منقول
حرص النبي - في حجته على مخالفة المشركين، والتأكيد على البراء منهم في مواقف عديدة، منها:
ما تتضمنه التلبية من نفي الشريك عن الله -عز وجل-: "لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". ومخالفة المشركين الذين كانوا يزيدون فيها: "إلا شريكا هو لك ملكته وما ملك".
ومنها، الاعتمار في أشهر الحج؛ مخالفة للمشركين الذين كانوا يرون من أفجر الفجور الاعتمار في أشهر الحج، فاعتمر النبي عُمَرَهُ الأربع في ذي القعدة، وأمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي بفسخ حجهم إلى عمرة.
ومنها، مشروعية الرمل والاضطباع؛ الذي شرع أصلا لإغاظة المشركين، وإظهار القوة أمامهم، ثم بقي الأمران مشروعان بعد أن نفى الله الشرك وأهله؛ ليستحضر كل مسلم وهو يفعلهما نية إغاظة الكفار وإظهار القوة أمامهم، لا الضعف والهوان والتبعية لهم.
ومنها، قراءة سورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وسورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في ركعتي الطواف، والسورة الأولى سماها رسول الله براءة من الشرك، وفيها خطاب الكفار بوصف الكفر، وإظهار المفارقة التامة لهم لا المساواة بين الأديان.
وخاتمتها إبطالٌ لوحدة الأديان -كما يزعم المنافقون- بقوله -تعالى- آمرا نبيه أن يقولها لكل أصحاب الملل: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(الكافرون:6)، على البراءة منهم لا على الإقرار بشركهم، ومللهم الكافرة.
وسورة الإخلاص براءة خاصة من كفار أهل الكتاب -اليهود والنصارى- الذين قالوا باتخاذ الله ولدا (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(التوبة:30).
ومنها، ترك النبي الوقوف بمزدلفة في طريقه إلى عرفة؛ مخالفة لأهل الجاهلية من قريش حيث كانوا يقفون بمزدلفة بدلاً من عرفة ويقولون: "نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه"، فتجاوزها النبي حتى وصل عرفة، ووقف بها امتثالاً لأمر الله -تعالى-: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)(البقرة:199)، أي من عرفة، لا من مزدلفة كما كانت قريش تفعله في الجاهلية.
ومنها، خطبته العظيمة بعرفة، وقد هدم فيها الجاهلية كلها ووضعها تحت قدميه حيث قال فيها: (أَلاَ كُلُّ شَيءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِى سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) رواه مسلم.
ومنها، دفعه من مزدلفة قبل شروق الشمس؛ مخالفة للمشركين الذين كانوا يدفعون بعد ما تطلع الشمس من يوم النحر قائلين أشْرِقْ ثـَبِيرُ-وهو جبل بمزدلفة- كيْما نـُغيرُ -أي ندفع إلى منى-.
ومنها، نزوله بالمحصب بعد أيام منى حيث تقاسم أهل الكفر على كفرهم، واتفقوا على حصار بني هاشم، فنزل به النبي إظهارا للإسلام في مكان أظهروا فيه يوما أعمال الكفر.
ولو تتبعنا المواقف والأقوال والأفعال لوصلنا إلى أكثر من ذلك في تأكيد هذا المعنى، وهو معنى البراء والمخالفة للشرك وأهله في هذه العبارة العظيمة التي هي في أصل مشروعيتها فارقة لأهل الإسلام عن أهل الكفر من اليهود والنصارى الدين زعموا متابعة إبراهيم وأنهم مسلمون لله، وأرادوا أن يحجوا إلى البيت الذي بناه إبراهيم فأنزل الله في ذلك: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران:97).
وهذه القضية من أعظم القضايا رسوخا في نفس المؤمن، ومن أعظمها بيانا في القرآن والسنة؛ لأنه لا تثبت حقيقة الإيمان، بل حقيقة كلمة التوحيد إلا بها، فالمؤمن لا يقول في إثبات إسلامه وإيمانه: "الله إلهي"، بل يقول -ولا بد أن يقول-: "لا إله إلا الله"، وبدونها لا يثبت إسلام الكافر.
