العرش
يقول الله "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" طه 5
ويقول "إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش" الأعراف 54
وفي اللغة هو سرير الملك وهو ذو قوائم
قال الله "إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم " النمل 23"
ومنه قوله تعالى "وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات"
أي جنات على ساق كالنخل وجنات بلا ساق كالبطيخ وغيره
( تنبيه منهم من يعكس الأمر ويجعل المعروشات هي المنبسطة على الأرض..)
اما انه ذو قوائم : ف عن أبي سعيد رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" بخاري
(ثم إستوى على العرش) :أي قصد وعلى وارتفع واستقر.... هذا المأثور من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
قال الله " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين" المؤمنون 28
ويقول جل جلاله " وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين " هود 44
أي أرست واستقرت على جبل الجودي قيل في ناحية الكوفة او الجزيرة
وقال ربنا "....ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار..." الفتح 29
أي إستقام على أعواده والأعواد جمع عود...
قال ابن كثير " فللناس في هذا المقام- أي الإستواء- مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا
وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف- السؤال عن الكيفية- ولا تشبيه- طلبا للمماثلة بين الخالق والمخلوق- ولا تعطيل- بتحريف النص الصريح الى معنى مغاير-
والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله لا يشبهه شيء من خلقه و " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الايات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى"
- جاء رجل الى مالك بن انس فقال يا ابا عبد الله "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى قال فما رايت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرخضاء يعني العرق واطرق القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فيه قال فسري عن مالك فقال الكيف غير معقول والإستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه واني اخاف ان تكون ضالا وأمر به فاخرج. ( اثبات العلو 119)
في رواية: الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة
ومن شعرعبدالله بن رواحة رضي الله عنه: شهدت بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة كرام
ملائكة الإله مسومينا
قال ابن عبد البر في الاستيعاب رويناه من وجوه صحاح
صفة العرش:.
قال الله "فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم "التوبة 129
فهو موصوف بالعظمة
قال الله "فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم" 116المؤمنون
قال القرطبي " ليس في القرآن غيرها"
قال الشوكاني" ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه أو باعتبار من استوى عليه
كما يقال بيت كريم : إذا كان ساكنوه كراما
قرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل وأبان بن ثعلب { الكريم } بالرفع على أنه نعت لرب وقرأ الباقون بالجر على أنه نعت للعرش" فيض القدير
قال البغوي: يعني السرير الحسن
وقيل : المرتفع
وقال صلى الله عليه وسلم "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" الصحيحة 109
قال الألباني"لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث وأنه أعظم المخلوقات بعد العرش وأنه جرم قائم بنفسه وليس شيئا معنويا.."
قلت ونجد هذا بينا في قوله تعالى" وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم " البقرة 255
فإذا وسع الكرسي السماوات والأرض فما بالك بالعرش؟؟
وإذا وسع العرش الكرسي والسماوات والأرض فما بالك بخالقهما؟؟
فعلى هذا ينبغي على الواحد منا ان يستصغر نفسه عند عظم من يعصي
ولذلك قال بعض السلف" لا تنظر الى صغر المعصية ولكن انظر الى عظم من عصيت!!"
ذكر عدد الملائكة الذين يحملون العرش وشيء من صفاتهم:.
قال رب العالمين "وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين" الزمر 75
ويقول " وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" الحاقة 16-17
واهية : ضعيفة
أرجائها: أي نواحي السماء الضعيفة المنشقة وهو تصوير بليغ لمن عقل
ويقول جل في علاه "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم يؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "غافر : 7
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" ابوداود وصححه الألباني
أين العرش؟
قال صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة) بخاري
والفرودس هو البستان الذي يجمع ما في البساتين من شجر وزهر ونبات
قال المباركفوري "(أعلى الجنة وأوسطها ) أي أعدلها وأفضلها وأوسعها وخيرها ذكره السيوطي
قال الطيبي النكتة في الجمع بين الأعلى والأوسط أنه أراد باحدهما الحسي وبالاخر المعنوي
فإن وسط الشيء أفضله وخياره وإنما كان كذلك لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية محفوظة
وقال بن حبان المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية..."
