كتبه/ د. ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
نستكمل الكلام عن أنواع التوحيد،
أولاً: هذا التقسيم (توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية) لم يرد نص عن التقسيم فيه عن النبي ، ولا عن الصحابة -رضي الله عنهم-، وإنما اصطلحه بعض أهل العلم وشاع عنهم، وهو في الحقيقة ناشئ عن نوع من الاستقراء لأدلة الكتاب والسنة، والتقسيم إذا كان اصطلاحاً لم يترتب عليه أحكام معيَّنة لم يُمنع منه، كما قسم العلماء مسائل سموها مسائل أصول ومسائل فروع، أو مسائل عقيدة وفقه وتفسير، ولم يُنقل مثل هذا التقسيم عن النبي ، فالأمر واسع طالما لم نَبن حكمًا على هذا التقسيم، فضلاً عن أن يكون هذا التقسيم قد دل عليه الاستقراء لكثير من أدلة الكتاب والسنة، كما قال ربنا -سبحانه-: (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65)
(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا): يدل على توحيد الربوبية، (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ): يدل على توحيد الإلهية، (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً): يدل على توحيد الأسماء والصفات،
وكما ذكرنا قوله -تعالى-: (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا) (طه 1-4)، فهذا توحيد الربوبية،(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى): هذا يدل على توحيد الأسماء والصفات، (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى): وهذا من معاني الملك من توحيد الربوبية، (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى): هذا من الأسماء والصفات، (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ): هذا توحيد الألوهية، (لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى): هذا من توحيد الأسماء والصفات.
فدل ذلك على كثرة استعمال القرآن لأنواع التوحيد، ولا مانع من التقسيم إذا لم يُبْنَ عليه أحكام، كأن تقول مثلاً: إن الواجب هو هذا النوع دون ذاك النوع، أو يقول كما يقول البعض: إن أنواع توحيد الألوهية هو الركن في الإسلام دون سائلاً الأنواع، بمعنى أن من لم يأت بأنواع توحيد الألوهية لم يدخل في الإسلام، ولم تنفعه لا إله إلا الله، وكما يقول البعض: إن الجهل في الألوهية غير معتبر، وأما في الأسماء والصفات فمعتبر. وهذا كلام باطل لا دليل عليه، لأنه جعل التقسيم شرعياً وليس اصطلاحياًً.
التقسيم الشرعي هو الذي يدل عليه الشرع كما قال : (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. فسئل عنه، فقال الرياء). فالنبي هو الذي قسم إلى شرك أكبر وشرك أصغر، وظلم أكبر وظلم أصغر كما قال في قول الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)، قال الصحابة: أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس بذلك، ألم تسمعوا لقول لقمان لابنه وهو يعظه (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(لقمان:13)، فبين أن هذا الظلم هو الظلم الأكبر.
لذلك نقول: إن مسألة التقسيم مسألة يسيرة إذا لم يُبْنَ عليها أحكام.
وهناك من جعل قسماً رابعاً أو خامساً في هذا الباب، وقد رماه البعض بالبدعة، ونحن نقول: الأمر واسع، إذا جعل بعض أقسام توحيد الربوبية أو توحيد الألوهية أو توحيد الأسماء والصفات فصلاً مستقلاً، والمبتدع هو من يعطي الأقسام أحكاماً مستقلة بناء على التقسيم، وليس بناء على دليل شرعي من الكتاب والسنة.
نقول: مسألة التقسيم الباب فيها واسع؛ لأن الأمر لم يرد بدليل صريح في التقسيم، وإنما هو لتسهيل الدراسة وتوضيح المسائل، ولوجود من يخالف من أهل البدع فيحذّر منه، و تُبََيَّن المعاني تفصيلاً.
الأول: الخلق والرزق والتدبير.
الثاني: المِلك والمُلك التام.
الثالث: الأمر والنهي والسيادة.
* المعنى الأول : أنه -عز وجل- المنفرد بالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة والضر والنفع والخفض والرفع والعطاء والمنع، وهذه أفعال الله -عز وجل- ، فهو سبحانه وحده الذي يخلق ، وهو وحده الذي يرزق ، وهو وحده الذي يُحيي ، وهو وحده الذي يُميت ، وهو وحده -سبحانه وتعالى-الذي يُعطي ويمنع ، وهو وحده الذي يضر وينفع ، كما قال -عز وجل- : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ( يونس : 31 - 32 ) .
فهاتان الآيتان فيهما الاستدلال بتوحيد الربوبية على وجوب التقوى ، أي على توحيد الألوهية ، (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)(يونس: من الآية31) أي أفلا تتقون الشرك ، أفلا تتقون عبادة غيره وهو وحده الذي يرزقكم من السماء والأرض ، وهذا النوع من الاستدلال أكثر أنواع الاستدلال في القرآن استعمالاً ، كما قال -عز وجل- : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21)، وكما قـال -عز وجل- : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أإله مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) ( النمل : 59 - 60 ).
فذكر -عز وجل- معاني الربوبية ، استدلالاً على توحيد الألوهية فقال : (أءلَهٌ مَعَ اللَّهِ) ، فإذا كان الله وحده الذي يفعل هذا فكيف تعبدون معه آلهة أخرى ؟ فهو وحده لا شريك له الذي خلق السموات والأرض ، وهو وحده الذي أنزل لكم من السماء ماء فأنبت به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها .
فهذا المعنى من معاني الربوبية أساس في عقيدة كل مؤمن ، وأنواع مخالفته والشرك المتعلق به منتشرة بين أهل الشرك ، فمن يعتقد أن مع الله -عز وجل- من يخلق أو يرزق ، أو أن معه من يحيي أو يميت أو يضر أو ينفع أو يعطي أو يمنع ، أو يدبر الأمر فهو مشرك بالله -عز وجل- في ربوبيته .
وهذا النوع من التوحيد مرتبط بالاعتقاد ، فهو توحيد اعتقادي خبري مثله مثل توحيد الأسماء والصفات ، فنعتقد أن لله صفة السمع وأنه السميع البصير وأنه القدير والعليم والعظيم وغير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وهنا في هذا الباب نعتقد أنه يفعل : يدبر الأمر -سبحانه وتعالى-، يخلق ويرزق يضر وينفع ، فلو اعتقد الإنسان أن مع الله -عز وجل- من يخلق، كالمجوس مثلاً الذين يعتقدون أن هناك خالِقَيْنِ ، خالقاً للخير وخالقاً للشر ، والفراعنة واليونان كان عندهم لكل شيء إله وخالق ، يعبدونه في شيء معين لأنه هو الذي يدبره ، فهذا من مظاهر الشرك الشنيع ، وهكذا الهنود وغيرهم من عباد الأوثان يجعلون خالِقِين متعددين .
ومن مظاهر الشرك في هذا الباب ـ باب توحيد الربوبية ـ اعتقاد أن غير الله -عز وجل- من الأولياء أو الأنبياء أو الملائكة يدبرون الأمر ، وقد يختلط على بعض الناس أمر عظيم وهو أن الله -عز وجل- عندما يأمر الملائكة بأعمال معينة يظن البعض أنهم يدبرون الأمر مع الله -سبحانه وتعالى-، وإنما هم يدبرون ما أمرهم الله -عز وجل- به ، وقوله -عز وجل-: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً) (النازعـات:5) ليس معناها أنهم يفعلون ذلك شركاء مع الله -سبحانه وتعالى- وهذا هو قول المشركين ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ـ وإنما اعتقاد المؤمنين هو أن الملائكة المدبرات أمراً بأمر الله -سبحانه وتعالى- وأنه مَلَك للجبال مثلاً ، أو مَلَك للمطر ، أو مَلَك للنبات أو غير ذلك ، فهم ـ أي الملائكة ـ يفعلون ما يؤمرون ، ولا أنهم يدبرون مع الله ، أو أن الله ترك لهم تدبير الكون وفوضه إليهم وليس له شأن به بعد ذلك ، كما يقول عباد القبور مثلاً ويزعمون ـ كذباً وزوراً ـ أن الله قال : « المُلْك مُلْكِي وصرفت فيه البدوي » ، أو يزعمون أن للكون أقطاباً أربعة ، كل منهم يأخذ ربع الكون يدبره ، وبناءً على هذا سألوهم قضاء الحاجات ، وسألوهم جلب النفع ودفع الضر ، وهذا لا يمكن أن يكون مبنياً على غير اعتقاد بل لابد أن يكون عندهم اعتقاد أنهم يملكون شيئاً من النفع والضر ، إما على سبيل الوساطة أو الشفاعة أو أن الله فوض إليهم ذلك ، وكل هذا من الشرك الذي لا ينفع صاحبه معه عمل ، حتى لو لم يذبح ولم ينذر ، لكنه اعتقد أن غير الله -عز وجل- يدبر الأمر دون أن يأذن الله -عز وجل- أو دون أن يأمره الله -عز وجل- .
لذلك لا يصح أن يقال : إن الملائكة ترزقنا أو تخلقنا ، إنما ينقل المَلَكُ ـ بأمر الله -عز وجل- ـ النطفةَ من طور إلى طور ، يُخَلِّقُها أي يفعل ما أمره الله -عز وجل- به في نقل النطفة ، ولا يجوز أبداً أن يقال إن المَلَكَ يخلق الإنسان .
فالله وحده هو الخالق ، وهؤلاء الملائكة عبادٌ لله يفعلون ما يؤمرون ، ولا قوة لهم إلا به -سبحانه وتعالى-.
لذلك اعتقاد انفراد الرب -سبحانه وتعالى- بهذا المعنى من معاني الربوبية ، أي بأنه وحده -عز وجل- الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وأنه -عز وجل- يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ، وأنه -عز وجل- الذي يدبر كل ما في هذا الكون ، هذا اعتقاد لابد منه في توحيد الإنسان .
* المعنى الثاني: وهو معنى المِلك، فهو وحده الذي يملك الأشياء، وقد يكون الإنسان مالكاً لأشياء ولا يكون مَلِكًا، أما المَلِكُ فهو الذي له الأمر والنهي والسيادة وهو المعنى الثالث.