فهو لا بد أن ينفي الملل الباطلة كلها ويبطل كل عبادة لغير الله، منه ومن غيره، ويثبت العبادة كلها لله وحده لا شريك له، وقد بين الله -عز وجل- ذلك في كتابه فقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الزخرف:26-28)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغير واحد من السلف: "هي كلمة "لا إله إلا الله" لا يزال في ذريته من يقولها"، فجعل هذه البراءة من كل ما يعبد من دون الله، وهذه الموالاة لله وحده هي حقيقة قول: "لا إله إلا الله".
وأما الآيات التي تنهى المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى -فضلا عن سائر الملل- أولياء فهي أوضح من شمس النهار، تُجَلِّي لكل تالٍ لكتاب الله حقيقة القضية، وخطورة المسألة؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(المائدة:51)، وقال -تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة:4)، وغير ذلك كثير.
فأين هذا كله مما نقلته لنا الصحف -وهي ليست بالناقل العدل-، ونرجو أن يكون ما نقلت -من الكذب والتزييف- عن بعض المشايخ الحاضرين المؤتمرات المسماة بحوار الأديان التي تكلم فيها أهل الكفر بكفرهم صراحة؟!
وقالوا: إنهم يضعون قضية حرية الأديان -ويلزم من ذلك حرية الردة في بلاد الإسلام- على سلم أولوياتهم، وهي من أعظم أسس حضارتهم، وصفق لهم الحاضرون و"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".
فمما نقل من كلام بعضهم أن الأديان لا تختلف في الأصول، وأن جوهرها واحد، وهي إنما تختلف في الفروع، وسكت الحاضرون أو صفقوا!
ومن الحاضرين كفار اليهود والنصارى، ومنهم البوذيون والهندوس والسيخ، وملل شركية أخرى من أنحاء العالم!
فهل يرى هذا المتكلم والساكتون معه أن توحيد الله لا يختلف في الجوهر والأصل عن عبادة البقر؟!
وأن ادعاء الصاحبة والولد لله -عز وجل- لا يختلف عن عقيدة المسلمين أن الله أحد "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" إلا في المعنى الفرعي؟!
وأن تكذيب النبي وتكذيب القرآن لا يختلف عن تصديقه واتباعه في الجوهر والحقيقة؟!!
يتعجب الإنسان من تقليب الله للقلوب حتى تعمى إلى هذا الحد -لو صح نقل الصحف-، وللأسف لم نقرأ أو نسمع تكذيباً لما نشر إلى الآن.
وإني والله أرى أن من قال هذا الكلام أو صفق له أو سكت عنه مظهرا الموافقة، ومطالباً حين يُعطـَى الكلمة بالاتفاق على إستراتيجية لمحاربة الإرهاب -والمعنى عند الجميع معلوم-، كل هؤلاء يحتاجون إلى مراجعة إيمانهم بالقرآن العظيم، وبقوله -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران:85)، وقوله -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)(النساء:140).
بل مراجعة شهادتهم: "أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" فإن هذه الشهادة قد ذبحت في هذه الكلمات قرباناً لطواغيت الزمان؛ الذين يريدون محو الهوية الإسلامية، وتفرد الإسلام دون غيره بوصف الهدى والدين الحق.
ونوجه لهم كلمة -أخيرة-:
هَلاَّ قلتم لغير المسلمين -كما تحبون أن تستعملوا هذا اللفظ بدلاً من لفظ الكفار-، هَلاَّ قلتم لهم ما أمركم الله أن تقولوا في محاورتهم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(آل عمران:64)؟!
هَلاَّ قلتم لهم كلمة جميع الرسل: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف:59)؟!
هَلاَّ قلتم لهم ما أمركم الله أن تقولوا تبعاً لنبيه إن كنتم تعتقدون لزوم اتباعه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)(المائدة:77).
وهَلاَّ قلتم لهم متأسين بالأسوة الحسنة في إبراهيم -عليه السلام- والذين معه: (إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة:4).
فهذا هو الذي أمر الله به من مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن. أم ترون هذا لا يتناسب مع دبلوماسية العصر الحديث و"إيتكيت" المؤتمرات العالمية، وموازين القوى الدولية في العصر الحديث؟!
اللهم إنا نبرأ إليك من كل دين يخالف دينك.
ونبرأ إليك من كل قول يصحِّح ملةً غيرَ ملة الإسلام التي بعثتَ بها نبيك ، ومِنْ قائله كذلك، ومَنْ رضي بذلك، وسكت عنه، وهو قادر على البيان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
حرص النبي - في حجته على مخالفة المشركين، والتأكيد على البراء منهم في مواقف عديدة، منها:
ما تتضمنه التلبية من نفي الشريك عن الله -عز وجل-: "لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك". ومخالفة المشركين الذين كانوا يزيدون فيها: "إلا شريكا هو لك ملكته وما ملك".