تحفة الأحوذي
فالعرش هو سقف المخلوقات لأن الجنة في السماء كما جاء في أحاديث الأسراء والمعراج منها قوله صلى الله عليه وسلم" ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا ؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد بعث إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذان يا جبريل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك..." بخاري
والنبق :معروف وهو ثمر السدر
قلال: قلال هجر قال الخطابي القلال بالكسر جمع قلة بالضم هي الجرار يريد ان ثمرها في الكبر مثل القلال...
عن مسروق قال سألنا عبدالله ( هو ابن مسعود ) عن هذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } آل عمران 169 قال أما إنا سألنا عن ذلك فقال ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل...." مسلم
هل الله محتاج الى العرش؟
جميع المخلوقات هي المحتاجة لخالقها اشد الحاجة بما في ذلك العرش وحملته
فالله غني عنها والله مستو على عرشه بقدرته وقوته لحكمته
وما يقرب ما أريده هنا قول
أبو سعيد الدارمي" إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق ولم يحتمله العرش عظما ولا قوة ولا حملة العرش احتملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم ولكنهم حملوه بقدرته ومشيئته وإرادته وتأييده لولا ذلك ما أطاقوا حمله وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته لولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات والأرض ولا من فيهن ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات السبع والأرضين السبع" نقض الدارمي (1-458)
إهتزاز العرش لموت سعد رضي الله عنه...
3592- روى البخاري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه
: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( اهتز العرش لموت سعد بن معاذ )
وعن الأعمش حدثنا أبو صالح عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله . فقال رجل لجابر فإن البراء يقول ( اهتز السرير ) - يريد أن يؤول العرش بالسرير؛ لأن العرش يطلق عليه سرير- فقال إنه كان بين هذين الحيين ضغائن سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ )
وذكر الدكتور جمال بشير بادي في الآثار الواردة عن أئمة السنة في أبواب الإعتقاد من سير أعلام النبلاء 296
(170-69) قال الذهبي "
" ابن سعد: أنبأنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا.
قال: إنما يعني السرير.
وقرأ [ ورفع أبويه على العرش ] [ يوسف: 100 ] قال: إنما تفسحت أعواده.
قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره، فاحتبس، فلما خرج، قيل يا رسول الله ! ما حبسك ؟ قال: ضم سعد في القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه"
قلت: تفسيره بالسرير ما أدري أهو من قول ابن عمر، أو من قول مجاهد.
وهذا تأويل لا يفيد.
فقد جاء ثابتا عرش الرحمن وعرش الله، والعرش خلق لله مسخر إذا شاء أن يهتز اهتز بمشيئة الله، وجعل فيه شعورا لحب سعد، كما جعل تعالى شعورا في جبل أحد بحبه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: (يا جبال أوبي معه) [ سبأ: 10 ] وقال (تسبح له السموات السبع والارض) [ الاسراء: 44 ].
ثم عمم فقال: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده).
وهذا حق.
وفي صحيح البخاري قول ابن مسعود: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
وهذا باب واسع سبيله الايمان."
قول آخر...
