون الكذب والنفاق تسعة أعشار دينهم وعقيدتهم؛ ألا ما أبعد الفرق بين موافق هؤلاء الجهابذة وبين تلك الفتوى الشاذة "الصادرة سنة 1368هـ" بل "الخطيئة التاريخية" التي كانت بمثابة زلة عالم ضلّ بها عالم، أعني الفتوى الأزهرية التي اعتبرتها جماعات، "التخريب" المسمى بالتقريب قطفاً شهيّاً، وثمرة مستطابة لجهودها في تضليل أهل السنة، ومما تضمنته الفتوى: جواز انتقال المسلم المقلد من مذهب إلى أي مذهب كان، "ولو كان مذهب الشيعة الإمامية كما يفهم من صورة الاستفتاء" وتضمنت أيضاً النص الصريح على "أن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية مذهب يجوز التعبد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنة، إلى أن قال: ".. فالكل مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدُهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات" ا هـ.
ولا ندري لماذا لم يشر المفتي إلى العقائد وأصول الدين؟ وماذا يقول في نكاح المتعة وغيره من شذوذ الرافضة؟ ومن الجدير بالذكر أن بعض علماء الأزهر قد تصدوا لفكرة التقريب، وأنكروا هذه الفتيا المذكورة، منهم مفتى مصر الأسبق الشيخ حسنين مخلوف –رحمه الله تعالى-.
إن عبارة "الشيعة الإمامية مذهب فقهي خامس، لها نظائر يروج فيها حلبة السياسة الماكرة، ولها آثار خطيرة يبوء بإثمها الذين تفوَّهوا بها دون علم ولا وعي.
ـ لأنها تدعو إلى تبسيط ما لا يمكن تبسيطه، والتهوين من شأن مصاب جليل، وخطب جسيم.
ـ وفيها فتنة الرافضة بدينهم، إذ يرون أهل الحق يقرون ما هم عليه، ويسوونه بما أنزل الله عز وجل في قضايا الخلاف بين السنة والشيعة، وبدل أن يدعوهم إلى التوبة من بدعهم وضلالهم يخلعون على مذهبهم صفة الشرعية، والحجية، مما يثبت كيانهم، كيف لا وقد اعترف بهم قادة الحركات الإسلامية إلا من عصم الله؟!
ـ وفيها فتنة للشباب من أهل السنة وتغرير بهم، مما يسهل عملية انتشار سرطان التشيع بينهم، وتمرير أفكارهم المسمومة في أوساط أهل السنة التي تشكوا من ضعف بل انعدام المناعة العقيدية ضد هذه السموم، وقد يتسبب هذا في أن يُهرع العديد منهم إلى جامعات إيران بصدر رحب، وقلب مفتوح لدراسة عقيدتهم ومنهجهم ثم الانطلاق في أرجاء الأرض للتبشير بها، بعد أن أعطاهم الدعاة المذكورون الضوء الأخضر بمثل هذه المقولات.
ألا إن الذين لا يزالون يصرون على تأييد الرافضة مشاركون عمداً وعن سبق إصرار في خداع الأمة وتضليل الأجيال؛ لأنهم -بكتمانهم الحق- يعينون الرافضة على هدم الإسلام، وأولى بهم أن يعملوا بالحكمة القائلة: "الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل" ، تلك الحكمة التي تجلت في بعض المواقف الشجاعة من دعاة خُدِعوا أولاً بالسراب الإيراني، ثم لما لم جدوه شيئاً أعلنوا رجوعهم إلى الحق، وحذروا الأمة، وكتبوا ناصحيها ومحذريها، وأخص بالذكر الأستاذ/ سعيد حوي -رحمه الله- فرسالته الرائعة: "الخمينية شذوذ في العقائد وشذوذ في المواقف" خير مثال على ذلك.
ـ تنبيهات
الأول: قال الإمام النووي رحمه الله تعالى: "اعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد- يعني قوله صلى الله عليه وسلم" :إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول ي النار-، ومذهب أهل السنة والحق إحسانُ الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية، ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه يأثم، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى الله، وكان بعضهم مصيباً وبعضهم مخطئاً معذوراً في الخطأ؛ لأنه اجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه" ا هـ [من شرح صحيح مسلم"18/11].
وقال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: "ولا يجوز أن ينسب إلى أحد من الصحابة خطأ مقطوع به، إذ كانوا كلهم اجتهدوا فيما فعلوه، وأرادوا الله عز وجل، وهم كلهم لنا أئمة، وقد تعبدنا بالكف عمّا شجر بينهم، وألا نذكرهم إلا بأحسن الذكر؛ لحرمة الصحبة، ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن سَبِّهم، وأن الله غفر لهم، وأخبر بالرضا عنهم.
