التفريغ:
بقيت مسألة أخيرة في درس اليوم؛ "مسألة سماع الموتى"
قد مرَّ بنا ما يشير إليها عند آية فاطر،
{وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [1].
الموتى في قبورهم هل يسمعون كل شيء، كما يزعم بعض الناس؟
الناس في هذا طرفانِ ووسط؛ فالقبوريون والخرافيون وعبَّادُ القبور يدعون أن الموتى يسمعون كلَّ شيء؛
بل إنهم يقدِرونَ على الإجابة –على حد زعمهم- وهذا هو الشرك بعينه،
وعلى حدهم فئة أخرى يقولون أنهم يسمعون؛ ولكنهم لا يستطيعون الإجابة؛ فالإطلاق هذا باطل أيضًا.
هناك جماعة أخرى على النقيض من ذلك؛ وقالوا: الموتى لا يسمعون شيئًا مطلقًا، ونَفُوا نفيًا كليًّا.
الذي عليه المحققون من أهل السنة والجماعة؛ يقولون: السماع أمرٌ غَيْبِيّ،
لا يمكن أن يُثبَت إلا بالشَّرع، ونحن ثَبتت عندنا في السماع قضيتان: إحداهما: قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال:
((يا عتبة! يا شيبة! يا أبا جهل! هل وجدتم ما وعدكم ربكم؟))
قال: كيف يا رسول الله! تخاطبهم وقد جيَّفُوا؟ يعني تعفنوا؛ قال:
((إنكم لستم بأسمعَ منهم))[2]؛
يعني هم يسمعون ما أقوله لهم.
والأمر الثاني: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسمع خفق نعالَ أهلِهِ، وفي رواية:
قَرعَ نعالَ أهله. هذان الأمران ثابتان؛ لكن السؤال: هل نؤمن بهما ونتوقف عندهما
أم نتوسع في القياس عليهما في المسائل الغيْبِيَّة؟ ما الجواب؟ نتوقف. نؤمن أن هذا قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وأن أهل القليب قد سمعوا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم. نؤمن بأن الميت يسمع خفق نعال أهله؛ لكن لا يجوز أن نتوسع في
ذلك في أمور غيبيَّة لا يطلِعُ عليها إلا الله؛ فهذا هو الحق الذي يجب المصير إليه.
وهناك مُؤلَّف للآلوسي –رحمه الله-، وقد زَانَه تحقيق الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-؛
وعنوانه:
"الآيات البيِّنَات في عَدمِ سَمَاعِ الأموَات على مَذهَبِ الحنَفيَّةِ السَّادَات"
هذا كتابٌ جميل، نفى فيه سماع الموتى إلا ما دلَّ الدليلُ عليه، والباقي يُتوقَفُ فيه،
{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [3]
فالباقي يُتوقَفُ فيه، ونقتصر على ما دلَّ الدليلُ عليه. وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقني
وإياكم لما فيه رضاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هنا مشكلة، قد تشكل على بعض الناس؛
قد يسمع بعض الجهلة –ولاسيما الذين يتعلَّقُون بغير الله- قد يسمعون أصواتًا تصدُرُ من بعض أصحاب المقابر والأضرحة، وقد يكون الصوت هو نفسه صوتَ ذلك المقبور الذي يعرفونه؛ يُشبِهُهُ؛
يعني يكادون يجزمون أنه نفس صوت هذا المتوفَى، فما الموقف من مثل هذا؟
أنتم تعلمون –رحمني الله وإيَّاكم- أن الشيطان قد قطع عهدًا على نفسه أن يُغوِي بني آدم
ما دامت أرواحهم في أجسادهم؛ فهي في مثل هذه الأحوال قد تُسمِعُ الناس شيئًا من هذه الأصوات، وقد تُرِيهم حركاتٍ عجيبة،
وقد تُرِيهم صورة الميت نفسه، وقد تُرِيهم، وقد تُرِيهم، ومن هنا يقول الإمام الشافعي –رحمه الله- لما سمع مقالة الليث بن سعد –رحمه الله-:
"لو رأيت مبتدعًا يطير في الهواء فلا تصدقه"
قال: "أما إنه قد قَصَّر؛ بل ولو رأيته يمشي على الماء، فلا تصدقه".
فكثيرٌ من الناس قد ينخدع ببعض الحركات وببعض الأشياء التي يفعلها الشيطان من أجل إضلال الناس، فاحذر يا عبد الله!
هناك خوارق للعادة أحيانًا تحصل للفتنة، الدجال يأتي آخر الزمان –نعوذ بالله وإياكم من فتنته -ولذلك أُمرنا أن نستعيذ بالله من فتنته،
"ومن فتنة المسيح الدجال"،
كل صلاة نقول هذا- يأتي بغرائب –يعني- يكتسح الأرض يجوبها طولاً وعرضًا في أربعين يومًا!