وفي الاسماء والصفات للبيهقي تحت رقم 844 "
قال أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري رحمه الله : الصحيح من التأويل في هذا أن يقال : الاهتزاز هو الاستبشار والسرور ، يقال : إن فلانا يهتز للمعروف ، أي يستبشر ويسر به ، وذكر ما يدل عليه من الكلام والشعر
قال : وأما العرش فعرش الرحمن على ما جاء في الحديث ، ومعنى ذلك أن حملة العرش الذين يحملونه ويحفون حوله فرحوا بقدوم سعد عليهم ، فأقام العرش مقام من يحمله ويحف به من الملائكة ، كما قال صلى الله عليه وسلم هذا جبل يحبنا ونحبه يريد : أهله كما قال عز وجل : فما بكت عليهم السماء والأرض
يريد : أهلها وقد جاء في الحديث إن الملائكة تستبشر بروح المؤمن ، وإن لكل مؤمن بابا في السماء يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه ، ويعرج فيه روحه إذا مات وكأن حملة العرش من الملائكة فرحوا واستبشروا بقدوم روح سعد عليهم ، لكرامته وطيب رائحته ، وحسن عمل صاحبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اهتز له عرش الرحمن تبارك وتعالى والله أعلم"
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل 1-698-699" وفي معنى اهتزازه قولان أحدهما أنه تحركه كاهتزاز الفرح وهذا الظاهر والثاني أن معنى الإهتزاز الاستبشار والسرور يقال فلان يهتز للمعروف أي يستبشر ويسر وإن فلانا لتأخذه للثناء هزة أي ارتياح وطلاقه قاله ابن قتيبة وقد أنكر قوم أن يكون المراد عرش الله عز وجل وقالوا هو السرير الذي حمل عليه فروى البخاري في هذا الحديث أن رجلا قال لجابر إن البراء يقول اهتز السرير فقال إنه كان بين هذين الحيين ضغائن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ )
ويقصد بالحيين الأوس والخزرج والضغائن كانت بينهم قبل الإسلام وكان سعد من الأوس والبراء من الخزرج وكل منهم لا يقر بفضل صاحبه عليه والضغائن الأحقاد والعداوة ويروى عن ابن عمر أنه قال إن العرش لا يهتز لموت أحد ولكنه سريره حمل عليه فهذان الشخصان - أعني البراء وابن عمر - لاحظا تعظيم العرش فإن الله عز وجل نسبه إليه نسبة الصفات فقال ( ذو العرش ) كما قال ( ذو الرحمة ) الأنعام 133
ولا شك في تعظيمه غير أن المؤمن أعظم وإنما تأول ما ليس بصريح وعرش الرحمن لفظ صريح لا يحتمل التأويل ولو بلغهما هذا اللفظ ما تأولا ثم أي فخر في اهتزاز سرير وكل سرير لميت يهتز عند تجاذب الرجال إياه... "
والراجح من ذلك ما ذكره الذهبي ان شاء الله لقوة دلالة الادلة التي استدل بها والله اعلم
متى خلق العرش؟
قال الله "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا..." هود 7
قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر قال- صلى الله عليه وسلم ( كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض) بخاري
قال الدارمي : "ففي قول الله تعالى وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة ظاهرة أن العرش كان مخلوقا على الماء إذ لا أرض ولا سماء..."
فبناء على هذا يمكن القول بأن العرش والماء أوائل المخلوقات
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
يقول الله "الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" طه 5
ويقول "إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش" الأعراف 54
وفي اللغة هو سرير الملك وهو ذو قوائم
قال الله "إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم " النمل 23"
ومنه قوله تعالى "وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات"
أي جنات على ساق كالنخل وجنات بلا ساق كالبطيخ وغيره
( تنبيه منهم من يعكس الأمر ويجعل المعروشات هي المنبسطة على الأرض..)
اما انه ذو قوائم : ف عن أبي سعيد رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فإذا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور" بخاري
(ثم إستوى على العرش) :أي قصد وعلى وارتفع واستقر.... هذا المأثور من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم
قال الله " فإذا استويت أنت ومن معك على الفلك فقل الحمد لله الذي نجانا من القوم الظالمين" المؤمنون 28
ويقول جل جلاله " وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين " هود 44
أي أرست واستقرت على جبل الجودي قيل في ناحية الكوفة او الجزيرة
وقال ربنا "....ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار..." الفتح 29
أي إستقام على أعواده والأعواد جمع عود...