ومنها، الاعتمار في أشهر الحج؛ مخالفة للمشركين الذين كانوا يرون من أفجر الفجور الاعتمار في أشهر الحج، فاعتمر النبي عُمَرَهُ الأربع في ذي القعدة، وأمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي بفسخ حجهم إلى عمرة.
ومنها، مشروعية الرمل والاضطباع؛ الذي شرع أصلا لإغاظة المشركين، وإظهار القوة أمامهم، ثم بقي الأمران مشروعان بعد أن نفى الله الشرك وأهله؛ ليستحضر كل مسلم وهو يفعلهما نية إغاظة الكفار وإظهار القوة أمامهم، لا الضعف والهوان والتبعية لهم.
ومنها، قراءة سورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وسورة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في ركعتي الطواف، والسورة الأولى سماها رسول الله براءة من الشرك، وفيها خطاب الكفار بوصف الكفر، وإظهار المفارقة التامة لهم لا المساواة بين الأديان.
وخاتمتها إبطالٌ لوحدة الأديان -كما يزعم المنافقون- بقوله -تعالى- آمرا نبيه أن يقولها لكل أصحاب الملل: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)(الكافرون:6)، على البراءة منهم لا على الإقرار بشركهم، ومللهم الكافرة.
وسورة الإخلاص براءة خاصة من كفار أهل الكتاب -اليهود والنصارى- الذين قالوا باتخاذ الله ولدا (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(التوبة:30).
ومنها، ترك النبي الوقوف بمزدلفة في طريقه إلى عرفة؛ مخالفة لأهل الجاهلية من قريش حيث كانوا يقفون بمزدلفة بدلاً من عرفة ويقولون: "نحن أهل حرم الله فلا نخرج منه"، فتجاوزها النبي حتى وصل عرفة، ووقف بها امتثالاً لأمر الله -تعالى-: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ)(البقرة:199)، أي من عرفة، لا من مزدلفة كما كانت قريش تفعله في الجاهلية.
ومنها، خطبته العظيمة بعرفة، وقد هدم فيها الجاهلية كلها ووضعها تحت قدميه حيث قال فيها: (أَلاَ كُلُّ شَيءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِى سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) رواه مسلم.
ومنها، دفعه من مزدلفة قبل شروق الشمس؛ مخالفة للمشركين الذين كانوا يدفعون بعد ما تطلع الشمس من يوم النحر قائلين أشْرِقْ ثـَبِيرُ-وهو جبل بمزدلفة- كيْما نـُغيرُ -أي ندفع إلى منى-.
ومنها، نزوله بالمحصب بعد أيام منى حيث تقاسم أهل الكفر على كفرهم، واتفقوا على حصار بني هاشم، فنزل به النبي إظهارا للإسلام في مكان أظهروا فيه يوما أعمال الكفر.
ولو تتبعنا المواقف والأقوال والأفعال لوصلنا إلى أكثر من ذلك في تأكيد هذا المعنى، وهو معنى البراء والمخالفة للشرك وأهله في هذه العبارة العظيمة التي هي في أصل مشروعيتها فارقة لأهل الإسلام عن أهل الكفر من اليهود والنصارى الدين زعموا متابعة إبراهيم وأنهم مسلمون لله، وأرادوا أن يحجوا إلى البيت الذي بناه إبراهيم فأنزل الله في ذلك: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران:97).
وهذه القضية من أعظم القضايا رسوخا في نفس المؤمن، ومن أعظمها بيانا في القرآن والسنة؛ لأنه لا تثبت حقيقة الإيمان، بل حقيقة كلمة التوحيد إلا بها، فالمؤمن لا يقول في إثبات إسلامه وإيمانه: "الله إلهي"، بل يقول -ولا بد أن يقول-: "لا إله إلا الله"، وبدونها لا يثبت إسلام الكافر.
فهو لا بد أن ينفي الملل الباطلة كلها ويبطل كل عبادة لغير الله، منه ومن غيره، ويثبت العبادة كلها لله وحده لا شريك له، وقد بين الله -عز وجل- ذلك في كتابه فقال: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ . إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ . وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الزخرف:26-28)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغير واحد من السلف: "هي كلمة "لا إله إلا الله" لا يزال في ذريته من يقولها"، فجعل هذه البراءة من كل ما يعبد من دون الله، وهذه الموالاة لله وحده هي حقيقة قول: "لا إله إلا الله".