هذا مع ما قد ورد من الأخبار من طرق مختلفة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طلحة شهيد يمشي على وجه الأرض، فلو كان ما خرج إليه من الحرب عصياناً لم يكن بالقتل فيه شهيداً، وكذلك لو كان ما خرج إليه خطأ في التأويل وتقصيراً في الواجب عليه؛ لأن الشهادة لا تكون إلا بقتل في طاعة، فوجب حمل أمرهم على بيّناه.
ومما يدل على ذلك ما قد صرح وانتشر من إخبار عليّ بأن قاتل الزبير في النار، وقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "بَشّر قاتل ابن صفية بالنار" وإذا كان كذلك فقد ثبت أن طلحة والزبير غير عاصيين ولا آثميْن بالقتال؛ لأن ذلك لو كان كذلك لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم في طلحة " شهيد" ولم يخبر أن قاتل الزبير في النار.
وكذلك من قعد غيرُ مخطئ في التأويل، بل صواب أراهم الله الاجتهاد، وإذا كان كذلك لم يوجب ذلك لعنهم والبراءة منهم، وتفسيقهم، وإبطال فضائلهم وجهادهم، وعظيم غنائهم في الدين، رضي الله عنهم".
وقد سئل بعضهم عن الدماء التي أُريقت فيما بينهم،فقال تعالى: ]تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ [البقرة:134].
وسئل بعضهم عنها أيضاً فقال: "تلك دماء قد طهر الله منها يدي؛ فلا أخضِب بها لساني" يعني في التحرز من الوقوع في خطأ، والحكم على بعضهم بما لا يكون مصيباً فيه... وقال المحاسبي [فأما الدماء فقد أشكل علينا القول فيها باختلافهم، وقد سئل الحسن البصري عن قتالهم فقال: "قتال شهده أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وغبنا، وعلموا وجهلنا، واجتمعوا فاتبعناه، واختلفوا فوقفناه" قال المحاسبي" فنحن نقول كما قال الحسن ونعلم أن القوم كانوا أعلم بما دخلوا فيه منا، ونتبع ما اجتمعوا عليه، ونقف عند ما اختلفوا فيه، ولا نبتدع رأياً منا، ونعلم اجتهدوا وأرادوا الله عز وجل؛ إذ كانوا غير متهمين في الدين، ونسأل الله التوفيق" ا هـ. من "الجامع لأحكام القرآن" (16/321-322).
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في عقيدته المشهورة:"ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نُفْرطُ في حب أحدٍ منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغضُ من يُبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين إيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان، ومن أحسن القول في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأزواجه الطاهرات من كلّ دنس، وذريّاته المقدّسين من كل رِجْس، فقد برئ من النفاق" ا هـ.
ـ التنبيه الثاني:
إن الواجب –كما رأيت- الإمساكُ عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، والاشتغال بإشاعة فضائلهم، وإذاعة مناقبهم في العالمين، فما يقدم عليه بعض الدعاة من تخصيص حلق لعوام الناس موضوعها الخوض فيما شجر بين الصحابة، مخالف لهدي السلف، وإنّما يُشغل العوام والخواص بما ذكرنا من الإشادة بمناقبهم رضي الله عنهم، إلا إن اضطر الداعية لدفع شبهاتٍ شاعت في الناس، وتلطخت بها مناهج التعليم، فيوضح الحق بأسانيده، ويبطل الباطل؛ ذبّاً عن أعراضهم رضي الله عنهم، فهذا استثناء، والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
***
([1]) من "غزو العالم الإسلامي" للمستشرق "شاتلي" ص (264).
([2]) ومن أمثلها: "تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة" للدكتور: محمد أمحزون، طبع دار طيبة، الرياض.
([3]) انظر: "الغزو الفارسي للعالم العربي" لعبد الله السعيد، ص (3-5).
([4]) انظر: "مسألة التقريب بين السنة والشيعة" و "وأصول مذهب الشيعة" كلاهما للدكتور/ ناصر القفاري، طبعة دار طيبة، الرياض، وهما مرجعان نفسيان في موضوعهما.
([5]) الإشارة إلى قول بعضهم: "إن الشيعة الإمامية الجعفرية مذهب فقهي خامس، وإنه لا توجد بيننا وبينهم خلافات في أصول الدين".
([6]) انظر "الحروب العثمانية الفارسية وأثرها في انحسار المد الإسلامي عن أوربا" للدكتور: محمد عبد اللطيف هريدي، دار الصحوة، القاهرة.
تعليق