قال ابن كثير " فللناس في هذا المقام- أي الإستواء- مقالات كثيرة جدا ليس هذا موضع بسطها وإنما نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح مالك والأوزاعي والثوري والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق بن راهويه وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا
وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف- السؤال عن الكيفية- ولا تشبيه- طلبا للمماثلة بين الخالق والمخلوق- ولا تعطيل- بتحريف النص الصريح الى معنى مغاير-
والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله لا يشبهه شيء من خلقه و " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير "
بل الأمر كما قال الأئمة منهم نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري قال من شبه الله بخلقه كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الايات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال الله ونفى عن الله تعالى النقائص فقد سلك سبيل الهدى"
- جاء رجل الى مالك بن انس فقال يا ابا عبد الله "الرحمن على العرش استوى" كيف استوى قال فما رايت مالكا وجد من شيء كموجدته من مقالته وعلاه الرخضاء يعني العرق واطرق القوم وجعلوا ينتظرون ما يأتي منه فيه قال فسري عن مالك فقال الكيف غير معقول والإستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعه واني اخاف ان تكون ضالا وأمر به فاخرج. ( اثبات العلو 119)
في رواية: الإستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة
ومن شعرعبدالله بن رواحة رضي الله عنه: شهدت بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف وفوق العرش رب العالمينا
وتحمله ملائكة كرام
ملائكة الإله مسومينا
قال ابن عبد البر في الاستيعاب رويناه من وجوه صحاح
صفة العرش:.
قال الله "فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم "التوبة 129
فهو موصوف بالعظمة
قال الله "فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم" 116المؤمنون
قال القرطبي " ليس في القرآن غيرها"
قال الشوكاني" ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه أو باعتبار من استوى عليه
كما يقال بيت كريم : إذا كان ساكنوه كراما
قرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل وأبان بن ثعلب { الكريم } بالرفع على أنه نعت لرب وقرأ الباقون بالجر على أنه نعت للعرش" فيض القدير
قال البغوي: يعني السرير الحسن
وقيل : المرتفع
وقال صلى الله عليه وسلم "ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة" الصحيحة 109
قال الألباني"لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث وأنه أعظم المخلوقات بعد العرش وأنه جرم قائم بنفسه وليس شيئا معنويا.."
قلت ونجد هذا بينا في قوله تعالى" وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم " البقرة 255
فإذا وسع الكرسي السماوات والأرض فما بالك بالعرش؟؟
وإذا وسع العرش الكرسي والسماوات والأرض فما بالك بخالقهما؟؟
فعلى هذا ينبغي على الواحد منا ان يستصغر نفسه عند عظم من يعصي
ولذلك قال بعض السلف" لا تنظر الى صغر المعصية ولكن انظر الى عظم من عصيت!!"
ذكر عدد الملائكة الذين يحملون العرش وشيء من صفاتهم:.
قال رب العالمين "وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين" الزمر 75
ويقول " وانشقت السماء فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية" الحاقة 16-17
واهية : ضعيفة
أرجائها: أي نواحي السماء الضعيفة المنشقة وهو تصوير بليغ لمن عقل
ويقول جل في علاه "الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم يؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم "غافر : 7
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام" ابوداود وصححه الألباني
أين العرش؟
قال صلى الله عليه وسلم ( إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله كل درجتين ما بينهما كما بين السماء والأرض فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة) بخاري
والفرودس هو البستان الذي يجمع ما في البساتين من شجر وزهر ونبات
قال المباركفوري "(أعلى الجنة وأوسطها ) أي أعدلها وأفضلها وأوسعها وخيرها ذكره السيوطي
قال الطيبي النكتة في الجمع بين الأعلى والأوسط أنه أراد باحدهما الحسي وبالاخر المعنوي
فإن وسط الشيء أفضله وخياره وإنما كان كذلك لأن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوساط محمية محفوظة
وقال بن حبان المراد بالأوسط السعة وبالأعلى الفوقية..."