وأما الآيات التي تنهى المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى -فضلا عن سائر الملل- أولياء فهي أوضح من شمس النهار، تُجَلِّي لكل تالٍ لكتاب الله حقيقة القضية، وخطورة المسألة؛ قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(المائدة:51)، وقال -تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة:4)، وغير ذلك كثير.
فأين هذا كله مما نقلته لنا الصحف -وهي ليست بالناقل العدل-، ونرجو أن يكون ما نقلت -من الكذب والتزييف- عن بعض المشايخ الحاضرين المؤتمرات المسماة بحوار الأديان التي تكلم فيها أهل الكفر بكفرهم صراحة؟!
وقالوا: إنهم يضعون قضية حرية الأديان -ويلزم من ذلك حرية الردة في بلاد الإسلام- على سلم أولوياتهم، وهي من أعظم أسس حضارتهم، وصفق لهم الحاضرون و"إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ".
فمما نقل من كلام بعضهم أن الأديان لا تختلف في الأصول، وأن جوهرها واحد، وهي إنما تختلف في الفروع، وسكت الحاضرون أو صفقوا!
ومن الحاضرين كفار اليهود والنصارى، ومنهم البوذيون والهندوس والسيخ، وملل شركية أخرى من أنحاء العالم!
فهل يرى هذا المتكلم والساكتون معه أن توحيد الله لا يختلف في الجوهر والأصل عن عبادة البقر؟!
وأن ادعاء الصاحبة والولد لله -عز وجل- لا يختلف عن عقيدة المسلمين أن الله أحد "لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ" إلا في المعنى الفرعي؟!
وأن تكذيب النبي وتكذيب القرآن لا يختلف عن تصديقه واتباعه في الجوهر والحقيقة؟!!
يتعجب الإنسان من تقليب الله للقلوب حتى تعمى إلى هذا الحد -لو صح نقل الصحف-، وللأسف لم نقرأ أو نسمع تكذيباً لما نشر إلى الآن.
وإني والله أرى أن من قال هذا الكلام أو صفق له أو سكت عنه مظهرا الموافقة، ومطالباً حين يُعطـَى الكلمة بالاتفاق على إستراتيجية لمحاربة الإرهاب -والمعنى عند الجميع معلوم-، كل هؤلاء يحتاجون إلى مراجعة إيمانهم بالقرآن العظيم، وبقوله -تعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(آل عمران:85)، وقوله -تعالى-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا)(النساء:140).
بل مراجعة شهادتهم: "أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" فإن هذه الشهادة قد ذبحت في هذه الكلمات قرباناً لطواغيت الزمان؛ الذين يريدون محو الهوية الإسلامية، وتفرد الإسلام دون غيره بوصف الهدى والدين الحق.
ونوجه لهم كلمة -أخيرة-:
هَلاَّ قلتم لغير المسلمين -كما تحبون أن تستعملوا هذا اللفظ بدلاً من لفظ الكفار-، هَلاَّ قلتم لهم ما أمركم الله أن تقولوا في محاورتهم: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(آل عمران:64)؟!
هَلاَّ قلتم لهم كلمة جميع الرسل: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)(الأعراف:59)؟!
هَلاَّ قلتم لهم ما أمركم الله أن تقولوا تبعاً لنبيه إن كنتم تعتقدون لزوم اتباعه: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ)(المائدة:77).
وهَلاَّ قلتم لهم متأسين بالأسوة الحسنة في إبراهيم -عليه السلام- والذين معه: (إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة:4).
فهذا هو الذي أمر الله به من مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن. أم ترون هذا لا يتناسب مع دبلوماسية العصر الحديث و"إيتكيت" المؤتمرات العالمية، وموازين القوى الدولية في العصر الحديث؟!
اللهم إنا نبرأ إليك من كل دين يخالف دينك.
ونبرأ إليك من كل قول يصحِّح ملةً غيرَ ملة الإسلام التي بعثتَ بها نبيك ، ومِنْ قائله كذلك، ومَنْ رضي بذلك، وسكت عنه، وهو قادر على البيان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
من موقع صوت السلف
تعليق