يومٌ كسنة ويومٌ كشهر ويومٌ كأسبوع والبقية كبقية الأيام المعروفة؛ يعني معنى
ذلك أنه أسرع من السيارات، ومعه جنة ونار فيما يبدو للناس؛ لكن ناره جنة وجنته نار،
يقول للسماء: أمطري؛ فتُمطر، ويقول للأرض: أنبتي فتُنبت، هذه لا يغتر بها المؤمن إذا رأى
مثل هذه الوقائع؛ بل المؤمن لا يزداد بهذه الأشياء إلا إيمانًا، والكافر ينحرف ويغتر.
فيقول له: نعم، أنت ربي فيتبعه، والعياذ بالله.
فاحرصوا –رحمني الله وإياكم- على الحذر من هذه الأشياء، من التمائم، من الرقى غير الشرعية،
من السحرة، من الدجاجلة، من دعاء غير الله، من التعلق بغير الله، من التمائم،
من كل ما يخالف الشرع؛ حتى تسلم لكم عقيدتكم، ويسلم لكم دينكم. نعم، تفضل.
الطالب: أحسن الله إليكم شيخنا.
إذًا وردت آيات تدل على سماع الأموات، ووردت أخرى تضادها.
الشيخ: ما في آيات صريحة تدل على سماع الموتى؛ لكن الآية الصريحة في النفي،
ولا أعرف آية تدلُّ على أنهم يسمعون،
أن أحدًا يسمع. أبدًا؛ بل هناك أحاديث قد يستشف منها بعض من الجُّهَّال السماع؛
مثل حديث:
((مَا منْ عبدٍ يُسلِّمُ عليَّ إلا رَدَّ اللهُ عليَّ روحي فأرد عليه السلام))[4]
هل في هذا الحديث ما يدل على السماع؟ أبدًا؛ بل يدل على أن الله تعالى يرد عليه روحه،
أما الكيفية فلا نتدخل فيها؛ لأن حياة النبي صلى الله عليه وسلم حياة برزخيِّة غيْبيَّة
لا يعلمها إلا الله –سبحانه وتعالى-، لا تقاس بالحياة الدنيا ومظاهرها وطقوسها، وأحوالها أبدًا. نعم.
--------------
[1] [فاطر: 14].
[2] رواه البخاري ومسلم.
[3] [فاطر: 22].
[4] عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ))
صحيح سنن أبي داود: 2041 وصححه الألباني.
_______
المصدر
بقيت مسألة أخيرة في درس اليوم؛ "مسألة سماع الموتى"
قد مرَّ بنا ما يشير إليها عند آية فاطر،
{وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ} [1].
الموتى في قبورهم هل يسمعون كل شيء، كما يزعم بعض الناس؟
الناس في هذا طرفانِ ووسط؛ فالقبوريون والخرافيون وعبَّادُ القبور يدعون أن الموتى يسمعون كلَّ شيء؛
بل إنهم يقدِرونَ على الإجابة –على حد زعمهم- وهذا هو الشرك بعينه،
وعلى حدهم فئة أخرى يقولون أنهم يسمعون؛ ولكنهم لا يستطيعون الإجابة؛ فالإطلاق هذا باطل أيضًا.
هناك جماعة أخرى على النقيض من ذلك؛ وقالوا: الموتى لا يسمعون شيئًا مطلقًا، ونَفُوا نفيًا كليًّا.
الذي عليه المحققون من أهل السنة والجماعة؛ يقولون: السماع أمرٌ غَيْبِيّ،
لا يمكن أن يُثبَت إلا بالشَّرع، ونحن ثَبتت عندنا في السماع قضيتان: إحداهما: قول النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال:
((يا عتبة! يا شيبة! يا أبا جهل! هل وجدتم ما وعدكم ربكم؟))
قال: كيف يا رسول الله! تخاطبهم وقد جيَّفُوا؟ يعني تعفنوا؛ قال:
((إنكم لستم بأسمعَ منهم))[2]؛
يعني هم يسمعون ما أقوله لهم.
والأمر الثاني: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسمع خفق نعالَ أهلِهِ، وفي رواية:
قَرعَ نعالَ أهله. هذان الأمران ثابتان؛ لكن السؤال: هل نؤمن بهما ونتوقف عندهما
أم نتوسع في القياس عليهما في المسائل الغيْبِيَّة؟ ما الجواب؟ نتوقف. نؤمن أن هذا قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم،
وأن أهل القليب قد سمعوا الكلام من النبي صلى الله عليه وسلم. نؤمن بأن الميت يسمع خفق نعال أهله؛ لكن لا يجوز أن نتوسع في
ذلك في أمور غيبيَّة لا يطلِعُ عليها إلا الله؛ فهذا هو الحق الذي يجب المصير إليه.
وهناك مُؤلَّف للآلوسي –رحمه الله-، وقد زَانَه تحقيق الشيخ: محمد ناصر الدين الألباني –رحمه الله-؛
وعنوانه:
"الآيات البيِّنَات في عَدمِ سَمَاعِ الأموَات على مَذهَبِ الحنَفيَّةِ السَّادَات"
هذا كتابٌ جميل، نفى فيه سماع الموتى إلا ما دلَّ الدليلُ عليه، والباقي يُتوقَفُ فيه،
{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [3]
فالباقي يُتوقَفُ فيه، ونقتصر على ما دلَّ الدليلُ عليه. وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقني
وإياكم لما فيه رضاه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هنا مشكلة، قد تشكل على بعض الناس؛
قد يسمع بعض الجهلة –ولاسيما الذين يتعلَّقُون بغير الله- قد يسمعون أصواتًا تصدُرُ من بعض أصحاب المقابر والأضرحة، وقد يكون الصوت هو نفسه صوتَ ذلك المقبور الذي يعرفونه؛ يُشبِهُهُ؛
يعني يكادون يجزمون أنه نفس صوت هذا المتوفَى، فما الموقف من مثل هذا؟
أنتم تعلمون –رحمني الله وإيَّاكم- أن الشيطان قد قطع عهدًا على نفسه أن يُغوِي بني آدم
ما دامت أرواحهم في أجسادهم؛ فهي في مثل هذه الأحوال قد تُسمِعُ الناس شيئًا من هذه الأصوات، وقد تُرِيهم حركاتٍ عجيبة،
وقد تُرِيهم صورة الميت نفسه، وقد تُرِيهم، وقد تُرِيهم، ومن هنا يقول الإمام الشافعي –رحمه الله- لما سمع مقالة الليث بن سعد –رحمه الله-:
"لو رأيت مبتدعًا يطير في الهواء فلا تصدقه"
قال: "أما إنه قد قَصَّر؛ بل ولو رأيته يمشي على الماء، فلا تصدقه".
فكثيرٌ من الناس قد ينخدع ببعض الحركات وببعض الأشياء التي يفعلها الشيطان من أجل إضلال الناس، فاحذر يا عبد الله!
هناك خوارق للعادة أحيانًا تحصل للفتنة، الدجال يأتي آخر الزمان –نعوذ بالله وإياكم من فتنته -ولذلك أُمرنا أن نستعيذ بالله من فتنته،
"ومن فتنة المسيح الدجال"،
كل صلاة نقول هذا- يأتي بغرائب –يعني- يكتسح الأرض يجوبها طولاً وعرضًا في أربعين يومًا!
يومٌ كسنة ويومٌ كشهر ويومٌ كأسبوع والبقية كبقية الأيام المعروفة؛ يعني معنى
ذلك أنه أسرع من السيارات، ومعه جنة ونار فيما يبدو للناس؛ لكن ناره جنة وجنته نار،
يقول للسماء: أمطري؛ فتُمطر، ويقول للأرض: أنبتي فتُنبت، هذه لا يغتر بها المؤمن إذا رأى
مثل هذه الوقائع؛ بل المؤمن لا يزداد بهذه الأشياء إلا إيمانًا، والكافر ينحرف ويغتر.
فيقول له: نعم، أنت ربي فيتبعه، والعياذ بالله.
فاحرصوا –رحمني الله وإياكم- على الحذر من هذه الأشياء، من التمائم، من الرقى غير الشرعية،
من السحرة، من الدجاجلة، من دعاء غير الله، من التعلق بغير الله، من التمائم،
من كل ما يخالف الشرع؛ حتى تسلم لكم عقيدتكم، ويسلم لكم دينكم. نعم، تفضل.
الطالب: أحسن الله إليكم شيخنا.
إذًا وردت آيات تدل على سماع الأموات، ووردت أخرى تضادها.
الشيخ: ما في آيات صريحة تدل على سماع الموتى؛ لكن الآية الصريحة في النفي،
ولا أعرف آية تدلُّ على أنهم يسمعون،
أن أحدًا يسمع. أبدًا؛ بل هناك أحاديث قد يستشف منها بعض من الجُّهَّال السماع؛
مثل حديث:
((مَا منْ عبدٍ يُسلِّمُ عليَّ إلا رَدَّ اللهُ عليَّ روحي فأرد عليه السلام))[4]
هل في هذا الحديث ما يدل على السماع؟ أبدًا؛ بل يدل على أن الله تعالى يرد عليه روحه،
أما الكيفية فلا نتدخل فيها؛ لأن حياة النبي صلى الله عليه وسلم حياة برزخيِّة غيْبيَّة
لا يعلمها إلا الله –سبحانه وتعالى-، لا تقاس بالحياة الدنيا ومظاهرها وطقوسها، وأحوالها أبدًا. نعم.
--------------
[1] [فاطر: 14].
[2] رواه البخاري ومسلم.
[3] [فاطر: 22].
[4] عَن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
((مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ))
صحيح سنن أبي داود: 2041 وصححه الألباني.
_______
المصدر
تعليق