تحفة الأحوذي
فالعرش هو سقف المخلوقات لأن الجنة في السماء كما جاء في أحاديث الأسراء والمعراج منها قوله صلى الله عليه وسلم" ثم صعد بي إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل قيل من هذا ؟ قال جبريل قيل ومن معك ؟ قال محمد قيل وقد بعث إليه قال نعم قال مرحبا به فنعم المجيء جاء فلما خلصت فإذا إبراهيم قال هذا أبوك فسلم عليه قال فسلمت عليه فرد السلام قال مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح ثم رفعت لي سدرة المنتهى فإذا نبقها مثل قلال هجر وإذا ورقها مثل آذان الفيلة قال هذه سدرة المنتهى وإذا أربعة أنهار نهران باطنان ونهران ظاهران فقلت ما هذان يا جبريل ؟ قال أما الباطنان فنهران في الجنة وأما الظاهران فالنيل والفرات ثم رفع لي البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك..." بخاري
والنبق :معروف وهو ثمر السدر
قلال: قلال هجر قال الخطابي القلال بالكسر جمع قلة بالضم هي الجرار يريد ان ثمرها في الكبر مثل القلال...
عن مسروق قال سألنا عبدالله ( هو ابن مسعود ) عن هذه الآية { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } آل عمران 169 قال أما إنا سألنا عن ذلك فقال ( أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل...." مسلم
هل الله محتاج الى العرش؟
جميع المخلوقات هي المحتاجة لخالقها اشد الحاجة بما في ذلك العرش وحملته
فالله غني عنها والله مستو على عرشه بقدرته وقوته لحكمته
وما يقرب ما أريده هنا قول
أبو سعيد الدارمي" إن الله أعظم من كل شيء وأكبر من كل خلق ولم يحتمله العرش عظما ولا قوة ولا حملة العرش احتملوه بقوتهم ولا استقلوا بعرشه بشدة أسرهم ولكنهم حملوه بقدرته ومشيئته وإرادته وتأييده لولا ذلك ما أطاقوا حمله وقد بلغنا أنهم حين حملوا العرش وفوقه الجبار في عزته وبهائه ضعفوا عن حمله واستكانوا وجثوا على ركبهم حتى لقنوا لا حول ولا قوة إلا بالله فاستقلوا به بقدرة الله وإرادته لولا ذلك ما استقل به العرش ولا الحملة ولا السموات والأرض ولا من فيهن ولو قد شاء لاستقر على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ولطف ربوبيته فكيف على عرش عظيم أكبر من السموات السبع والأرضين السبع" نقض الدارمي (1-458)
إهتزاز العرش لموت سعد رضي الله عنه...
3592- روى البخاري عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر رضي الله عنه
: سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( اهتز العرش لموت سعد بن معاذ )
وعن الأعمش حدثنا أبو صالح عن جابر عن النبي صلى الله عليه و سلم مثله . فقال رجل لجابر فإن البراء يقول ( اهتز السرير ) - يريد أن يؤول العرش بالسرير؛ لأن العرش يطلق عليه سرير- فقال إنه كان بين هذين الحيين ضغائن سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ )
وذكر الدكتور جمال بشير بادي في الآثار الواردة عن أئمة السنة في أبواب الإعتقاد من سير أعلام النبلاء 296
(170-69) قال الذهبي "
" ابن سعد: أنبأنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: اهتز العرش لحب لقاء الله سعدا.
قال: إنما يعني السرير.
وقرأ [ ورفع أبويه على العرش ] [ يوسف: 100 ] قال: إنما تفسحت أعواده.
قال: ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبره، فاحتبس، فلما خرج، قيل يا رسول الله ! ما حبسك ؟ قال: ضم سعد في القبر ضمة، فدعوت الله أن يكشف عنه"
قلت: تفسيره بالسرير ما أدري أهو من قول ابن عمر، أو من قول مجاهد.
وهذا تأويل لا يفيد.
فقد جاء ثابتا عرش الرحمن وعرش الله، والعرش خلق لله مسخر إذا شاء أن يهتز اهتز بمشيئة الله، وجعل فيه شعورا لحب سعد، كما جعل تعالى شعورا في جبل أحد بحبه النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى: (يا جبال أوبي معه) [ سبأ: 10 ] وقال (تسبح له السموات السبع والارض) [ الاسراء: 44 ].