فبعض الملوك لهم الأمر والنهي على الناس ولهم تعظيم ، وفي نفس الوقت لا يملكون الناس لأن الناس أحرار ، إنما هؤلاء الملوك لهم السلطة في فعل ما يرونه وتنفيذه ، وبعض الناس قد يكون له مِلك ولا يكون مَلِكًا ، فهو يملك الدار والدابة وليس له الأمر والنهي على الناس ، فمن معاني الربوبية أن الله -عز وجل- متفرد بالمِلك والمُلك التام وحده لا شريك له ، كما قال -سبحانه-: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون:88)، ملكوت : يعني مُلك ، صيغة مبالغة على وزن فعلوت ، مصدر من الفعل « مَلَكَ » مثل جبروت ، وقوله -تعالى-: (وَهُوَ يُجِيرُ): أي يحمي من أراد ممن أراد ، ولا يُجار عليه : فإذا أراد أن يُهْلِكَ عبداً أو ينتقم منه أو يُعَذبه لم يُجِرْ عليه أحد ، أي لم يحفظ هذا العبد أحدٌ من الله ، فالملوك بعضهم قد يُجير على بعض ، بمعنى أنه إذا أراد أحدهم الانتقام من عدوه ، فيذهب هذا العدو إلى ملك آخر أو قوي آخر ، ليجيره فيقول له : قد أجرتُكَ ، أي حميتُكَ ، فلا يستطيع الأول أن يُصيبَه بِشَرٍّ ، فيقال إن الآخر قد أجار على الأول، أي حماه من أذى من يريد أن يؤذيه أو يضره أو ينتقم منه.
فلا يستطيع أحدٌ أن يحمي أحداً من عذاب الله -سبحانه وتعالى-، كما قال -عز وجل-: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ)(الرعد: من الآية11) ، وهذا معنى : « لا يُجار عليه » ، وقال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1)، سبحانه و-تعالى-.
وقال -تعالى-: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(فاطر: من الآية13) ، والقطمير: هو الغلاف الرقيق الذي تراه على نواة التمر، فكل مَنْ تدعون مِن دونه ما يملكون من قطمير، (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر:14)‘ فأقام سبحانه الدليل على عدم جواز دعاء أحد من دونه بأن هذا المدعو لا يملك شيئاً ، فجعل الدليل على توحيد الألوهية وهو توحيد العبادة بتوحيد الربوبية وهو معنى الملك هنا ، فالله -عز وجل- له المِلْك وله المُلْك، (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)، فبالتالي كيف تدعونهم من دون الله ؟!
وقال -عز وجل- في الآية الأولى : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَار)(يونس: من الآية31)، فليس مالكًا للذوات فقط بل مالكٌ للصفات أيضاً ، ومالكٌ للأفعال ، يملك السمع والأبصار ، فالإنسان يسمع ويبصر ، والله -عز وجل- يقدر أن يمنع ذلك العبد سمعَه وبصَره ، فيأخذه منه ، والعبد لا يملك ، ولو تأمل العبد في نفسه لوجد هذا المعنى واضحاً جداً ، ذلك أنه يجد نفسه في يوم من الأيام قد زال عنه شيء من سمعه أو شيء من بصره أو شيء من يده أو رِجله أو حركته ، فلا يستطيع الإنسان أن يمنع ذلك طوال فترة حياته .
والدليل على ذلك في نشأته الأولى ، أول ما نشأ الإنسان من أين أتى له السمع والبصر ؟! وقد كان عدماً محضاً ، وكان نطفة من ماء مهين، كل منا وجد نفسه يسمع ، ووجد نفسه يبصر ، ومن الناس من وجد نفسه أعمى ، فالله هو الذي يملك كل شيء -سبحانه وتعالى-.
ولذلك من مظاهر الشرك في الربوبية أن يعتقد الإنسان أنه يملك نفسه ، وهذا من أخطر مظاهر الشرك في قضية المِلك والمُلك أن يظن الإنسان نفسه حراً ، ويقول : أنا حر ، فيظن نفسه حراً مع أوامر الله -سبحانه وتعالى- إن شاء قَبِلَهَا وإن شاء رَدَّها ، حتى جعلوا حرية الكفر والطعن في الدين من أساسيات حقوق الإنسان ـ بزعمهم ـ وهذا من أخطر المعاني الموجودة حالياً في هذا المقام ، وهو ظنهم أن الإنسان مالك لنفسه ، وبالتالي فلا سلطان لأحد عليه ، ويتصرف في سمعه وبصره وجسمه كما يريد ، وهذا منبعه من اعتقاد أنه يملك ، ولو اعتقد أنه مملوك لتصرف في جسمه تصرف المملوك الذي لا يتصرف إلا بإذن مالكه .
ونذكر مثالاً على ذلك :
لو أن إنساناً يُفَوَّض من قِبَل مالك للمال ، ويقول له صاحب المال إذا جاءتك ورقة موقعة مني فاصرف منه وإلا فلا ، فقد يكون تحت يده أموال كثيرة ، ولكنه لا يتصرف فيها إلا بأمر مالكها ولو تصرَّف فيها بغير ذلك لاستحق العقاب الشديد ، بل أشد أنواع العقاب ، لأنه تَصَرَّف تصَرُّف المالك فيما لا يملك .
فالعبد الذي أعطاه الله السمع ، والبصر ، والحياة ، والعقل ، والبدن ، واليد ، والرجل ، والبطن ، والفرج ، لو قال : أنا حر في هذه الأشياء فهذا اعتقاد باطل ، وهو ما يفعله كثير من الناس إذا قلت لهم :اتقوا الله، وصلوا وصوموا، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، والتزموا بالحجاب ، فيقولون : نحن أحرار ، فهذا كذب وادعاء ما ليس لهم ، لأنهم لم يَهَبُوا أنفسهم هذه الأشياء ، فكيف يقول قائلهم : أنا حر ؟! وكيف يتصرف تصرُّف المالك وهو مملوك ؟!
ولذلك فالعبد يرى نفسه فقيراً مع الله -عز وجل- ، ومن يَرَ نفسه غنياً مستغنياً عن ربه -سبحانه وتعالى-فإنه يطغى ويَكْفُر ، وكذلك الذي يرى أن المال ماله ، وليس مال الله الذي أعطاه إياه ، فهذا من أسباب كفره ، ولذلك كفر صاحب الجنة ، الذي قال لصاحبه : (مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)(الكهف : 35 - 36 )، وليس كفره لإنكار البعث فحسب ، إنما كَفَرَ قبل ذلك لإنكار مُلْكِ الرب -سبحانه وتعالى-وغناه ، وظن نفسه غنياً عن الله -عز وجل- وظن أن هذه الجنة تقوم بنفسها ، وأنه لا يحتاج إلى أحد لأنه مالك لها ، وغرَّه أنه يتصرف في ثمارها كل سنة وأنها تجري على عادة معينة دون انقطاع ، فقال : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) ( الكهف : 34 - 35 ) ، فَكَفَرَ من تلك اللحظة ، وزاد كفره بقوله : (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) (الكهف : 36 ) ، وجزم لنفسه بأنه لو كانت هناك آخرة فلابد أن يُعْطَى خيراً منها ، قال الله -عز وجل- : (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا)( الكهف : 37 ) ، يذكره بفقره في لحظات فقر الإنسان التام ، عندما كان تراباً وعندما كان نطفة ، فهو فقير جداً لا يملك شيئاً ، فكيف يظن نفسه مستغنياً ؟! فقال له : (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا) ( الكهف : 38 ) ، فأكد على قضية الربوبية ، فالله هو الرب يعني هو المالك -سبحانه وتعالى-.
فالذي يرى تصرف الإنسان فيما أعطاه الله تصرفاً حراً حرية مطلقة ـ كما يعتقد دعاة الغرب ، بل هو أحد الأسس الكبرى في الحضارة الغربية ، وهو الحرية المطلقة بما فيها حرية الكفر والطعن في الدين وسب الله وسب الأنبياء ( [1])، ونشر الإباحية ـ فأفعاله مبنية على اعتقاد أن الإنسان مالكٌ وأنه حر ، فمن يعتقد ذلك حتى دون أن يتصرف تصرف الأحرار فهو كافر ، وكثير من الناس يتلفظون بهذه الكلمة « نحن أحرار » إذا خوطبوا بشرع الله .
وهناك شبهة، وهي أن البعض قد يظن أن قول الله -تعالى-: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف : 29)، معناه أن الإنسان حر.
وهذا فهم خاطئ ، فالغرض من أسلوب الأمر هنا التهديد ، وليس الإباحة بدليل بقية الآية ([2]): (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)( الكهف : 29 ) ، فالمقصود ألا نُكْرِه الناس على الدخول في الإسلام ، ولكن ليس معناها أن الإنسان حرٌ في أن يؤمن أو يكفر بلا تَبِعَة ، وبلا عقاب ، بل الأمر للتهديد ، كقولك : « افعل كذا وسترى عاقبة فعلك » ، فليست هذه في الحقيقة حرية ، بل هو مسئول عن تصرفاته بعد ذلك .
وقال الله -عز وجل- : (فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الواقعة : 86 - 87 ) ، وهي لحظة الفقر وظهور عدم الملك ، فلو أن الإنسان غير مُحاسَب وأنه يملك نفسه وروحه فليُعِدْ لهذا الميت روحه التي يرغب في استمرارها في جسمه ، فهذه قضية عظيمة الخطر في حياة الإنسان ، ولذلك لو تصرف الإنسان في أي جزء مما أعطاه الله على أنه مالك ولا سلطان عليه فقد خرج من معنى توحيد الربوبية ، ولو اعتقد الإنسان أن شيئاً من ماله أو جسمه أو حياته ليس لله عليه فيه سلطان ولا يملكه الله ، فقد خرج من ملة الإسلام .
[1])) ولذلك يُعطون الأوسمة لمن يسب الله-عز وجل-كما أعطوا أحد الأشخاص جائزة نوبل لأنه يطعن في الدين ويطعن في الربوبية ، ويقول بموت الإله خلال الرواية المشهورة ، ويقفون بجانب سلمان رشدي لأنه يطعن في الله -سبحانه وتعالى-.
( ( [2]لصيغة الأمر دلالات كثيرة منها التهديد كما هو هنا ـ ومنها الوجوب وهو ظاهر الأمر ومنها الاستحباب ومنها الإباحة وغير ذلك ، راجع روضة الناظر لابن قدامة وإرشاد الفحول للشوكاني.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
نستكمل الكلام عن أنواع التوحيد،
أولاً: هذا التقسيم (توحيد الأسماء والصفات وتوحيد الربوبية وتوحيد الألوهية) لم يرد نص عن التقسيم فيه عن النبي ، ولا عن الصحابة -رضي الله عنهم-، وإنما اصطلحه بعض أهل العلم وشاع عنهم، وهو في الحقيقة ناشئ عن نوع من الاستقراء لأدلة الكتاب والسنة، والتقسيم إذا كان اصطلاحاً لم يترتب عليه أحكام معيَّنة لم يُمنع منه، كما قسم العلماء مسائل سموها مسائل أصول ومسائل فروع، أو مسائل عقيدة وفقه وتفسير، ولم يُنقل مثل هذا التقسيم عن النبي ، فالأمر واسع طالما لم نَبن حكمًا على هذا التقسيم، فضلاً عن أن يكون هذا التقسيم قد دل عليه الاستقراء لكثير من أدلة الكتاب والسنة، كما قال ربنا -سبحانه-: (رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً) (مريم:65)
(رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا): يدل على توحيد الربوبية، (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ): يدل على توحيد الإلهية، (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً): يدل على توحيد الأسماء والصفات،
وكما ذكرنا قوله -تعالى-: (طه (1) مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ لِتَشْقَى (2) إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى (3) تَنْزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا) (طه 1-4)، فهذا توحيد الربوبية،(الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى): هذا يدل على توحيد الأسماء والصفات، (لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى): وهذا من معاني الملك من توحيد الربوبية، (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى): هذا من الأسماء والصفات، (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ): هذا توحيد الألوهية، (لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى): هذا من توحيد الأسماء والصفات.
فدل ذلك على كثرة استعمال القرآن لأنواع التوحيد، ولا مانع من التقسيم إذا لم يُبْنَ عليه أحكام، كأن تقول مثلاً: إن الواجب هو هذا النوع دون ذاك النوع، أو يقول كما يقول البعض: إن أنواع توحيد الألوهية هو الركن في الإسلام دون سائلاً الأنواع، بمعنى أن من لم يأت بأنواع توحيد الألوهية لم يدخل في الإسلام، ولم تنفعه لا إله إلا الله، وكما يقول البعض: إن الجهل في الألوهية غير معتبر، وأما في الأسماء والصفات فمعتبر. وهذا كلام باطل لا دليل عليه، لأنه جعل التقسيم شرعياً وليس اصطلاحياًً.
التقسيم الشرعي هو الذي يدل عليه الشرع كما قال : (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر. فسئل عنه، فقال الرياء). فالنبي هو الذي قسم إلى شرك أكبر وشرك أصغر، وظلم أكبر وظلم أصغر كما قال في قول الله -تعالى-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام:82)، قال الصحابة: أينا لم يظلم نفسه؟ قال: ليس بذلك، ألم تسمعوا لقول لقمان لابنه وهو يعظه (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)(لقمان:13)، فبين أن هذا الظلم هو الظلم الأكبر.
لذلك نقول: إن مسألة التقسيم مسألة يسيرة إذا لم يُبْنَ عليها أحكام.
وهناك من جعل قسماً رابعاً أو خامساً في هذا الباب، وقد رماه البعض بالبدعة، ونحن نقول: الأمر واسع، إذا جعل بعض أقسام توحيد الربوبية أو توحيد الألوهية أو توحيد الأسماء والصفات فصلاً مستقلاً، والمبتدع هو من يعطي الأقسام أحكاماً مستقلة بناء على التقسيم، وليس بناء على دليل شرعي من الكتاب والسنة.
نقول: مسألة التقسيم الباب فيها واسع؛ لأن الأمر لم يرد بدليل صريح في التقسيم، وإنما هو لتسهيل الدراسة وتوضيح المسائل، ولوجود من يخالف من أهل البدع فيحذّر منه، و تُبََيَّن المعاني تفصيلاً.
توحيد الربوبية
معنى توحيد الربوبية: الإيمان بانفراد الرب -سبحانه وتعالى- بكل معاني الربوبية، فالإيمان بالله -عز وجل- رباً هو اعتقاد أن الله -عز وجل- منفرد بمعان ثلاثة أساسية :الأول: الخلق والرزق والتدبير.
الثاني: المِلك والمُلك التام.
الثالث: الأمر والنهي والسيادة.
* المعنى الأول : أنه -عز وجل- المنفرد بالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة والضر والنفع والخفض والرفع والعطاء والمنع، وهذه أفعال الله -عز وجل- ، فهو سبحانه وحده الذي يخلق ، وهو وحده الذي يرزق ، وهو وحده الذي يُحيي ، وهو وحده الذي يُميت ، وهو وحده -سبحانه وتعالى-الذي يُعطي ويمنع ، وهو وحده الذي يضر وينفع ، كما قال -عز وجل- : (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) ( يونس : 31 - 32 ) .
فهاتان الآيتان فيهما الاستدلال بتوحيد الربوبية على وجوب التقوى ، أي على توحيد الألوهية ، (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)(يونس: من الآية31) أي أفلا تتقون الشرك ، أفلا تتقون عبادة غيره وهو وحده الذي يرزقكم من السماء والأرض ، وهذا النوع من الاستدلال أكثر أنواع الاستدلال في القرآن استعمالاً ، كما قال -عز وجل- : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:21)، وكما قـال -عز وجل- : (قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59) أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أإله مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) ( النمل : 59 - 60 ).
فذكر -عز وجل- معاني الربوبية ، استدلالاً على توحيد الألوهية فقال : (أءلَهٌ مَعَ اللَّهِ) ، فإذا كان الله وحده الذي يفعل هذا فكيف تعبدون معه آلهة أخرى ؟ فهو وحده لا شريك له الذي خلق السموات والأرض ، وهو وحده الذي أنزل لكم من السماء ماء فأنبت به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها .
فهذا المعنى من معاني الربوبية أساس في عقيدة كل مؤمن ، وأنواع مخالفته والشرك المتعلق به منتشرة بين أهل الشرك ، فمن يعتقد أن مع الله -عز وجل- من يخلق أو يرزق ، أو أن معه من يحيي أو يميت أو يضر أو ينفع أو يعطي أو يمنع ، أو يدبر الأمر فهو مشرك بالله -عز وجل- في ربوبيته .
وهذا النوع من التوحيد مرتبط بالاعتقاد ، فهو توحيد اعتقادي خبري مثله مثل توحيد الأسماء والصفات ، فنعتقد أن لله صفة السمع وأنه السميع البصير وأنه القدير والعليم والعظيم وغير ذلك من أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وهنا في هذا الباب نعتقد أنه يفعل : يدبر الأمر -سبحانه وتعالى-، يخلق ويرزق يضر وينفع ، فلو اعتقد الإنسان أن مع الله -عز وجل- من يخلق، كالمجوس مثلاً الذين يعتقدون أن هناك خالِقَيْنِ ، خالقاً للخير وخالقاً للشر ، والفراعنة واليونان كان عندهم لكل شيء إله وخالق ، يعبدونه في شيء معين لأنه هو الذي يدبره ، فهذا من مظاهر الشرك الشنيع ، وهكذا الهنود وغيرهم من عباد الأوثان يجعلون خالِقِين متعددين .
ومن مظاهر الشرك في هذا الباب ـ باب توحيد الربوبية ـ اعتقاد أن غير الله -عز وجل- من الأولياء أو الأنبياء أو الملائكة يدبرون الأمر ، وقد يختلط على بعض الناس أمر عظيم وهو أن الله -عز وجل- عندما يأمر الملائكة بأعمال معينة يظن البعض أنهم يدبرون الأمر مع الله -سبحانه وتعالى-، وإنما هم يدبرون ما أمرهم الله -عز وجل- به ، وقوله -عز وجل-: (فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً) (النازعـات:5) ليس معناها أنهم يفعلون ذلك شركاء مع الله -سبحانه وتعالى- وهذا هو قول المشركين ، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً ـ وإنما اعتقاد المؤمنين هو أن الملائكة المدبرات أمراً بأمر الله -سبحانه وتعالى- وأنه مَلَك للجبال مثلاً ، أو مَلَك للمطر ، أو مَلَك للنبات أو غير ذلك ، فهم ـ أي الملائكة ـ يفعلون ما يؤمرون ، ولا أنهم يدبرون مع الله ، أو أن الله ترك لهم تدبير الكون وفوضه إليهم وليس له شأن به بعد ذلك ، كما يقول عباد القبور مثلاً ويزعمون ـ كذباً وزوراً ـ أن الله قال : « المُلْك مُلْكِي وصرفت فيه البدوي » ، أو يزعمون أن للكون أقطاباً أربعة ، كل منهم يأخذ ربع الكون يدبره ، وبناءً على هذا سألوهم قضاء الحاجات ، وسألوهم جلب النفع ودفع الضر ، وهذا لا يمكن أن يكون مبنياً على غير اعتقاد بل لابد أن يكون عندهم اعتقاد أنهم يملكون شيئاً من النفع والضر ، إما على سبيل الوساطة أو الشفاعة أو أن الله فوض إليهم ذلك ، وكل هذا من الشرك الذي لا ينفع صاحبه معه عمل ، حتى لو لم يذبح ولم ينذر ، لكنه اعتقد أن غير الله -عز وجل- يدبر الأمر دون أن يأذن الله -عز وجل- أو دون أن يأمره الله -عز وجل- .
لذلك لا يصح أن يقال : إن الملائكة ترزقنا أو تخلقنا ، إنما ينقل المَلَكُ ـ بأمر الله -عز وجل- ـ النطفةَ من طور إلى طور ، يُخَلِّقُها أي يفعل ما أمره الله -عز وجل- به في نقل النطفة ، ولا يجوز أبداً أن يقال إن المَلَكَ يخلق الإنسان .
فالله وحده هو الخالق ، وهؤلاء الملائكة عبادٌ لله يفعلون ما يؤمرون ، ولا قوة لهم إلا به -سبحانه وتعالى-.
لذلك اعتقاد انفراد الرب -سبحانه وتعالى- بهذا المعنى من معاني الربوبية ، أي بأنه وحده -عز وجل- الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وأنه -عز وجل- يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً ، وأنه -عز وجل- الذي يدبر كل ما في هذا الكون ، هذا اعتقاد لابد منه في توحيد الإنسان .
* المعنى الثاني: وهو معنى المِلك، فهو وحده الذي يملك الأشياء، وقد يكون الإنسان مالكاً لأشياء ولا يكون مَلِكًا، أما المَلِكُ فهو الذي له الأمر والنهي والسيادة وهو المعنى الثالث.
فبعض الملوك لهم الأمر والنهي على الناس ولهم تعظيم ، وفي نفس الوقت لا يملكون الناس لأن الناس أحرار ، إنما هؤلاء الملوك لهم السلطة في فعل ما يرونه وتنفيذه ، وبعض الناس قد يكون له مِلك ولا يكون مَلِكًا ، فهو يملك الدار والدابة وليس له الأمر والنهي على الناس ، فمن معاني الربوبية أن الله -عز وجل- متفرد بالمِلك والمُلك التام وحده لا شريك له ، كما قال -سبحانه-: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون:88)، ملكوت : يعني مُلك ، صيغة مبالغة على وزن فعلوت ، مصدر من الفعل « مَلَكَ » مثل جبروت ، وقوله -تعالى-: (وَهُوَ يُجِيرُ): أي يحمي من أراد ممن أراد ، ولا يُجار عليه : فإذا أراد أن يُهْلِكَ عبداً أو ينتقم منه أو يُعَذبه لم يُجِرْ عليه أحد ، أي لم يحفظ هذا العبد أحدٌ من الله ، فالملوك بعضهم قد يُجير على بعض ، بمعنى أنه إذا أراد أحدهم الانتقام من عدوه ، فيذهب هذا العدو إلى ملك آخر أو قوي آخر ، ليجيره فيقول له : قد أجرتُكَ ، أي حميتُكَ ، فلا يستطيع الأول أن يُصيبَه بِشَرٍّ ، فيقال إن الآخر قد أجار على الأول، أي حماه من أذى من يريد أن يؤذيه أو يضره أو ينتقم منه.
فلا يستطيع أحدٌ أن يحمي أحداً من عذاب الله -سبحانه وتعالى-، كما قال -عز وجل-: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ)(الرعد: من الآية11) ، وهذا معنى : « لا يُجار عليه » ، وقال -تعالى-: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1)، سبحانه و-تعالى-.
وقال -تعالى-: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)(فاطر: من الآية13) ، والقطمير: هو الغلاف الرقيق الذي تراه على نواة التمر، فكل مَنْ تدعون مِن دونه ما يملكون من قطمير، (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر:14)‘ فأقام سبحانه الدليل على عدم جواز دعاء أحد من دونه بأن هذا المدعو لا يملك شيئاً ، فجعل الدليل على توحيد الألوهية وهو توحيد العبادة بتوحيد الربوبية وهو معنى الملك هنا ، فالله -عز وجل- له المِلْك وله المُلْك، (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ)، فبالتالي كيف تدعونهم من دون الله ؟!
وقال -عز وجل- في الآية الأولى : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَار)(يونس: من الآية31)، فليس مالكًا للذوات فقط بل مالكٌ للصفات أيضاً ، ومالكٌ للأفعال ، يملك السمع والأبصار ، فالإنسان يسمع ويبصر ، والله -عز وجل- يقدر أن يمنع ذلك العبد سمعَه وبصَره ، فيأخذه منه ، والعبد لا يملك ، ولو تأمل العبد في نفسه لوجد هذا المعنى واضحاً جداً ، ذلك أنه يجد نفسه في يوم من الأيام قد زال عنه شيء من سمعه أو شيء من بصره أو شيء من يده أو رِجله أو حركته ، فلا يستطيع الإنسان أن يمنع ذلك طوال فترة حياته .
والدليل على ذلك في نشأته الأولى ، أول ما نشأ الإنسان من أين أتى له السمع والبصر ؟! وقد كان عدماً محضاً ، وكان نطفة من ماء مهين، كل منا وجد نفسه يسمع ، ووجد نفسه يبصر ، ومن الناس من وجد نفسه أعمى ، فالله هو الذي يملك كل شيء -سبحانه وتعالى-.
ولذلك من مظاهر الشرك في الربوبية أن يعتقد الإنسان أنه يملك نفسه ، وهذا من أخطر مظاهر الشرك في قضية المِلك والمُلك أن يظن الإنسان نفسه حراً ، ويقول : أنا حر ، فيظن نفسه حراً مع أوامر الله -سبحانه وتعالى- إن شاء قَبِلَهَا وإن شاء رَدَّها ، حتى جعلوا حرية الكفر والطعن في الدين من أساسيات حقوق الإنسان ـ بزعمهم ـ وهذا من أخطر المعاني الموجودة حالياً في هذا المقام ، وهو ظنهم أن الإنسان مالك لنفسه ، وبالتالي فلا سلطان لأحد عليه ، ويتصرف في سمعه وبصره وجسمه كما يريد ، وهذا منبعه من اعتقاد أنه يملك ، ولو اعتقد أنه مملوك لتصرف في جسمه تصرف المملوك الذي لا يتصرف إلا بإذن مالكه .
ونذكر مثالاً على ذلك :
لو أن إنساناً يُفَوَّض من قِبَل مالك للمال ، ويقول له صاحب المال إذا جاءتك ورقة موقعة مني فاصرف منه وإلا فلا ، فقد يكون تحت يده أموال كثيرة ، ولكنه لا يتصرف فيها إلا بأمر مالكها ولو تصرَّف فيها بغير ذلك لاستحق العقاب الشديد ، بل أشد أنواع العقاب ، لأنه تَصَرَّف تصَرُّف المالك فيما لا يملك .
فالعبد الذي أعطاه الله السمع ، والبصر ، والحياة ، والعقل ، والبدن ، واليد ، والرجل ، والبطن ، والفرج ، لو قال : أنا حر في هذه الأشياء فهذا اعتقاد باطل ، وهو ما يفعله كثير من الناس إذا قلت لهم :اتقوا الله، وصلوا وصوموا، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، والتزموا بالحجاب ، فيقولون : نحن أحرار ، فهذا كذب وادعاء ما ليس لهم ، لأنهم لم يَهَبُوا أنفسهم هذه الأشياء ، فكيف يقول قائلهم : أنا حر ؟! وكيف يتصرف تصرُّف المالك وهو مملوك ؟!
ولذلك فالعبد يرى نفسه فقيراً مع الله -عز وجل- ، ومن يَرَ نفسه غنياً مستغنياً عن ربه -سبحانه وتعالى-فإنه يطغى ويَكْفُر ، وكذلك الذي يرى أن المال ماله ، وليس مال الله الذي أعطاه إياه ، فهذا من أسباب كفره ، ولذلك كفر صاحب الجنة ، الذي قال لصاحبه : (مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً)(الكهف : 35 - 36 )، وليس كفره لإنكار البعث فحسب ، إنما كَفَرَ قبل ذلك لإنكار مُلْكِ الرب -سبحانه وتعالى-وغناه ، وظن نفسه غنياً عن الله -عز وجل- وظن أن هذه الجنة تقوم بنفسها ، وأنه لا يحتاج إلى أحد لأنه مالك لها ، وغرَّه أنه يتصرف في ثمارها كل سنة وأنها تجري على عادة معينة دون انقطاع ، فقال : (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا) ( الكهف : 34 - 35 ) ، فَكَفَرَ من تلك اللحظة ، وزاد كفره بقوله : (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) (الكهف : 36 ) ، وجزم لنفسه بأنه لو كانت هناك آخرة فلابد أن يُعْطَى خيراً منها ، قال الله -عز وجل- : (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلا)( الكهف : 37 ) ، يذكره بفقره في لحظات فقر الإنسان التام ، عندما كان تراباً وعندما كان نطفة ، فهو فقير جداً لا يملك شيئاً ، فكيف يظن نفسه مستغنياً ؟! فقال له : (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا) ( الكهف : 38 ) ، فأكد على قضية الربوبية ، فالله هو الرب يعني هو المالك -سبحانه وتعالى-.
فالذي يرى تصرف الإنسان فيما أعطاه الله تصرفاً حراً حرية مطلقة ـ كما يعتقد دعاة الغرب ، بل هو أحد الأسس الكبرى في الحضارة الغربية ، وهو الحرية المطلقة بما فيها حرية الكفر والطعن في الدين وسب الله وسب الأنبياء ( [1])، ونشر الإباحية ـ فأفعاله مبنية على اعتقاد أن الإنسان مالكٌ وأنه حر ، فمن يعتقد ذلك حتى دون أن يتصرف تصرف الأحرار فهو كافر ، وكثير من الناس يتلفظون بهذه الكلمة « نحن أحرار » إذا خوطبوا بشرع الله .
وهناك شبهة، وهي أن البعض قد يظن أن قول الله -تعالى-: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) (الكهف : 29)، معناه أن الإنسان حر.
وهذا فهم خاطئ ، فالغرض من أسلوب الأمر هنا التهديد ، وليس الإباحة بدليل بقية الآية ([2]): (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)( الكهف : 29 ) ، فالمقصود ألا نُكْرِه الناس على الدخول في الإسلام ، ولكن ليس معناها أن الإنسان حرٌ في أن يؤمن أو يكفر بلا تَبِعَة ، وبلا عقاب ، بل الأمر للتهديد ، كقولك : « افعل كذا وسترى عاقبة فعلك » ، فليست هذه في الحقيقة حرية ، بل هو مسئول عن تصرفاته بعد ذلك .
وقال الله -عز وجل- : (فَلَوْلا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الواقعة : 86 - 87 ) ، وهي لحظة الفقر وظهور عدم الملك ، فلو أن الإنسان غير مُحاسَب وأنه يملك نفسه وروحه فليُعِدْ لهذا الميت روحه التي يرغب في استمرارها في جسمه ، فهذه قضية عظيمة الخطر في حياة الإنسان ، ولذلك لو تصرف الإنسان في أي جزء مما أعطاه الله على أنه مالك ولا سلطان عليه فقد خرج من معنى توحيد الربوبية ، ولو اعتقد الإنسان أن شيئاً من ماله أو جسمه أو حياته ليس لله عليه فيه سلطان ولا يملكه الله ، فقد خرج من ملة الإسلام .
[1])) ولذلك يُعطون الأوسمة لمن يسب الله-عز وجل-كما أعطوا أحد الأشخاص جائزة نوبل لأنه يطعن في الدين ويطعن في الربوبية ، ويقول بموت الإله خلال الرواية المشهورة ، ويقفون بجانب سلمان رشدي لأنه يطعن في الله -سبحانه وتعالى-.
( ( [2]لصيغة الأمر دلالات كثيرة منها التهديد كما هو هنا ـ ومنها الوجوب وهو ظاهر الأمر ومنها الاستحباب ومنها الإباحة وغير ذلك ، راجع روضة الناظر لابن قدامة وإرشاد الفحول للشوكاني.
من موقع صوت السلف
تعليق