ثم عمم فقال: (وإن من شئ إلا يسبح بحمده).
وهذا حق.
وفي صحيح البخاري قول ابن مسعود: كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
وهذا باب واسع سبيله الايمان."
قول آخر...
وفي الاسماء والصفات للبيهقي تحت رقم 844 "
قال أبو الحسن علي بن محمد بن مهدي الطبري رحمه الله : الصحيح من التأويل في هذا أن يقال : الاهتزاز هو الاستبشار والسرور ، يقال : إن فلانا يهتز للمعروف ، أي يستبشر ويسر به ، وذكر ما يدل عليه من الكلام والشعر
قال : وأما العرش فعرش الرحمن على ما جاء في الحديث ، ومعنى ذلك أن حملة العرش الذين يحملونه ويحفون حوله فرحوا بقدوم سعد عليهم ، فأقام العرش مقام من يحمله ويحف به من الملائكة ، كما قال صلى الله عليه وسلم هذا جبل يحبنا ونحبه يريد : أهله كما قال عز وجل : فما بكت عليهم السماء والأرض
يريد : أهلها وقد جاء في الحديث إن الملائكة تستبشر بروح المؤمن ، وإن لكل مؤمن بابا في السماء يصعد فيه عمله ، وينزل منه رزقه ، ويعرج فيه روحه إذا مات وكأن حملة العرش من الملائكة فرحوا واستبشروا بقدوم روح سعد عليهم ، لكرامته وطيب رائحته ، وحسن عمل صاحبه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اهتز له عرش الرحمن تبارك وتعالى والله أعلم"
وقال ابن الجوزي في كشف المشكل 1-698-699" وفي معنى اهتزازه قولان أحدهما أنه تحركه كاهتزاز الفرح وهذا الظاهر والثاني أن معنى الإهتزاز الاستبشار والسرور يقال فلان يهتز للمعروف أي يستبشر ويسر وإن فلانا لتأخذه للثناء هزة أي ارتياح وطلاقه قاله ابن قتيبة وقد أنكر قوم أن يكون المراد عرش الله عز وجل وقالوا هو السرير الذي حمل عليه فروى البخاري في هذا الحديث أن رجلا قال لجابر إن البراء يقول اهتز السرير فقال إنه كان بين هذين الحيين ضغائن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ )
ويقصد بالحيين الأوس والخزرج والضغائن كانت بينهم قبل الإسلام وكان سعد من الأوس والبراء من الخزرج وكل منهم لا يقر بفضل صاحبه عليه والضغائن الأحقاد والعداوة ويروى عن ابن عمر أنه قال إن العرش لا يهتز لموت أحد ولكنه سريره حمل عليه فهذان الشخصان - أعني البراء وابن عمر - لاحظا تعظيم العرش فإن الله عز وجل نسبه إليه نسبة الصفات فقال ( ذو العرش ) كما قال ( ذو الرحمة ) الأنعام 133
ولا شك في تعظيمه غير أن المؤمن أعظم وإنما تأول ما ليس بصريح وعرش الرحمن لفظ صريح لا يحتمل التأويل ولو بلغهما هذا اللفظ ما تأولا ثم أي فخر في اهتزاز سرير وكل سرير لميت يهتز عند تجاذب الرجال إياه... "
والراجح من ذلك ما ذكره الذهبي ان شاء الله لقوة دلالة الادلة التي استدل بها والله اعلم
متى خلق العرش؟
قال الله "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا..." هود 7
قالوا جئناك نسألك عن هذا الأمر قال- صلى الله عليه وسلم ( كان الله ولم يكن شيء غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء وخلق السماوات والأرض) بخاري
قال الدارمي : "ففي قول الله تعالى وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم دلالة ظاهرة أن العرش كان مخلوقا على الماء إذ لا أرض ولا سماء..."
فبناء على هذا يمكن القول بأن العرش والماء أوائل المخلوقات
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات